تقارير

أنباء دعم عسكري تركي للسعودية في الوقت الذي تشارك فيه طائرات الأخيرة بمناورات مع اليونان ضد تركيا

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

عودة جديدة للحديث عن العلاقات التركية السعودية، بعد فترة من الصمت الدبلوماسي بهذا الخصوص، ففي نهاية العام الماضي، شهدت الساحة السياسية تصريحات من الجانب التركي والسعودي، تُفيد برغبة الطرفين لإعادة الدفء لعلاقاتهما الثنائية، وتفاءل الكثير بأن هذا التقارب ربما سينعكس بشكل إيجابي على المنطقة. واليوم وبعد أن قطعت السعودية شوطًا لا بأس به من إعادة الصحوة السياسية لدى قادتها، بدأ الحديث مجددًا عن إمكانية استئناف العلاقات الثنائية نظرًا لحاجة أحدهما للأخرى، لكن مع ذلك، لم نشهد تصريحًا رسميًا من الجانبين لتأكيد ذلك.

بعد مجيء بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة، وشعور السعودية بأنها ستكون في دائرة الاستهداف الأمريكي بملفات عديدة، وجنوح الإدارة الأمريكية لعقد مصالحة جديدة من إيران وإعادتها إلى عنفوانها السابق من حيث تشكيلها خطرًا كبيرًا على المنطقة وبالذات على المملكة السعودية، بدأ محمد بن سلمان، يشعر أن مستقبله السياسي بات بمهب الريح، ومستقبل المملكة وأمنها القومي هو الأخر اصبح في خطرٍ كبيرٍ، لا سيما وأن إيران ومن خلال ميليشياتها بدأت تُحكم الطوق عليها من الجنوب عبر مليشيات الحوثي، ومن الشمال عبر مليشيات الحشد الشعبي، وأيقنت أن تحالفها مع الإمارات لم يعود عليها بالنفع بتاتًا، وهي ترى أن الإمارات قد خرجت بفوائد التحالف، وتركت للمملكة دور دفع فواتير أخطاء وخطايا التحالف سواء في اليمن أو في باقي المناطق.

معلومات غير رسمية تُفيد أن تعاونًا عسكريًا قائما بين تركيا والسعودية

ويدور الحديث اليوم عن معلومات غير رسمية أو مؤكدة، لا سعوديًا ولا تركيًا، بأن تعاونًا عسكريًا مثمرًا بين الطرفين يتم العمل به، بالأخص فيما يخص الحرب في اليمن، والعمل على تحجيم مليشيا الحوثي التي باتت قاب قوسين أو أدنى من إحكامِ سيطرتها على الشمال اليمني بالكامل، وتشكيلها مصدر تهديدٍ وخطرٍ جدي على المملكة ومنشأتها النفطية وباقي مؤسساتها السيادية بل وحتى أماكنها المقدسة.

ففي هذا الشأن نشر المغرد الشهير “مجتهد” تغريدة ملفتة، تتحدث عن أن أرسال تركيا لطائراتها المسيرة الشهيرة “بيرقدار” إلى السعودية لغرض المشاركة في حرب الحوثي في اليمن.

وتوقع مجتهد، أن تُحدث هذه الطائرات، تحولا كبيرا في حرب اليمن، لما لها من تأثيرٍ في حسم معارك مهمة في حرب ليبيا وحرب أذربيجان وحتى في الشمال السوري ضد قوات بشار الأسد. وقد زعم متحدث عسكري لجماعة “الحوثي”، إن قواتهم أسقطت طائرة مسيرة تركية الصنع تابعة للقوات السعودية في أجواء محافظة الجوف من طراز “كارايل” التركية الصنع. يُذكر أن مصادر إعلامية تركية، كشفت أن السعودية وقَّعت العام الماضي عقدًا مع شركة “فيستل” التركية للصناعات الدفاعية بقيمة 200 مليون دولار، في إطار التصنيع المشترك لطائرات مسيّرة من طراز “كارايل”، وأن هذه الطائرات، بدأت مشاركتها فعليًا بمعارك اليمن مطلع هذه السنة.

ومن ملامح التقارب التركي السعودي واحتمالية تعاونهما العسكري، هي الإدانة التركية لهجمات الحوثي الصاروخية على منشآت نفطية مؤخرًا، والتي كانت تحمل دفئًا وتأييدًا للسعودية أكثر من ذي قبل، حيث أنها جاءت بعد زيارة وزير الخارجية السعودي لقطر. ويمكن الحكم على أن قرار السعودية بالتعاون العسكري مع تركيا، إذا ما صدقت تلك الانباء، إنه القرار السليم الوحيد الذي اتخذه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ بداية حرب اليمن، كما صرح بذلك العديد من المراقبين.

يُذكر أن تغريدات “مجتهد” تأتي بعد أيام من ترويج عدد من الناشطين اليمنيين، لخبر وصول دفعة من طائرات “بيرقدار” التركية المسيرة إلى اليمن، وأن اتفاقًا تركيًا – سعوديًا قد أبرم لمواجهة الحوثي.

تلميحات تركية تؤكد استعدادها لمساعدة المملكة في حربها ضد الحوثي

وتناول الإعلام التركي في تقاريره الإخبارية، تلميحات واضحة على استعداد تركيا لمساعدة المملكة وتخليصها من ورطتها في اليمن، ففي تقرير نشرته قناة “تي أر تي عربي” تناول فرضية أن تقوم السعودية بالتعاون العسكري مع تركيا لحل الأزمة اليمنية، لا سيما وأن تركيا تعتبر حليفًا موثوقًا أكثر من حلفاء السعودية الأخرين، وتناول التقرير، موضوع التكنولوجيا العسكرية التركية التي أثبتت فاعليتها في الحروب، الأمر الذي يضع بلداً مثل السعودية، أمام فرصة للتفكير جدياً في توثيق علاقتها مع تركيا. لا سيما بعد أن رفع جو بايدن جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً من قوائم الإرهاب، والتي كثفت هجماتها ضد مواقع في المملكة لتزيد إيران من خلالها أوراق ضغطها على إدارة بايدن لأجل العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات. وناقش التقرير خيارات المملكة في طلب المساعدة والحماية من دول أخرى كالصين وروسيا، وقال، ربما تفكر السعودية في طلب الحماية من الصين أو روسيا، لكن تكلفة اللجوء إلى هذه الدول عالية. لأن تقارب الرياض من بكين وموسكو سوف يزعج واشنطن كثيراً ويفتح التنافس الدولي في المنطقة على مصراعيه، بينما اللجوء إلى تركيا وتعزيز الشراكة العسكرية والأمنية معها، لن يكون له تبعات باهظة على المملكة، وستكون هناك فرصة مثالية لإنهاء حرب اليمن وحفظ ماء وجه بن سلمان وإنهاء عملية الاستنزاف التي تعاني منها المملكة حاليًا.

السعودية تشارك في مناورات عسكرية مع اليونان بالضد من تركيا

لكن مع كل اللغط حول التقارب السعودي التركي، إلا أن هذا لم يمنع السعودية من أجراء مناورات عسكرية مع اليونان في شرق المتوسط، والتي قال عنها الرئيس التركي أردوغان، “قيام السعودية بإجراء مناورات مع اليونان أحزننا، سوف نبحث مع المسؤولين السعوديين هذا الأمر، أعتقد كان عليها عدم القيام بذلك”، ورغم أن كلام الرئيس التركي يؤكد وجود اتصالات حيوية وعلى مستوى سياسي عالي بين الجانبين، إلا أن هذا لا ينعني عدم انزعاج تركيا من التصرف السعودي. وفي هذا الشأن، قال الصحفي إبراهيم كارا أوغلو المقرب من الرئيس أردوغان، إن مشاركة الطائرات الحربية السعودية في مناورات عسكرية مع اليونان على الجبهة الغربية ضد تركيا، سيترك ندبة عميقة في ذاكرة تركيا السياسية. وأضاف، بأنها المرة الأولى التي تشارك دولة إسلامية في مناورات عسكرية معادية تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.

لكن مع ذلك عاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ليؤكد رغبة أنقرة في بناء علاقات جيدة مع المملكة ومع باقي دول الخليج حينما قال، إن “أنقرة لا ترى أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع السعودية، وأنها مستعدة للتجاوب مع أي خطوات ايجابية من الرياض والإمارات أيضا”، هذا كله ترافق مع إعلان تركيا عن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجانب المصري، على مستوى سياسي غير متقدم بالوقت الحالي، وفي اعتقادنا، أن التقارب المصري التركي ما كان ليتم لولا الضوء الأخضر السعودي لقادة مصر.

تشكيك قوي بأنباء التعاون العسكري السعودي التركي

بالمقابل، نفى موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ادعاءات تقديم تركيا طائرات مسيرة للمملكة، ووصفها بأنها أخبار مزيفة. وأشار الموقع، بأن زخم الدعاية المناهضة لأنقرة لا يزال مستمرًا في مواقع التواصل الاجتماعي. كما لم يصدر عن السلطات السعودية، أي تعليق حول تأكيد أو نفي لمشاركة طائرات “بيرقدار” في الحرب باليمن. من جانبه، قال محلل صناعة الدفاع التركي، يوسف أكبابا، إن خبر وصول طائرات “بيرقدار” إلى اليمن لمواجهة الحوثيين، لا أساس له من الصحة. وأوضح، أن الطائرات المسيّرة المشاركة من قبل السعودية في حرب اليمن هي من نوع “Vestel Karayel-SU”. ولا توجد أي مشاركة لـ”بيرقدار” في معارك شمال اليمن. وعلى صعيد متصل، قال مصدر إعلامي مقرب من الحكومة التركية، إن مشاركة الطائرات المسيرة “بيرقدار” في اليمن، تبدو أمرًا مستحيلا في الوقت الحالي.

هل تركيا مستعدة أو راغبة بالتعاون العسكري مع السعودية؟

من جانب أخر، هل يا ترى أن تركيا راغبة في التعاون العسكري مع السعودية، بعد هذا التاريخ من العداء والتنافر بين الطرفين؟ فمن جهة، تشعر تركيا اليوم كما هو الحال مع السعودية، بخطر التمدد الإيراني، خاصة بعد أن ثبُت لتركيا، إن إيران تدعم حزب العمال الانفصالي عبر ميليشياتها العراقية، مما يعني أن تركيا تشارك السعودية ذات المخاوف، ولهما مصلحة مشتركة في ضرب الحوثي الموالي لإيران في اليمن. الأمر الأخر، تركيا بحاجة للسعودية من الناحية الاقتصادية، بنفس القدر الذي تحتاج المملكة لحماية تركيا العسكرية في الوقت الراهن.

ولو تسنى للسعودية أن تُقدّم طلبًا لتركيا للتعاون العسكري والأمني معها، فمن غير المرجح أنها سترفض، ولربما كان يمكن للسعودية الخلاص من معظم مشاكلها الأمنية، ولما شهدنا المأساة التي تحدث اليوم في اليمن، ولما تجرأت إيران بدعم انقلاب الحوثي، ولما كانت المملكة مضطرة للتطبيع مع إسرائيل سرًا والسماح لباقي الأنظمة الخليجية للتطبيع علنًا، مقابل حماية مزعومة إسرائيلية لها ولباقي الأنظمة الخليجية.

أما اقتصاديًا، فالأمر كان يمكن أن ينعكس إيجابيًا على السعودية وتركيا وجميع بلدان المنطقة، لما تتمتع به تلك البلدان من موارد اقتصادية هائلة، وكان من الممكن لأبن سلمان، تنفيذ جميع مشاريع رؤية 2030 من قبل الشركات التركية بدلا من نظيراتها الغربية والإسرائيلية التي تبتزه. والأهم من ذلك، كان يمكن للمملكة أن تتجنب دفع الجزية التي دفعتها للولايات المتحدة والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، نظير حماية واشنطن لها.

تركيا اليوم، تمد يدها للسعودية لتجاوز خلافاتهما والبدء بصفحة جديدة يتعاونان فيها على جميع المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وهذا الأمر ربما يكون نواة لتشكيل تحالف سني جديد يقف أمام توغل إيران التي تستخدم التشيُّع كمطية لتوسعاتها. وموقف المملكة الذي لا تحسد عليه اليوم، يُحتم عليها مراجعة سياساتها، وأخذ درسٍ من السنين الماضية، بأن الرهان على الولايات المتحدة، لن يكون هو الرهان الأمن والصحيح لمستقبل المملكة ومستقبل نظام آل سعود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق