تقارير

بعد مرور ثلاث سنوات على مقاطعة قطر … شركاء السعودية متفاجئون من تغيير موقفها

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تفاجأت الشعوب العربية بخبر المصالحة المزمع عقدها بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية، بعد قطيعة دامت لثلاث سنوات، هذه المفاجأة لم تقتصر على الشعوب، إنما حتى الأنظمة المشاركة بالمقاطعة، تفاجأت هي الأخرى، مما جعلها تحجم عن التصريح عن مواقفها الرسمية حتى الأن.

ورغم علم الجميع بأن الإعلان السريع عن هذه المصالحة، جاء بعد زيارة جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقطر والسعودية، لكن الملاحظ أن كوشنر لم يتكبد عناء زيارة باقي دول المقاطعة لحثها على اتخاذ نفس الخطوة السعودية، مما يعطي رسالة واضحة من الإدارة الأمريكية، بأنها لا تنظر لباقي الدول بالأهمية ذاتها التي تنظر بها إلى المملكة، الأمر الذي يفتح الأبواب واسعة لردود أفعال غاضبة من تلك العواصم الثلاثة المشاركة بالمقاطعة.

يُذكر أن المقاطعة التي قامت بها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر منذ منتصف عام 2017، جاءت إثر اتهام الدوحة بدعم الإرهاب، وتنفي قطر تلك الاتهامات جملة وتفصيلا. وحددت دول المقاطعة، 13 طلبًا من قطر لأجل عودة العلاقات معها بشكل طبيعي، كان من بينها، إغلاق قناة الجزيرة وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على أراضيها، بالإضافة إلى قطع علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين.

وفي الوقت الذي أعلن فيه مسؤولين أمريكيين وخليجيين، عن إن الرياض والدوحة، قد توصلتا إلى اتفاق مبدئي لإنهاء الأزمة بينهما، وجدت المملكة نفسها قد وضعت بموقف المتخلي عن تلك المطالب، وأنها ذهبت للمصالحة منفردة دون شريكاتها الثلاثة؟

ولأجل ذلك، عمِدت المملكة في محاولة منها لحفظ ماء وجهها، بالإيعاز لوسائل الإعلام التابعة لها، وعلى لسان مسؤوليها السابقين أو الحاليين، لتصوير هذه المصالحة بأنها حاجة قطرية ملحة قد استجابت لها المملكة، بسبب حلفاء قطر الحاليين، واقعين في مشاكل إقليمية كبيرة. مثل تركيا التي هي أقرب الحلفاء لقطر، تمر بأزمة نتيجة تقلب أوضاعها الاقتصادية، وأن قطر تعاني ضغطًا اقتصاديًا بسبب مقاطعة جيرانها لها، وسعي قطر لإنجاح كأس العالم الذي ستستضيفه عام 2022 على أراضيها وغيرها من الأسباب.

لكن الذي فات المتحدثين السعوديين ذِكرهُ، هو أن المملكة هي من بأمس الحاجة للمصالحة مع قطر، بسبب تعرضها لضغوط كبيرة من الجانب الأمريكي، ورغبة الأمريكان بحرمان الجانب الإيراني من الأموال التي تتدفق عليها من قطر بسبب تحليق طائراتها مجبرة بأجوائها بدلًا من الأجواء السعودية، بالإضافة للعزلة التي تعاني منها المملكة دوليًا بسبب سياساتها المتخبطة في المنطقة، وخوفها الشديد من مجيء بايدن للرئاسة، وما يمكن أن ينتهجه من سياسة غير متساهلة معها. ومع هذا، فالحقيقة، أن كلا الدولتين بحاجة لهذه المصالحة وانهاء هذه المقاطعة التي بلا معنى، حتى يتغلبا على الصعوبات التي تمر بها المنطقة بشكل عام.

ما موقف دول المقاطعة من هذه المصالحة وموقف باقي دول الخليج؟

لقد بات مؤكدًا إن الدول الثلاث، مصر والإمارات والبحرين، لم يكن لها علمًا بحيثيات المصالحة، ولا الأسباب التي دعت السعودية للجنوح إليها، من أجل ذلك كان الصمت سيد الموقف لجميع تلك الدول. فحتى الأن لم يصدر أي موقف رسمي من الإمارات والبحرين ومصر تجاه إعلان المصالحة. في الوقت الذي رحبت سلطنة عمان والكويت بالمصالحة، واعتبرتا نفسيهما بأنهما قد شاركا فيها إلى حد ما، رغم أن المصالحة الأخيرة كانت بضغوط أمريكية بحتة، هذا ما جاء على لسان وزير الخارجية الكويتي، أحمد ناصر المحمد الصباح، صراحة حينما قال، “نشكر مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر على النتائج المثمرة لحل القضية”.

وبالتأكيد فأن طرفي المصالحة، كانا أيضًا سعيدان بإعلان المصالحة، فقد أشاد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بجهود الكويت لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الخليجية، في الوقت الذي كتب وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن، تغريدة يشيد بها بوساطة الكويت والولايات المتحدة بحل الأزمة.

لكن الجانب الإماراتي ورغم الصمت الرسمي لها حيال مبادرة الصلح بين قطر والسعودية، إلا أن مقربين من ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، كتب تغريدة استفزت السعوديين كثيرًا، قبل أن يعمد إلى إلغائها، فقد غرد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، عبدالخالق عبدالله، على تويتر قائلًا، “لن يتحرك قطار المصالحة الخليجية مليمترًا واحدًا بدون علم وبدون موافقة وبدون مباركة الإمارات المسبقة”.

الأمر الذي اغضب السعوديين، ليرد عليه الكاتب السعودي تركي الحمد المقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بقوة.

ويجمع مراقبون، على أن دولة الإمارات، كانت تشكل حجر الزاوية في إشعال فتيل الأزمة الخليجية وتصعيدها على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وسعت لإفشال جهود التوصل إلى حل لها.

مصريًا رأى عضو مجلس النواب المصري السابق، “عماد جاد”، أن “السعودية اتخذت موقفا منفردا بالمصالحة مع قطر”، مشيرا إلى أن “الموقف المصري الآن بعيد عن أجواء المصالحة”. وأضاف، إن “مطالب مصر لم تؤخذ بعين الاعتبار”، مستبعدا وجود تنسيق بين الرباعي في المصالحة الحالية. هذا الموقف المصري غير الرسمي، يعطي انطباعًا عن مدى الانزعاج الذي تشعر به مصر من هذه المصالحة، وغضبها من عدم استشارتها أو التشاور معها قبل الاقدام عليها. وعلى ما يبدو، أن النظام المصري لا يريد لهذه المصالحة أن تتم دون أن يقبض ثمن ذلك من قطر، ويأتي على رأس تلك الاثمان، موضوع استضافة قطر لقيادات إخوانية على أراضيها، والانتقادات التي تشنها قناة الجزيرة على النظام المصري وتصفه بالنظام الانقلابي والقمعي.

وبالرغم من أن تقارير إعلامية أمريكية، ذكرت أن الرئيس الأمريكي ترامب، اجرى اتصالًا هاتفيًا مع السيسي، للضغط عليه للموافقة على المصالحة التي دخلت فيها الرياض، لكن يبدو أن القاهرة ما زالت حتى الأن غير مستعدة للاستجابة لترامب، بالأخص وأن الأخير يستعد لتوديع الرئاسة بعد أسابيع قليلة. لكن مع ذلك، بدأت مصر باتخاذ خطوة خجولة لتهدئة الاجواء مع قطر من خلال تغيير السياسات الخبرية في وسائلها الإعلامية تجاه الدوحة، كذلك نفس الامر فعلته قطر التي قامت تخفيف انتقاداتها لسياسات السيسي.

وفيما يتعلق بموقف البحرين، فقد انبرت المواقف غير الرسمية من هذه الدولة، لتملأ الفراغ الذي خلفه الصمت الحكومي إزاء المصالحة، لكنها جاءت أكثر ليونة ومتناغمة مع الموقف السعودي بشكل عام، فقد صرح المحلل السياسي البحريني سعد راشد قائلًا، “هناك تنسيق بين الدول المقاطعة في المصالحة”، مستبعدا أن تكون السعودية تحركت بمفردها في هذا الاتجاه. لكنه استدرك قائلًا: “البحرين والإمارات ومصر لديها أيضا شروط خاصة لكل منهم”. لكن البحرين، حاولت إبداء استيائها من عدم استشارتها بموضوع المصالحة مع قطر، من خلال صحافتها التي انتقدت تلك المصالحة، فقد كتبت “سوسن الشاعر” المقربة من الديوان الملكي في مقالها: “عتبنا ليس على الأمريكان الذين يبحثون عن مصالحهم في غلق هذا الملف، إنما عتبنا على أشقائنا الذين يعلمون كم حجم التعديات القطرية وضررها وخسارتنا، ومع ذلك ما زالوا يطالبون البحرين بالسكوت عن حقها”.

فتح المجال الجوي والبري السعودي أمام قطر على رأس أولويات المصالحة

وفي الأثناء، نقلت وكالة “بلومبرج” الأمريكية عن مصدرين، من المرجح أن يشمل التقارب السعودي القطري، إعادة فتح المجال الجوي والحدود البرية بينهما، بالإضافة إلى وضع حد للحرب الإعلامية بينهما. وأوضحت الوكالة، أن “قطر تدفع ملايين الدولارات لإيران مقابل استخدام مجالها الجوي”. وفي تسريب، قامت به محطة التلفزيون الأمريكي “”NBC قالت أن “صفقة المصالحة تقوم على أن تفتح السعودية أجواءها أمام الطيران القطري التجاري، في مقابل أن تسقط قطر دعوى قضائية رفعتها ضد هذا الإغلاق أمام المحاكم الأمريكية والعالمية ودفع تعويضات عن الضرر الذي وقع بسببه”. لكن مع ذلك، فحتى الأن، لم نرى شيء على الأرض، سوى الهدنة الإعلامية بين السعودية وقطر، والتي لوحظت خلال الأيام الأخيرة.

لماذا تُقدم السعودية على مصالحة قطر في هذا الوقت؟

من الراجح المملكة السعودية، تسعى الى ترتيب اوراقها الخارجية والداخلية قبيل وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض، ومحاولتها في تهدئة الاجواء المشحونة عربيا وإقليميا، حتى لو كان على حساب حلفائها، يأتي ضمن هذا الإطار. كما أن وجود القاعدة التركية في الدوحة وعلاقات الأخيرة مع تركيا، لم تعد تحظى بمعارضة سعودية كما في السابق، وترى الرياض أن من مصلحتها احتواء الدوحة في المرحلة الأميركية المقبلة، خاصة مع مشاعر الريبة التي تكنها المملكة تجاه سلطنة عمان وموقفها مما يحدث بعد تولي هيثم بن طارق الحكم. وعلى ما يبدو أن السعودية واثقة من اقناع باقي دول المقاطعة للمضي بطريق المصالحة مع قطر، وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل فرحان، “جميع الأطراف المعنية ستكون مشتركة في الحل النهائي، وأن بلاده تتعاون مع شركائها، ونرى احتمالات إيجابية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق