تقارير

مدينة نيوم… مشروع اقتصادي أم مشروع تطبيعي؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في خريف 2017، دعت السعودية الجميع، للحضور إلى العاصمة الرياض، ليشهدوا مؤتمرًا فخمًا للاستثمار، أُطلق عليه “دافوس الصحراء” لإعطاء انطباع، بأنه استمراراً لذلك الملتقى السنوي الذي يجمع أصحاب النفوذ من مختلف أرجاء العالم في جبال الألب السويسرية. لم يكن لهذا المؤتمر من هدف، سوى إقناع الحاضرين من رجال المال والاعمال، أن الوقت قد حان للمراهنة بقوة على المملكة، صفق كل الموجودين في القاعة لابن سلمان ولمدينته الحالمة “نيوم”. لكنهم لم يتوقعوا أن يصل الحال بالمملكة بعد 3 اعوام من ذلك المؤتمر، إلى اكثر البلدان عجزا من الناحية الاقتصادية، وستستقرض مليارات الدولارات لسد عجز ميزانيتها.

المشروع “الحلم” الذي أعلن عنه بن سلمان في مؤتمره الصحراوي، حينما ظهر فيه بوصفه الحاكم الفعلي للمملكة، يتحرك في 9 محاور اقتصادية كما يقول المشرفون ذلك عنه، مستقبل الطاقة ‏والمياه، والتنقل، والتقنيات الحيوية، والغذاء، ‏والعلوم التقنية والرقمية، والتصنيع ‏المتطور، والإعلام والإنتاج الإعلامي، والترفيه، والمعيشة‎‏. وسيكون هناك أستوديوهات عالمية للتصوير، ومنتجعات سياحية، وموانئ ‏ضخمة، ‏ومصانع إنتاج طاقة متجددة، وغيرها. ‏

وفي خبر تداولته وسائل إعلامية سعودية قبل أيام، جاء فيه، إن مرحلة حصر العقارات الداخلة في مشروع نيوم قد انتهت، وأن تعويضات مجزية قد تم اعطائها لأصحاب الأراضي والعقارات الواقعة ضمن ذلك المشروع، تمهيدًا لاستلام تلك العقارات من مالكيها. واستمرارًا بالحملات الدعائية لهذا المشروع وأصحابه، ذكر الخبر إن برنامجًا يسمى “تنمية” سيعمل على متابعة المستفيدين (أصحاب الأملاك من أبناء القبائل) للتأكد من تحسن مستواهم المعيشي.

لكن أول ما يتبادر إلى الذهن ونحن نقرأ هذا الخبر، كيف تعاملت السلطات السعودية مع قبيلة الحويطات، حينما رفضوا اخلاء مناطقهم والانتقال لمناطق أخرى، واقرب حادثة لنا، هي عملية اغتيال المواطن السعودي عبدالرحيم الحويطي الذي رفض إخلاء داره وأرضه، فقتلوه داخل منزله، ورفضوا دفنه في مقبرة قريته ، إلا بعد عدة أيام واحتجاجات من الأهالي.

حلم بن سلمان الدموي

شركة نيوم التي هي شركة مساهمة مقفلة، تأسست في يناير من العام الماضي (2019)، مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة  السعودي. فكرة مدينة نيوم، تكلف 500 مليار دولار حتى يتم انشائها، لغرض جلب السياح من أنحاء العالم، ‏ولتشكل حجر الزاوية في رؤية 2030 في تنويع الاقتصاد السعودي بعيدا عن الاعتماد على ‏النفط.‏ لكن حلم بن سلمان، أصبح حلمًا دمويًا بالنسبة لمواطني المملكة، فقد تناولت مجلة “فورين بوليسي” في تقرير لها، ما أسمته بـ”حلم” ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإنشاء مدينة “نيوم”، وسلطت الضوء على ما يرافق المشروع من تدمير السلطات السعودية لقبيلة الحويطات ذات الامتداد التاريخي، والتي عاشت على مدى مئات السنين في تلك القرى والبلدات، وفي أنحاء مختلفة من منطقة تبوك. بالإضافة إلى ملابسات مقتل الناشط عبد الرحيم الحويطي. والآن تريد الحكومة تهجير 20 ألف شخص من نفس القبيلة، لإفساح المجال لمدينة نيوم. ويخطط بن سلمان كما هو معلن، لأن تكون نيوم، شبه دولة مستقلة، لها قوانينها الخاصة. وبالتالي لا يمكن لقبيلة مثل قبيلة الحويطات أن تشكل جزءا من هذا المركز العالمي. ولأجل ذلك عرضت عليهم الحكومة تعويضات ليغادروا بيوتهم وأراضيهم وبالقوة، ثم مقتل عبدالرحيم الحويطي واعتقال العشرات من قبيلة الحويطات، ليس سوى صورة مصغرة عما يرتكبه حاكم البلد المتهور والقاسي، بحسب وصف المجلة الأمريكية. وشككت المجلة في إمكانية اكمال المشروع بنجاح، في الوقت الذي ننظر فيه إلى الانهيار المالي العالمي بسبب فيروس كورونا، وكذلك الديون السعودية المتزايدة، مع تراجع أسعار النفط إلى أدنى أسعارها تاريخيا.

حينما أعلن بن سلمان عن مشروعه نيوم، اعتلى المنصة بجواره “ماسايوشي سون”، رئيس ‏مجموعة سوفت بنك اليابان، والذي أحرج ولي العهد حين قال إن‎ ‎‏”نيوم”‏‎ ‎تعني أننا ‏‏”سنصنع مكة ‏جديدة”، قبل أن يتدارك الأمر بن سلمان قائلاً، هو لا يقصد سوى أنها ‏ستكون نقطة جذب، وحرف الـ‎ M ‎هنا تعني المملكة وليس مكة‎‏”. لكن ربما رجل الاعمال ‏‏”سون” قد نطق ما في قلب بن سلمان الذي لا يرى مكة المكرمة، سوى مكان يدرٍ عليه ‏الأموال من الحجيج والمعتمرين، وكلام هذا النكرة يذكرنا بكلام القائد الحبشي “ابرهة” ‏حينما أراد جعل كنيسة القليس التي بناها،لتكون بديلةً للكعبة في مكة المكرمة، فأهلكه الله من حيث لا ‏يدري.

مشروع نيوم مدخل لبدأ علاقات مباشرة بين السعودية وإسرائيل

مشروع نيوم الذي يقع في الجزء الشمالي الغربي من المملكة السعودية، ويطل على الأردن ومصر، قد تعهدت مصر بالمساهمة فيه بألف كيلومتر مربع من أرض سيناء، لكن هناك دولة أخرى هي الكيان الصهيوني، تمتلك ميناءً مطلًا على خليج العقبة والبحر الاحمر. وفي الوقت الذي تمتلك الدولتان مصر والأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل، لا توجد علاقات رسمية “علنية” بينها وبين المملكة العربية السعودية. وبالتالي فإن بعض المحللين السياسيين، يرون أن مشروع نيوم، قد يكون مدخلاً نحو بدء علاقات مباشرة مع إسرائيل، خصوصًا في ظل وجود المدينة التي من المفترض أن تكون منطقة اقتصادية دولية على بعد أميال قليلة من ميناء إيلات الإسرائيلي. وفي هذا الصدد أبرزت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أن المستثمرين الإسرائيليين يناقشون فكرة دخول المدينة الذكية الجديدة بالمملكة. وبالطبع ليس ضروريًا أن يكون هناك تعاونًا مع إسرائيل بشكل رسمي بالوقت الحاضر، لكن حينما تأتي رؤوس أموال إسرائيلية خاصة، فمن السهل أن يكون هناك فرص تعاون بين الجانبين. بل يذهب العديد من المراقبين، إلى أن المشروع، ما هو إلا البذرة الأولى لصفقة القرن التي يتحدث عنها الجميع.‎

مشروع نيوم له بعد سياسي أيضًا

ووفقا لموقع “هاف بوست عربي”، فإن دبلوماسيا غربيا، أكد أن هذا المشروع بعيداً عن الجانب الاقتصادي، له شقٍ سياسي لا يقل عنه أهمية‎. وأوضح، أن “نيوم” ستكون حسب تعبيره نهاية للأزمة الإقليمية التاريخية بين العرب و”إسرائيل”، إذ سيبدأ المشروع من ‏جنوب سيناء في مصر، ليمتد شمالاً ليشمل شبة جزيرة سيناء، وبذلك يكون ذلك المثلث العملاق الممتد في مصر والأردن ‏والسعودية منطقة اقتصادية حرة‎. ووصف الدبلوماسي الغربي هذا المشروع، بأنه “صفقة رابحة للجميع”، من جانب “إسرائيل” ستنتهى عزلتها وتصبح معترفاً بها إقليمياً من ‏جيرانها،ويزعم بأن الفلسطينيين ستوفر لهم فرص عمل جديدة. أما مصر والأردن، فهناك آمال وفيرة ‏وفرص عمل جيدة. هكذا ينظرون إلى هذا المشروع.

وعلَّق الدبلوماسي على زعماء تلك الدول، قائلاً “الحكام الأربعة مناسبون جداً، وتواقون لانتهاز الفرصة، بن سلمان والسيسي ‏كلاهما يريدان دعم الغرب السياسي للحفاظ على سلطتهم، ونتنياهو يواجه أزمات لا تخفى على أحد، وترامب تاجر، سيحقق أرباحاً ‏مالية‎”. وأضاف، المشروع سيمثل “مجداً غير مسبوق لترامب، إذا نجح في تصفية القضية الفلسطينية الإسرائيلية بسلاسة”.

الشركات الإسرائيلية أول المستفيدين

 تنظر الشركات الإسرائيلية وبالأخص التي تحمل جنسيات أجنبية، بترقب لمشروع نيوم، وترتجي حضورًا فاعلًا لها فيه، لاسيما وأن الشركات الإسرائيلية متفوقة في السايبر والإنترنت وهي من الأشياء الذي يغزون بها ‏العالم اليوم‎. وفي هذا الصدد، نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، نقلا عن محللين قولهم، إن قرار ‏السعودية إنشاء مدينة جديدة على البحر الأحمر، تربطها بمصر ومنها بإفريقيا، يتطلب تعاونا إسرائيليًا حتميًا، حيث أن مشروع نيوم، ‏يتضمن جسرا بطول عشرة كيلومترات عبر البحر الأحمر، مرورا بمضيق تيران، الذي بات تحت سيادة ‏السعودية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود مع مصر، بينما تضمن معاهدة السلام ‏الإسرائيلية المصرية لإسرائيل الوصول إلى مضيق تيران، وبالتالي فإن مشاركة إسرائيل في ‏المشروع السعودي باتت محسومة، لأنه لن يتحقق دون الموافقة الإسرائيلية والتطبيع بين السعودية وإسرائيل‎.‎

أما صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيليّة، فقد كشفت عن وجه آخر من أوجه التقارب بين الدول العربيّة الخليجيّة وإسرائيل، لافتةً إلى تحول الموانئ الإسرائيلية إلى ممّرٍ للبضائع الأوروبية نحو الأسواق الخليجية. وشدّدّت الصحيفة على أنّ المعطيات الجديدة هي إحدى أهم الفوائد التي تجبيها إسرائيل من استمرار الحرب في سوريّة، وتمكّنها من لعب دورٍ أساسي كممّرٍ لأوروبا باتجاه دول الخليج. وبحسب الصحيفة نفسها، فإنّ شركات إسرائيليّة تعمل في القطاع الخّاص تنوي الاستثمار في المدينة التي ستبنى في منطقة تعد قريبة نسبيًا من الحدود الإسرائيلية، في حين ذكرت تقارير أخرى أنّ روسيا والصين، المستثمرتان في المشروع، مهتمتان بضم إسرائيل إلى المشروع.

لكن ما مدى فرص نجاح أو فشل ‏مشروع “نيوم” وهل سيكون أكثر حظاً من ‏مشروع “مدينة الملك عبد الله الاقتصادية” الذي بنيَّ ‏على ساحل البحر الأحمر قرب مدينة ‏جدة؟ لقد كلفت تلك المدينة حتى الآن أكثر ‏من خمسين مليار دولار أميركي وكان ‏مخططاً أن يسكن فيها 50 ألف نسمة ‏بحلول عام 2020، وأن تقوم بالأدوار ‏التنموية والاستثمارية والترفيهية نفسها ‏التي ستقوم بها مدينة محمد بن سلمان تلك. ‏إلا إن ما تحقق من تلك الخطط أقل بكثير ‏من كل ما قيل‎.‎ وبالتأكيد فأننا لا نذهب بعيدًا حينما نحدد عوامل فشل المشاريع العملاقة في الدول الاستبدادية، فهي تتجسد ببساطة في حلم حاكم مستبد يريد أن يصنع مجدًا وتاريخًا له، سواء على شكل نصر ‏عسكري أو على شكل مشروعٍ عمراني أو على شكل تطبيع تنسج خيوطه من الديوان حتى إعلامه وذبابه الحكومي ومسلسلاته.

بعد ذلك فأننا لا نستغرب عندما نسمع أصواتًا نشازًا، في مدح ولي العهد بن سلمان والترويج لكل خطوة يفعلها، بل ويقومون بالترويج للتطبيع مع إسرائيل داخل المملكة، وأصبح تيارًا ‏بدأ يتصاعد، مدفوعا بتوجه رسمي سعودي، ووفق خطة إعلامية تميّع طبيعة الصراع،وتجرم الفلسطينيين ،وتعترف بالحق المزعوم للكيان الصهيوني وتروج ‏لولي العهد محمد بن سلمان‎ ‎باعتباره “رجل السلام‎”.‎ حتى دعا المدعو “دحام العنزي” في مقال له بعنوان “نعم لسفارة إسرائيلية في الرياض ‎ “‎بصحيفة الخليج الإلكترونية السعودية، إن “ولي ‏العهد محمد بن سلمان‎ ‎لن يتردّد لحظة واحدة في إلقاء كلمة بـالكنيست الإسرائيلي‎ ‎إذا وُجّهت ‏له دعوة لذلك”، داعيا إلى تبادل السفارات بين الرياض‎ ‎وتل أبيب‎.‎ وفي هذا الشأن يؤكد المغرد الشهير مجتهد أن “ابن سلمان وجه بتنفيذ حملة إعلامية وتويترية لتهيئة ‏الرأي العام لعلاقات معلنة مع إسرائيل ومكافأة للإعلامي والمغرد الذي يبدع في هذه ‏الحملة”، في المقابل يتعرض الناشطون المعارضون للتطبيع لحملة تجريم واعتقالات ‏واسعة. فهل يا ترى نشهد زيارة من بن سلمان إلى تل أبيب مشابهة للزيارة الشهيرة لأنور السادات عام 1977 أم أن الأحلام على ظهر اليخت تبخرت مع كرونا وتهاوي النفط وأزمة داخل العائلة الحاكمة وأزمة أكبر داخل المجتمع ومع مجموعة من الدول العربية والإسلامية؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق