تقارير

مشروع “ذا لاين”… ما هي غاية بن سلمان من الترويج لمشاريعه الخيالية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

ما أن اعلن ولي العهد السعودي عن مشروعه الخيالي “ذا لاين” حتى تلقفته الوسائل الإعلامية السعودية لتجعل منه مشروع الاحلام الذي ينتظره السعوديين بفارغ الصبر، وأن هذا المشروع سيدعم الخزينة بالمليارات، ويوفر فرص العمل للآلاف، وسيدخلون من خلاله عصر الفضاء والخيال العلمي.

كل هذا تم استيحائه من الإعلان الذي قام به بن سلمان، عن مدينته الذكية الجديدة، والتي ستكون خالية من الانبعاثات الكربونية، وليس فيها ضوضاء أو تلوث، ولا يتم فيها استخدام المركبات ولا الشوارع، وكأنه يريد أن يقول لنا، بإن هذه المدينة الخيالية، هي الحل الأمثل لمشكلة الازدحام التي تعانيها مُدن السعودية!! والحل الأمثل للتلوث الحاصل بالمملكة!! والحقيقة إن هذا أمر عجيب، فالجميع يعلم أن المملكة ليست من البلدان المكتظة سكانيًا، ولا تعاني التلوث الذي أشار إليه محمد بن سلمان في إعلانه عن هذه المدينة الصديقة للبيئة، ولا المملكة صغيرة بحيث تحتاج أن تحشر مليون انسان في شريط عمراني طوله 170 كم.

بيع الأحلام مهنة العاجزين

وعلى ما يبدو إن بن سلمان وفي خضم الرفض الذي يعاني منه شعبيًا، والتجاهل الذي يحيط به دوليًا، يرى أن عليه أن يقوم بفعاليات فيها بهرجة إعلامية، ويطلق فقاعة إعلامية كبيرة، يحاول من خلالها التخلص من الضغط الذي بات يهدد مستقبله كزعيم أوحد للملكة. فتراه يظهر علينا في كل حين بمشروعٍ خرافي كهذا المشروع، يستقطب الأضواء، وبطريقة لا تختلف كثيرًا عن الطريقة التي يقوم بها رؤساء الشركات الكبرى، حينما يعلنون عن منتجاتهم الجديدة. ولا يعلم بن سلمان بأن شتان ما بين قيادة دولة بحجم السعودية وعمقها العربي والإسلامي، وبين قيادة شركة من شركات وادي السليكون الأمريكية، ويظن أن الاستمرار في بيع الأوهام والاحلام الخيالية، ستبقيه على قمة هرم السلطة في المملكة.

بدلًا من أن يستثمر بالبشر ذهب ليستثمر بالحجر

وفي معرض تسويقه لمشروعه الجديد، قال بن سلمان بأن هذه المدينة “الذكية” التي تعتمد بشكل كبير على الروبوت وتحافظ على البيئة وربط المجتمعات افتراضيًّا، تصِل كلفتها إلى 200 مليار دولار، ومن المؤكد إن انشاء هذه المدينة سيكون على أيدي شركات أجنبية كما هو مفترض، تمتلك القدر الكبير من التكنلوجيا والحلول الذكية للمشاكل العلمية، ففي هذا الموضوع نشر الإعلام السعودي، بأنه تم توقيع عدد من المشروعات الضخمة، مثل عقد الشراكة الأضخم من نوعه مع “إير بروداكتس” و”أكوا باور” بقيمة تتجاوز 18 مليار ريال، لبناء منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ومنح عقدين لشركتي “إيكوم” و”بكتل” لتصميم وإدارة أحد أكبر مشاريع البنية التحتية عالمياً. ولكن السؤال، ما قيمة أن تكون لديك مدينة ذكية دون أن يكون لك كفاءات وطنية ذكية أيضًا؟ قادرة على التعامل مع هذه التقنيات وقادرة على ابتكار مشاريع مثلها؟ أليس من الاجدر قبل الاستثمار في هذه المشاريع، أن يتم الاستثمار بالإنسان السعودي نفسه؟

واعتمد بن سلمان في مشروعه هذا على عامل الابهار والمفاجئة، وهذا بالضبط ما يهدف إليه بن سلمان من المشروع، تأكيد حالة الانبهار التي تعتري كل من يرى تصاميم هذه المدينة، حتى يصُب في صالح الدعاية لنفسه، فهو يقول عن هذه المدينة، بأنها مؤلفة من 3 طبقات، وأنها الأولى من نوعها في العالم، وأنها ستضم سلسلة من المجتمعات العمرانية التي تُدار بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي، وتم تصميمها بعناية فائقة لتتعامل مع التحديات التي تواجه البشرية اليوم! وستضم أكثر من مليون شخص من “جميع أنحاء العالم”، بمعنى إن سكانها ليسوا من السعوديين.

مشروع ذا لاين يثير حفيظة الناشطين والمراقبين

أثار إعلان مشروع “ذا لاين” حفيظة النشطاء والمراقبين نظرًا لتكلفته العالية، وانعدام الجدوى منه، في وقتٍ تمر فيه البلاد بأزمات اقتصادية واجتماعية كبرى. ففي هذا الشأن غرد عضو الهيئة القيادية في حركة “خلاص” حمزة حسين معلقًا على المشروع بالقول: “بدلاً من هالأوهام.. واللعب بالاموال.. انجحوا في تأمين حاجات الناس الأساسية”.

فيما كتب الناشط السياسي عبدالله الغامدي: “هذا المراهق ما زال يحلم ويشاهد افلام كرتون ويريد تطبيقها على الواقع او ان الصنف الذي يستخدمه مستورد من المريخ، ما قول الا يا صبر الأرض على بعض البشر”.

فيما انتقد الناشط مرزوق مشعان مشروع محمد بن سلمان الجديد قائلًا: “يقتل الحويطات وجهينة ويهجّرهم من قراهم، ولم يترك جريمة لم يرتكبها، ويقول الإنسان أولاً”.

وفي الوقت الذي أوقفت السلطات السعودية مشروعًا حيويًا، وهو مشروع توسعة المطار في الرياض، بسبب أزمة فيروس كورونا، تجدهم يعطون الأولوية لمشاريع بن سلمان الخرافية ويُرصد لها مئات المليارات من الدولارات.

كثرة المشاريع الخيالية لأبن سلمان تُفقد السعوديين ثقتهم بمشاريعه الوهمية

وبسبب وعود بن سلمان غير المتحققة، نجد أن معظم أبناء المملكة يجدون صعوبة في الوثوق بمشاريع محمد بن سلمان الوهمية، ومشروع “ذا لاين” واحد من هذه المشاريع الوهمية، فقبل سنوات وعد كبار المستثمرين في العالم بشراكات كبرى ومشاريع للحالمين في مدينة “نيوم” لكن النتائج جاءت عكسية تماما.

ورفض العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي السعوديين هذا المشروع ووصفوه بالمشروع الوهمي، الذي سرعان ما سيلتحق بما سبقه من مشاريع عملاقة أعلن عنها محمد بن سلمان، لكنها ذهبت أدراج الرياح بمرور الوقت. محمد بن سلمان ومنذ وصوله للسلطة، وهو يعد السعوديين، بإطلاق العديد من المشاريع مجالات السياحة والاقتصاد والترفيه، والتي تتسم غالبيتها بالطابع “اللاواقعي وغير المعقول”، سواء من ناحية تكلفتها، أو من ناحية عوائدها المادية، وأعداد الوظائف التي ستوفرها. كما هو الحال بمشروع مدينة “نيوم” الذي اطلقه عام 2017 لتكون مدينة المستقبل باستثمارات تصل لنحو 500 مليار دولار، لكن مع مرور سنوات من اطلاق مشروع نيوم، تعاني المدينة اليوم من صعوبات مالية جمة، ولجأت المملكة بسببها إلى الاستقراض وهي ما زالت في مراحلها الأولى من المشروع، ذلك لأنها اقرب إلى الخيال من الواقع.

وكان الأمير الصغير، قد وعد بمشروع عملاق لاستغلال الطاقة الشمسية لإنتاج 200 غيغاواط وبقيمة إجمالية تصل إلى 200 مليار دولار ومن ثم توزيع الطاقة إلى العالم، وادعى بأن هذا المشروع سيخلق 100 ألف وظيفة، وزيادة للناتج المحلي بما يقدر بـ12 مليار دولار، إضافة إلى توفير ما يقدر بـ 40 مليار دولار سنويا. لكن لم ير المشروع النور، ولا نظن إنه سيرى النور مستقبلًا.

بل أن من اكثر المشاريع المثيرة للسخرية، هو مشروع “قناة سلوى” الذي لا يحمل أدنى درجة من المنطق، وهو مشروع مقترح كان يريد بن سلمان حفر قناة بطول 60 كم، وعلى طول الحدود القطرية السعودية لتتحول قطر إلى جزيرة. الأمر الذي أثار سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي داخل السعودية وخارجها، واعتبره الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، المقرب من السلطات الإماراتية، “شطحة خيال” لا يستحق ذكرها.

أقرب حلفاء بن سلمان يسخر من ومن مشاريعه

وتزامنًا مع اعلان بن سلمان عن مشروعه الخرافي، تناولت صحفية ممولة من الإمارات، مشروع “ذا لاين” بسيل من السخرية من المشروع ومن القائمين عليه، بل والسخرية من شعب المملكة نفسه، فقد نشرت صحيفة “العرب” اللندنية الممولة إماراتيًا، تقريرا هاجم السعودية، شعبًا وقيادة، حينما عنونته بـ (إنشاء المدن الذكية لا يعني أن المجتمعات ذكية) ووضعت خلفية للعنوان صورة جوية لمدينة الرياض.

وذكرت الصحيفة، بأن مشروع مدينة ذا لاين الذي أعلنت عنه السعودية “مدينة الخيال والأحلام والتي تعِد بمستقبل أكثر تحضرا ورقيّا وذكاء، ولكن هل يعني إنشاء مدن عربية ذكية أن سكانها أذكياء بالضرورة؟”.

الأمر الذي سبب غضبًا بين أوساط السعوديين، فسارعت إدارة الصحفية إلى تعديل العنوان والمقدمة عبر موقعها على الإنترنت، وحذفت الإشارات التي تضمنت إهانة لشعب المملكة، والسخرية من مشروع المدينة الذكية. من جانبها، اضطرت الإمارات إلى إعلان براءتها من جريدة “العرب” ونفت علاقتها بها، على لسان مديرة الاتصالات الاستراتيجية في وزارة الخارجية الإماراتية، هند مانع العتيبة، بتغريدة على “تويتر”.

يُذكر أن هذه الصحيفة هي نفسها من اساءت إلى أمير الكويت وشككت في دوره في المصالحة الخليجية، مما جعل وزارة الخارجية الإماراتية ترد بمذكرة رسمية للكويت، عبرت فيها عن رفضها الإساءة لرموز الكويت والإساءة إلى العلاقات بين البلدين، بعد أن عبرت الخارجية الكويتية عن استيائها لما ورد بالصحيفة الإماراتية.

ويعتبر هذا الهجوم من قبل الصحيفة الإماراتية، هو الهجوم الثاني من نوعه على السعودية وقيادتها، فقد هاجمت الصحيفة المملكة قبل أيام، ووصفتها بالدولة الفاشلة والعاجزة عن امتلاك أي استراتيجية سياسية بسبب قبولها المصالحة مع قطر، جاء ذلك في مقال بعنوان (لا المقاطعة استمرت ولا قطر انتصرت!) بقلم مدير تحرير الصحيفة كرم نعمة. في الوقت الذي كشفت مصادر إعلامية في لندن، بأن مقال “نعمة” ما هو إلا بداية لحملة إماراتية موجهة ضد المملكة تديرها المخابرات الإماراتية بسبب اقدام المملكة على المصالحة مع قطر. ويلاحظ على الصحيفة، إنها بدأت في الفترة الأخيرة تنشر مواضيع، تستخف ما تحقق في قمة “العلا” وتشكك بنوايا قطر وتراهن على فشل المصالحة. فهل يعي أخيرًا بن سلمان من هو صديقه من عدوه؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق