تقارير

النظام الإماراتي يعاقب معتقلي الرأي القابعين في سجونه بسحب جنسية أسرهم

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بعض الحكام المستبدين، يتصرفون وكأن الأوطان التي يحكمونها، هي ملكًا خاصًا بهم، يسحبون حق المواطنة ممن يشاؤون ويعطونها لمن يشاؤون، دون حسابٍ لحق الشعوب التي تعيش فيها منذ مئات السنين، إذا لم نقل منذ آلاف السنين، من التمتع بمواطنيتهم وممارسة حقهم في الديمقراطية وحرية الرأي بشكل أمن بعيد عن التبعات العقابية. هذا المثل ينطبق تمامًا على حكَّام الإمارات، الذي يستخدمون سحب الجنسية وإلغاء حق المواطنة عن مواطنيها الأصليين كعقوبة لهم بسبب ما يحملونه من أراء ومعتقدات سياسية، في الوقت الذي يمنحون المواطنة لأخرين، لا يمتون للإمارات بصلة.

ولأجل ذلك، قدَّمت مؤخرًا ثلاث منظمات حقوقية، شكوى إلى الأمم المتحدة ضد قيام النظام الإماراتي بسحب جنسية أحد معتقلي الرأي وأفراد أسرته. فقد قامت منظمة “منّا” لحقوق الإنسان، بالاشتراك مع “القسط” لحقوق الإنسان، والمركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، بالطلب من المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات لدى الأمم المتحدة، بالتدخل في موضوع إلغاء جنسية معتقل الرأي “عبدالسلام محمد درويش المرزوقي” وأفراد أسرته. وأوضحت المنظمات، إن الحرمان التعسفي من الجنسية، كان له تأثير كبير في حرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية، بالإضافة إلى حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وشمل حتى حرمانهم من ضمانهم الاجتماعي والصحة والعمل.

من هو عبدالسلام المرزوقي وما قضية “الإمارات 94″؟

عبد السلام المرزوقي، مواطن إماراتي محتجز بشكل تعسفي في السجون الإماراتية منذ عام 2012، في قضية تدعى “الإمارات 94″، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، بسبب ممارسته لحقوقه كمواطن في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. وفي نوفمبر 2013 تم سحب جنسيته مع زوجته وأبنائه عام 2017، كإجراء انتقامي منه بسبب نشاطه ودعمه لالتماس عام 2011 المطالب بالإصلاح السياسي في الإمارات، وتوقيعه على عريضة طالبت بتطوير تجربة المجلس الوطني وتعزيز استقلال القضاء.

“المرزوقي” الذي كان يشغل منصب رئيس قسم التوجيه والإصلاح الأسري في دبي، والمشرف العام على قناة بداية الفضائية، تعرض خلال فترة احتجازه في الحبس الانفرادي لمدة ثمانية أشهر، للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك التهديد بقطع الدواء عنه، وحُرم من حقه في مقابلة محاميه وعائلته.

وفي 9 مارس/ أذار 2021، قدمت منظمة “منّا” لحقوق الإنسان، معلومات حول وضع المرزوقي الصحي، لغرض متابعة قضيته أمام فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، وقالت أن حالة “المرزوقي” الصحية قد تدهورت بشكل كبير، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد والحرمان من الرعاية الطبية المناسبة، فيما أفادت المنظمة، بأن السلطات الإماراتية قامت بفرض قيود على اتصال المرزوقي بأسرته ومنعه من حقه بممارسة شعائره الدينية. ورغم أن فريقًا من الأمم المتحدة والمعني بالاحتجاز التعسفي، قد تبنى قضية المرزوقي وقال عنها في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني من 2013، بأنه احتجاز تعسفي ناتج عن ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات. وطالب الفريق الأممي، بالإفراج عن المرزوقي وتعويضه، إلا أن السلطات الإماراتية لم تُعر ذلك أدنى اهتمام.

في مارس/ أذار عام 2011، نفذت السلطات الأمنية الإماراتية، حملة شاملة على أعضاء جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي (الإصلاح). وفي عام 2013 قامت السلطات الإماراتية بإنشاء محاكم جماعية مثيرة للجدل، شملت 94 مواطنًا يشار إليهم عادةً باسم قضية (الإمارات 94)، وهم 94 مفكر وناشط ومدافع عن حقوق الإنسان، انتقدوا الحكومة الإماراتية علناً، وأتهمتهم السلطات الإماراتية بعلاقتهم بجمعية الإصلاح. و”المرزوقي” كان أحد أولئك المعتقلين بتلك الحملة.

سحب جنسية أبناء المرزوقي ليست الوحيدة من نوعها

السلطات الإماراتية حينما قامت بسحب الجنسية من معتقل الرأي “المرزوقي” ومن زوجته وأبنائه، لم تكن الحادثة الفريدة أو الأولى من نوعها في محاربتها للناشطين الإماراتيين، فقد قامت بمثل هذا الإجراء مع كل من شعرت أنه يُهدد سلطانها ويهدد نظامها الاستبدادي، ففي الرابع من ديسمبر/ كانون الأول بعد العيد الوطني عام 2012 بيومين، نُشر في الإعلام خبر اصدار رئيس الدولة قرار يقضي بسحب الجنسية عن ٦ أشخاص من ضمنهم محمد عبدالرزاق الصديق. فيما قامت لاحقًا، بسحب الجنسية من زوجته وأبنائه، وادعت السلطات الإماراتية حينها، بأن سحب الجنسية جاء بناءً على مرسوم من رئيس الدولة، وحينما طالب أبناء الصديق، الاطلاع على المرسوم المزعوم والحصول على صورة منه، رفض الموظف المختص ذلك، وقال بأنه جهة منفذة و”عبد مأمور”.

وفي هذا الشأن، قالت أبنة المعتقل الإماراتي، إنها تخشى الا يخرج والدها بعد انتهاء محكوميته، بسبب أنه قد يُحول إلى مراكز “المناصحة” التي تعطي الحق لنفسها، باحتجاز السجناء بعد انتهاء محكوميتاهم.

والمرزوقي والصديق، هما من بين الذين قامت السلطات الإماراتية في 6 أبريل 2012 م، باعتقالهم بعد رفضهم التوقيع على اختيار جنسية أخرى غير الإماراتية، والتعهد كتابيًا بالبحث عن جنسية أخرى، وحينما رفضوا استبدال جنسية وطنهم بجنسية أخرى، قام السلطات باعتقالهم، والصاق تهم الإرهاب بحقهم. وهذا ما يعد انتهاكاً صارخاً بحق المواطنين الإماراتيين، وأسرهم وذويهم، وهي ممارسات بدأت تزداد وتكبر يوماً في ظل غياب أي رقابة شعبية، ويوغل محمد بن زايد وعصابته في فرض سيطرتهم بقبضة من حديد دون أي اعتبارات.

إدانات عربية ودولية لسحب الجنسية من ذوي معتقلي الرأي

من جانبه، أدان مركز الخليج لحقوق الأنسان، سحب جنسية أبناء معتقل الرأي “محمد عبدالرزاق الصديق” عضو اتحاد علماء المسلمين، وقال في بيان له، إن استهداف أفراد عائلته يُعد ظلما فادحا، بسبب ممارسته لحقه في حرية التعبير. وكشف المركز، إن هذه ليست المرة الأولى التي يتم استهداف اسر أحد المعتقلين في القضية المعروفة دوليًا “الإمارات 94″، ففي 15|2|2015، تعرضت أخوات الدكتور عيسى السويدي للاختفاء ولم يفرج عنهنَّ إلا في مايو من العام نفسه. فيما ادانت منظمات حقوق الانسان، وهيئات في الأمم المتحدة المحاكمات التي نظمها النظام الإماراتي.

من ناحيته، نشر موقع البريطاني “ميدل إيست آي” الاخباري، تقريرا عن تجريد بعض عائلات معتقلي الرأي من جنسياتهم وأوراقهم الثبوتية كافة في استمرار للعقوبات الجماعية التي تستهدف ذوي المعتقلين. وقال الموقع، إن السلطات الإماراتية، ألغت جنسية ثلاثة من أبناء أحد المعتقلين في القضية المعروفة إعلاميا الـ “94” والمعروفة لدى جهاز الأمن “بتشكيل تنظيم خاص لقلب نظام الحكم” وفقًا لمزاعم فشلت أجهزة الدولة إثبات أي جزئية فيها. وأضاف الموقع، بأن الانتهاكات الحقوقية في الإمارات، جعلت المواطنين يتخوفون من سحب جنسيتهم لأسباب سياسية، كعقوبة يستخدمها النظام الإماراتي بشكل غير دستوري. الأمر الذي أثار انتقادات حقوقية واسعة احتجاجًا على هذا الأمر.

وأوضح الموقع، بأن جهاز أمن الدولة الإماراتي، يتعامل مع حق الجنسية، على أنه ورقة ضغط وانتقام على المواطنين الإماراتيين، بالمقابل يمنحها لأفراد لا ينتمون إلى الإمارات، مقابل خدمات تتعلق بالجانب الرياضي أو الاقتصادي أو العسكري أو حتى الأمني.

 من ناحيته، فنَّد المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان في تقرير له، المغالطات التي احتواها ردّ السلطات الإماراتية، مؤكدا أن “محمد عبدالرزاق الصديق” وغيره من المسحوبة جنسيتهم، لم يكتسبوا الجنسية الإماراتية بالتجنّس، بل اكتسبوها بقوة القانون، وهم من مواليد دولة الإمارات وينتمون لقبائل إماراتية، والجنسية الأصلية لهم هي الجنسية الإماراتية. من جانبه، طالب الناشط الحقوقي الإماراتي “حمد الشامسي” النظام الإماراتي بوقف السياسة التعسفية بشأن سحب الجنسية وانتهاكات حقوق الإنسان، مشيرًا إلى تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الذي كشف سوء الوضع الحقوقي الإماراتي، بالقول، هذا جزء بسيط مما يجرى في الدولة من انتهاكات. يُذكر أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2020 حول حالة حقوق الانسان في العالم، وثَّق انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان وخرق القانون في الإمارات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق