تقارير

ما طبيعة علاقة السعودية بحزب الإصلاح اليمني؟ وما أسباب سكوت الإصلاح عن دور السعودية التخريبي في اليمن؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

كانت ولا زالت العلاقة التي تربط المملكة السعودية بحزب الإصلاح اليمني، تُوصف بأنها علاقة “تحالف أضداد”، فعلى الرغم من أن القيادة السعودية الحالية بقياد-ة محمد بن سلمان، تحارب الفكر الإخواني الذي ينتمي له حزب الإصلاح، إلَّا أنها لم تجد بدٌّ من التحالف معه، والسبب في ذلك يعود إلى أن هذا الحزب، هو الجهة السياسية اليمنية الوحيدة التي تمتاز بقوة التنظيم، والتأثير الكبير بالمجتمع اليمني، وقدرته العالية على حشد الجماهير.

وعلى هذا، فأن المملكة إذا ما أرادت أن تنجح في تأمين حدودها الجنوبية من هجمات الحوثين، والاستمرار في مقاتلة وكلاء إيران في اليمن، فلا بد لها من التحالف مع هذا الحزب والتعاون معه سياسيًا وعسكريًا. ولن يكون هناك بديلًا عنهم للمملكة حاليًا، ولا في المستقبل.

لكن رغم ذلك كله، تنظر المملكة بعين الريبة للحزب، وتحاول بذل كل جهدها لانتزاع شعبيته وسط الشعب اليمني، ووضع العراقيل أمامه، حتى لا يكون له دورًا محوريًا في مستقبل اليمن. وربما يكون هذا أحد أهم الأسباب التي تجعل المملكة تتريث في حسم معركتها مع الحوثي.

بعد انطلاق ما يسمى بعاصفة الحزم التي كان غرضها القضاء على التمرد الحوثي وإعادة الشرعية اليمنية للسلطة. كانت للمملكة قُبيل بدأ تدخلها العسكري، رغبةً في ضرب عصفورين بحجر واحد، وذلك حينما طلبت من حزب الإصلاح التصدي للتمرد الحوثي لوحدهم، تبتغي من ذلك بدأ معركة (غير منتهية) بين الطرفين من خلال دعم الطرفين، والتي لا محالة ستنتهي بهلاك أحدهما أو كلاهما. لكن قادة الصلاح فطِنوا مبكرًا لهذه الخديعة ورفضوا قتال الحوثي لوحدهم حتى تُعلن حكومة هادي هي الأخرى قتالهم. وهذا يعني أن العلاقة المركبة بين الإصلاح والسعودية كانت منذ البداية مبنية على عدم الثقة المتبادلة.

السعودية بين رغبة التخلص من الإصلاح والاحتياج لهم

ورغم أن السعودية لا تظهر حماسة شديدة للإصلاحيين، لكنها غير مخيَّرة في ظل الأوضاع الحالية في اليمن سوى التعاون معهم، وهو الحزب الذي أيَّدها في حملتها العسكرية ضد الحوثي منذ البداية ولا زال، ويقف بصف مواقفها الخاصة بالشأن اليمني. لكن ما يُذكي كراهية قيادة المملكة للإصلاحيين، ويجعلها في حذرٍ منه، هو ما يقوم به حليفها الاخر الإمارات، التي تتهم حزب “الإصلاح” بالتواطئ مع قطر وتركيا، خصما السعودية، وتجعل الإمارات من حزب الإصلاح ذو التوجه الإسلامي، سببًا لتنفيذ مخططاتها التقسيمية في اليمن، وسببًا لعدم تعاونها مع السلطة الشرعية، بحجة اختراق حزب الإصلاح لجهاز الدولة. وفي هذا الصدد يقول “عبد الغني جميل” القيادي في حزب المؤتمر مخاطبًا الإمارات: “إذا كنتم ضد حزب الإصلاح فانزعوا علمه من سقطرى وليس علم اليمن الذي استبدلتموه بعلمكم”. وأضاف أن “حزب الإصلاح ضحى بخيرة رجاله في سبيل الدفاع عن كرامة اليمن”.

وتعبيرًا عن امتعاضهم للدور الإماراتي في اليمن، دعم بعض المغردين هذا الموقف وقال أحدهم: “اسمعوا يا قوم والله لو ذبحنا الإصلاحيين من عند اليدومي إلى أصغر عضو في الحزب لن تتوقف الإمارات عن عبثها وتنفيذ مشروعها الاجرامي في اليمن. الإصلاح شماعة فقط لتبرير تواجدها وتنفيذ أجندتها”.

الفشل السعودي في اليمن وسكوت الإصلاح عنه

وانطلاقًا من الفشل الذي رافق تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، يتبادر السؤال الأهم، ما الذي يجعل حزب الإصلاح مستمرًا في تحالفه مع السعودية والسكوت عن اقترافها لشتى أنواع الجرائم بحق اليمنيين؟ سواءً جرائهم غير المقصودة بسبب ضعف إدارتها للمعركة، أو الجرائم المقصودة عندما تغاضت عن المشاريع الانفصالية وتأجيل حسم معركتها مع الحوثي.

ولأجل إرضاء حليفها الإماراتي، عملت المملكة في الآونة الأخيرة، على إزاحة قياداتٍ عسكريةٍ تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح في الجبهة الحدودية، وعمَّقت شراكتها مع حليفها الإماراتي، لإنقاذ نفسها أولاً، ولترتيب وضعها في اليمن، استباقاً لنتائج الانتخابات الأميركية التي قد تأتي بقيادة ديمقراطية، تكون غير متعاونة معها.

هذا الفشل، جعل المملكة، تتعامل بشكل أكثر واقعية في إدارة الملف اليمني، لكن واقعيتها ذهبت بها بعيدًا للدرجة التي تحاول أن تجد لها حلًا مع خصومها الحوثيين لتأمين حدودها الجنوبية ضد هجماتهم، بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، من خلال التحاور مع الحوثي والتفاوض معه، وهي بذلك تتناسى هدفها الأساس من تدخلها باليمن وتحاول فرض خياراتها تلك على حلفائها من حزب الإصلاح وباقي القوى الوطنية اليمنية.

إن هذا التباين والتذبذب في المواقف السعودية والتخبط في إدارة ملف الحرب هناك، يعتبر اليوم أحد أهم النقاط الخلافية بين المملكة وبين الإصلاح، يأتي بعده الخلاف الكبير في موضوع غض الطرف السعودي عما تفعله الامارات، من دعمٍ للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، ودعم جناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح في حزب المؤتمر، بالإضافة إلى التضييق على السلطة الشرعية بحجة سيطرة حزب الإصلاح على منظومتها السياسية والعسكرية.

وفيما يبدو أن العلاقة السعودية مع حزب الإصلاح اليمني، وصلت إلى درجة عالية من التعقيد وصعوبة الفهم، ففي الوقت الذي تسمح المملكة بمهاجمة صحفها لقيادات الحزب وناشطيه، وتتهمهم بالعمالة لمحور قطر- تركيا، لكنها تبقي لنفسها علاقة وثيقة مع هذا الحزب لأنها تُدرك أن القضاء على حزب الإصلاح ليس في صالحها، وهي على معرفة بقوة ثقله السياسي والعسكري في اليمن. فهي الأن علاقة مبنية على تبادل المصالح بين الطرفين.

من ناحيته، حرص حزب الإصلاح حتى الأن، على بقاء علاقته مع المملكة في وضعها الحالي رغم تصرفات المملكة المضرة باليمن، ومردُّ ذلك، أن لا خيار للإصلاحيين عن السعودية، ولأن توجه الإصلاحيين لخصوم المملكة والحصول على دعمهم، يشوبه مخاطر قد تفوق ما يحصلون عليه من مكاسب، فالدعم القطري أو التركي يعتبر تُهمة كبيرة بوجهة نظر السعودية، كما أن تركيا دولة بعيدة ربما ستفشل في توجيه المساعدات الحقيقية لهم، بالإضافة إلى أن تركيا ربما تكون غير مستعدة حاليًا للدخول في هذه المغامرة الكبيرة، وهي التي تعالج اليوم، ملفات عديدة لم تنتهي منها حتى الان، في ليبيا وسوريا وشمال العراق وحديثًا في ناكورني كارباغ.

الإعلام السعودي لا يكف عن مهاجمة حزب الإصلاح

مع أن التحالف السعودي مع حزب الإصلاح لا يزال قائمًا، لكن الإعلام السعودي ومن يتبعه من أعلام إماراتي ومصري، لا يكف عن مهاجمة قيادات حزب الإصلاح، ومؤخرًا شن هذا الاعلام حملات منظمة يتهم فيها الإصلاح بأنه على علاقة وتواصل مع تركيا وأن الإصلاح أرسل مقاتلين ليقاتلوا جنبًا إلى جنب مع حلفاء تركيا في ليبيا حكومة التوافق.

وأورد هذا الاعلام، تقاريرًا مفبركة عن وجود خبراء ومستشارين أتراك للإشراف على معسكر في محافظة تعز، تحت إشراف “الإصلاح”، وزعمت تلك التقارير بأن التحرك التركي، المدعوم قطريًا، امتد ليصل إلى محافظات حضرموت وشبوة والمهرة. كما نشرت تقارير إعلامية سعودية، بأن هناك خطة من حزب الإصلاح لنشر عناصر له للقتال في ليبيا بدعم من الاستخبارات التركية، هذا ما أوردته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، والتي أضافت، بأن خطة تركية تقضي بإرسال قرابة 200 عنصر من حزب الإصلاح للقتال في صف قوات حكومة “الوفاق”.

ورغم أن الصحيفة حذفت ذلك الخبر لاحقاً، إلَّا أن قناة “العربية” السعودية، تناولت ذلك الخبر مع محللين وسياسيين بالشرح والتفصيل. مما استدعى ردًا من قيادات حزب الإصلاح لتكذيبه، وشن ناشطون يمنيون هجوماً على الصحيفة، واتهموها بعدم احترام مهنة الصحافة، والاعتماد على مصادر كاذبة.

وكما هو واضح، فأن محاولة ربط حزب الإصلاح بالأحداث الليبية، هو لتوفير الغطاء الشرعي لاستهداف الطرفين، بما يبرر استهداف قيادات “الإصلاح”.

ورغم أن حزب الإصلاح يجد نفسه اليوم، إنه مستهدف من طرفين مسلحين، أولهما الحوثي، وثانيهما دولة الإمارات والتشكيلات المسلحة التابعة لها، إلَّا أنه يُفترض على حزب الإصلاح أن يعيد تقييم علاقته بالمملكة من جديد، وبالأخص بعد أن جرى الحديث عن وعود إماراتية بتواجد اسرائيلي في جزيرة سقطرى اليمنية، وفي حال وافقت السعودية على هذه الخطط الإماراتية، فإن هذا يعني أن لا شراكة حقيقية لهم مع المملكة، والاستمرار في هذا التحالف مع المملكة، سينعكس سلبًا على سمعة حزب الإصلاح بين الجماهير اليمنية، ويفضي إلى فقدان حاضنتهم الشعبية التي طالما اعتمدوا عليها في استمرار وجودهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق