تقارير

صادرات سلاح وبيع برامج تجسس للنظام السعودي ثم فرض عقوبات على قتلة ‏خاشقجي…. ما أسباب التلاعب البريطاني مع السعودية؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لم تكتفي الدول الكبرى من المتاجرة في معاناة الشعوب المغلوب على أمرها، ولم تكفَّ عن استغلال ظروفها السياسية التي تمر بها، فهي تقوم بتصدير السلاح لتصب الزيت على نار الحروب المشتعلة فيها، ولا تشعر بالخجل حينما تمُد الأنظمة المستبدة بوسائل القتل الفتاكة لتصُب جحيمها على رؤوس الشعوب التي لم ترتكب جرمًا سوى إنها انتفضت لنيل حريتها.

هذا ما رأيناه في تصرفات دولة مثل بريطانيا التي تُعتبر من الدول الكبرى بمقاييس النظام العالمي، ففي الوقت الذي تظهر المملكة المتحدة نفسها، بأنها دولة تنتمي للعالم الحر والديمقراطي، تجدها تتعامل مع أشد الأنظمة استبدادية وأكثر الأنظمة المحاربة للحرية والديمقراطية، وحديثنا عن المملكة السعودية التي يحكمها نظام استبدادي يعتقد أن أي انتقال ديمقراطي بالقرب منه، هو تهديد لنظامه. هذه النظام لم يتوانى عن استخدام أكثر الأسلحة الفتاكة في حربه في اليمن، بحجة دفاعه عن الشرعية اليمنية، ومحاربة للانقلاب الحوثي منذ 5 سنوات، رغم إن كل المؤشرات تدل على أن التدخل السعودي ومن ورائه الاماراتي، لم يكن حتى في أدنى حدوده، دفاعًا عن الشرعية اليمنية ولا انتصارًا للتغيير الديمقراطي الذي ينشده الشعب اليمني.

نفاق بريطاني في التعامل مع النظام السعودي

نفاق الحكومة البريطانية تجلى في أوضح صورةٍ له، حينما ألقى وزير خارجيتها “دومينيك راب” خطابًا يشرح فيه دفاع بلاده عن حقوق الإنسان عبر العالم، وسبل العمل على تعزيز احترام تلك الحقوق، لكن هذا لم يمنع أن تعلن وزيرة الدولة للعلاقات الدولية “ليز تراي” أن حكومتها قررت مواصلة صادرات الأسلحة للمملكة ‏العربية السعودية، بعد مضي ما يقارب العام على ايقافها، حينما أصدرت محكمة بريطانية العام الماضي، قرارًا بتعليق صادرات بريطانيا العسكرية للسعودية، وهو القرار الذي جاء بعد حملة كبرى لمناهضة تصدير السلاح للسعودية.

وحتى بعد أن استأنفت الحكومة البريطانية قرار المحكمة وطلبت إلغاء ‏تعليق المبيعات رفضت المحكمة الاستئناف، واجبرت الحكومة البريطانية على مراجعة سياستها والنظر فيما إذا كان هناك “انتهاك خطير” للقانون الدولي في اليمن.‏ لكن بعد مضي سنة جاء اعلان “ليز تراي” بأن الحكومة البريطانية اختتمت تقييمها واعلنت استئناف مبيعات الأسلحة، والسبب إنها انتهت إلى أن السعودية لديها نية حقيقية للامتثال للقانون ‏الإنساني الدولي!! وأن الانتهاكات التي ارتكبتها السعودية، لم تكن سوى “حوادث معزولة”.‏ لكن الحملة المناهضة لتجارة الأسلحة، وصفت قرار الحكومة البريطانية هذا، بأنه “إفلاس أخلاقي”، فالحكومة البريطانية رغم علمها بحجم الانتهاكات الخطيرة التي تُرتكب بهذه الأسلحة، لكنها حريصة على استئناف صادرتها العسكرية للسعودية، ولا تجد حرجًا من رفع خطابها عاليًا في دفاعها عن حقوق الانسان بالمحافل الدولية، فهل يوجد نفاقًا بعد هذا النفاق؟

بريطانيا أكبر مصدر للسلاح للملكة السعودية

تعتبر بريطانيا ثاني أكبر مصدر للسلاح في العالم، لكن ما يزيد عن 40% من أسلحتها يتم تصديره إلى دولة واحدة هي المملكة السعودية، حيث وصلت قيمة صادرات بريطانيا من الأسلحة للسعودية، في مجال الطائرات والمقاتلات فقط خلال سني حرب اليمن، ما يفوق 16 مليار إسترليني (ما يعادل أكثر من 20 مليار دولار أمريكي) منها 2.5 مليار جنيه إسترليني خلال العام المنصرف فقط.

لم تكتفي بريطانيا بصادرات الأسلحة للنظام السعودي، إنما كانت السعودية من بين 17 ‏دولة قمعية تصدر لها بريطانيا تكنلوجية رقابية وتجسسية، وهي تعلم تمام العلم إن ‏هذه المعدات عادة ما تستخدم ضد الناشطين في مجال حقوق الإنسان والناشطين السياسيين، ‏وهي بذلك، تعمد بريطانيا على حرمان هؤلاء الناشطين من حرية الرأي في ‏المملكة وتساعد النظام السعودي، في الحد من الحريات وفرض الدولة البوليسية على أبناء ‏المملكة، لاسيما وإن للنظام السعودي تاريخ طويل في استهداف الناشطين في مجال حقوق الانسان والتعامل الوحشي معهم. ففي هذا الشأن قالت صحيفة ‏‏“إندبندنت” إن بريطانيا تبيع تقنية تجسس وتنصت رغم أن القوانين تحظر على الحكومة بيع هذه الأجهزة لدول يمكن أن تستخدمها في القمع ‏الداخلي. والذي يثير استغراب المراقبين، هو أن يخرج وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، ليكتب في مقال نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” أن بريطانيا تحاول تحقيق السلام في اليمن والمساهمة في جهود المساعدة الإنسانية. ويدعو لوقف إطلاق النار.

وإمعانًا في تناقضات السياسة البريطانية تجاه النظام السعودي، منعت الحكومة البريطانية مسؤولين سعوديين متورطين باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، من دخول المملكة المتحدة وتجميد أصولهم المالية، رغم إن الحكومة البريطانية تعلم أن النظام السعودي لم يتسبب في قتل خاشقجي فحسب، إنما تسبب في قتل الالاف من الأبرياء اليمنيين وبأسلحة بريطانية زودها للنظام السعودي، وتسبب في قتل مواطنين سعوديين، وزج أخرين في المعتقلات والسجون، وهو ما يعتبر تضاربًا خطيرًا وتناقضًا فاضحًا للسياسة البريطانية تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط.

إن اعلان الحكومة البريطانية عن فرض عقوبات على 20 سعوديا، متورطين في جريمة قتل ‏الصحفي جمال خاشقجي، ما هي إلا ازدواجية مقيتة للقرارات البريطانية، لا يفسرها سوى ‏رغبة بريطانيا بذر الرماد في العيون، واظهار نفسها كمدافعة عن حقوق المواطنين ولكنها ‏بنفس الوقت تزود الأنظمة القمعية والملطخة ايديها بالدماء، أسباب استمرارها بسفك ‏الدماء ومواصلتها لهذا العمل. ‏

إذا عرف السبب بطل العجب

ويبدو أن بريطانيا التي تعاني من ازمة اقتصادية كبرى بعد خروجها المتعثر من ‏الاتحاد الأوربي، تحاول أن تجد لها منافذ لتصدير أسلحتها لدعم اقتصادها المتداعي وبأي ‏ثمن، حتى لو كان الثمن هو دماء الأبرياء في اليمن، البلد الأكثر فقرًا بالعالم، والذي تُتهم ‏السعودية بقتل ما يصل إلى 12 ألفا وستمئة شخص من أبنائه في هجماتها الجوية. فيما تسببت ‏الحرب في اليمن قتل ما يقارب 100 ألف شخص حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ، بينهم ‏‏12 ألف مدني.‏

رافق ذلك، استعداد بعض السياسيين البريطانيين للتعاطي مع النظام السعودي، واستطاع الأخير شراء ذمم بعضهم لغرض التأثير في استمرار تدفق الأسلحة إليه، ففي هذا الشأن، صرحت نائبة عن حزب العمال المعارض، بأن هناك علاقة وثيقة بين استئناف صادرات السلاح البريطاني إلى السعودية، ووجود علاقات اقتصادية مباشرة للسعودية مع كبار الشخصيات في حزب المحافظين. وأضافت النائبة، بأن النظام السعودي، قام بتعيين وزير المالية السابق فيليب هاموند مستشارًا لديها، وهو سياسي ينتمي لحزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، وبعد ذلك قامت الحكومة البريطانية باستئناف صادراتها التسليحية للسعودية.

وكانت مجلة “ذي سبكتاتور” البريطانية، قد نشرت خبر تعيين هاموند، بعدما كشفت لجنة تقوم برقابة تعيينات الوزراء السابقين، أظهرت أن هاموند سيتولى وظيفة مع الحكومة السعودية. علمًا أن هاموند كانت تربطه علاقات قوية وقديمة مع النظام السعودي، وكان قد تعرض لانتقادات لاذعة بعد أن قبل هدية من رجل أعمال سعودي، كانت عبارة عن ساعة قيمتها ألفين جنية إسترليني.

أن استئناف بريطانيا لتصدير أسلحتها للنظام السعودي، يدل على أنها حكومة تفضل مصلحة الاقتصادية على تحري عدم ارتكاب جرائم بحق الإنسانية، وهي بذلك تثبت بريطانيًا أن لا صلة لها بما تدعيه عن نفسها بأنها جزء من العالم الحر، المدافع عن حقوق الانسان، وهي شريكة للنظام السعودي بكل الجرائم التي يرتكبها في اليمن أو ضد مواطنيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق