تقارير

الإعلام السعودي يبرر تصريحات ماكرون المسيئة للإسلام ويهاجم أردوغان المدافع عن الإسلام، إلى أين تتجه المملكة؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

ما بال الإعلام السعودي، يظل مستمرًا في مواقفه وترويجه لكل ما يسئ للإسلام والمسلمين؟ فقط من أجل الاصطفاف لجانب بن سلمان في خصومات الدولية، وإذا أقتضى الأمر، يقوم هذا الإعلام في قلب الحق باطلًا والباطل حقًا.

مؤخرًا عَمِدَ الإعلام السعودي على قلب تصريحات ماكرون العنصرية والمشينة بحق الإسلام كديانة وبحق المسلمين كبشر، لهم الحق بالاعتقاد بدينهم والحق بممارسته، إلى تصريحات مساندة للمسلمين الفرنسين وحريصة على سلامتهم. وعلى الرغم من إن جميع الهيئات الإسلامية في بالعالم أدانت تصريحات ماكرون المسيئة للإسلام، انفرد الإعلام التابع لمحمد بن سلمان، في عملية تلميع تصريحاته، للدرجة التي خشينا أن يذهب هذا الإعلام بعيدًا ويعتبر ماكرون أحد أولياء الله الصالحين بسبب المديح الذي كاله الإعلام السعودي عليه.

أن السر في موقف الإعلام السعودي المساند لموقف ماكرون في هذه القضية، يرجع إلى أن بن سلمان يلتقي مع الرئيس الفرنسي بالخصومة التي يكنَّانها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وخصومة ماكرون مع أردوغان، تتعلق كما يعلم الجميع بسبب نقاط خلافية عديدة لا علاقة لأبن سلمان بها، منها الصراع على الغاز الموجود في شرق البحر الأبيض المتوسط، وانحياز فرنسا بشكل سافر للموقف اليوناني ضد تركيا، ومن قبلها الخلاف حول الوضع في ليبيا، والصفعات التركية العديدة التي وجهتها تركيا لفرنسا هناك، وكذلك تصدي تركيا لفرنسا في بعض دول أفريقيا، لذلك لا يجد ماكرون فرصة لتعقيد المشهد على تركيا، إلَّا واستغلها، مثل قضية التهجم على مسلمي العالم، بل وصل به الأمر للقيام بجولة في دول المنطقة لتأليب الدول العربية على تركيا كما فعل ذلك في العراق ولبنان. وكل خطوة من تلك الخطوات يجد ماكرون الدعم الكامل والكبير من نظامي السعودية والإمارات، ويطبل الإعلام السعودي والإماراتي لكل حرف وكلمة ينطق بها ماكرون ضد تركيا وضد أردوغان، وضد الدين الإسلامي، رغم ادعاء السعودية بأنها راعية الإسلام والمسلمين بالعالم.

ما هي دوافع ماكرون للهجوم على الإسلام؟

كان أمرًا مستغربًا ومستهجنًا ما صرح به ماكرون بحق مسلمي العالم وبحق الإسلام كديانة قبل أيام، حينما وصف الإسلام بانه يعاني من “أزمة” على مستوى العالم الإسلامي، جاعلًا من محاربة الانفصالية و”الانعزالية الإسلامية” شعارًا لحملته الانتخابية في بلدٍ تُبلغ فيه نسبة المسلمين أكثر من 13% من سكان البلاد.

لكن معرفة ما يعاني منه ماكرون من أزمة سياسية داخلية وخارجية، ستوضح الأسباب التي من أجلها يقوم ماكرون بهجومه المستهجن على الإسلام والمسلمين. فاللازمة الداخلية التي يعاني منها، ستجعله يدفع ثمن ذلك من شعبيته وشعبية حزبه الذي يترأسه، مما أضطره لتبني أكثر المواقف يمنيةً حتى يستميل بها الأحزاب العنصرية واليمينية المعادية للأجانب والمسلمين، وبمعنى أخر، أن ماكرون يريد أن يوحد الفرنسيين على عدوٍ واحد تحت قيادته، ولم يجد سوى المسلمين ليجعلهم العدو المفترض. يساعده في ذلك، من يعتبرون أنفسهم ولاة أمور المسلمين من حكّام الشعوب العربية الذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار. فبعد الخسارة التي مُنيَ بها أمام اليساريين والخضر في الانتخابات البلدية، وجد نفسه مضطرًا لمحاولة جذب اليمين الفرنسي المعروف بعدائه لليسار والخضر والمسلمين. جاء ذلك متزامنًا مع نية ماكرون طرح مشروع قانون ضد ما أسماه “الانفصال الشعوري”.

أن واقع الحال يفيد، أن الأزمة التي يتكلم عنها الرئيس الفرنسي ماكرون، ما هي إلَّا أزمته وأزمة الحكام المدعومين من قبله ومن قبل قادة الغرب. وقد آن الأوان لفرنسا، أن تعيد تعريف العقد الاجتماعي الذي يحكم البلد، من دولة يسيطر عليها العلمانيين العنصريين، إلى بلدٍ يتقبل الحرية الفكرية والدينية التي يُحترم فيها كافة الأديان والطوائف، ويُحترم الانسان لإنسانيته بعيدًا عن انتماءاته الفكرية والعقائدية ونبذ سياسة نشر الخوف والرعب من المسلمين في فرنسا وباقي دول الغرب.

لم ينتهي ماكرون من تخرُّصاته وتهجماته على الإسلام، فقد وصف الرئيس إيمانويل ماكرون الاعتداء الذي قام به شخص ضد معلم ابتدائية بأنه “هجوم إرهابي إسلامي” يستهدف ضرب حرية التعبير، وهو بذلك يحاول إلصاق الأعمال الإرهابية بالمسلمين في فرنسا. يُذكر أن هذا المدرس قام بعرض صور مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، على تلاميذه بالمدرسة، الأمر الذي أستدعى متطرفًا رجلًا فرنسيًا من أصول روسية بقتل هذا المدرس، واستغل ماكرون هذا الحادث ليصف الإسلام وأتباعه بالإرهاب.

لكن هذا الحادث لم يجعل الوسائل الإعلامية السعودية ترد عليه وتدافع عن الإسلام والمسلمين أمام هذه الاتهامات الفرنسية الباطلة وعلى لسان رئيسها ماكرون، وظلت صامته أمامها. وبالرغم من أدانة كل رموز العالم الإسلامي ومؤسساته الدينية لهذا العمل المشين، إلا أن هذا لم يشفع عند ماكرون لكيلا يتهم الإسلام والمسلمين بالإرهاب. ولا نستبعد أن تكون هذه الحادثة مدبرة من الاستخبارات الفرنسية لتعزيز وجهة نظر الحكومة الفرنسية، وهذا ليس بالأمر المستغرب على الدول الغربية وهي التي كانت مسؤولة عن تأسيس داعش الإرهابية حينما فضحت إيميلات هالاري كلنتون أمرهم.

كيف غطى الاعلام السعودي تصريحات ماكرون؟

ورغم كل تلك التهجمات اللفظية من قبل ماكرون، وعزمه عن سن قوانين ضد المسلمين الفرنسيين، نجد أن الحكام العرب والمسلمين صامتين صمت القبور، وفي كل مرة تجد أولئك الحكام يتجاهلون متعمدين الحملات المعادية للإسلام والمسلمين التي يشنها قادة الغرب، وكأن الأمر لا يعنينهم. ولم يرد على تخرُّصات ماكرون سوى الرئيس التركي أردوغان، بل والأغرب في تصرفات قادة العرب والمسلمين، انهم لم يكتفوا بالصمت إزاء الهجمات المنظمة التي يشنها ماكرون وأمثاله على المسلمين، إنما ساهمت وسائلهم الإعلامية، من صحفٍ وقنوات تلفزيونية، في دعم تلك الهجمات على المسلمين وإيجاد المبررات لمن يشنها.

ففي هذا الشأن، بررت قناة “العربية” السعودية، الهجوم الذي شنه ماكرون على الإسلام، بالقول: إنه “يحاول حماية المسلمين من التطرف”، في محاولة منها لتضليل الرأي العام العربي والإسلامي. وأوضحت هذه القناة، أن فرنسا تريد تجنيب مسلمي فرنسا التأثيرات الخارجية. وفي معرض تبريرها لتصريحات ماكرون وتلميع صورته وإظهاره بالرئيس الحريص على الإسلام وسمعته، قامت قناة العربية بمهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واتهمته بـ”استغلال” ما سمته “الجدل”، للهجوم على “عدوه الأبرز حاليا”. يُذكر أن الرئيس أردوغان، هو الزعيم الإسلامي الوحيد الذي رد على ماكرون وتصريحاته، واعتبر أردوغان حديث الرئيس الفرنسي عن إعادة هيكلة الإسلام بأنه “وقاحة”.

أما صحيفة الشرق الأوسط السعودية، فقد نشرت مقالًا بعنوان “ماكرون يدعو إلى فهم أفضل للإسلام”، دافع به الكاتب عن ماكرون، وعن إجراءاته التي يعتزم إقرارها ضد مسلمي فرنسا. وتعمد الكاتب على عدم ذكر ما قاله ماكرون بحق الإسلام و”الأزمة” التي يعيشها عالميًا بحسب ادعاء ماكرون، وأظهر المقال أن ماكرون هو مع مسلمي فرنسا ويريد الحفاظ عليهم من التطرف القادم من الخارج!! لينهي الكاتب مقاله بالقول “لقد وعد ماكرون بطرح خطته لمعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمناطق التي تعاني في الخريف المقبل، ويقيناً منه، أن التعلق بالجمهورية وقيمها لا يمكن فرضه من الخارج، بل يجب أن يكون نابعاً من القناعات الداخلية”.

ردود أفعال الناشطين على ما يقوم به الإعلام السعودي

لم يصمت الرأي العام العربي والإسلامي على ما يقوم به الإعلام السعودي والإماراتي من دعمٍ لمهاجمي الإسلام والمسلمين، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات الناشطين التي تفضح هذا الدور الإعلامي، وما هو السبب في دعم ماكرون الذي هو في خصومة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال ياسر الزعاترة: “حتى تصريحات ماكرون عن الإسلام التي استفزت كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وجدت لها قناة العربية تبريرا. السبب بالطبع هو تصدي أردوغان لغطرسة الرجل. خلل الأولويات مُدمِّر، وهو فاضح قبل ذلك”.

فيما قالت المغردة سارة الغامدي: “قناة العربية السعودية اصبحت المتحدث الرسمي لكل عدو للإسلام والمسلمين!! ماكرون يحاول حماية مسلمي فرنسا من التطرف!!”

الإسلام أصبح ثقيلًا على النظام السعودي

النظام السعودي ومن ورائه النظام الإماراتي، يرون أن الإسلام أصبح عبئا ثقيلا عليهما، ويحاولان التخلص منه، من خلال التواطؤ مع حملات تشويه الإسلام والتحريض على الجاليات المسلمة، ويحاول النظام السعودي التملص من دوره المفترض بالدفاع عن الإسلام والمسلمين، بل وصل الأمر إلى المشاركة بحملات التشويه التي يقودها قادة الغرب، والتهجم على من يدافع عن الإسلام والمسلمين، هذا ما نراه في الهجوم الإعلامي الكبير على الرئيس التركي أردوغان بسبب دفاعه عن الإسلام ومهاجمته للرئيس الفرنسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق