تقارير

احتجاز الشيخة لطيفة يكشف توجهات الإمارات الحقيقية من ملف حقوق الأنسان

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

غريب أمر دولة الإمارات وحكامها، ففي الوقت الذي ينفقون فيه مليارات الدولارات، على مشاريعهم وعلى مؤسساتهم الدعائية التي تظهرهم للعالم، كدولة قبلةً للتحرر والانفتاح والحريات، تجد أن أكثر الناس قربى لحكامها، لديهم الاستعداد لأن يفتدون أنفسهم بكل ما يملكون، حتى يفروا منهم، ويعتبرون العيش معهم، مثل العيش في سجن.

فما هو السر الذي يجعل أميرات من هذه الدولة، يُقدِمنَ على الفرار من بلدهن عبر محاولات عديدة؟ هذه الدولة التي أسست وزارة اسمتها بوزارة السعادة، وبنت من المنشأة الترفيهية، ما لا تنافسها أية دولة في العالم، يأتيها السائحون من كل العالم، ليتمتعوا بمختلف أنواح المُتع، منها ما هو حلال وكثير منها حرام، ومع ذلك، لا تجد بنت أحد حكامها، ومن أغنى أغنياء العالم، فرصة لكي تعيش في بلدها بسلام. وتحولت إلى سجينة في قصرها يحتجزها فيه أبيها، ولا يسمح لها بالخروج للعالم، بل إنه يمنع عنها كل وسيلة تواصل مع العالم. ومن نتحدث عنها هي الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي.

هذا الحاكم وباقي حكام الإمارات، لم يأخذوا من الغرب سوى القبعات والقشور التي يرتدوها، والتفاهات والمتع المحرمة التي يمارسوها، وجعلوا من هذا البلد المسلم، بلدٍ لسياحة الجنس بأشكاله المختلفة، وحولوه من بلدٍ يُدِين بعبادة لله، إلى بلدٍ يمتلأ بالأصنام التي تُعبد من دون الله، وبلدٍ لجميع الأديان التي تُنكر وحدانية الله. ومع كل ذلك وفي كل أجواء الحرية التي جعلوها بلا رابط، تراهم يتسلطون على أبناء شعبهم فيحرمونه من حريته، وعلى أولادهم الذين من صلبهم، فيتعاملون معهم بكل وحشية ورثوها من أصولهم المجهولة، وينظرون إلى بناتهم تلك النظرة الدونية التي ليس فيها أي احترام لكرامة المرأة التي أوصانا بها الإسلام.

الشيخة لطيفة تفضح المستور في دولة الإمارات

مؤخرًا ظهرت الشيخة لطيفة بنت نائب رئيس الدولة وحاكم دبي محمد بن راشد، في شريط فيديو صورته خلسة في حمام فيلتها، تشرح فيه وضعها الصعب الذي تعيشه، وكيف أنها محتجزة وليس لها الحق بمغادرة مسكنها ولا التواصل مع أحد عبر أي وسيلة تواصل ممكنة. ومن بين ما كشفته لطيفة، إنها سجينة من قبل والدها منذ محاولتها الأخيرة للهروب عام 2018، وإنها تشعر بالقلق على سلامتها، وأن الشرطة تهدّدها بعدم رؤية الشمس مرة أخرى. وأوضحت لطيفة، إنها تصور من حمام فيلتها، لإنه المكان الوحيد الذي تستطيع فيه إقفال الباب على نفسها، مشيرة إلى أن باب غرفتها من دون مفتاح كي لا تستطيع إغلاقه.

يُذكر أن الشيخة لطيفة، حاولت الفرار مرتين من دبي، لكنها أُعيدت قسرًا، الأولى عام 2002 واستطاعت الوصول إلى عُمان، ولكنها أعيدت وسجنت لثلاث سنوات وأربعة اشهر. وفي الثانية، عام 2018، تمكنت من الوصول للمياه الدولية برفقة صديقتها المقربة الفنلندية تينا جوهياينن، لكنها أيضًا أُعيدت بالقوة.

جهات دولية تطالب بمعرفة مصير الشيخة لطيفة

ظهور لطيفة بمقطع الفيديو، جاء بعد انقطاع دام مدة سنة، فيما تقول مصادر أخرى أن الفيديو أصلًا قد تم تصويره بوقت مبكر بعد اعتقالها إثر محاولتها الثانية للهرب، مما يلقي ظلال الشك على مصيرها، وإن كانت حية أم ميتة.

ففي هذا الشأن، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، إنّ بريطانيا تريد أن ترى دليلاً على أنّ ابنة حاكم دبي المفقودة “على قيد الحياة وبصحة جيدة”. وأضاف راب: “بالنظر إلى ما رأيناه للتو، أعتقد أنّ الناس سيرغبون في التأكّد من أنها على قيد الحياة وبصحة جيدة”. من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: “هذا أمر يثير قلقنا بالتأكيد”.

يُذكر أن محكمة بريطانية، كانت قد قضت قبل أحد عشر سنة، بأن حاكم دبي أمر بخطف اثنتين من بناته، هما لطيفة وشمسة، والأخيرة كانت قد حاولت الفرار من والدها عندما كان عمرها 18 عاماً، حينما كانت تمضي إجازة في إنكلترا. لكن بعد شهرين من فرارها تمّ العثور عليها، وتخديرها، وإعادتها إلى دبي. وفي عام 2019، نظر القضاء البريطاني في دعوى أقامتها الأميرة هيا الزوجة السادسة لحاكم دبي بعد أن فرَّت بصحبة وليدها إلى لندن.

وعلى صعيد متصل، انضمت الأمم المتحدة إلى المطالبين بمعرفة مصير لطيفة، وطالبت وفي 19/2/2021 بضرورة أن تُثبت الإمارات إنها على قيد الحياة. وأعلنت الأمم المتحدة عقب انتشار فيديوهات لطيفة، عن نيتها رفع قضية احتجاز الأميرة لطيفة، إلى السلطات الإماراتية، وذكر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أنه سيستجوب الإمارات بشأنها.

وكانت وسائل إعلامية قد نشرت قبل انتشار مقاطع الفيديو الأخيرة للشيخة لطيفة، صورًا للرئيسة الأيرلندية السباقة “ماري روبنسون” وهي تزور لطيفة وتؤكد سلامتها، لكنها قالت بوقت لاحق، إنها تعرضت للخداع آنذاك، وتم تضليلها، على اعتبار أن الشيخة لطيفة مريضة، وانضمت روبنسون والتي تشغل منصب المفوضية الأممية السامية لحقوق الانسان، إلى المطالبين لتحرك دولي يهدف التعرف على وضع ومصير لطيفة، ومكان احتجازها. وفي التسجيل، شجبت لطيفة موقف روبنسون، حينما قالت عنها إنها شابة مضطربة ولديها مشاكل طبية ونفسية، رغم أنها كانت تعرف أنني في حالة جيدة، وهذا كذب، وتم خداعها.

وإزاء كل تلك المطالبات بمعرفة مصير الشيخة لطيفة، ردت الإمارات عبر سفارتها في لندن بالقول، إن الشيخة لطيفة تحت رعاية أسرتها وأطباء في منزلها، وإنها تواصل التحسن ونأمل أن تعود إلى الحياة الطبيعية في الوقت المناسب. مضيفة، أن التغطية الإعلامية لا تعكس الوضع الحقيقي.

لطيفة ليست المختفية الوحيدة ولا نظنها ستكون الأخيرة

ولا تعتبر لطيفة هي الوحيدة التي تعرضت لهذا الاختفاء وسوء المعاملة من أحد حكام الإمارات، فلقد أشارت لطيفة إلى موضوع عدم معرفة مصير شقيقتها “شمسه” التي هربت عام 2020 حينما كانت في بريطانيا في زيارة، لكن عملاء يعملون لصالح الإمارات، استطاعوا العثور عليها في كامبريدج، وجرى تخديرها هناك، واختطافها ونقلها بطائرة مروحية. وكتبت لطيفة للشرطة البريطانية، تطالبها بإعادة فتح التحقيق في خطف شقيقتها الأكبر (شمسه) التي كانت بالغة من العمر حينها 18 سنة فقط حين اختطافها، ولم تظهر علنًا من ذلك الحين.

أما الزوجة السادسة لحاكم دبي محمد بن راشد، الأميرة “هيا بن الحسين” فقد نجحت بالهرب من الإمارات إلى لندن برفقة ولديها “الجليلة” و”زايد” عام 2019، وقالت الأميرة “هيا”، إنها تخشى على حياتها وطلبت من محكمة بريطانية، حماية ابنتها البالغة من العمر 11عامًا من الزواج القسري. وكانت الأميرة هيا قد كشفت أن علاقتها انهارت مع محمد بن راشد، بعد وقت قصير من قيامها بزيارة لابنة زوجها، لطيفة، والبدء في طرح أسئلة حول شمسه، مما يعني أن مصيرًا خطيرًا قد أصاب الشيخة شمسه.

وفي هذا الصدد، تساءلت قناة ألمانية عن مكان أبنة حاكم دبي شمسه، بعد أن قامت الملكة “نور” زوجة العاهل الأردني الراحل الملك حسين، بالمطالبة بالكشف عن مصير الأبنة الكبرى لحاكم دبي. في الوقت الذي قرر قاض بريطاني، إن محمد بن راشد، يحتفظ بابنتيه لطيفة وشمسه أسيرتين، وأنه اختطف الاثنتين في مناسبات منفصلة.

محاولات الهروب المتكررة تحرج الأمارات وبريطانيا

وفي سياق ذي صلة، قالت صحيفة التايمز البريطانية، إن التسريبات الأخيرة التي نشرت عن وضع الشيخة لطيفة، يعتبر أمرًا محرجًا للعلاقة الخاصة بين ملكة بريطانيا وحاكم دبي، الذي يحتفظ بصداقة خاصة مع الملكة البريطانية بسبب حبهما لسباق الخيول. ولطالما شارك الملكة في مقصورتها الخاصة في سباقات الخيل. لكن الملكة وبعد افتضاح أمر اختطاف أبنتيه، قررت تجنب التقاط صور معه. وذهب الصحيفة إلى أن قرار المحكمة العام الماضي عن محاولات حاكم دبي باختطاف ابنتيه، هدد بتوتر العلاقة بين بريطانيا والإمارات، وأثار شكوك، على أن الحكومة البريطانية ربما ضحَّت بحقوق الإنسان لحماية حليفها، حينما منعت الشرطة البريطانية من التحقيق في اختفاء الأميرة الكبرى، شمسة. وهناك أسئلة حول إذا ما حاولت وزارة الخارجية البريطانية، منع التحقيق في اختطاف شمسة من كامبريدج عام 2000، والتي كانت تتذرع حينها بحماية المصالح البريطانية.

لكن الصحيفة، استدركت وقالت بأن العلاقة الإماراتية البريطانية أكبر من موضوع العلاقة الخاصة التي تربط حاكم دبي بالملكة البريطانية، أنما العلاقة تتضمن مصالح اقتصادية وسياسية. فقد ساهم الشيخ محمد بتحويل دبي لمركز تجاري وسياحي، وأن السياح البريطانيون يأتون بالمرتبة الثالثة بعد السعوديين والهنود.

وفي هذا كله، يتساءل مراقبون، كيف أن دولة الإمارات التي تدعي إنها تأخذ ركب الحضارة بكل أنواعها، وأنها الدولة العربية الوحيدة في المنطقة التي اطلقت مسبارًا إلى المريخ، لكنها بنفس الوقت ترتكب اقسى انتهاكات حقوق الانسان بحق أفراد من العوائل الحاكمة في الإمارات؟ وإذا كان هذا ما يحصل مع أبناء وبنات العوائل الملكة، فكيف هو أمر تعاملهم مع المواطنين الإماراتيين العاديين؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق