تقارير

لماذا تتجنب بعض الدول الكبرى تسليح الجيش السعودي؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

يومًا بعد يوم، تحاول الدول الكبرى المصدرة للسلاح، تجنب ادراج اسمها كمورد سلاح للمملكة السعودية، وبالرغم من أن هذه التجارة تعود بفوائد اقتصادية هائلة على تلك البلدان، لكن حكوماتها في قلق من الرأي العام لشعوبها الرافضة لتصدير السلاح إلى السعودية، بسبب افتضاح أمرها في مجال انتهاك حقوق الانسان على نطاق واسع في اليمن، وتخشى حكومات تلك البلدان، من أن يسقطها الرأي العام الشعبي إذا ما أستمرت بإرسال الأسلحة إلى بلدان قمعية وعدائية مثل السعودية.

ومن تلك البلدان التي حسمت أمرها وحظرت تصدير السلاح إلى السعودية بسبب انتهاكات الأخيرة في اليمن، هي ألمانيا، التي مددت حظرها لعدة سنوات منذ بداية فرضه عام 2018، بينما تتعرض المملكة المتحدة البريطانية حاليًا لإحراج شديد أمام شعبها وتتعرض لضغوط شعبية من ناشطين ومفكرين لفرض حظرٍ مماثل لتصدير الأسلحة إلى السعودية.

السعودية غاضبة من تمديد ألمانيا لحظرها تصدير السلاح إليها

المانيا التي حظرت تصدير الأسلحة للسعودية بسبب سجلها غير المشرف في حقوق الانسان، وتستعد لتمديده نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول من هذه السنة، جعل من السعودية تستشيط غضبًا. جاء ذلك واضحًا على لسان وزير الشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير في مقابلة له مع وكالة الانباء الألمانية، حينما انتقد حظر برلين لتصدير الأسلحة لبلاده، واصفًا قرارها بأنه “خطأ” و “غير منطقي”. وفي نظرة استعلاء منه لا تتناسب مع وضع بلاده الحالي، قال الجبير، أن بلاده ليست في حاجة للتزود بالسلاح من ألمانيا، وإننا فعلًا نستورد من دولٍ أخرى. وفي استهانة منه بموضوع حقوق الانسان، وحرص دول العالم التي تحترم شعوبها، على مراعاة رأيها، أبدى الجبير “استغرابه” من موقف الحكومة الألمانية في قرارها حينما قررت حظر توريد السلاح للسعودية بسبب حرب اليمن، ووصف الموقف الألماني بأنه غير منطقي وخاطئ، لأننا نعتقد أن “الحرب في اليمن، هي حربٍ مشروعة، وهي حربٍ أُجبرنا على خوضها -حسب تعبيره-.

يُذكر أن قرار حظر توريد الأسلحة الألمانية للسعودية، بدأ بعد نوفمبر 2018 إثر مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول، رغم أن المملكة كانت من الزبائن الرئيسيين للأسلحة الألمانية. الأمر الذي ألقى بظلاله على العلاقة بين المملكة وألمانيا، ذلك لأن الأخيرة تبدو مصممة على تمديد قرار حظرها لسنة إضافية، بعد انتهائه في 31 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري. وذكرت تقارير ألمانية، أن ألمانيا لن تتراجع عن قرارها في حظر تصدير الأسلحة للسعودية، إلَّا إذا أنهت السعودية مشاركتها في حرب اليمن وأفرجت عن سجناء الرأي في المملكة، لكن هذا يصطدم مع رغبة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” ورفضه لهذه المطالب جملة وتفصيلًا.

ومن الجدير بالذكر، فأن السعودية تعتبر حاليًا، من أكبر مستوري الأسلحة بالعالم، فقد اشترت المملكة بين عامي 2015 و2019، ما يزيد عن 12٪ من مجموع واردات الأسلحة في العالم. كانت لصناعة الأسلحة الأمريكية حصة الأسد في توريدها للسلاح وبنسبة 73%. وفي هذا الشأن، ذكر تقرير لمنظمة الإغاثة “أوكسفام”، نُشر يوم في 17 نوفمبر2020، أن المملكة السعودية، استوردت أسلحة من دول مجموعة العشرين فقط، ما تزيد قيمته عن 17 مليار دولار أمريكي، منذ أن تدخلت المملكة في حرب اليمن عام 2015. وباحتساب الأعضاء الآخرين في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، فإن قيمة الأسلحة التي صدرتها مجموعة العشرين لأطراف النزاع بين عامي 2015 و2019، وصلت إلى 31.4 مليار دولار أمريكي على الأقل.

وفي ذات الإطار، هناك ثمة ضغوط على المملكة المتحدة لحظر توريدها الأسلحة للسعودية هي الأخرى، فقد كتب مراسل الحرب والنائب البريطاني السباق “مارتن بيل”، مقالًا بعنوان “الكلفة الأخلاقية باهظة للغاية”، قال فيه إن “على المملكة المتحدة التوقف عن بيع الأسلحة للسعودية، لأن التحالف العسكري للمملكة الصحراوية يقصف المدنيين بشكل عشوائي في حربه مع المتمردين الحوثيين في اليمن”. وفي مقابلة له على قناة “أر تي” الروسية قال “بيل”: “نحن ندعي أننا شعب متحضر، يجب ألا تفعل الدول المتحضرة ما نفعله. لماذا نقوم أذن بتسليح العصابة التي لا تستطيع إطلاق النار مباشرة؟” وأضاف، “يجب وقف مبيعات الأسلحة البريطانية، في انتظار تحقيق دولي، بغض النظر عن مقدار الأموال المفقودة في اقتصاد المملكة المتحدة”.

كل هذا التسليح لكن الخسارة تلاحق المملكة في اليمن

وفي مقالة نشرتها صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، قال الكاتب رافيل مصطفين، إن “السعوديين يتعرضون لهزائم كبيرة في اليمن”. ففي الوقت الذي يحقق الحوثيين الانتصارات العسكرية على قوات التحالف العربي في شمال البلاد، أصبحت مدينة عدن مسرحًا للمعارك بين مؤيدي الرئيس عبد ربه منصور هادي والانفصاليين من المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومين إماراتيًا. كما أن انخفاض أسعار النفط الكبير، والذي تعتمد عليه المملكة في تمويل جيشها بالأسلحة، جعلها تعاني من صعوبات مالية كبيرة، وإذا ما استمرت تلك الصعوبات، مع استمرار الانفاق العسكري الباهض على الحرب في اليمن، سيؤدي لا محالة إلى إفلاس المملكة في ظرف السنوات الثلاث أو الأربع القادمة حسب ما يراه الخبراء في هذا المجال.

الأمر الذي ينذر بمستقبل مزعج ينتظر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. حيث أنه مع كل هذه الأسلحة ذات المنشأ الغربي التي يُكدسها بن سلمان في المملكة، إلَّا أنها لم تكن حائلًا بين المملكة وبين خسائرها التي تتكبدها في اليمن. فقد تحدثت تقارير استخباراتية، عن هروب آلاف من الجنود من وحداتهم العسكرية من عموم فرق الجيش والحرس الوطني السعودي. فيما كشف ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي تويتر، عن هشاشة الجيش السعودي، حيث كتب حساب باسم “view”: “طيب ليه ما يجيب طاري لحرب اليمن؟ والطائرات المفخخة اللي أخرها اسقطت في نفس اللحظة اللي ينشر ويروج لتصريحه. 6 سنوات تسببت بكارثة انسانية على اليمنيين وخسائر فادحة على الاقتصاد السعودي ونكسة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ الجيش السعودي.”

فيما كتب “سامر عياش”: “انتم اذا دخلتم في حرب مع ايران من سوف ينقذكم؟ صاروخ واحد من اليمن لم تستطيعوا اعتراضه واليوم تعرض ناقلة نفطية داخل السعودية الى الهجوم بلغم بحري ما هذا الفشل؟”

وفي هذا الصدد، ذكر راديو اوستن الأوربي الذي يبث من أوسلو “أن هناك اتفاقاً بين مراكز الدراسات الغربية، وعند أجهزة الاستخبارات الأوروبية، بان السعودية لا تملك جيشاً حقيقياً ولا قوات برية قادرة على مواجهة الجيش اليمني أَوْ الحوثيين أَوْ القبائل، وفي أية مواجهات عسكرية برية، فإن سقوط مراكز حدودية ومدن سعودية أمر متوقع، مما يعني توقُّع تعرض السعودية إلى التفكك والانهيار”.

وعلى هذا الأساس، يبدو أن نقطة الضعف السعودية الجديدة، هي انتقال الحرب من اليمن إلى داخل الأراضي السعودية، وهو ما يرعبُ بن سلمان، ويحاول التعتيم على أخبار العمليات العسكرية داخل أراضي المملكة. لأنه يعتقد أنها سوف تنعكس سلبًا على أمن وهيبة السعودية في الداخل والخارج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق