تقارير

بعد تصريحات الأمير بندر بن سلطان.. هل ستشهد المنطقة تطبيعٌ جديد بين السعودية و”إسرائيل”؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

رغم أن موقف المملكة العربية السعودية الرسمي، جاء رافضًا للتطبيع مع “إسرائيل” في معرض ردها على خطوة التطبيع الإماراتية، لكنها ما فتأت تستمر في إعلامها، بدعم عملية التطبيع، والدفاع عن موقف الإمارات والبحرين التطبيعي، حتى إنها بدأت في الأيام الأخيرة، بالانتقال من مرحلة جديدة من الترويج للتطبيع، إلى التصريح بفوائد ذلك التطبيع على لسان مسؤولين سابقين ومتقاعدين، مصحوبًا بسيل من الاتهامات للجانب الفلسطيني بخيانة القضية، وعدم استغلال الفرص التي أتيحت لهم لإرساء السلام مع “إسرائيل”، ووصف الفلسطينيين قيادةً وشعبًا، بأنهم ناكري الجميل “للإحسان” السعودي المستمر منذ سنوات!. وهم بذلك يحاولون دق أسفين بين الشعب الفلسطيني والشعوب العربية لا سيما شعب المملكة الذي ظل مساندًا للفلسطينيين وقضيتهم، رغم أمتعاض النظام، كما وأنتقل الإعلام السعودي ومن خلفه الإماراتي والمصري، إلى مرحلة أخرى من شيطنة الفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال “الإسرائيلي”، واتهامهم بالعمالة لإيران وتركيا، وشيطنة السلطة الفلسطينية التي لم يشفع لها أنها طبعت مع إسرائيل منذ تسعينيات القرن الماضي، ذلك التطبيع الذي لم يحفظ لهم كرامتهم كسياسيين يقدمون أنفسهم للعالم كممثلين عن الشعب الفلسطيني، وأصبحوا يتلقون الشتائم من الخليجيين في كل مناسبة ومن غير مناسبة.

المملكة تستخدم المتقاعدين للتعبير عن مواقفها

وفي خطوة تطبيعية متقدمة، بدأ النظام السعودي استخدام متقاعديه من الدبلوماسيين، ورجال الدولة السابقين، للتعبير عن مواقفه تجاه التطبيع، وانحيازه للجانب الإسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وكأننا نسمع تصريحات من رعايا دولة بعيدة عن هذا الصراع ولا تمت لها بصله، رغم أن هذا النظام كان يحرص على أن تقديم نفسه للعالم الإسلامي كممثل لهم، بسبب ما تضمه المملكة من مقدسات إسلامية، وهي بنهجها الجديد هذا والابتعاد عن القضية الفلسطينية، تُعلن وبشكل غير مباشر، أن المملكة بقيادتها الحالية، قد تخلت عن كل مبادئها التي كانت تحملها فيما سبق، والتي كانت سببًا لاحترام العالم الإسلامي لها كدولة إسلامية رائدة ومدافعة عن قضايا المسلمين.

وفي هذا السياق، دفع النظام السعودي هذه المرة، الأمير والمتقاعد “بندر بن سلطان” على شاشة قناة العربية السعودية، ليدلي بما يجول في عقلية النظام السعودي، وبندر بن سلطان هذا، هو السفير السعودي لدى واشنطن سابقًا، ورجل الاستخبارات الأول في المملكة للفترة ما بين عامي 2012 و2014، حينما كان رئيسًا للاستخبارات السعودية.

فقد قام “بن سلطان” بالترويج لـ”إسرائيل” بمثل ما لم تروجه “إسرائيل” لنفسها، هذا نص ما أوردته الصحف العبرية نفسها حينما ذكرت أن “أي متحدث إسرائيلي لن يستطيع مجاراة الأمير بالدعاية لإسرائيل”. فيما قال الصحفي الصهيوني “آمنون لورد”، أن “بندر بن سلطان يؤدي المهمة أفضل منّا”، وتلقت الوسائل الإعلامية الإسرائيلية تصريحات بن سلطان، بحفاوة كبيرة وغير تقليدية، ونقلت عنه مقتطفات، هاجم فيها القيادات الفلسطينية. الأمر الذي جعل الصحفي “آمون لورد” يخرج بخلاصة، أوردها في مقاله الذي نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”، إن “صبر إسرائيل الاستراتيجي وطول نفسها، قد آتى أكله ولو بعد حين، ويتضح الآن أننا حققنا انتصارات حقيقية ولم تضِع الجهود هباءً”. وهو بذلك يشير، إلى أن الجهود الإسرائيلية لتنمية علاقاتها التطبيعية في السر مع الدول العربية بضمنها المملكة، قد جاءت بنتائجها الإيجابية لإسرائيل بعد سنين. واستطاعت “إسرائيل” صُنع شخصيات عربية متصهينة، تؤدي دورها بالدفاع عنها وذم الفلسطينيين، بأفضل مما يفعل الصهاينة أنفسهم.

ويعرف الصحفي “لورد” أكثر من غيره من هو بندر بن سلطان، وما مدى أهمية التصريحات التي يدلي بها، فهو بسبب قربه من صانعي القرار في المملكة، يُدرك “لورد” أن مثل هذه الشخص ما كان لها أن يقول ما قال، إلا بعد أخذ الضوء الأخضر من أصحاب القرار في المملكة، وتصريحاته تتعاظم أهميتها بسبب المناصب التي شغلها بالسابق.

بماذا أدلى بندر بن سلطان من تصريحات؟

هاجم الأمير بندر بن سلطان في لقائه على قناة العربية، القيادات الفلسطينية، واتهمها بتضييع القضية، فيما وصف تعليق القيادات الفلسطينية على اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل، بـ”مؤلماً ومتدنياً”. وأستطرق الأمير، بالقول، أن “تجرُّؤ القيادات الفلسطينية على دول الخليج غير مقبول، ومرفوض”، معتبراً أن قضية فلسطين “نهبتها إسرائيل والقيادات الفلسطينية”. ولم ينسى هذا الأمير، انتقاد حتى القيادات التاريخية للشعب الفلسطيني حينما قال، أن “تلك القيادات غالبًا ما تراهن على الرهان الخطأ، بدءً من أمين الحسيني الذي راهن على النازية بقيادة هتلر”، والجميع يعلم إن هذا الكلام محض افتراءات صهيونية، يحاولون من خلالها تشويه تاريخ الفلسطينيين النضالي وتبرير احتلال أرضهم.

وأستمر بندر بن سلطان في حديثه، موجهًا سيل الاتهامات على القيادات الفلسطينية، قائلًا، أنهم يستخدمون مصطلحات التخوين بسهولة، وأن هذه سُنَّتهم في التعامل مع بعضهم البعض. وشدد في حديثه على أن القيادات الفلسطينية هي أساس المشكلة حينما قال، أن مصر حاولت منذ عهد الرئيس السابق مبارك وحتى الآن تحت قيادة السيسي، التوفيق بين فتح وحماس.

بندر بن سلطان: القيادات الفلسطينية تتهرب من حل القضية

وفي سبيل تعظيم شعور الفلسطينيين بالمنّة السعودية، أكد الأمير بندر بن سلطان، أن نكران الجميل من جانب القيادات الفلسطينية لن يؤثر على تعلق السعودية بقضية الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنه “بات من الصعب الوثوق بقياداتهم، ذلك لأن قياداتهم، كانت تتهرب من حل القضية”. وعلى ما يبدو أن حل القضية وفق وجهة نظر بن سلطان، هو التطبيع المبكر للقيادات الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، وبالأخص الفصائل المقاومة. لكن “بن سلطان” أشار إلى النقطة الأكثر إيلامًا لقيادة آل سعود، وهي العلاقة التي تربط القيادات الفلسطينية بكل من تركيا وإيران، حينما قال، “القيادات الفلسطينية ترى أن إيران وتركيا أهم من الرياض والكويت وأبوظبي والقاهرة ودبي ومسقط”. وحاول بن سلطان، أن يجد المبررات لمصر وهي تحاصر الفلسطينيين في غزة، فقال، إن ” مصر تسعى ليل نهار لحل القضية الفلسطينية، ورفع الحصار عن غزة، لكن ما يأتيها من غزة هو الإرهاب والقتل”.

ردود الأفعال على تصريحات “بن سلطان”

لم يكد “بن سلطان” أن ينتهي من تصريحاته على قناة العربية، حتى جاءت عبارات التأييد سريعًا من عرَّابي التطبيع في المنطقة، ففي هذا السياق، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، على تويتر إن “شهادة بن سلطان للتاريخ تمثل سردًا صادقًا لالتزام السعودية الشقيقة ودول الخليج العربي تجاه القضية الفلسطينية”. وأضاف، إن “شهادة الأمير بندر بن سلطان للتاريخ تمثل سرداً صادقاً لالتزام السعودية الشقيقة ودول الخليج العربي تجاه القضية الفلسطينية”. وأستمر قرقاش قائلًا، “المصارحة تأخرت ولكنها تبقى ضرورية، فرص الأمس لن تتكرر والمقاربة العقلانية والتي تراعي مصالحنا أولا والتزامنا الأخلاقي بالقضية الفلسطينية تبقى عنوان المرحلة”.

أما رد السلطة الفلسطينية، فقد جاء ردًا باهتًا على لسان صائب عريقات ​أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قالًا، “من يريد من العرب تقديم أوراق اعتماد لواشنطن أو غيرها، أو يريد أن يمهد للتطبيع مع إسرائيل، يمكنه فعل ذلك من دون التشهير بالشعب الفلسطيني ونضاله الأسطوري. باستطاعة أي دولة أن تقول مصالحي تتطلب التطبيع مع إسرائيل”. وهو بذلك يثبت أن السلطة الفلسطينية المطبعة ابتداءً، لا يهمها تطبيع أحدٍ من الدول، إنما ما يهمها هو ضرورة عدم توجيه الإهانة لهم. ولا يعلم عريقات وباقي زملائه بالسلطة الفلسطينية، أنهم قد أهانوا أنفسهم قبل أن يهينهم الاخرون حينما وضعوا أيديهم بأيدي عدو شعبهم “الكيان الصهيوني”.

بدورها، رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات المسؤول السعودي السابق، واعتبر القيادي في الحركة سامي أبو زهري أنها لا تخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي، ووصفها بالمؤسفة.

إلى أين سائرة المملكة بقيادة بن سلمان؟

ومن تصريحات بندر بن سلطان، وما سيليها من تصريحات من مسؤولين مهمين في السعودية، نستطيع أن نخرج بخلاصة مهمة عن توجهات المملكة الجديدة تجاه التطبيع مع إسرائيل، وإنها عازمة على إنهاء هذا الملف، ربما حتى قبل بدء الانتخابات الأمريكية، فالحاجة الملحة لأبن سلمان للتطبيع مع “إسرائيل” لا توازيها حاجة أخرى، بل ربما يعتبرها بالنسبة له، مسألة وجود أو عدم وجود، فهو يحاول من خلال خطوة التطبيع أن يصل إلى مرحلة الاطمئنان على مستقبله بتولي عرش المملكة، وفي سبيل ذلك يحاول دعم حليفه ترامب في انتخاباته من خلال احراز نصرٍ له فيما إذا طبَّعت أكبر دولة عربية وخليجية مع “إسرائيل”. وفي حال إذا ما أقدم على هذه الخطوة، فأنه سيدخل التاريخ كأول زعيم عربي يحكم منطقة نجد والحجاز، يُقدم على التطبيع مع الصهاينة ويدخلهم أراضي المسلمين الطاهرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق