تقارير

في الوقت الذي يفرض النظام السعودي حظرًا على المنتجات التركية، يشن حملة اعتقالات واسعة على من يقاطع المنتجات الفرنسية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

شهدت الدول العربية والإسلامية، تفاعلًا شعبيًا منقطع النظير مع الحملة الشعبية لمقاطعة المنتجات الفرنسية، رغم أن هذه الحملة كانت شعبية بامتياز، ولم تدعمها أية دولة أو تروج لها، سوى دعوة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، وفي ظل استمرار حملة المقاطعة، أضطر بعض قادة الدول العربية والإسلامية للالتحاق بركب هذه الحملة، لتبدأ سلسلة التصريحات المنددة بالموقف الفرنسي وتصريحات رئيسها إيمانويل ماكرون، على لسان القادة العرب والمسلمين يدعون فيها الرئيس الفرنسي لاحترام مشاعر المسلمين والكف عن دعمه لحملات الإساءة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.

لكن الوضع في المملكة السعودية وربيبتها الإمارات، كان مختلفًا تمامًا، فقد كانتا مشغولتان بموضوع أخر، هو كيفية إحكام مفاصل الحظر الذي فرضتاه على بضائع ومنتوجات دولة مسلمة هي تركيا، ولا تلقي بالًا بما يشغل شعوبها من مقاطعة لفرنسا ومنتوجاتها ورئيسها الذي كان يتعمد إهانة الإسلام والمسلمين.

ليس هذا فحسب بل وصل الأمر إلى شن حملة اعتقالات لكل مواطن يتفاعل مع حملة مقاطعة المنتوجات الفرنسية، هذا ما أكده عدد من المصادر الحقوقية داخل وخارج المملكة، حيث ذكرت تلك المصادر، بأن سلطات النظام السعودي، اعتقلت عددًا من أصحاب المتاجر في مدينة الرياض العاصمة، ومناطق أخرى من المملكة، على خلفية بلاغات ضدهم لأنهم قاموا بوضعهم ملصقات تدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

وفي مناطق أخرى، قامت السلطات السعودية بتوجيه رسائل تهديد شفوية ومكتوبة، لعدد كبير من التجار السعوديين، تضمنت تحذيرات من التجاوب مع حملة المقاطعة للمنتجات الفرنسية، وتَوَعَّدتهم بإجراءات صارمة.

بن سلمان يوظف إعلامه لمساندة فرنسا

وفي هذا الصدد وظَّف النظام السعودي، عدد كبير من الكتاب والإعلاميين في مهاجمة الحملة الشعبية التي تدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية، واعتبروا إن من يقوم بهذه الحملة، هم جماعة الإخوان المسلمين، وأنهم يهدفون من ذلك، التشويش على حملة الحظر السعودية الإماراتية للمنتجات التركية! رغم معرفة الجميع، بأن حملة حظر المنتجات التركية، كانت قد انطلقت برعاية شبه رسمية من النظام السعودي.

ولم يستحي الإعلام السعودي والإماراتي من إيجاد الاعذار والتبريرات للموقف الفرنسي ضد الإسلام والمسلمين والاستهزاء بنبي الإسلام محمد (ص)، فالكاتب السعودي المدعو تركي الحمد يقول: “نعم.. ماكرون شن حملة على الإسلام السياسي وليس الإسلام، لكن الإخوان يريدونها حملة على الإسلام ككل، في خلط واضح بين الاسلام وفكر البنا وقطب، وهذا غير صحيح.. الإخوان يريدون احتكار الإسلام ففرنسا فتحت لهم أبواب الهجرة، فكيف تتنكر لهم.. قليل من العقل”.

 يُذكر أن هذه التغريدة كانت ردًا على تغريدة أخرى للمدعو عبدالخالق عبدالله، وهو أكاديمي إماراتي كما يصف نفسه، حينما قال: “إن الحملة أطلقت من قبل “الإخوان المسلمين”، والهدف منها “المتاجرة بالدين”، وليست دفاعا عنه.”

أما الكاتب السعودي عضوان الأحمري، فلم ينسى أن يزج باسم تركيا في الموضوع ليقول: “تركيا هي العدو الأول للسعودية وأمنها وليست فرنسا. الرسوم المسيئة تصرف فردي إدانته هو ما يمكن فعله، وهجوم ماكرون وتصريحاته رد فعل طبيعي على جريمة وحشية ارتكبها إرهابي أهوج. مقاطعة تركيا مستمرة والذين يحاولون صرف النظر عنها وتخفيف أثرها بحرف البوصلة نحو باريس لن ينجحوا”.

لكن بالمقابل، وجهت أوساط إسلامية انتقادات حادة لنظام آل سعود بسبب صمته المريب إزاء إساءات فرنسا ورئيسها ماكرون، في أساءتهما للنبي محمد (ص) والدين الإسلامي وتخاذله عن اتخاذ إجراءات صارمة وقوية ضد باريس.

هناك فرق بين الحظر والمقاطعة

هذا ما قاله مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، في معرض توصيفه للموقف السعودي والإماراتي من دولته ومن فرنسا، ودعا من لا يزال لديهم عقلٍ من المسؤولين السعوديين، كي يروا بعيون ثاقبة ويتعلموا ما هو الفرق بين حظرهم المباشر الذي يمارسوه ضد المنتجات التركية، وبين مقاطعة الشعب السعودي بإرادته الذاتية للمنتجات الفرنسية.

https://www.yenisafak.com/ar/columns/yasinaktay/2043090 

ذلك ما ضمَّنه في مقالٍ له بعنوان “تركيا والسياسة الفرنسية تحت اختبار الحظر والمقاطعة”، نُشر في صحيفة “يني شفق” التركية، وأضاف أقطاي: “شاهدنا كيف طغت المقاطعة التي بدأتها الشعوب المسلمة ردًّا على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسيئة والمعادية للإسلام، على الحظر الذي فرضته السعودية على منتجات وبضائع تركيا، خلال وقت قصير”. وأكد أقطاي، بأن حملة الحظر السعودي على المنتجات التركية لم تكن تعبيرًا عن رغبة المواطنين السعوديين، إنما كان حظرًا إجباريًا قامت به الحكومة السعودية. فقد قامت السلطات السعودية بتحذير جميع الشركات السعودية التي ترتبط بعلاقات تجارية مع تركيا، من مغبة عدم انصياعهم للحظر السعودي ضد المنتجات التركية، فما كان من الشركات السعودية إلا الانصياع الكامل لرغبات السلطات السعودية، لأنهم على علمٍ بالعواقب التي تلحق من يعصي تنفيذ رغبات السلطات السعودية، بعدها بدأ سباق على مواقع التواصل الاجتماعي بين هذه الشركات لإعلان مقاطعتهم للمنتجات التركية ضمن حملة اسموها “التضامن مع ولي العهد السعودي”، حتى ينجوا من الانتقام الذي يمكن أن يُسلط عليهم. لكن يبقى السؤال المطروح الأن، هل استطاعت هذه الحملات المنظمة من قبل النظام السعودي، اختراق الشعب السعودي وتغيير قناعاته؟ وهل استطاعت أن تحول عمق الاحترام والمودة التي يكنها الشعب السعودي للشعب التركي وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟

وفي هذا الشأن، قال ياسين أقطاي: “الشعب السعودي لا يستطيع الوصول إلى المنتجات التركية لأنه تم حظرها بشكل مباشر، إلا أنهم قاطعوا المنتجات الفرنسية بإرادتهم الكاملة وكأنهم ردّوا على مقاطعة المنتجات التركية بمقاطعة المنتجات الفرنسية” وشتان ما بين من يتصرف وفق إملاءات تُملى عليه بالقوة، وما بين من يتصرف صدقًا من أعماق رغبته ليثبت به موقفًا هو مؤمن به، وموقف الشعب السعودي بمقاطعته للمنتجات الفرنسية، فقد اعطى رسالة واضحة للنظام السعودي، بأنك إن “كنت تملك السلطة في فرض قراراتك علينا بالقوة، فأنت لا تمتلك السلطة على قلوبنا حينما تتعاطف مع قضايا المسلمين فتقاطع أعدائه وتتقرب من أحبباه”.

وحينما تكون دعوات السلطات إلى ما يرضي الله، تجد المسلمين جميعًا يستجيبون لها، هذا ما رأيناه حينما دعا أردوغان لمقاطعة المنتجات الفرنسية، لم يستجيب الشعب التركي لدعوته فحسب، أنما استجابت لدعوته جميع الشعوب العربية والإسلامية، بينما حينما تأمر السلطات بشيء يُغضب الله، فأن المسلمين لا يستجيبون له إلَّا إذا سُلط سيف القوة على رقابهم، هذا ما رأيناه في تصرف الشعب السعودي في عدم تفاعلهم بحملة الحظر على المنتجات التركية، بينما تفاعلوا بشدة لحملة المقاطعة للمنتجات الفرنسية رغم عدم رضا السلطات عن توجهاتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق