تقارير

السعودية تهدد بامتلاك سلاحٍ نوويٍ إذا امتلكته إيران… هي إرادة سعودية مستقلة أم سياسة توريط إسرائيلية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

مضى على المشروع النووي الذي تطوره إيران عقود عديدة، وهي تحاول امتلاك تكنلوجيا السلاح النووي في النهاية، والذي تريد الاستفادة منه لتعزيز موقفها العسكري والسياسي وجعله أقوى أمام باقي دول المنطقة، حتى تكون اللاعب الثاني بالمنطقة بعد “إسرائيل” النووية، ورغم مرور كل تلك السنوات، إلا إن المسؤولين الإيرانيين لم يصرحوا ولا مرة، بأن مشروعهم النووي هو لغرض التسليح، إنما كانوا وما زالوا، يؤكدون على سلمية مشروعهم النووي رغم معرفة الجميع بنواياهم التسليحية.

لكن العجيب، بل والمضحك بالأمر أن غريمتها المملكة السعودية، وفي معرض اعتراضها على قرب امتلاك إيران لسلاحها النووي، أو السماح لها من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة بامتلاك مثل هذا السلاح، تقوم بالإعلان على لسان وزيرها للشؤون الخارجية عادل الجبير، عن سعيها لامتلاك السلاح النووي علنًا وأمام العالم، في حال امتلكت إيران لذلك السلاح، حيث قال الجبير لوكالة الأنباء الألمانية، إن “بلاده تحتفظ بالحق في تسليح نفسها بأسلحة نووية إذا لم يكن بالإمكان منع إيران من صنع تلك الأسلحة”. هكذا ببساطة وقبل أن تخطوا المملكة خطوتها الأولى في هذا المشروع، تعلن على الملأ بأنها تريد امتلاك سلاحًا نوويًا، ضاربتًا عرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية التي تمنع انتشار السلاح النووي في العالم. فهل هذا غباء سياسي، أم إنه سياسة توريطٍ إسرائيلية لإحراج المملكة دوليًا؟

وفي محاولة منه لتبرير موقف بلاده هذا، حاول الجبير تخفيف حدة خطابه وتهديداته، وإرجاع أسباب جنوح بلاده لامتلاك السلاح النووي إلى دول المنطقة الأخرى، حينما قال: “إذا أصبحت إيران قوة نووية فإن مزيدا من الدول ستحذو حذوها”، وهو بهذا يقصد تخويف العالم من سباق تسلُح نووي في المنطقة سينطلق سريعًا، إذا ما سمحت الدول الكبرى لإيران بامتلاك سلاحها النووي. وكلام الجبير استند على كلام سابق لأبن سلمان عام 2018، حينما قال: “إنّ بلاده “لا ترغب في حيازة السلاح النووي ولكن إذا طورت إيران قنبلة ذرية سنقوم بالمثل في أسرع وقت ممكن، دون أدنى شك”. لكن المملكة تنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، وترى بأن التهديد بامتلاك سلاح نووي، ربما سيجعل الإدارة الأمريكية الجديدة، تتريث في موضوع العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران من جديد. وعلى هذا الأساس يأتي كلام الجبير، كرسالة إلى بايدن، أن السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، سيجعل مزيدًا من دول المنطقة تحذو حذوها.

رغبة المملكة والإمارات بامتلاك سلاح نووي ليست حديثة

وعلى ما يبدو، أن سباق التسلح النووي الذي تحدث عنه الجبير، كانت السعودية والإمارات قد أشعلت ناره منذ فترةٍ ليست بالقصيرة، فالأنباء أفادت عن إن المملكة قامت بالفعل ببناء مفاعل نووي “للأبحاث” تابع لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في العاصمة الرياض، لكنها تؤكد -شأنها في ذلك شأن الإمارات- أن طموحاتها النووية لا تتجاوز إقامة مشروعات للطاقة المدنية، لكن ما يثير ريبة المنظمات الدولية المعنية بالحد من انتشار الأسلحة النووية، أن الرياض لم تعلن رسميا حتى الأن، عن تخليها عن تطوير أسلحة نووية. فيما وافقت الإمارات على عدم استخدام مفاعلاتها في تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود المستنفد، ووقعت على بروتوكولات عدم انتشار الأسلحة النووية. لكن مواقف هذين البلدين، لم تُقنع العاملين في مجال الطاقة النووية، الذين تساءلوا عن الأسباب التي دعت الإمارات والسعودية بالمضي قدما في عملية الانشطار النووي بهدف توليد الكهرباء، في الوقت الذي لديها خيارات أكثر أمانا وأرخص ثمنا تناسب طبيعة مناخ بلديهما المشمسة.

هذه الحرب الباردة بين إيران السعودية، من غير المستبعد أن تتحول إلى سباق تسليح نووي في المستقبل القريب، ليتحول الشرق الأوسط، إلى منطقة سباق نووي، وفي ظل المشاكل التي تعاني منها هذه المنطقة، فأن سباقًا نوويًا لدوله، هو أخر ما يتمناه العالم حاليًا. وهنا يأتي موضوع الضغط على الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، في حال ارتأى العودة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية من جديد، فعليه تحمل عواقب سباق تسلح نووي بالمنطقة.

المملكة تريد تحقيق ردعًا نوويًا

الحكومة السعودية التي كانت قد أعلنت عزمها بناء 16 مفاعلًا نووياً على مدى العقود الثلاثة المقبلة، قد رفضت حتى الآن، التنازل عن حقها في التخصيب. ويُرجح أن يكون إصرار بن سلمان على امتلاك بلاده للسلاح النووي، مقابل سلاح إيران النووي في حال امتلاكه له، إنه سيحقق لبلاده ردعًا نوويًا، يتجنبُ خلاله مُهاجمة المملكة سواء من إيران أو غيرها، لكن هذه الحقيقة ليست دائما صحيحة، حيث أن كثير من البلدان التي تمتلك سلاحًا نوويًا، تعرضت لهجمات بالسلاح التقليدي والأمثلة على ذلك كثيرة، وبالتالي فأن هذه النظرية ليست صحيحة تمامًا.

لكن المشكلة الكبيرة التي تتخوف منها شعوب المنطقة، هو إن امتلاك الأنظمة الشرق أوسطية لأسلحة نووية ربما سيجعلها تخوض حروبًا نووية بالوكالة عن الدول الكبرى، وتحيل بذلك بلدانها إلى رماد بسبب تهورها وانعدام مسؤوليتها، ناهيك عن التكلفة الاقتصادية الكبيرة لمثل هذه البرامج النووية المكلفة.

الاعتماد على الدعم الأمريكي والإسرائيلي أمرًا غير مضمون

وتقوم الولايات المتحدة وإسرائيل حاليًا، بالدفاع عن المشروع النووي السعودي، وتؤكدان أن برنامجها هو برنامج سلمي، لكن هذا الموقف من غير المستبعد أن يتغير فيما بعد، إذا ما حصل تغييرًا بالنظام في السعودي وأصبحت تلك القدرات النووية بالضد من إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة. وكما نعلم جميعًا، بأن النظام الإيراني كان قد ورث البرنامج النووي من نظام الشاه الذي كان مواليًا في السابق للغرب وله علاقات وثيقة مع إسرائيل، لكن بعد أن تم الانقلاب عليه عام 1979، تغيرت الأمور وأصبح برنامجًا معاديًا لهما.

من جانبها، ردت إيران على تصريحات الوزير السعودي، على لسان سفيرها الدائم لدى مكتب منظمة الأمم المتحدة، في فيينا قائلًا: “تصريحات المسؤولين السعوديين عن التسلح النووي تكشف عن نواياهم وبرنامجهم السري”. وأضاف، “السعودية تعتمد بروتوكول الكميات الصغيرة التي لا تسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مراكزها النووية، وكذلك الامارات التي رغم توقيعها على اتفاقية الضمانات والبروتوكول الإضافي، لكنها مازالت تعتمد بروتوكول الكميات الصغيرة، والتي يمكنها عبرها استغلالها لوقف التزاماتها تحت ظروف خاصة”.

ورغم الدعوات الإسرائيلية والسعودية لاتفاق نووي جديد، لأن الاتفاق السباق، الذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018، لم يقيد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ولم يوقف دعمها للمليشيات المسلحة في العراق ولبنان واليمن، وهو ما تراه واشنطن مزعزعا لاستقرار الشرق الأوسط. من جانبها تستمر طهران في برنامجها النووي وتعلن دخولها في مرحلة جديدة من تخصيب اليورانيوم. فقد كشفت إيران مؤخرًا، تنصيب 174 جهاز طرد مركزيا جديدا داخل منشأة نطنز النووية.

فيما يرى سفير السعودية في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، إن الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى عام 2015 مع إيران أثبت فشله وقد مات، وعلى إدارة الرئيس الجديد جو بايدن توقيع اتفاق جديد مع إيران وبشروط جديدة، ويُعبر موقف السعودية هذا، عن مدى شعورها بالقلق، من احتمال تراجع إدارة بايدن عن العقوبات المفروضة على إيران، وعودتها للاتفاق النووي معها.

وذهبت المملكة السعودية إلى أكثر من هذا، حينما طالبت بأن تكون “جزءا من أي مفاوضات محتملة بين الإدارة الأمريكية القادمة وإيران” بشأن أي اتفاق نوويٍ جديد، هذا ما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان. كما لفت فرحان، إلى أن اتفاق “++JCPOA”، يمكن أن يعالج “تسليح إيران للميليشيات”، سواء كانوا “الحوثيين في اليمن”، أو “جماعات مسلحة في العراق وسوريا ولبنان”. وأضاف، “وبالطبع برامجها للصواريخ الباليستية، وبرامج الأسلحة الأخرى التي تواصل استخدامها لنشر الفوضى في المنطقة”.

وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يتعين عدم العودة للاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة. الأمر الذي اعتبرته وسائل إعلام إسرائيلية أنه رسالة للرئيس الأميركي المقبل، بعدم رغبة إسرائيل هي الأخرى، بعودة الإدارة الأمريكية إلى الاتفاق النووي الإيراني بصيغته القديمة.

وفي كل الأحوال، تبقى المطالبات السعودية من الإدارة الأمريكية فيما يخص المشروع النووي الإيراني وضرورة تجميده، وتهديدها بامتلاك سلاحًا نوويًا تردع فيه الاعتداءات الإيرانية المحتملة، تندرج في خانة الأماني في ظل سلب الإرادة السياسية المستقلة للملكة. فالجميع يعلم بأن المملكة لا تمتلك تلك الإرادة السياسية المستقلة التي تمكنها من اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية المهمة في مستقبل المملكة وشعبها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق