تقارير

وسم “الراتب ما يكفي الحاجة” يعود مرة أخرى ليلقي الضوء على معاناة مواطني المملكة

خاص – مركز جزييرة العرب للدراسات والبحوث

مرة أخرى يعود الوسم القديم “#الراتب_ مايكفي_الحاجة” للظهور، ليعبر فيه مواطني المملكة عن شكواهم من غلاء المعيشة والظروف المعاشية السيئة التي يعيشها المواطن، وعدم كفاية رواتب الموظفين لتلبي الحاجات الأساسية في حياته، وإذا كان الحال المأساوي هذا للموظف، فكيف الحال بالعاطلين عن العمل؟ والذين تزداد اعدادهم يومًا بعد يوم، في ظل سياسات اقتصادية ارتجالية غير مدروسة، وفي ظل إنفاقٍ بلا حدود ممن يتحكم بمقاليد الحُكم فعليًا في المملكة.

وكان وسم “الراتب ما يكفي الحاجة”، قد ظهر لأول مرة عام 2013، حينها تصدر هذا الوسم الترند العالمي في موقع تويتر وفاق عدد التغريدات المشاركة فيه، على 17 مليون تغريدة، ليشكل ضربة لنظام الحكم السعودي، وعملية تعرية له أمام العالم، بسبب ما يقترفه بحق المواطنين من إجراءات اقتصادية جائرة، جعلت مستويات البطالة والفقر ترتفع لمستويات غير معهودة، وكأن المملكة واحدة من دول أفريقيا الفقيرة.

لقد كان الوسم حينها، بمثابة احتجاج شعبي على أسلوب السلطات السعودية في إدارة الاقتصاد السعودي، عبَّر فيه المواطنون عن غضبهم وشكواهم من الحال الذي يعيشونه، وما زاد غضبهم، هو رد السلطات السعودية على لسان كتَّابها وصحفيها، حينما أحالت الأسباب لهذا التردي الاقتصادي، إلى المواطن، واتهمته بالإسراف على ملذاته وسفره ونمط الحياة الذي يعيشه، فيما برأت السلطات نفسها من أي مسؤولية اقتصادية تترتب عليها. ففي هذا الشأن كتب “علي الجحلي” في أحدى صحف النظام، وفي معرض ردهِ على تلك الشكاوى، إن “المواطن السعودي يتابع الموضة، ويحاول استخدام أرقى الماركات التجارية سواء في الملابس أو الساعات أو السيارات أو الأثاث أو حتى السكن. مما يدفع الكثيرين للاقتراض للوصول لمستويات أعلى من مستويات دخول من هم في المستوى الوظيفي نفسه في دول أخرى. فهو يقضي الإجازات في دول أوروبا وآسيا ويصرف ببذخ في السكن والمتعة هناك”. لكن هذا الكاتب نسي، كيف يعيش أمراء المملكة وحاشيتهم من بذخٍ مبالغٍ فيه، في الوقت الذي توجد عوائل سعودية تعيش تحت مستوى خط الفقر.

ثم عاد هذا الوسم عام 2016، وبوتيرة أعلى، ليكشف عن حالة المواطن السعودي كيف ازدادت سوءًا، بعد كل الوعود التي أطلقتها السلطات السعودية لتخدع بها مواطني المملكة. ومع حلول هذه السنة الجديدة 2021، نرى أيضًا تجديد ذات الوسم ليُعبر عن ذات الشكوى، في دليلٍ قاطع على أن الإجراءات السعودية وطيلة ثمانِ سنوات خلت، لم ينعكس أثرها في تحسين حال المواطن المعيشي، أو إيجاد حلول ناجحة لمعالجة مشكلة البطالة، أو حتى تخفيف حالة الإرهاق التي يعاني منها بسبب زيادة الضرائب عليه. ففي هذا الشأن، كشف حساب “مجتهد” النقاب عن أن سلطات نظام آل سعود جنت نحو 400 مليار ريال (106.64 مليارات دولار) من وراء فرض ضريبة القيمة المضافة، وهذا المبلغ الضخم، يمكن أن يدفع بها رواتب ضخمة لملايين العاطلين، أو رفع الرواتب لآلاف الموظفين، أو بناء 400 ألف وحدة سكنية، أو بناء 400 مستشفى، أو بناء 40 ألف مدرسة. ونوه “مجتهد” إلى أن مقابل الزيادة الخطيرة في نسبة البطالة، فإن مشروع مدينة نيوم يضم 60 ألف موظف بينهم 200 سعودي فقط أي أقل من 1%.

مواطني المملكة وتناقضات السلطات الحاكمة

وفي ظل كل هذه المعاناة التي يعاني منها المواطن السعودي، يجد المواطن، أن سلطات بلده، لا تأبه بمعاناته، وتتصرف وكأن شيئًا لم يكن، فهي غارقة في إسرافها على ملذاتها، كما يفعل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ففي هذا الشأن، أشار مغردون، إلى الأموال الطائلة التي أسرفها بن سلمان، على مقتنياته الشخصية، مثل شرائه ليخت بحري بقيمة نصف مليار دولار، ولوحة فنية بـ450 مليون دولار، وقصر فرنسي بما يقارب 300 مليون دولار. لم يتوقف هذا البذخ على ولي العهد، بل أن رئيس هيئة الترفيه بالسعودية تركي آل الشيخ مثلًا، قام بإهداء تمثالا من الذهب للأمير بدر بن عبد المحسن. فضلا عن الهدايا التي تُقدم للفنانين والمغنيين، والجميع يعلم بأن هذه المنح والعطايا هي من أموال الشعب وثرواته، استولت عليها العائلة المالكة وتتصرف بها كملكية خاصة، تُبددها كيف ما تشاء، في الوقت الذي يعاني منه المواطن الأمرين لتوفير لقمة العيش. وندد عدد من النشطاء، بسياسة النظام في حربه الطويلة باليمن، والتي استنزفت ثروات المملكة دون طائل. وفي الوقت الذي يطلب من الشعب التقشف، يعمل على زيادة مخصصات الأمراء والمسئولين التابعين له، ويبرم صفقات أسلحة مع واشنطن بأكثر من 450 مليار دولار.

أما سياسيًا، فلا تزال السلطات السعودية تتدخل في البلدان التي تسعى شعوبها للتحرر من ربقة الأنظمة المستبدة، فتجدها تنفق المليارات لدعم تلك الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبها، فقط بسبب خشيتها انتقال “عدوى” الثورة والتحرر إلى شعبها. ولم تفطن تلك السلطات إلى حقيقة أن الشعوب إنما تثور بسبب حالة العوز والفقر التي تعيشها، ولو أنفقت تلك الأموال على شعبها وحسَّنت سبل معيشتهِ، لما رافقها شعور الخوف من انقلابِ شعبه عليه، واستمرار السلطات السعودية في ضغطها على المواطن ومحاربته في معيشته، هي من ستكون سبب ثورته، ورفع صوته امام هذا النظام، إن السلطات السعودية تدفع شعبها بالقوة للثورة. وفي هذا حذر نشطاء، من أن استمرار النظام السعودي في سياساته الرعناء، ستدفع الشعب للغضب والنقمة ثم الثورة ضد هذا النظام.

المواطن السعودي حينما يرى حالة البذخ التي يعيشها ولي العهد وباقي امراء آل سعود، يجعله يشعر بالحيف، لأن هذا البذخ في حقيقة أمره، هو من ثروات شعب الملكة الذي هو أحق بها، في الوقت الذي يُكافح المواطن البسيط لتأمين لقمة عيشه مع أبنائه. ولا يجد المواطن في المملكة مبررًا للحروب التي يشنها بن سلمان هنا وهناك، في اليمن وفي ليبيا وغيرها من مناطق العالم، كان يفترض أن تنفق الأموال التي احترقت في تلك الحروب، على شعب المملكة، وعلى تنمية وطنهم.

أما فيما يتعلق بمشاريع بن سلمان الخيالية التي أحرق فيها مليارات الدولارات دون طائل، فأن مواطني المملكة يجدون أنفسهم أولى بتلك الأموال، لأن هذه المشاريع، لم تعود عليهم بأية منفعة، رغم الدعاية التي تشنُها وسائل بن سلمان الإعلامية، على أن هذه المشاريع ستُقلل البطالة وترفع الدخل القومي وتنهي الاعتماد على النفط، وغيرها من الاحلام الوردية التي يريد بها خداع شعبه. وفي هذا الصدد، يُجمع المراقبون، على أن كل الشعارات التي رفعها بن سلمان بشأن الإصلاحات الاقتصادية، جاءت نتائجها بالعكس، ومصداق ذلك، هو التضييق على أرزاق المواطنين ورواتبهم وتصعيد فرض الضرائب الحكومية، ووقف مخصصات المساعدات. وحتى الاستثمارات الخارجية التي بشَّر بها، تراجعت من 8.1 مليار دولار في العام 2015 إلى 4.5 مليار في العام 2019 ولا نعلم كم ستكون في هذا العام.

شعب المملكة يكسِرَ حاجز الخوف

كل هذه المضايقات التي يفتعلها نظام آل سعود، جعلت مواطني المملكة، يكسرون حاجز الخوف، ويقدمون على الخروج في تظاهرات احتجاجية، ضد إجراءات بن سلمان التقشفية، وتتوالى الأخبار هذه الأيام عن حملة اعتقالات في مدينة بريدة في القصيم بعد الاحتجاجات التي انطلقت هناك، ونشر ناشطون فيديوهات تظهر مئات الشبان في حالة صدام مع قوات الأمن السعودية.

وبسبب افتضاح أمر هذه التظاهرات الاحتجاجية، وفشل النظام بالتغطية عليها، قام حساب قوات الأمن السعودي بالإعلان عن إيقاف عدد من المواطنين بحجة امتناعهم عن التجاوب مع رجال الأمن أثناء مباشرتهم لتجمع مخالف للائحة الحد من التجمعات.

أن من المتفق عليه بين الجميع، أن من أهم أسباب ثورات الشعوب، هو حينما تصل الأمور لدرجة المساس بقوتها، وما نراه في المملكة، إن من يتحكم بالمملكة، لا يراعي هذه الحقيقة، ويستمر في ضغطه على الشعب في هذه النقطة الحساسة، وليس مستغربًا أن يثور شعب المملكة إذا ما استمرت السلطات الحاكمة في مسيرتها الحالية واستمرارها في نهجها السياسي والاقتصادي ذاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق