تقارير

كيف ستتعامل المملكة السعودية مع الرئيس الإيراني الجديد؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

مع مجيء الرئيس الإيراني الجديد “إبراهيم رئيسي” يكون أسوء كوابيس المملكة العربية السعودية قد تحقق، وأن آمالها بإقامة علاقة حسن جوار مع النظام الإيراني، تضمن خلالها سلامة نظام الحكم بالمملكة، قد ذهبت أدراج الرياح إلى غير رجعة، وعليها أن تنتظر ما بين أربع إلى ثمان سنوات عسى أن تأتي الانتخابات الإيرانية برئيس أخر أقل عنفًا في تعاملاته مع دول الجوار ومع السعودية بالذات، حتى تستطيع تطبيع علاقتها معه.

ومرد ذلك، أن الرئيس الإيراني الجديد، يعتبر من الشخصيات المقربة جدًا للمرشد الإيراني “علي خامنئي”، ويتبنى كل أفكاره وسياساته، وبعيدًا تمامًا عما يعرف بـ “الإصلاحيين”، وهو عوضًا عن كونه مرشح المرشد، فهو مرشح الحرس الثوري الإيراني، لنكون أمام مشهد إيراني من لون واحد بكل مراكزه القيادية، مما يجعل السياسة الإيرانية منصهرة في جبهة واحدة متطرفة لا يوجد فيها صوت نشاز يغرد بغير ما يريد المرشد.

من هو إبراهيم رئيسي؟

يعتبر “إبراهيم رئيسي”، من الشخصيات الشديدة القُرب من المرشد “علي خامنئي”، ويحرص الأخير على أن يصل “رئيسي” إلى سدة الرئاسة في هذه الفترة بالذات، لقيادة مرحلة ما بعد التوقيع على اتفاقية نووية جديدة مع الغرب، وما سيترتب عليه من اطلاقٍ لأموال إيران المحتجزة، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. كما أن هناك سببًا أخر قوي، يتعلق بخلافة خامنئي في قيادة إيران من بعده، فصحة “خامنئي” ليست بأحسن أحوالها ومن المحتم عليه اختيار خليفة له يستمر على نهجة السياسي، وكان الاختيار الأنسب لخامنئي، هو “إبراهيم رئيسي”، وفترة الرئاسة الإيرانية تعتبر بمثابة تدريب وتأهيل لـ “رئيسي” على قيادة إيران لفترة ما بعد غياب خامنئي من المشهد الإيراني. فقد حرص خامنئي على تمهيد الطريق لـ “رئيسي” للوصول للرئاسة عبر إزاحة كل المنافسين له بالانتخابات الرئاسة.

ورغم أن “رئيسي” لم يكن أفضل الموجودين حول “خامنئي”، لكن اختياره لهذه الشخصية، هو بسبب ولائه وطاعته الشديدة للمرشد، وكذلك لشدة صرامته في التعامل مع خصوم نظام ولاية الفقيه. فهو كان أحد أعضاء “لجنة الموت” التي تسبَّبت في اعدام أكثر من 30 ألف سجين ومعتقل سياسي عام 1988 بمحاكماتٍ سريعة لمجرد مخالفتهم لهذا النظام أو اعتراضهم على اساليبه في الحكم. وكان تولى “رئيسي” لرئاسة القضاء الإيراني، سببًا السبب في الأحكام الجائرة التي أصدرت بحق المعارضين للنظام. وعلى هذا فأن مثل هذه الشخصية، هي أفضل من تحافظ على طبيعة النظام الحالي والاستمرار في ذات النهج الذي هو عليه اليوم حسب رؤية “علي خامنئي”.

كيف استقبلت المملكة السعودية خبر فوز رئيسي برئاسة إيران؟

لقد كانت المملكة تُمنّي نفسها في الفترة السابقة، بحلحلة المشاكل العالقة مع إيران، وإرجاع العلاقات معها إلى سابق عهدها، أو على الأقل تخفيف التوتر الناشئ بينهم منذ سنوات، ولأجل ذلك شاركت المملكة بمحادثات سرية في بغداد، لنزع فتيل التوتر بينهما، عسى أن تجد لنفسها حلًا لورطتها باليمن. وتُنهي هجمات المليشيات الحوثية على منشآتها النفطية التي بدأت تؤثر بشكل بالغ على صادراتها النفطية.

لكن مع مجيء “رئيسي” واقتراب إيران من ابرام اتفاقًا نوويًا جديدًا مع واشنطن، أصبحت تلك الأماني السعودية في طي النسيان، بل أن إعادة علاقة طبيعية مع إيران أصبحت ضربًا من الخيال إلَّا في حالة واحدة، وهي تقديم المملكة المزيد من التنازلات للجانب الإيراني وبالأخص في موضوع اليمن. وبذلك تعود المملكة إلى المربع الأول، وتعود لتقييم الأمور والأحوال الجديدة، حتى تنتهج سياسة جديدة بخصوص إيران.

وفي أول تعليق رسمي سعودي على فوز “رئيسي” بالرئاسة الإيرانية بحسب ما أوردته وكالة “رويترز”، قال الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، إن “السياسة الخارجية الإيرانية، من منظورنا يديرها الزعيم الأعلى على أي حال، لذلك نحن نبني تعاملاتنا ونهجنا مع إيران على أساس الوقائع على الأرض، والتي ستكون مصدر حكمنا على الحكومة الجديدة بصرف النظر عمن يتولى المنصب”.

ومع أن النظام السعودي لم يصدر تعليقات رسمية، ولم يبعث برسائل تهنئة للرئيس الإيراني الجديد كما فعلت جميع دول الخليج بما فيها الإمارات العربية المتحدة، إلا أنه أطلق العنان للوسائل الإعلامية التابعة له، للتعليق على انتخاب “رئيسي”، فقد أجمعت تلك الصحف والمواقع الإخبارية على أنهم لا يتوقعون تغيرًا يُذكر في سياسة إيران الخارجية بظل وصول “المتشددين” إلى السلطة. ففي هذا الشأن، كتب عبد الرحمن الراشد في صحفية الشرق الأوسط: “لا نتوقع بعد انتخاب إبراهيم رئيسي تبدلات مهمة في السياسة الخارجية، على اعتبار أنها في دائرة اختصاص المرشد الأعلى، وسيمرّ الاتفاق الشامل الذي فاوض عليه فريق (الرئيس المنتهية ولايته حسن) روحاني في فيينا”.

فيما ذهب محللون أخرون إلى القول، بأن إن التقدم الحاصل في محادثات فيينا، سيحدد قوة الدفع في المحادثات المباشرة بين الرياض وطهران والتي بدأت في أبريل نيسان لاحتواء التوتر الذي تفاقم بسبب حرب اليمن وزاد عقب هجوم في عام 2019 على منشآت نفطية سعودية”.

بالمقابل، حذَّر المفكر والباحث الكويتي عبدالله النفيسي، من خطر مرحلة ما بعد وصول رئيسي للرئاسة في إيران المعروف بتشدده وتطرفه. فقد قال في تغريدة له: “إن انتخاب إبراهيم رئيسي نذير شؤم لا شك في ذلك”. وتوقع أن ينعكس ذلك على سياسات أيران القادمة في الخليج العربي خصوصاً، نحو مزيد من التشدُّد وربما الدموية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليجً العربي.

كيف ينظر الرئيس “رئيسي” إلى المملكة

في أول تصريح لـ “رئيسي” عن السعودية بعد انتخابه رئيسًا لإيران، أعلن فيه أنه لا مانع لدى طهران من فتح سفارة للمملكة في إيران والعكس. وأضاف، أن “أولوية حكومتي ستكون تحسين العلاقات مع جيراننا في المنطقة”. لكن الرئيس الجديد، تعمَّد في تعامله مع السعودية وباقي دول الخليج من سقف عالي، وينظر إلى تلك الدول من فوق، ففي الشأن اليمني قال “رئيسي” إن “على السعودية وقف هجماتها التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية في اليمن”، وأن عليها أن “تعي أن اليمنيين هم من يقررون كيفية حكم بلادهم”.

وردًا على الرغبات السعودية التي تُريد الحد من القدرة الصاروخية لإيران ودعمها للمليشيات الموالية لها والمنتشرة في المنطقة، قال “رئيسي” أن “القضايا الإقليمية والصاروخية غير قابلة للتفاوض”، وأضاف، إن “على العالم أن يدرك أن سياسة الضغوط القصوى على إيران لم تكن مجدية، وأن الوضع تغيّر بعد الانتخابات الرئاسية”. لكنه مع ذلك، أشار إلى أنه ليس لديه مانع من عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وأن الأولوية لإيران، هي تحسين العلاقات مع جيرانها الخليجين بضمنها السعودية، شرط أن تكون أية مفاوضات مع الجيران الخليجي، داعمة لمصالح وأولويات بلاده.

وعلى هذا الأساس، يبدو أن الرئيس الإيراني الجديد، قادم إلى المنطقة متسلحًا بتشدده، ومعه جيوش من المليشيات التي تقاتل معه، ومدعومًا باتفاق نووي مع دول الغرب. بالمقابل، تقف المملكة السعودية أمامه خالية الوفاق، تم التخلي عنها أمريكيًا، ومتورطة بحرب استنزاف كبيرة في اليمن، وأنفض عنها كل محبيها من العرب شعوبًا وحكومات. كيف يا ترى سيُدير محمد بن سلمان معركته مع إيران وهي بقيادة “رئيسي” المتشدد؟ الأمر فيه صعوبات جمعة عليه، إلَّا إذا قدَّم بن سلمان المزيد من التنازلات مهمة للطرف الإيراني وفي ملفات عديدة ربما أهمها هو الملف اليمني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق