أبحاث ودراسات

ماذا وراء الوجود السعودي في المهرة؟

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث – خاص

 صرح وزير الداخلية أحمد الميسري في 5 مايو / أيار 2019 بأن الحكومة اليمنية تريد من حلفائها في التحالف الزحف شمالاً وليس شرقاًويشير بذلك إلى رفض الحكومة الضمني تقدم قوات التحالف السعوإماراتي نحو محافظة المهرة التي تعتبر البوابة الشرقية لليمن بدلا من الذهاب للقتال شمالا حيث تتمركز جماعة الحوثي، مضيفا أن الهدف من التحالف والشراكة بين حكومة هادي وقوات التحالف ليس إدارة المناطق المحررة إنما محاربة الحوثي وإنهاء انقلابه. (١)

تكشف هذه التصريحات عن هشاشة العلاقة بين حكومة هادي والتحالف السعوإماراتي وضبابية الأهداف الحقيقية للحملة العسكرية، التي بدأت منذ مارس 2015 ولم تحقق أهدافها حتى اللحظة، بل يبدو أنها تبتعد عن أهدافها حسب تصريحات الميسري وسلوكها المرتبك على الأرض، وهو السلوك الممتد منذ إعلان الوحدة اليمنية وما قبلها، فقد لعبت الرياض أدوارا متناقضة تدلل على عدم وجود استراتيجية واضحة بخطط مدروسة للتعامل مع اليمن فتارة تدعم الانفصاليين كما فعلت عام 1994  حين دعمت دولة علي سالم البيض في الجنوب، في مقابل تأمين مصالحها في  وهي الدولة التي سرعان ما فشلت بعد نجاح علي صالح في حسم المعركة لصالحه وإعادة تلك المناطق إلى نفوذ الحكومة المركزية. (٢)

ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم لم تتضح تماما الاستراتيجية السعودية في التعامل مع اليمن،إلا في جانب واحد وهو جعل اليمن ممزقا ضعيفا تابعا للرياض، وحاليا هي في دوامة من الحسابات المتداخلة، وتمثل محافظة المهرة النموذج الأمثل لمحاولة قراءة العقلية السعودية في التعامل مع اليمن، تلك المحافظة التي تعد ثاني أكبر محافظة في اليمن وتعادل مساحة الإمارات، وتملك أطول ساحل في البلاد، ولديها حدود برية مع سلطنة عمان.

الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمهرة جعلها محط أطماع ومقصد نفوذ للعديد من الدول وكانت عمان من أوائل الدول التي استثمرت في تلك المنطقة خصوصا وأن نسبة المصاهرات بين العمانيين وأهالي المهرة عالية، وكانت المنطقة تعتمد على الواردات العمانية بشكل أساسي، عبر معبري صرفيتو شحنوهما المعبران اللذان تسعى السعودية للسيطرة عليهما بمساعدة قوات يمنية موالية، وهو ما حدث في 18 فبراير من العام الحالي حين سيطرت على معبر شحن، وهو ما لا يروق لمسقط التي تعتبر المهرة امتدادا لأمنها القومي. (٣) 

في المقابل تسعى السعودية عبر أساليب متعددة لفرض نفوذها وهيمنتها على المهرة تارة بشراء الولاءات القبلية وتارة بالترهيب والقمع وتارة بإنشاء مراكز دينية فكرية تروج لأفكارها وتمهد لوجودها، إلا أن ذلك يواجه بمقاومة واضحة من أهالي المهرة الذين خرجوا في عديد المرات بمظاهرات رفضت التواجد السعودي واسمته بالاحتلال. (٤)

تطمع السعودية في المهرة من قديم وقد عندت إلى دعم على سالم البيض ضد الوحدة اليمينة مقابل أن يعطيهم أرضٍ تصبح تحت ملكهم ليطلوا منها على البحر العربي وليفصلوا ما بين اليمن وعمان، واليوم تتجدد هذه الرغبة ابتدأ بمد أنبوب عبر المهرة نحو بحر العرب لتأمين نقل إمداداتها من النفط بأقل تكلفة وتجنب المرور عبر مضيق هرمز وهو ما يرفضه أهالي المحافظة، ويرفضون التواجد السعودي على سواحل محافظتهم تحت مبررات لا يقبلونها، ويجدون  أن التحالف السعودإماراتي انحرف عن العناوين التي رفعها وذهب لاحتلال مدينة لم يتواجد فيها الحوثي ولا أي من فلوله، لأهداف سعودية خاصة، تنتهك سيادة اليمن وسلامة أراضيه. (٥)

 من الواضح ارتباك السياسة الخارجية السعودية تجاه اليمن، مع وجود فقر خبرات وضعف أداء واستراتيجيات غير ناضجة، في حين أن الحوثي يستقر في الشمال، ويزداد التشرذم في الجنوب، بين عدة جهات تحاول مد نفوذها وفرض وقائع جديدة على الأرض في محصلتها ترسخ للانقلاب والانقسام والتشرذم في اليمن، بعيدا عن عناوين الشرعية التي رفعها التحالف، في حين تدعم الإمارات الانفصاليين الجنوبيين علانية، تخشى السعودية من دعمهم أو رفض انقلابهم علانية، لأنها بذلك قد تصطدم بالإمارات شريكها الرئيس في حرب اليمن، وذلك ليس خشية على اليمن أو رفضا للانقلاب بقدر ما هو خوف على تحالفاتها الهشة مع المكونات اليمنية الأخرى التي ترفض انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي أقرب إلى كونها لا تعرف كيف تدير المعركة أو تدير علاقاتها، وتواجدها في مستنقع الحرب بدون رؤى واضحة، ومن ذلك أنها قد تعلن اتفاق إطلاق نار من جانب واحد ومن ثم في اليوم التالي تقوم بسلسلة غارات كما حدث منذ نحو أسبوعين. (٦)

ونظرا لفشلها الفادح في إدارة المعارك والمناطق بنفسها في اليمن تتجه السعودية أكثر نحو صنع وكلاء لها وجيوب لها في اليمن عبر تجنيد مقاتلين يمنيين وشيوخ قبائل، برواتب ومخصصات مالية كبيرة، لتحارب عنها بالوكالة، وفي المهرة، كانت قوات الرد السريعالمدعومة سعوديا مثالا على تلك الجيوب والتشكيلات 

 قام المسؤولون العسكريون السعوديون بتجنيد اليمنيين بشكل أساسي من محافظات لحج وأبين والضالع. هذه التشكيلات المسلحة غير قانونية لأنها موجودة خارج سجلات وسيطرة السلطة المحلية في المهرة. ولا يوجد تقدير موثوق به للعدد الإجمالي لمقاتلي هذه الميليشيات، لكن يُقدر أنها تشكل عدة كتائب وأنها تضم الآلاف من المقاتلين. والكثير من هؤلاء يتقاضون رواتب بالريال السعودي، ويقودهم ضباط يمنيون بإشراف مسؤولين عسكريين سعوديين وتنتشر القوات اليمنية الموالية للسعودية حول الثكنات العسكرية السعودية،وفي المواقع الصغيرة المحيطة بالمحافظة، بما في ذلك على طول الخط الساحلي الطويل للمهرة، مما أدى إلى تسمية بعض الوحدات محليا بـ خفر السواحل.

ومن ثكنتها الرئيسية في مطار الغيضة، بدأت القوات السعودية بالاضطلاع بدور مواز لدور الجهاز الأمني الحكومي في المهرة، حيث يتم إطلاق عمليات الاستطلاع الجوي وغيرها من العمليات من مركز القيادة في الثكنة، بشكل متجاوز للسلطة المحلية“. (٧) 

ويبدو أن السلطات السعودية ماضية في تنفيذ مخططها المتعلق بمد أنابيب النفط عبر المهرة،ربما تمهيدا للحصول على الحلم القديم وهو مساحة من الأرض تتبع المملكة  وإن كان الثمن أن يمر على جثث آلاف الأبرياء وترحيل آخرين، ولم يكن ترحيلها للآلاف من سكان الخرخيرإلا أبسط مثال على ذلك، وهي منطقة على الحدود، سكانها متأثرون بالثقافة المهرية واليمنية ويتمتعون بعلاقات اجتماعية تاريخية فهم من قبائل تمتد إلى المهرة في اليمن.

قامت الرياض بترحيلهم وإلغاء المحافظة في وقت سابق من أجل جعل المنطقة محطة أساسية في عملية مد الأنابيب إلى بحر العرب، وهو الأمر الذي لازال أهالي المهرة يرفضونه ويقاومونه، ولاتزال التطورات المرتبطة به متفاعلة حتى اللحظة. (٨

وفي أكتوبر ٢٠١٧ كشفت تقارير متواترة عن قيام السعودية بضم أراض يمنية والاستيلاء عليها منذ مارس ٢٠١٥ واقتلاع العلامات الحدودية المتفق عليها وابتلاع نحو ٤٢ ألف كيلومتراً مربع ضمن حدود محافظتي حضرموت والمهرة، وهي ذات المساحة التي زعم الرئيس صالح ومسؤولو الدولة حينها أنهم استعادوها كأرض يمنية في حدود الجنوب. ووصلت التعديات إلى معسكر الخراخير ومنطقة البديعة الفاصلة بين البلدين بحسب اتفاقية جدة ٢٠٠٠

وأكد شهود عيان على انتزاع الأعمدة الخرسانية التي نفذتها شركة ألمانية ونقلها مسافة 700 كيلومتر إلى مثلث الشيبة في الحدود المشتركة مع سلطنة عمان، والتوغل الرأسي شرقا في عمق 60 كيلومتراً داخل حضرموت“.(٩)

 

يتضح لنا أنه منذ اللحظة الأولى لإعلان التحالف السعوإماراتي تدخله في اليمن كانت الأطماع حاضرة، ولم تكن شعارات إعادة الشرعية إلا غطاء لتنفيذ مآرب ومخططات ذاتية هدفها الأساس اقتصادي، يستفيد منه أمراء الحروب على حساب سكان الأرض، وحاليا تتجه السعودية إلى الاستسلام لوقائع جديدة على الأرض يزداد فيها الحوثي استقرارا وتسعى هي لتأمين مصالحها وإغلاق حساباتها مع أطراف النزاع في مقابل تأمين مرور أنبوبها النفطي، أما اليمن الذي عبثت به ووعدت أهله بالحزم والأمل، لم يجد إلا الفوضى والألم، واستراتيجيات تتسم بالافتقار الأخلاقي والمعرفي، تنطلق من منطلقات أنانية عدوانية، إلا أنها في النهاية لا يمكن أن تستمر فلن يكون نتيجة الفوضى في الرؤى والتصورات إلا فوضى أخرى على أرض الواقع ومساع السعودية لإنشاء خط النفط لن يكتب لها النجاح إن لم يكن هناك استقرار  حقيقي على الأرض ولعل هذا ما يسبب لها ارتباكا ويجعل من مهمتها مهمة شبه مستحيلة ويبقيها في دوامة طموحاتها التي تتعارض مع عدوانيتها ومسار تحركاتها وخارطة تحالفاتها المتناقضة وغير المنظمة، وما ذلك إلى مثال آخر على فشلها في إدارة ملفاتها السياسية إقليميا ودوليا.

____________________________ 

المصادر والمراجع:

 

١–  https://arabi21.com/Story/1178481

٢https://www.wikizero.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9 

٣https://carnegie-mec.org/2019/04/23/ar-pub-78964

٤https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/10/25/%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D9%82%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B5%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9

٥https://www.youtube.com/watch?v=7dWJKk3lgUc

 ٦https://www.youtube.com/watch?v=h0h7fMcoojQ

 ٧https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/7693#_ftnref61

٨https://almahrahpost.com/news/5661#.XqtanlMbfBI 

٩http://www.motabaat.com/2019/11/25/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%A8-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD-2/

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق