تقارير

كيف غطى الإعلام السعودي والإماراتي والمصري الحرب القائمة بين أذربيجان وأرمينيا؟ وما سر انتقاد هذا الاعلام للموقف التركي؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

على عادته، يستمر الإعلام السعودي والإماراتي والمصري في استثمار أي حدث دولي يخص الشأن التركي، حتى يوظف فيه آلته الإعلامية بإلقاء التهم على القيادة التركية بشكل عام وعلى الرئيس التركي بشكل خاص. هذا ما لاحظناه طول السنوات الأخيرة، حيث تُستغل كل المناسبات والأحداث الإقليمية للطعن بالمواقف التركية تجاه القضايا الإقليمية المختلفة.

وينشغل اليوم الإعلام السعودي بحادث جديد يتعلق بالنزاع المسلح بين أذربيجان وأرمينيا، وجيَّش كل امكانياته في نقد الموقف التركي الداعم لأذربيجان وهي تتصدى لعدوان أرمينيا ضد أراضيها، وحقها المشروع باسترجاع أراضيها التي تحتلها أرمينيا منذ ثلاث عقود مضت. وحاولت المملكة السعودية من خلال أعلامها، إظهار تركيا بأنها دولة توسعية تريد من خلال دعمها لأذربيجان، أن توسع دائرة نفوذها في تلك الدولة، كما فعلت ذلك في ليبيا وسوريا حسب زعمهم. لكن الجميع يعلم أن تركيا حينما وقفت لجانب أذربيجان، كان لأجل قضية عادلة وإن أذربيجان صاحبة حقٍ في استرجاع أراضيها من المحتل الأرميني المدعوم روسيا، ناهيك عن الروابط التي تربط تركيا وأذربيجان من الأصل الواحد واللغة الواحدة والدين الإسلامي.

كما أن تركيا أيضًا لديها مصالح اقتصادية كبرى في هذه الدولة ومن حقها الدفاع عنها، حيث أن أذربيجان تصدر الغاز إليها والذي كان السبب في تقليل استيرادها للغاز الروسي، والانبوب الناقل للغاز الأذربيجاني إلى أروبا يمر عبر تركيا، يتعرض حاليًا للتهديد الأرمني، وهذه كلها أسباب وجيهة وقوية تجعل تركيا تصطف إلى جانب أذربيجان. وهي ذات الأسباب التي تجعل السعودية والإمارات، تصطفان لمساعدة أرمينيا وتشجيعها في عدوانها والاستمرار في احتلالها لأراضي أذربيجانية.

تسويق حجج ضعيفة لدعم حملتها ضد تركيا

ولأن الحجج التي ساقها الإعلام السعودي ومن خلفه الإعلام الإماراتي والمصري والبحريني، في انتقاد للموقف التركي، هي من الضعف بحيث إنها لا تقوى بالوقوف أمام الحقائق على الأرض، قام الإعلام السعودي مؤخرًا بالترويج لفرية أطلقها أحد المغردين الأرمن من خلال تغريدة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، نشر فيها فيديو قال انه لمرتزقة سوريون جلبتهم تركيا للقتال مع أذربيجان ضد أرمينيا، ورغم عدم وجود شيء في الفيديو يشير لهوية المسلحين. ثبت بعد التقصي عن الفيديو من قبل فريق خاص لرصد الأكاذيب تابع لوكالة الاناضول التركية، تبين أن الفيديو هو لمقاتلين أذربيجان وأن من يلقي التحية لهم، هنَّ نساء وعوائل أذرية وبلهجتهم المحلية الخاصة.

واستغلت قناة سكاي نيوز الإماراتية هذا الفيديو لتنسج منه قصة كبيرة حول اقحام تركيا لمرتزقة سوريين في المعركة الدائرة رحاها في ناكورني قره باخ.

لكن ردًا جاء على الفيديو من حساب الأذربيجاني مراد خان أحمد، قائلًا بإن هؤلاء “هم جنود من أذربيجان وهم يهتفون باللهجة الأذربيجانية الأصلية التي تختلف عن اللهجات العربية التي تفتح الحرف الأول من لفظ الجلالة عند نطقه، خلافا للأذربيجانيين الذين يبتدئون لفظ الجلالة بحرف ياء مخففة”.

كما ورد الرئيس الأذربيجاني على الأكاذيب التي يروجها الاعلام حول المرتزقة السوريون قائلًا: “أن الأنباء التي ذكرتها أرمينيا بشأن نقل مقاتلين سوريين إلى أذربيجان كاذبة”.

https://cutt.us/UigJo

ورغم إن هذا الفيديو هو الوحيد الذي اعتُمد كمصدر للخبر، ورغم تبيان كذب وفبركة الفيديو لغير حقيقته، يعبر الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن انزعاجه الشديد من استخدام تركيا مقاتلين سوريين في معركة لا تمت لقضيتهم بصلة، وهو بذلك يحاول تأكيد هذه الكذبة وتسويقها على إنها حقيقة، وتناسى كيف شاركت الجامعة العربية ودولها في خذلان الشعب السوري وثورته التحررية.

كيف تعاملت المواقع الإخبارية السعودية مع موقف تركيا من الحرب الأذرية الأرمنية؟

رغم أن رد الفعل السعودي الرسمي على القتال الدائر بين أذربيجان وأرمينيا، كان ردًا دبلوماسيًا غير ذي قيمة، لكن الإعلام الرسمي السعودي والإماراتي حينما تناول الرد السعودي، حاول دس السم فيه، ذلك ما فعله موقع “العين الإخبارية” الإماراتي الذي أورد الخبر، حينما ذكرت العبارة التالية، “ودخلت تركيا على خط الأزمة بإذكاء النار بين البلدين”.

ومن نماذج التعامل الإعلامي السعودي مع الحرب الأذربيجانية الأرمنية وانتقادها لتركيا بسبب دعمها لأذربيجان، نشر موقع “العربية نت”، عما يسمى بـ”المرصد السوري لحقوق الانسان”، قوله بأن “دفعة من مقاتلي الفصائل السورية الموالية لأنقرة، وصلت إلى أذربيجان، حيث نقلتهم تركيا عبر أراضيها إلى هناك”. وأضاف الموقع بأن “الدفعة جاءت من منطقة عفرين السورية” واستمر الموقع في أكاذيبه ليقول، أن “هؤلاء المقاتلين السوريين يتلقون مقابل مبلغ مادي يتراوح بين الـ 1500 إلى 2000 دولار أميركي”.

لكن الوسائل الإعلامية لم تشر إلى ما قالته وزارة الدفاع الأذربيجانية من إن “مرتزقة سوريين من أصول أرمنية، يقاتلون في صفوف الجيش الأرمني خلال الاشتباكات الدائرة على جبهة إقليم قره باغ، حيث تم العثور على جثث بعضهم خلال المعارك”. ولم تشر إلى ما ذكرته المعارضة السورية في هذا الموضوع حينما ذكر عضو في الهيئة التأسيسية للائتلاف الوطني السوري، أن هنالك معلومات تؤكد إرسال نظام الأسد مرتزقة للقتال إلى جانب أرمينيا والتي يقف معها نكاية بتركيا المساندة لأذربيجان في جهودها لاسترجاع أراضيها. وأضاف إن “السوريين حلت عليهم كوارث الدنيا، وعليهم مهام جسيمة لحماية أرضهم وليسوا بحاجة للقتال خارج بلدهم”. وأكد على أن الاتهامات التي تكيلها أرمينيا من أن مقاتلين سوريين يقاتلون في صفوف الجيش الأذري، هي أكاذيب لا علاقة لها بالائتلاف أو الحكومة السورية المؤقتة أو الجيش الوطني “فنحن لم نرسل أحدا للقتال إلى جانب أي طرف، سواء الأذري أو الأرمني”.

وفي ذات الموضوع، تجاهل الاعلام السعودي والإماراتي، ما قاله القيادي في حزب العدالة والتنمية التركي رسول طوسون من إن “أرمينيا جلبت إرهابيين من حزب العمال الكردستاني ومن قوات حماية الشعب في سوريا عبر إيران إلى قره باغ لدعم الأرمن في مواجهة الجيش الأذري”.

إن الاعلام السعودي في الوقت الذي يقف لجانب أرمينيا في قتالها الدولة المسلمة أذربيجان، يصطف بطريقة غريبة مع الدولة التي يفترض أن تكون عدوًا له كما تدعي المملكة السعودية وهي إيران، حيث أن أيران تدعم في هذه الحرب ذات الطرف الذي تدعمه السعودية وهي أرمينيا، وبذلك تضع نفسها المملكة وإعلامها في موقف التناقض والسياسة الصبيانية حينما تصطف مع إيران في دعم أرمينيا ليس لشيء سوى الانتقام من تركيا.

أما موقع “صدى البلد” السعودي، فقد وصف تركيا، بأنها ضلع رئيسي في إشعال الحرب بين البلدين. ونقل الموقع عن الخارجية الأرمنية، بأن أذربيجان تواصل هجماتها العسكرية على كاراباخ بدعم من تركيا.

https://cutt.us/6jJOb

وفي خبر أخر نشره موقع “صدى البلد ” عن الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وصف الجهود الروسية بأنها داعمة للتهدئة وأن الموقف المصري يدعو للتعقل، بينما قال عن تركيا، أن لها رغبة في “حرق الجميع”، وأنها تريد صب الزيت على النار، في محاولة لشيطنة الموقف التركي من الاحداث الجارية في ناغورني كاراباخ.

فيما نقل موقع “عاجل” السعودي، عن تقرير ألماني، ما وصفه بأنه فضحٌ لسر “إصرار تركيا على تأجيج الفتنة” بين أرمينيا وأذربيجان، وهو أن تركيا تريد تغيير موازين القوى على الأرض. ونقل موقع “عاجل” عن التقرير الألماني، إن “يريفان” أعلنت أنها مستعدة للتفاوض على وقف إطلاق النار، لكن وبسبب تركيا فأن وقف إطلاق النار غير مرجح.

https://ajel.sa/HkW4Bs/

لكن صحيفة “جدة” الإلكترونية، فقد ذهبت بعيدًا في توصيفها للحرب الأذربيجانية الأرمنية، وقالت عنها، أنها ببساطة، حرب وكالة بين الأتراك والروس على حقول الغاز في حقول شاه دينز، ومن ورائهم ألمانيا وأوروبا التي تدفع للسيطرة على غاز لا يحمل الجنسية الروسية. وأضافت الصحيفة، بأن ما يحصل من اشتباكات عسكرية بين أرمينيا وأذربيجان، هو بسبب إقليم «ناغورنو قرة باغ» المليء بحقول الغاز والنفط، وأن هذا النزاع يعطي إشارات هامة لما يمكن أن يحصل بين اليونان وتركيا. أو مصر وتركيا. أو قبرص وتركيا. وأضافت الصحيفة، بأن أوهامًا صدقها الأتراك، بأنهم وريثوا السلطنة العثمانية، وأن الغاز ظهر في الأراضي التي كانت تحتلها! وختمت الصحيفة بالقول، أن أردوغان ليس سوى سائق مركبة – مسروقة – يقودها بسرعة تسابق الزمن للبحث عن نفوذ ليس مؤهلا للحصول عليه ستودي في نهاية الأمر بحياة طموحاته.

https://cutt.us/iGKco

ومن هذا ندرك أن الإعلام السعودي لم ولن يتحرر من أرتهانه لسياسة ولي العهد، وسيبقى يسوق الأكاذيب لتحسين صورة النظام السعودي والنيل من خصومه، وسيبقى بعيدًا عن المهنية وعن المصداقية ما بقي كذلك، ولن يحلم مستقبلًا أن يكون محط ثقة المواطن السعودي أو العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق