تقارير

هل وصول جو بايدن للرئاسة سيكون سببًا لإعادة الدفء للعلاقات السعودية التركية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

غطت أخبار التقارب السعودي القطري هذه الأيام، وإمكانية حل الخلافات المستحكمة بينهما، على أخبار التقارب السعودي التركي الذي سبقه بأيام، وربما يعود السبب في ذلك، إلى رفض تركيا أن يكون المضي بخطوات التقارب على حساب حليفها الأوثق خليجيًا وهي قطر، لكننا في الوقت الذي نرى البيانات الصادرة من مختلف العواصم الخليجية، والتي تؤكد خصول اختراق كبير في تحسين العلاقة السعودية القطرية، فمن المؤكد إن الخطوة اللاحقة ستكون الإعلان عن تطورات إيجابية في العلاقة السعودية التركية، ليتم بعدها طوي صفحة الأخطاء التي ارتكبتها القيادة السعودية في سياساتها الخارجية على مدار السنوات الأخيرة.

ما الأسباب التي جعلت السعودية تعيد النظر في علاقاتها مع تركيا؟

يرجع تاريخ توتر العلاقة السعودية التركية، إلى حادثة اغتيال الصحفي السعودي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، على يد فرقة سعودية متخصصة بالاغتيالات، حينها لم تستطيع المملكة الخروج من الاحراج السياسي الدولي الذي وقعت فيه بعد افتضاح أمرها. ورغم الدعم الأمريكي للسعودية والوقوف إلى جانبها في هذا الموضوع، لكن المملكة تضررت في سمعتها الدولية بشكل كبير، لا سيما بعد أن اتجهت أصابع الاتهام لولي العهد السعودي في إعطاء أمر تنفيذها.

وعلى هذا الأساس، فأن عددًا كبيرًا من المراقبين، اتفقوا على أن السبب الرئيسي في تغيير موقف المملكة من العلاقة مع تركيا، ومحاولة إعادة الدفء إليها، يعود سببه بشكل رئيسي، للتغيير المرتقب في الإدارة الأمريكية، وذهاب ترامب ومجيء بايدن للرئاسة، بالإضافة إلى أسباب أخرى ساهمت في تغيير الموقف السعودي من تركيا.

فعلى الرغم من أن الملفات التي يختلف فيها البلدان، ليست بالسهولة التي تذيبها لقاءات واتصالات حدثت خلال الأيام الماضية بين المسؤولين السعوديين والأتراك، لكن رحيل ترامب عن الرئاسة، جعل المملكة تقوم بالتراجع عن كثير من الملفات العالقة مع تركيا وتتركها جانبًا، مثل موقف البلدين من جماعة الإخوان المسلمين وشعور المملكة بالخطر من تركيا جراء منافستها لزعامة العالم الإسلامي السني، وغيرها من القضايا.

بالمقابل، لدى المملكة أوراق يمكنها أن تفاوض عليها تركيا، مثل دعم المملكة لمنظمة (قسد) في سوريا والمرتبطة بحزب العمال الكردستاني، ناهيك عن مواقف المملكة الداعمة لليونان وفرنسا في موقفهما المعادي لتركيا في حقها بثروات شرق البحر الأبيض المتوسط. ومن المفيد أيضًا بالنسبة لتركيا، أن تتعامل مع الرغبة السعودية في تحسين العلاقة معها، بطريقة سلسة وأكثر انفتاحًا لا سيما وأن تركيا تعاني من مشاكل كبيرة في محيطها الخارجي، وحكومة أردوغان لديها مشاكل داخلية تتعلق باقتصادها، فالليرة التركية تتعرض لهبوط مستمر، وضغوط في قطاع الأعمال، وتوقف السياحة نتيجة انتشار جائحة كورونا، وبالتالي فأن تحسن العلاقة مع السعودية سيعني استمرار تدفق السلع التركية للسعودية، وانتعاشًا للاقتصاد التركي واستمرارًا لعجلة إنتاجه.

لكن كل هذه الخلافات تم تجاهلها من قبل المملكة، بسبب ما تتوقعه من إجراءات غير ودية من الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه السعودية، خاصة في موضوع اغتيال جمال خاشقجي الذي تُمسك تركيا بخيوطه بشكل كبير وقادرة على تفعيله أو اخماده إذا شاءت. ويمكن القول أن السعودية تحاول إعادة ترتيب تحالفاتها الإقليمية، فهي تعاني الأن من عدم وجود شركاء إقليمين يمكنها الاعتماد عليهم، والإمارات ومصر لا يمكن أن يقوموا بمثل هذه الشراكة المؤثرة. وبالتالي فالمملكة تحتاج إلى شريك أفضل يساعدها في تخفيف الأعباء الدولية عليها، وتثق به. وفيما يبدو أن المملكة، قد أدركت أخيرًا، أن الاستثمار في دعم السيسي، قد لا يساعدها في مواجهة التحديات الاستراتيجية الناجمة عن سيطرة إيران على اليمين.

لذلك جاءت تحركات المملكة تجاه تركيا، لتجس النبض عن مدى قدرة تركيا على تجاوز خلافاتها معها، والبدء من جديد بعلاقة جيدة مع المملكة، في ظل هذه التغييرات على الساحة الدولية، ومن الجدير بالذكر، إن تركيا هي الأخرى لا تشعر بالارتياح من توجهات بايدن الخارجية، استنادًا إلى رسائل التهديد التي وجهها ضدها أثناء حملته الانتخابية. وبالتالي فأن البلدان ربما مقتنعان الأن، أن مصلحتهما تأتي عبر تنسيق مواقفهما السياسية وتعضيدها وعدم الدخول في تحالفات متضادة، ستكون نافعة أمام السياسة العدائية التي يُمكن لبايدن أن ينتهجها ضدهما، حتى لو كانت في حدها الأدنى من التنسيق.

ما رد فعل باقي الأطراف من التقارب التركي السعودي؟

ومن البديهي أن يتم التساؤل عن مواقف بعض دول المنطقة، حول طبيعة رد فعلها إزاء هذه الرغبة السعودية في تحسين علاقاتها مع تركيا، فمن المرجح أن هذا التقارب لن يكون سارًا بالنسبة لدولة مثل الإمارات التي تُعتبر من أهم حلفاء المملكة بالمنطقة لحد بضعة أيام، فالعداء الذي تكنّه الإمارات لتركيا هو أعمق بكثير من الخلافات التي أصابت العلاقات التركية السعودية، وهناك اتهامات تركية للإمارات بدعمها للانقلاب الفاشل على أردوغان عام 2016، وتقود الإمارات حملة استخباراتية وإعلامية وحتى اقتصادية على تركيا منذ وقت طويل، وتعتبرها غريمها الأساسي في المنطقة، بسبب إيواء تركيا لقيادات جماعة الاخوان المسلمين، وبعض قيادات حركة حماس. وبالتالي فأن الإمارات لا يمكن أن توافق على مثل هذا التقارب، وستحاول جاهدةً تقويضه، لكن بالمقابل، نرى أن السعودية اليوم، تعيش حالة برود في علاقتها مع الإمارات، بسبب أتخاذ الأخيرة مواقفًا بالضد منها سواء في اليمن أو في مواقف دولية أخرى، كان أخرها في موضوع الاتفاق على حصص الإنتاج النفطي خلال اجتماعات أوبك +.

أما فيما يتعلق بدولة مثل البحرين، فهي غالبًا ما تكون مواقفها متوافقة مع الطرف السعودي، وقد لاحظنا كيف تم الاتصال بين الرئيس التركي وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، بعد وفاة رئيس الوزراء البحرين، الأمر الذي يشير إلى رغبة سعودية قوية بتصحيح العلاقة بينها وبين تركيا، والتي تنعكس بشكل مباشر على المواقف البحرينية.

وفيما يتعلق بالموقف المصري، والتي لديها ملفات خلافية عميقة مع تركيا، فأن المرجح أن يتصرف الرئيس المصري كرجل برغماتي، في علاقاته الدولية، لأنه يشعر بالخطر من مجيء بايدن إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، ولأجل ذلك قام السيسي بخطوات استباقية لتحسين ملف حقوق الانسان داخل مصر، ومن المتوقع أن يقوم بإصلاح علاقاته مع بعض الدول، حتى لا يكون معزولًا ووحيدًا أمام بايدن. وأن أي تحسن على علاقة السعودية بتركيا، سينعكس إيجابيًا على علاقة مصر بتركيا. لا سيما وأن مصر تعتمد بشكل كبير على المملكة في المجال الاقتصادي.

أما “إسرائيل” فقد بدت في قلق شديد من التقارب السعودي التركي، واعتبرت النخب الإسرائيلية، بأن هذا التقارب يمس البيئة الاستراتيجية للدولة الإسرائيلية. وتعتبر “إسرائيل” إن أي إعادة اصطفاف إقليمي في المنطقة سيؤثر على مصالحها، وفي هذا الشأن، قال السفير الإسرائيلي في القاهرة، إن التقارب التركي السعودي، سيكون بالضرورة على حساب نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وأضاف، إن “وصول الفرقاطة العسكرية التركية لميناء جدة مؤخراً، يدلل على أن هناك توجها سعوديا لتعزيز العلاقة مع تركيا بشكل واضح، منوهاً إلى أن سيطرة الحوثيين على اليمن يزيد من حماسة السعوديين للتحالف مع الأتراك”

انعكاس التقارب السعودي التركي على ملف سوريا؟

ومن المرجح أن ينعكس التقارب السعودي التركي ايجابيًا على ملفات عديدة أخرى من ملفات المنطقة، على رأسها الملف السوري، فالخلافات السعودية التركية، كان لها أثرًا سلبيًا على الثورة السورية، وبسبب هذا الخلاف، غيرت المملكة دعمها من الفصائل السورية التي تريد اسقاط نظام بشار الأسد، إلى دعم مخالفي تركيا في سوريا وهي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبالتالي فأن قطع الدعم السعودي عن هذه المنظمة الكردية المعادية لفصائل المقاومة السورية، سيعيد لهذه للفصائل السورية قوتها وتأثيرها على الساحة السورية. ومن حسن حظ البلدين، إنهما ما زالتا متوافقتين على ضرورة رحيل الأسد وتشكيل حكومة انتقالية تمهد لانتخابات حرة في البلاد. يُذكر إن وسائل إعلامية كردية قد ذكرت، إن السعودية أوقفت دعمها للـ”الإدارة الذاتية” و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، ضمن إجراءاتها للتقارب مع تركيا، لكن هذا الأنباء نفاها ممثل هذه المنظمة في الإمارات وقال، أن “الدعم السعودي ما زال مستمرًا وهو مجرد دعم أنساني ومعنوي فقط” -على حد تعبيره-.

الفرصة الأخيرة

وعند استقراء الساحة السياسية اليوم، نجد أن التقارب السعودي التركي الحالي، ربما يكون فرصة الملك سلمان الأخيرة لتحسين العلاقات مع تركيا، قبل تولي أبنه محمد بن سلمان مقاليد الحكم بشكل كامل، والذي ربما يستمر حكمه لسنوات طويلة، وستصبح إدارة العلاقة مع تركيا أكثر صعوبة في ظل عهده، كما تعتبر خطوات المملكة التصالحية مع تركيا وقطر، هي خطوات في الوقت المستقطع، لتصفير مشاكلها مع محيطها العربي والإسلامي، قبل أن تدخل المملكة في عزلة كبيرة، وإذا شاءت المملكة أن تتخلص من هذه الورطة، فما عليها إلا الإسراع وحث الخطى لتحقيق هذه الإنفراجة في علاقاتها، قبل أن تُطبق عليها العزلة بعد مجيء بايدن لسدة الرئاسة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق