تقارير

أطماع الإمارات وقود تأجيج الحرب الأهلية في السودان لنهب ثرواته

أطماع الإمارات وقود تأجيج الحرب الأهلية في السودان لنهب ثرواته

على مدار أكثر من عام أججت دولة الإمارات الحرب الأهلية في السودان عبر دعم ميليشيات قوات الدعم السريع خدمة لمؤامرات أطماع أبوظبي في كسب النفوذ والتوسع ونهب ثروات البلاد.

وبينما سحقت الحرب الأهلية في السودان الأخضر واليابس ودمرت البنية التحتية وأنشطة الاقتصاد في البلاد فإن الأطماع بثرواتها المعدنية والاستحواذ على الموارد الحيوية تعد أساس مؤامرات أبو ظبي.

ويُنظر إلى السودان باعتباره مصدراً رئيسياً للثروات المعدنية والمعادن النفيسة، مما يجعله محط أنظار العديد من الفاعلين العالميين، سواء كانوا دولاً أو شركات عالمية، تسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية في هذا السياق متسارع الإيقاع.

وأبرز الباحث الإيطالي جوزيبي دينتيتشه، رئيس ديسك الشرق الأوسط بمركز دراسات السياسة الدولية بروما (CeSPI)، أن “الحرب الأهلية في السودان تشكل صفقة كبيرة للغاية بالنسبة للفاعلين الخارجيين من وجهات النظر السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وذلك بالنظر إلى كونها ثالث أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، ولدورها المهم في الأوضاع الأمنية المعقدة في القارة السمراء والشرق الأوسط”.

وقال دينتيتشه، في تصريحات صحفية إن “الصفقة الاقتصادية الهائلة لتلك الحرب تتمثل في أنها تشهد تداخل فاعلين كبار فيها، مثل روسيا والإمارات، من خلال كيانات تمارس أنشطة غير مشروعة، مثل مجموعة فاغنر السابقة، وشركات مقاولات تعمل على وجه الخصوص في مجال استخراج المعادن الثمينة والأراضي النادرة، وهو القطاع الذي يحظى باهتمام بالغ من قبل لاعبين عالميين آخرين، مثل الصين والهند ودول الخليج الأخرى”.

ووفق تقديرات الباحث الإيطالي فإن “الهيمنة على هذه الثروات، التي لم تعد تقتصر فقط على النفط أو الغاز، وامتدت للذهب والكوبالت والنحاس، تشهد سباقاً عالمياً لاستغلالها، وعلى وجه الخصوص الذهب الذي تتميز به البلاد، وذلك في إطار أجنداتها الوطنية التي تهدف إلى تنويع اقتصاداتها، وهو الجانب الذي نراه بقوة في حالة الإمارات والصين”.

وأشار إلى أن “الملمح الاستراتيجي للحرب الأهلية يتمثل في وضع السودان بصفته لاعباً محورياً في توازنات البحر الأحمر، أولاً بالنظر إلى الدور المستقبلي الذي من الممكن أن تلعبه موانئه، وثانياً استخدام الشركات التي تمارس أنشطة غير قانونية، خاصة في عمليات تهريب الذهب، والتي تشهد اهتماماً من قبل الإمارات وروسيا على وجه الخصوص، بالسيطرة على مثل تلك المعادن الاستراتيجية”.

وذكر أن “هذه الحرب بذاتها تشكل على وجه الخصوص عنصراً مهماً يخلق نوعاً ما من السباق نحو الاهتمام بحاضر ومستقبل البلاد، علاوة على كل ما بوسعها منحه أكثر من المصلحة الأولية للسودانيين أنفسهم”.

وبحسب الباحث الإيطالي فإن الخلاصة أن المباراة السودانية بالنسبة للاعبين الخارجيين ستكون عنصراً أساسياً من أجل تحديد ملامح العديد من الاستراتيجيات الأفريقية والإقليمية، وكذا في منطقة الخليج، حيث الإمارات مرشحة للعب دور أساسي في هذه الديناميات.

أما الكاتب والباحث الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز كارلو دي كريستوفوريس للدراسات الاستراتيجية، فقد أكد أن “الحرب الأهلية في السودان تنتمي إلى ذاك النوع من الصراعات الداخلية التي يتعيّن بلورتها في سياق أوسع”.

وأشار غاليانو إلى أنه بالنظر إلى موقعه الجغرافي الاستراتيجي على البحر الأحمر، فقد حرصت دول الخليج على الارتباط بعلاقات تجارية وثيقة مع السودان.

وذكر في تحليل نشرته صحيفة “نوتيتسييه جيوبوليتيكيه” الإلكترونية الإيطالية، تحت عنوان “دور الدول العربية الجائعة للذهب في السودان”، أن “أكبر الدول العربية استثماراً في السودان هي الإمارات من جهة والسعودية من جهة أخرى.

ومنذ عام 2019، دعمت أبوظبي والرياض حكومة السودان، من خلال المساهمة بما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار.

فيما عام 2022 شهد زيادة استثمارات الإمارات إلى ستة مليارات دولار. وكان الغرض الرئيسي من هذا التخصيص الكبير هو تطوير البنى التحتية لميناء أبو عمامة، وللطريق الرابط بينه وبين منطقة أبو حمد الزراعية، بطول 500 كيلومتر تقريباً. أمّا السعودية فقد استثمرت 3 مليارات دولار في قطاع التعدين.

ورأى غاليانو أنه “إذا كانت المحاولات الأميركية والأوروبية للوساطة بين الطرفين المتحاربين في السودان قد عجزت حتى الآن عن إيجاد حل، فإن ذلك يعود إلى الدول العربية ونفوذها الاقتصادي على كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

والشاهد هو أن دولاً خليجية، على وجه التحديد الإمارات، ليست لديها أية نية لإيجاد حل للصراع في القريب العاجل، بالنظر إلى كونها أيضاً في منافسة قوية على استغلال موارد السودان.

وفي تحليل نشره معهد دراسات السياسة الدولية بميلانو (ISPI) بتاريخ 24 إبريل/نيسان، تحت عنوان “السودان: ديناميات صراع ومصالح عالمية وتحديات إنسانية”، ذكر الباحثان الإيطاليان لويجي تونينيللي ولوكا سافيولا أن “قوات الدعم السريع كانت قد بنت، قبل اندلاع الحرب الأهلية، شبكة واسعة لاستخراج الذهب، ومن ثم بيعه في الأسواق الدولية”.

وقد أثرت هذه العملية، التي كانت ثمرة للتعاون بين قوات الدعم السريع والإمارات ومجموعة فاغنر السابقة، الشخصيات السياسية والعسكرية في السودان على مدار سنوات.

وتابع تونينيللي وسافيولا أنه “إذا كانت قوات الدعم السريع وقائدها، الذي بات من أغنى رجال السودان، قد أثروا ومولوا عملياتهم العسكرية عبر تهريب الذهب من المناجم التي يسيطرون عليها إلى الإمارات مقابل الإمداد -الموثق على الرغم من النفي المتواصل- بالسلاح، فإن روسيا استخدمت إيرادات المعدن النفيس في تمويل حربها في أوكرانيا”.

في السياق، ذكر خبير شؤون القرن الأفريقي والباحث في معهد “كلينجينديل” الهولندي للعلاقات الدولية، الإيطالي غويدو لانفرانكي، أن “عمليات استخراج وتجارة الذهب في السودان تلعب، في سياق الحرب الأهلية الراهنة، دوراً حيوياً في تأمين الإيرادات التي تحتاجها الأطراف المتحاربة لتمويل نفقات الحرب (الأسلحة ورواتب الجنود، إلخ) المرتفعة للغاية.

ويمثل الذهب أحد المصادر الرئيسية التي يمكن من خلالها لكل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سداد تلك النفقات، التي يتعين سداد بعضها -الأسلحة على سبيل المثال- بالعملة الأجنبية.

ومنذ بداية الحرب، على سبيل المثال، ووفقاً للخبير الإيطالي، سيطرت قوات الدعم السريع الممولة إماراتيا على منجم جبل عامر في شمال دارفور (أحد أكبر المناجم في البلاد) ومصفاة الخرطوم (التي أودعت فيها كمية كبيرة من الذهب والفضة بقيمة تقديرية تصل إلى 150-200 مليون دولار)، ومنطقة أم دافوق الحدودية بين جنوب دارفور وجمهورية أفريقيا الوسطى حيث تعد أحد المسارات التي يجري من خلالها تهريب الذهب السوداني إلى الخارج.

وقبل اندلاع الصراع، وبحسب تقديرات خبراء القطاع، جرى تصدير ما بين 50% إلى 80% من الذهب السوداني بطرق غير قانونية، ومن المحتمل جداً أن تكون هذه النسبة قد زادت بشكل كبير منذ بداية الحرب.

ورداً على سؤال حول اللاعبين الأجانب ومصالحهم في هذا الإطار، قال لانفرانكي إن “ثمة العديد من اللاعبين الأجانب الذين يلعبون دوراً مهماً في تجارة الذهب السوداني على المستوى الدولي. وتعد دولة الإمارات الفاعل الرئيسي في هذا السياق، كما تعتبر بالإجماع هي الوجهة الأساسية للذهب السوداني، سواء المُصدر بشكل اعتيادي أو المُهرّب بطرق غير قانونية”.

إذ أن إمارة دبي تستضيف سوقاً للذهب، مرتبطاً بشكل جيد جداً بسوق الذهب الدولي، لا يتطلب سوى القليل من البيانات حول مصدر الذهب الذي يتلقاه. وهذه الخصائص، برأي الباحث، تجعله سوقاً مناسباً لجلب الذهب السوداني، بما في ذلك الذهب المصدّر بشكل غير قانوني، والقادم من مناطق النزاع (أحدهما أو كلاهما) إلى الأسواق الدولية.

وبشكل عام، تحرص الإمارات على الحفاظ على مركزها المحوري وسيطاً بين الدول التي يجري استخراج المعادن منها من جهة، والأسواق الدولية من جهة أخرى.

المصدر: إمارات ليكس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق