تقارير

بن سلمان يطرح اسهم أرامكو للبيع لتمويل مشاريعه الوهمية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تكرر ظهور محمد بن سلمان في الأيام الأخيرة، وفي كل مرة يفاجأ جمهوره بمشروع جديد، أو خطة اقتصادية جديدة، ورغم أن معظم مشاريعه وخططه الاقتصادية مشكوك بأمرها وتندرج ضمن أحلام اليقظة التي يعاني منها، لكن السؤال المهم، ماذا يبتغي محمد بن سلمان من تكثيف ظهوره الإعلامي هذا، ولماذا يطلق العنان لوعوده الاقتصادية ويرسم مستقبلًا ورديًا خادعًا للملكة وابنائها؟ في وقتٍ يُجمع فيه المراقبين على أن ولي العهد السعودي، يمر حاليًا بأصعب أزماته، وهو يستقبل عهد إدارة أمريكية جديدة، يبدو عليها أنه لا تعتزم مسامحته على ما اقترفه طيلة الأربع سنوات الماضية بمشاركة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من أمور أثَّرت على سمعة الولايات المتحدة دوليًا، ودعم بن سلمان خلالها، اليمن المتطرف في الولايات المتحدة، للدرجة التي اقترف ترامب من أعمال قذرة، ما لم يقترفه أي رئيس أمريكي من قبل.

ولأجل ذلك، ذهب عدد من المحللين السياسيين، إلى أن بن سلمان، يحاول من خلال مفاجئتنا كل يوم بمشروع خيالي جديد، أن يُظهر نفسه كرجل دولة مسالم مهتم بالاقتصاد ومنفتح على العالم ومشغول في تطوير بلده، ليس له علاقة بالجرائم التي اقترفها بحق الإنسانية على مدى أربع سنوات سابقة، عسى أن يشفع له ذلك أمام سيد البيت الأبيض الجديد.

بيع أسهم “أرامكو” لتمول مشاريع بن سلمان الخرافية

وفي معرض استعراضه لمشاريعه الاستثمارية الجديدة في المملكة، ولأجل تمويلها، أعلن بن سلمان عن نيته لطرح المزيد من أسهم شركة “أرامكو” لبيعها خلال الفترة القادمة، وأن الأموال الواردة من عملية البيع هذه، سيتم تحويلها لصندوق الاستثمار السعودي، والذي بدوره سيمول مشاريع بن سلمان الخيالية والوهمية التي ينوي المباشرة فيها، وأضاف، أنه “بخلاف المبالغ المجنية من بيع أسهم أرامكو، فإن المشروعات العملاقة التي يدعمها الصندوق في السعودية مثل مشروع البحر الأحمر السياحي ومنطقة الأعمال نيوم البالغة قيمتها 500 مليار دولار، ستدر عوائد مالية اخرى مما يزيد حجم أصول الصندوق”.

لكن بحسبة بسيطة لخطط بن سلمان، يتبين لنا حجم العوز المادي الذي يعاني منه، في تمويله لمشاريعه الخيالية، ويتبين لنا كم هو حجم فشله في استقطاب رأس المالي العالمي لتمويل هذه المشاريع، بعد أن أوهم شعب المملكة بها، وقال إن جميع مشاريعه سيتم تمويلها عبر الاستثمار الأجنبي، وأن المملكة لن تتحمل الأعباء المادية لتنفيذها، لكن تبين بعد ذلك بأن حماسة رأس المال الأجنبي للدخول في مثل هذه المشاريع، لم يكن بالقدر الكافي الذي توقعه بن سلمان وحاشيته.

وما يؤكد نية بن سلمان على بيع أسهم شركة أرامكو، هو ما قاله رئيس صندوق الاستثمارات العامة، الذي أكد إن “أرامكو” تدرس بيع مزيد من الأسهم إذا كانت أوضاع السوق ملائمة. وفور هذا الإعلان، انخفض سعر سهم الشركة ليصل إلى (9.26 دولار). يُذكر أن شركة “أرامكو” النفطية، كانت قد طرحت أواخر 2019 أكبر طرح عام لها، جمعت فيه 25.6 مليار دولار، ثم قامت ببيع مزيدًا من الأسهم لتجمع 29.4 مليار دولار.

خطط خيالية لتطوير مدينة الرياض

وفي ذات الجلسة التي أعلن بن سلمان عن نيته ببيع المزيد من أسهم أرامكو، كشف أيضًا عن خطة تطوير مدينة الرياض، والتي ستسهم حسب رأيه، بتحويل عاصمة المملكة إلى واحدة من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، وانه يهدف لأن يرفع عدد سكان الرياض، من 7.5 مليون نسمة حالياً، إلى ما بين 15 و20 مليون نسمة في 2030. بالإضافة إلى تأسيس أكبر مدينة صناعية في العالم داخل الرياض، وتشجيرها بملايين الأشجار، وأضاف إن سبب تركيزه على مدينة الرياض، هو إن خلق فرص العمل فيها، أقل كلفة من باقي المدن السعودية الأخرى، وأنها حاليًا تدر بما نسبته 50% من واردات المملكة غير النفطية.

واسترسل بن سلمان في بيعه أحلامه الوردية لشعب المملكة، فقال، أنه إلى جانب استراتيجية مدينة الرياض، أطلق مدينة «نيوم» والمدينة الرئيسية بها «ذا لاين»، ويعملون على استراتيجية مدينة مكة المكرمة واستراتيجية المنطقة الشرقية وعسير، من أجل خلق نمو اقتصادي ضخم في السعودية، وخلق صناعة، وسياحة، وتقدم كبير جداً.

وإذا أردنا أن نعرف مدى نجاح مثل تلك الخطط، فأن بن سلمان يريد أن يرفع عدد سكان مدينة الرياض إلى 20 مليون نسمة لغرض خلق طلب عالي على الخدمات والصحة والتعليم وغيرها، وهذا من شأنه خلق عرضٍ مميز. ولا أعرف من أين أتى بهذه النظرية العجيبة، ذلك لأن أكبر مشكلة تواجهها المدن الكبيرة، هي الصعوبات والتحديات في التجاوب مع زيادة أعداد سكانها، وما يرافقها من صعوبات في توفير الخدمات التي يحتاجها أولئك السكان، هذا بالإضافة إلى أن الشعب السعودي وبأعداده الحالية، لا يمكن وبأي حال من الأحوال، أن تستطيع القفز بعدد سكان مدينة مثل الرياض، من 7 ملايين نسمة حاليًا، إلى 20 مليون خلال عشر سنوات فقط، إلا إذا كان يخطط الأمير الصغير بملئها بالأجانب كما هو الحال في معظم دول الخليج.

وفيما يتعلق بتشجير مدينة الرياض بملايين الأشجار، وانشاء عدد كبير من الحدائق العامة الضخمة، لا نعرف كيف سيتم معالجة مشكلة توفير المياه اللازمة لسقي مثل هذه الحدائق الكبيرة والكثيرة في مدينة تعاني بالأصل من مشكلة نقص المياه، ولا تقع المدينة على ضفة نهر من الأنهار، بل أن الرياض وكامل البلد، هي من البلدان الصحراوية التي تعاني غالبًا من مواسم جفاف طويلة، فهل هي أحلامُ يقظة يعاني منها الأمير أم ماذا؟

خطط بن سلمان الخيالية لرفع أصول صندوق الاستثمارات

أما فيما يخص رفع أصول صندوق الاستثمارات العامة من 400 مليار دولار إلى تريليون و100 مليار دولار، وهي المؤسسة التي يستولي عليها بن سلمان ويتحكم بها لإدارة أموال المملكة، فهو يريد أن يحقق هذه القفزة من خلال مصادر عديدة، ذكر منها، الأصول المسجلة في صندوق الاستثمارات العامة وتقييمها الدفتري صفر مثل مشروعات نيوم والبحر الأحمر والقدية، وهو يتوقع أن تزداد قيمتها حينما تُضخ الاستثمارات الأجنبية فيها، وهذا ما يشكك فيه كثير من المراقبين الاقتصاديين (لأنها توقعات خيالية لا تستند على أساس اقتصادي رصين)، والمورد الثاني، طرح أسهم (أرامكو) للبيع، وتحويل أموالها لصندوق الاستثمارات العامة (بمعنى لحساب بن سلمان)، وهنا مربط الفرس، فهو يحاول تصفية الشركة التي يعتمد عليها الاقتصاد السعودي بالمجمل، ويبيع أسهمها لأجل تمويل مشاريعه الوهمية غير المضمونة النجاح، ويريد أن يقنع شعب المملكة، بأن مليارات من الدولارات ستُدرها تلك المشاريع، والحقيقة أن هذه المليارات ليس لها وجود إلا في عقل بن سلمان البعيد عن الواقع.

ويستمر بن سلمان في بيع الأوهام على شعبه، فيقول، أن المورد الثالث سيكون عبر مشاريع الخصخصة، (بمعنى بيع أصول الدولة السعودية من مشاريع ومصانع استراتيجية)، وأنه سيحول تلك الأموال إلى صندوق الاستثمار أيضًا (يعني لحسابه الشخصي)، مع إضافة مورد رابع، وهو أرباح الصندوق المتوقعة مستقبلًا، رغم أننا لم نرى من تلك الأرباح شيء يذكر حتى الآن.

خطط حالمة وغير واقعية سيدفع ثمنها شعب المملكة غاليًا

إن خطط بن سلمان الحالمة وغير الواقعية، لابد لآثارها السلبية من أن تنعكس على اقتصاد المملكة وشعبها حتمًا، ليس مستقبلًا، إنما خلال السنوات القليلة المقبلة، وبسبب هذه المشاريع الواهمة وحماسة بن سلمان الزائدة للإنفاق عليها، ومن دون جهة رقابية أو حسابية تمثل الشعب، فأن الأمور سائرة إلى فاجعة اقتصادية ربما سنشهدها في ظرف سنين قليلة، فالمملكة لا يوجد فيها برلمان منبثق من الشعب حتى يكون رقيب على أداء الحكومة ويحاسب المسؤولين الحكوميين على إنفاقها، وتقييم المشاريع إن كانت مشاريع حقيقية أم وهمية، شعب المملكة ومع الأسف يعيش تحت نظام، يظن فيه بن سلمان نفسه، إنه المتصرف الوحيد في مقاطعة ورِثها عن أبيه، يحق له التحكم بمقدراتها كيفما يشاء، ودون مراعاة لهذا الشعب الذي هو المالك الشرعي لمقدرات المملكة وخيراتها، وهو الأحق في تقرير كيفية تنمية المملكة وكيفية انفاق أموالها.

لقد أغفل بن سلمان وهو يروج لمشاريعه الوهمية، ويرسم مستقبلًا ورديًا لا يستند على أساس حقيقي، أن يتطرق إلى مشاكل المملكة الحقيقية ومشاكل المواطن السعودي، والتي لم يكن لها أي نصيب في خطابات بن سلمان الجديدة، والذي كان يفترض أن تكون تلك المشاكل، هي أولى اهتماماته بحكم منصبه كولي عهد للمملكة، ولا نظن أنه سيتلفت لتلك المشاكل مستقبلًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق