تقارير

رغم إصدار المملكة لقراراتٍ تتعلق بأبنائهن، مشاكل المواطنات السعوديات المتزوجات من أجانب لا تزال قائمة

خاص- مركز جزيرة العرب للدرسات والبحوث

تلقف الإعلام السعودي خبر القرارات السعودية الجديدة التي أقرَّها الملك سلمان، بحفاوة كبيرة وعمل لها بروباغندا عظيمة. كان من بينها، قرارًا بتحسين ظروف أبناء المواطنات السعوديات من أزواجهنَّ الأجانب، ووصف الإعلام السعودي تلك القرارات، بالبشرى الكبيرة للمواطنات السعوديات! وظن الجميع أن تلك القرارات ربما تكون قد منحت الجنسية لأبناء المواطنة السعودية المتزوجة من أجنبي بالإضافة إلى زوجها، لكن الأمر لم يكن كذلك، إنما كانت مجرد تسهيلات تم إقرارها لأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، ففي الوقت الذي لم تبقى دولة بالعالم تفرق بين مواطنيها الذكور عن الاناث في موضوع تجنيسهم أبنائهم بالإضافة إلى إعطاء الجنسية للزوج أو الزوجة من المواطن، نجد أن النظام السعودي ما زال يتعامل بعنصرية مع المواطن الذكر والمواطنة الانثى في موضوع منح الجنسية للأبناء أو لشريك الحياة، ومازالت المملكة تنظر إلى المواطنة السعودية بنظرة دونية وتعتبرها أقل من المواطن الرجل.

ما تفاصيل القرار ولماذا صدر في هذا التوقيت؟

مؤخرًا، نشر في الإعلام الرسمي للمملكة، بأن مجلس الوزراء السعودي، قرر عدد من الترتيبات القانونية بما يخص أبناء المواطنات السعوديات من أزواجهن الأجانب، تضمنت تسهيلات في منح الأم السعودية لحق كفالة أولادها من الزوج الأجنبي، أو استقدامهم من الخارج (إذا لم يكن عليهم ملاحظات أمنية)، كما تضمن القرار، تحمل الدولة السعودية لرسوم إقامة أولاد المواطنة السعودية، والسماح لأولادها بالعمل لدى الغير في القطاع الخاص دون نقل كفالتهم، كما يعامل أبناء المواطنة السعودية من زوج أجنبي، معاملة المواطنين السعوديين في الدراسة والعلاج، ويحتسبون ضمن نسب السعودة في القطاع الخاص، لكنهم مع ذلك يبقون بنظر القانون أجانب.

ظاهر الخطوة السعوديّة، أنها خطوة في الطريق الصحيح لإنهاء معاناة المواطنات السعوديات المتزوجات من أجانب، لكنَّ حقيقة الأمر تأتي هذه الخطوة، كمحاولة جديدة لتلميع صورة المملكة وتحسين سجلها الحُقوقي في العالم، بعد أن تأثرت وتلوثت كثيرًا في الحقبة التي بدأ فيها بن سلمان يتحكم بالمملكة بشكل فعلي. فهذه القرارات السعودية تأتي بعد أيّام على من فشل المملكة في الفوز بمقعد مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظّمة الأمم المتحدة، على خلفيّة انتقادات حُقوقيّة تتعلّق بانتهاكها لحقوق الانسان في المملكة وفي اليمن. وتزامنت أيضًا مع، انعقاد قمة المرأة في العاصمة الرياض، حتى يظهر النظام السعودي بأنه مع حقوق المرأة السعودية، وضد التميز على أساس الجنس.

لكن صحف عالمية كان لها رأي أخر، فقد نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، إن المشاركين والمشاركات في قمة المرأة في العاصمة السعودية، متهمون بالمشاركة في منح الشرعية لـ”نظام وحشي”. وقالت الغارديان، إن بن سلمان، طالما قدم نفسه كمصلح، إلا أن كل ما قام به حتى الأن، هو عمليات سطحية غير جوهرية، ولم تُغيّر كثيرًا من حياة الناس في بلدٍ يخضع لملكية مطلقة تطالب بالطاعة الكاملة للعائلة المالكة.

توافق ذلك مع ما ذهب إليه ناشطون كثيرون، حيثُ رأوا إن المشاركين في قمة المرأة التي عقدت في الرياض، ضمن الفعاليات المقامة استعدادا لقمة مجموعة العشرين، تعطي الشرعية لنظام يضطهد المرأة، هذا ما ذهبت إليه شقيقة السجينة السعودية “لجين الهذلول”، والتي أضافت، إن المشاركة في قمة المرأة كانت بمثابة تبييض لصفحة النظام، وسجله الصارخ في معاملة المرأة. ففي الوقت الذي يُعقد في المملكة مثل هذا المؤتمر الخاص بالمرأة، ما زالت تقبع لجين الهذلول وزميلاتها في السجن، فقط لأنهن قاتلنَّ لتحقيق هذا الحلم في السعودية. ولجين الهذلول، هي ناشطة سعودية تقبع حاليًا في سجون النظام السعودي نتيجة مطالباتها بتعزيز وضع المرأة السعودية، وإلغاء نظام الولاية الذي يقلل من قيمتها ويجعلها مواطنة من الدرجة الثانية.

وهذا ما انتهت إليه منظمة “غرانت ليبرتي” التي تراقب الحريات المدنية في السعودية، حيث قالت: إن قمة المرأة “سخيفة ومسيئة” وحذرت من تحويل قمة العشرين إلى “أداة علاقات عامة للنظام الوحشي” وطالبت بمقاطعتها. فيما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، لمقاطعة القمة وقالت في بيان لها: إن “السعودية تستخدم حقوق المرأة لحرف الأنظار عن الانتهاكات الخطيرة الأخرى والموثقة. والتغييرات الأخيرة مثل حق قيادة السيارة والسفر بدون محرم ربما كانت مهمة، لكنها لا تخفي حقيقة أن بعض النساء اللاتي طالبن بها يقبعنَ الأن خلف القضبان”.

لماذا تخشى السعودية من تجنيس أبناء المواطنات السعوديات؟

بحسب القانون السعودي المعمول به اليوم، فأن أبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، لا يعتبرون مواطنين سعوديين بموجب القانون، وهو ما دفع الكثيرين منهم لمغادرة المملكة. وبالرغم من أن زواج السعوديات من غير السعوديين، يُسهم في محاربة ظاهرة العُنوسة في أوساط الفتيات السعوديّات التي باتت تتفاقم وتُشكّل مُشكلةً اجتماعيّة اليوم، إلا أن المشاكل المستقبلية التي يخلفها مثل هذا الزواج يجعل كثير من الشابات السعوديات يُحجمن عن التورط في مثل هذا الزواج، وحتى بعد اصدار مثل هذه القرارات التي تقلل من معاناة أبنائهن، لكنّهن كنَّ يأملن بما هو أكثر من ذلك، وهو اكتساب الجنسية لأولادهنَّ وأزواجهن، لكن هذا يصطدم مع إجراءات عنصرية يقوم بها النظام بحجة أن “المميزات” التي يكتسبها أبن غير سعودي تجعل من الصعب منحهم الجنسية، كما أن هؤلاء الأبناء، سيكون “ولائهم” لبلدان أباءهم الأصلية. لكن هذه الحجج لا تتوافق مع التسهيلات التي يحصل عليها أبناء السعوديين من نساء أجنبيات حسب القانون السعودي، وهو تصرفًا عنصري بشكل فاضح.

كما يتخوف البعض، من إن الإجراءات التسهيليّة تلك على الرغم من بساطتها، ربما تكون مقدّمة لتجنيس أبناء المُواطنات مستقبلًا، وهو ما قد يُؤثّر -بحسب رأيهم- على التركيبة السكانيّة! لتكون لصالح الجنسيّات غير السعودية. فيما يتخوف البعض الأخر، من ظهور تنافس جديد من هؤلاء الأبناء على الوظائف، وعلى دعم الدولة المالي، وعلى الحقوق في الطبابة، والتعليم، لا سيما وأن أعداد أبناء السعوديّات يقدرون حاليًا، بمليون و500 ألف شخص، فيما بلغت عدد حالات زواج سعوديات من أجانب في العام 2018م فقط 517 حالة. هذا الأمر انعكس على انطلاق حملات على مواقع التواصل، للتشكيك في وطنية أبناء السعوديات، والترويج إلى أن انتماء وولاء هؤلاء الأبناء سيكون لبلدان أباءهم الأصلية.

ويرجح أن هذه الحملات ما كان لها أن تقوم، لولا ضوءً أخضرًا قد أُعطي لهم من قبل بن سلمان، حتى يتخلص من الضغوط الخارجية التي تُسلط عليه بخصوص تجنيس أبناء السعوديات، وهو في حقيقة أمره، يريد أن تبقى المرأة السعودية بالتصور العنصري الذي يحمله تجاههن، والنضرة العنصرية والمتعالية تجاه الجنسيات الأخرى. ونعتقد إن استمرار الاستهداف العنصري لأبناء السعوديات واعتبارهم غير سعوديين، والتشكيك بولائهم للوطن، سيؤدي في النهاية إلى تمزيق للنسيج الاجتماعي في النهاية، ويساهم في تقوية عوامل تفكك الدولة السعودية.

قانون السعودية للتجنيس يتعامل بشكل عنصري بين الجنسين

وبالرغم من أن قانون التجنيس السعودي، لا يتساهل أيضًا مع موضوع تجنيس الأجنبية المتزوجة من المواطن السعودي، إلَّا إنها في النهاية، هناك إمكانية لتجنيسها، فقد نص قانون التجنيس السعودي على أنه يجب أن تتوفر جملة من الشروط بالزوجة الأجنبية حتى تستحق الجنسية السعودية منها: انقضاء مدة 10 سنوات على زواجها بالمواطن السعودي ومازالت على ذمته، أو أن تكون قد ولدت في المملكة ومقيمة فيها، ويفرض عليها التخلي عن جنسيتها الاصلية، وأن تحصل على عدد جيد من النقاط التي تؤهلها للحصول على الجنسية، والمرتبطة بمكان الولادة والقرابة ومدة الإقامة بالمملكة بالإضافة إلى المؤهل العلمي.

أما بالنسبة لزوج السعودية الأجنبي، فليس له إمكانية ولا لأبنائه في الحصول على الجنسية السعودية. وبالتالي فأن هذا القانون يتعامل بشكل عنصري مع حق المرأة السعودية بتجنيس زوجها الأجنبي وأبنائها منه، بينما يمكن للمواطن السعودي من تجنيس زوجته الأجنبية وأبنائه منها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق