تقارير

محمد بن سلمان والانهيار الاقتصادي السعودي الكبير…. هل يستجيب للنصائح المقدمة له؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

نصائح غالية وصعبة قدمها أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي، غريغوري غوس، عبر مقاله في مجلة “فورين أفيرز” لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لخص فيها الأزمة الاقتصادية التي تحيط بالمملكة وتحيط بولي العهد شخصيًا، لا يمكنه باي حال من الأحوال، الانفكاك عنها دون أن يتخلى عن طموحاته العالية السقف، ودون ترك غطرسته التي يمارسها في اليمن. والأمران يصعُب على بن سلمان القيام بها، حتى لو كلفه ذلك الغامرة بمستقبله الشخصي، ومستقبل العائلة المالكة أو حتى مستقبل المملكة بشكل عام.

وملخص ما جاءت به غوس في مقالته، يتضمن عرضًا لحجم الصعوبات التي تعاني منها المملكة بسبب السياسات التي يتبعها محمد بن سلمان، ثم عرج بعد ذلك، على سُبل الحل وأفاقه من وجهة نظره. فقد نوَّه غوس، على أن الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه المملكة، ناجم عن ثلاثة أسباب مهمة، عصفت بالاقتصاد السعودي، تتمثل بالحرب في اليمن ومشاريع رؤية 2030 وجائحة كورنا.

النصائح الغالية

ففيما يخص الحرب في اليمن، قال غوس، إن لا فرصة حقيقية للسعودية بتحقيق هزيمة للحوثيين، والحرب التي كان يريد لها بن سلمان أن تنتهي خلال أسابيع أو شهور على اقصى تقدير، امتدت لـ 6 سنوات، ويرشح لها أن تستمر ربما لسنوات أخرى، إذا لم يضع لها نهاية فورية، لكن ما يمنع بن سلمان من إيقافها والانسحاب من اليمن، هو أن ذلك الفعل سيُعتبر انتصارًا كبيرًا للحوثيين ومن خلفهم إيران. ولأجل ذلك، يصر بن سلمان على الاستمرار في الحرب ويستمر استنزاف خزينة السعودية، حيث أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، يذهب إلى الجيش، والذي بدوره ينفق جل ميزانيته في حرب اليمن. لقد حثَّ غوس، الأمير بن سلمان، على التحلي بالشجاعة لكي يعترف بهزيمته بحرب اليمن، وأن ينسحب منها، كما فعلت ذلك دول كبرى مثل الولايات المتحدة حينما خرجت من فيتنام وأفغانستان منهزمةً، وكما خرجت من قبلها روسيا من أفغانستان منهزمة، وأوضح غوس، أن تجرّع مرارة الهزيمة سيكون حتما أقل ضررا عليه وعلى المملكة من مواصلة النزيف في اليمن.

أما النصيحة الغالية الثانية التي اهداها غوس لابن سلمان، هو أن عليه أن يتمتع بالجرأة أيضًا، لاتخاذ قرارًا أخر ليس أقل صعوبة من قرار الانسحاب من حرب اليمن، وهو قرار وقف مشروع “نيوم” الذي هو جزء من رؤية 2030، وذلك بسبب تكاليفه الباهظة جدًا على ميزانية المملكة، لا سيما وأن المملكة تعاني الان من انخفاض أسعار النفط الناتجة عن انتشار جائحة فيروس كورونا. كما أن هناك عدم ضمان بأن يحقق مشروع “نيوم” حلولًا لمشكلة البطالة بين السعوديين، لأن المشروع يعتمد بشكل أساس على الروبوت كما مخطط له.

كارثة فيروس كورونا سقطت ثقيلة على رأس بن سلمان

أما فيما يتعلق بانتشار جائحة كورونا، والتي تصدرت فيها المملكة قائمة الدول العربية في عدد الإصابات، فهي كارثة صحية قد حلَّت على المملكة وعلى رأس بن سلمان، لأنها نسفت كل خططه في المجال الاقتصادي. فقد أدت هذه الكارثة إلى انهيار أسعار النفط الذي تعتمد عليه المملكة في وارداتها من العملة الصعبة، وفي عز هبوط أسعار النفط، ذهب بن سلمان ليصارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحرب أسعار النفط، وفتحت السعودية صنبور النفط لتغرق الأسواق فيه، ما أدى إلى انخفاض سعره إلى حدود غير متوقعة. ولنكن دقيقين في التوصيف، فأن فيروس كورونا، أنهى بشكل فعلي على كل طموحات بن سلمان، وللتخلص من أثاره، فأن عليه وبشكل عاجل أيجاد الحلول للتخلص من ورطة الحرب في اليمن، وإيقاف كل المشاريع المتعلقة برؤية 2030 الباهظة التكاليف.

ورغم أن الدول التي تعتمد على النفط في موازناتها العامة، قامت بتأجيل أو إلغاء مشاريعها الكبرى، أصر ولي العهد السعودي على المضي بمشاريع رؤية 2030 المكلفة، بالأخص مشروع “نيوم”، إضافة إلى مشاريع أخرى من مثل المجمع الرياضي والترفيهي في القدية، وتطوير الســـياحة في البحر الأحمر، والتي تصل تكلفة مشاريعها مجتمعة إلى أكثر من 500 مليار دولار، رغم التقشـــف الـــذي فرضته أسعار النفط المنخفضة. إن الأزمة الاقتصادية التي تعاني المملكة، لا يمكن لها أن تتخطاها، إلّا بتنازلات شخصية من محمد بن سلمان. تتمثل بإيقاف حرب اليمن، وإيقاف مشاريع رؤية 2030، لإنعاش الاقتصاد السعودي مجددا، وتعطيل انهياره.

المملكة ما بين وعود الأمس وحقائق اليوم

الخسارة الكارثية التي حلَّت على ولي العهد محمد بن سلمان بسبب جائحة كورونا، ومن قبلها حرب اليمن والمشاريع الضخمة التي تورط بها، جعلت من الوعود التي أطلقها في 2016، مجرد حلمٍ صعب المنال، حينما زعم أن عام 2020 هو العام الذي ستتجاوز السعودية فيه مسألة ارتباط اقتصادها بالنفط، وستصل إيراداتها غير النفطية إلى 160 مليار دولار، لكن الذي حدث، إننا في سنة 2020، بدأت تعاني المملكة من عجزٍ في موازنتها، وفي الوقت الذي كانت تخطط المملكة لاستضافة أكثر من 18 مليون حاج ومعتمر سنويًا، جاء موسم الحج لهذه السنة ليؤدي 10 ألاف حاج الفريضة فقط كلهم من المقيمين في المملكة، مع إيقاف العمرة.

إن الملاحظ اليوم على سياسات المملكة، أنها تتجه إلى الحكم الدكتاتوري بشكل واضح جدًا، ففي عهود الملوك السابقين للملكة، كان من السهل عليهم التخلص مما يقعون فيه من أخطاء كارثية، لأنهم كانوا يستمعون لباقي امراء العائلة المالكة من أصحاب الرؤية السياسية. بينما بن سلمان لا يعير أحدا من أقاربه أي اهتمام، وغير ملزم بأية نصيحة من قبلهم، ويتفرد بالقرار السياسي والاقتصادي بما لا يدع مجالًا لأحد بإبداء النصيحة للتخلص من الاخطاء الكارثية التي يرتكبها وتعرض مستقبل المملكة للخطر.

لماذا هذه المجلة تعطي النصائح؟

ومن الواضح أن هذه النصيحة المقدمة من هذه المجلة لم تكن مصادفة، وهي المجلة التابعة لمجلس العلاقات الخارجية (Council on Foreign Relations)‏ وهي منظمة تمثل خلية تفكير أمريكية مستقلة، جلَّ أعضائها من طبقة رجال الأعمال، والاقتصاد والسياسة. ويعتبر المجلس، واحد من أهم خليات التفكير والأكثر تأثيرا في السياسة الخارجية الأمريكية. وعلى ما يبدو أن المقالة التي نحن بصددها، هي رسالة من الدولة العميقة التي تدير الولايات المتحدة الأمريكية، موجهة لابن سلمان بضرورة التراجع خطوة عن الاندفاعة التي يمضي بها. بل يمكننا فهمها على إنها تهديد من مؤسسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة لأبن سلمان، بأنها على استعداد للتخلي عنه في ظل الاستمرار بسياساته التي ستؤثر بلا شك على التحالف الاستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة مستقبلًا.

موقع ألماني ينصح بن سلمان بالابتعاد عن ترامب وعائلته

نصيحة أخرى جاءت لابن سلمان من موقع ألماني اسمه ” انترناتسيونال بوليتيك”، تناولت فيها علاقة بن سلمان مع كوشنر وإدارة ترامب، ونصحته بالابتعاد عنهما. وقال الموقع، إن القيادة السعودية إذا كانت تريد بناء جسور مع حكومة أمريكية ديمقراطية محتملة بعد انتخابات 2021، فيجب عليها الابتعاد بشكل واضح عن إدارة ترامب. ذلك لان تلك العلاقة جعلت المملكة ترتبط بعائلة ترامب وليس بالدولة الأمريكية. وأضاف الموقع، إن محمد بن سلمان نجح بالمحافظة على علاقات شخصية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، وجني ثمار تلك العلاقة بدعم لا محدود من إدارة ترامب له ضد الأمير محمد بن نايف، وحمايته من عواقب قتله للصحفي جمال خاشقجي. لكن بنفس الوقت، أدت تلك العلاقة، إلى خلاف حزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين. ويشن اليوم الديمقراطيون حملة ضد مبيعات الأسلحة للرياض، وينتقدون الإجراءات السعودية في اليمن، ولم تعد المملكة العربية السعودية تحظى بشعبية لدى الجمهور الأمريكي.

أن التضحية بالعلاقة الشخصية مع الرئيس الأمريكي ترامب وصهره جاريد كوشنر، ربما لا يكون لها أثر اقتصادي فوري على المملكة، لكنها على المدى الاستراتيجي، سيكون لها فوائد في المحافظة على أهم علاقة استراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة.

ما ثمن عدم الأخذ بالنصائح؟

ولي العهد الذي يشعر اليوم، بأنه في ورطة اقتصادية كبرى بسبب انخفاض أسعار النفط، وتحطم كل طموحاته جراء ذلك، يحاول وبكل قوة المحافظة على أسعار النفط الحالية والعمل على رفعها بعد أن ساهم هو شخصيًا في خفضها خلال حرب الأسعار التي شنها على روسيا. فتراه يحاول إعادة زمام الأمور والسيطرة على الأسعار بالاتفاق مع كبريات الدول المصدرة للنفط. فقام مؤخرًا بالاتصال برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ليتباحث معه حول تطورات سوق النفط العالمية ومناقشة سبل إعادة التوازن للسوق، بالتزامن مع انعقاد أعمال الاجتماع الوزاري لتحالف (أوبك+). نفس الامر فعله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز خلال اتصاله الهاتفي مع نظيره النيجيري محمد بخاري، بعد أن هدد المندوب السعودي نيجيريا بحرب أسعار مماثلة بالاجتماع الماضي لتحالف أوبك. لكن مع هذا، فلا توجد مؤشرات على انفراجه قريبة للاقتصاد السعودي وتعافيه دون الأخذ بنصائح الأصدقاء الامريكان والاوربيين على محمل الجد. وأن عدم احترام الواقع الحالي والاعتراف بالأخطاء الكارثية من قبل بن سلمان، ربما سيعرض الاقتصادي السعودي للانهيار السريع، والذي سيتبعه لا محالة انهيارًا سياسيًا في ظرف الأشهر القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق