تقارير

ازدواجية السياسة الإماراتية والسعودية تجاه القضايا العربية والاسلامية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تعاني المواقف السياسية لدولة الامارات والسعودية تباينًا شديدًا وازدواجية واضحة، بين ما تُعلنانه من مواقف سياسية وبين ما تنفذانه على أرض الواقع. ففي الوقت الذي تُظهر تلكما الدولتان نفسيهما على أنهما راعيتان للسلام في العالم، وحماة للإسلام من الاعتداء عليه. نجدهما في الواقع، أنهما لا تدخران جهدًا في ضرب كل عمليات السلام بالعالم العربي والإسلامي، وتدعمان الفوضى وحروب الوكالة فيهما.

ومن الغريب أن يطال تدخلهما، الساحات التي لا تمت بصلة لدولتيهما، لا جغرافيًا ولا على مستوى المصالح، سوى شعور العداء والكراهية لمصالح المسلمين هناك، أو الحيلولة دون وصول الشعوب لحق تقرير مصيرها. وفي هذا نجد أن ارتباطًا وثيقًا ما بين المصالح الإماراتية والسعودية، مع المصالح الغربية والإسرائيلية، في محاربة ما يسمونه بالإسلام السياسي، أو الاخوان المسلمين وحق تقرير الشعوب لمصيرها.

من شواطئ موريتانيا لحدود الصين، الإمارات والسعودية يدعمان كراهية العرب والمسلمين

لو استعرضنا الحراك الإماراتي ومن خلفه السعودية بشكل جغرافي، بدءًا من موريتانيا وانتهاءً بشرق الصين، نجد أن الإمارات والسعودية، أولت عنايتها لجميع الحكام المستبدين في بعض تلك البلدان، ودعمت الجماعات المتطرفة في الدول التي تتمتع بحكم ديمقراطي.

ففي بلدٍ مثل موريتانيا، ومع انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011، قام الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز باللجوء للإمارات والسعودية، خشية انخراط شعبه بتلك الموجة من الثورات، ورغبته في الحصول على أموال البلدين، لم يتردد في رهن سياسة بلدهِ بتوجهات أبوظبي والرياض، وقام بتنفيذ ما طلباه منه بقطع علاقاته السياسية مع قطر. أما الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، فقد بقى على نفس سياقات من سبقه، ودعمته الإمارات، في بداية هذه السنة بملياري دولار، كان واضحًا أن لهذا علاقة بالشأن ‏السياسي والأمني في هذه الدولة وبالمنطقة العربية والإفريقية المجاورة لها. حيث نجحت أبوظبي بالحصول على موافقته لإنشاء قاعدة عسكرية لها في بلاده على مقربة من حدود الجزائر ودولة مالي. مما يشكل تهديدًا جديًا لكل من الجزائر وليبيا وتونس بالإضافة للمسلمين في مالي.

وفيما يتعلق بدولة مالي جنوب موريتانيا، لم تكن الإمارات والسعودية ببعيدة عن ما يحدث في هذا البلد من حربِ إبادةٍ للمسلمين. فقد كشفت تقارير غربية، عن دعمٍ إماراتيٍ لفرنسا، وللميليشيات المسيحية، في حربهم ضد المسلمين بإفريقيا الوسطى، وعن دورها في الإطاحة بأول رئيس مسلم للبلاد. حينها كانت الإمارات قد أكدت استعدادها لتمويل فرنسا، لإزاحة الرئيس المسلم الذي يحكم فيها، كونه ينتمي لمرجعية قريبة من الإسلاميين العرب في شمال القارة (حسب وصفهم). وبعد إزاحته، واصلت الإمارات دعم الميليشيات المسيحية، التي تعمل تحت غطاء فرنسي، لاقتلاع جذور المسلمين من هذه البلاد.

هذا الدعم الإماراتي، أشاد به الرئيس الفرنسي “فرنسوا هولاند” بشكل صريح، حينما أكد حصول بلاده على دعم مادي يقدر بنحو 400 مليون دولار من ولي عهد أبوظبي، كدفعة أولية لتمويل الجيش الفرنسي في حربه ضد مسلمي مالي.

جزائريًا، كانت الإمارات متغلغلة ضمن النظام القائم في الجزائر إبان وجود الرئيس المستقيل، عبدالعزيز بوتفليقة، والذي كان مستشاراً لدى الإماراتيين في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وساعدته الإمارات والسعودية على الوصول لسدة السلطة في الجزائر. ولم يكن دور الإمارات والسعودية التخريبي في الجزائر، خافيًا على الجزائريين، هذا ما عبر عنه الجزائريون في حراكهم الشعبي ضد الطبقة الحاكمة في الجزائر.

لم تسلم المملكة المغربية أيضًا من التدخلات الإماراتية وحلفائها المصريين والسعوديين، حينما أوعزت لذبابها الالكتروني بقيادة مصرية، باستهداف الحكومة المغربية وشن حملة تشويه عليها وعلى رئيسها سعد الدين العثماني، بل وحتى على الملك محمد السادس، مما دعا حكومة المغرب، استدعاء سفيرها في أبوظبي وقنصلها في دبي، في خطوة غير مسبوقة بين البلدين. وعندما تم البحث في أصل هذه الحملة الإلكترونية، تبين أن من كان يقف وراءها هي شركات مصرية تُعنى بإنتاج محتوى موجه لضرب شخصيات، أو حكومات. وهي نفس الشركات التي تشتغل بشكل موثوق مع الإمارات.

في تونس، الدولة التي بدأت فيها ثورات الربيع العربي، لم تترك الإمارات والسعودية هذا البلد دون أن تخلق له متاعب سياسية عديدة، ومؤخرًا شنت حملة إعلامية شعواء ضد زعيم حزب النهضة أكبر الأحزاب التونسية، لتشويه سمعته، وإثارة زوبعة سياسية، ردًا على هزيمتها النكراء في ليبيا. بعد الهزائم التي تكبدها الانقلابي خليفة حفتر المدعوم من أبوظبي والرياض والقاهرة. يذكر أن العداء الإماراتي السعودي لتونس بدأ مع انطلاق ثورة الشعب التونسي، ذلك ما تحدث به الإعلامي التونسي سفيان بن فرحات، حينما قال: أن الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي أعلمه في لقاء خاص، أن الإمارات طلبت منه إعادة سيناريو مصر، وإزاحة حركة النهضة التونسية لكي تفي هي بتعهداتها المالية لتونس، لكن الأخير رفض ذلك، لتفادي حربٍ أهلية في البلاد.

لقد كان الفشل الإماراتي السعودي في ليبيا، من أهم الأحداث التي سلطت الضوء على حجم التدخل الذي تقوم به هاتين الدولتين عسكريًا وسياسيًا لضرب استقرار الدول حول العالم، واستعدادهما بالتضحية بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق ما يريدانه، مصداق ذلك ما كانا يفعلانه في مصر حينما انتخب الشعب المصري محمد مرسي كأول رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية حرة، حينها قال محمد بن زايد: إنه مستعد للإطاحة بالرئيس المصري المنتخب، حتى لو دفع كل ميزانية إماراته.

لقد كان الجهد الإماراتي والسعودي منصبًا على محاولات ترويض قيادات الدول المغاربية وضمهما لتحالف مناهض لثورات الربيع العربي ومحاربة “الإسلام السياسي”، لكنهما فشلا في تحقيق حلميهما رغم الإنفاق المالي والعسكري لتحقيق هذه الغاية.

نفس الأمر فعلاه في السودان، حينما سعت الإمارات والسعودية للسيطرة على موانئه على البحر الأحمر، من خلال السيطرة على المجلس الانتقالي الذي جاء بعد الإطاحة بعمر البشير، ومن ثم الحكومة المؤقتة السودانية، وسعت الإمارات من خلال شركة موانئ دبي الإماراتية، الاستحواذ على موانئ في السودان والقرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر. ومنذ بدء الثورة الشعبية في السودان التي أدّت في النهاية بالإطاحة برئيس البلاد “عمر البشير”، تورطت الإمارات بتدخل مشبوه في شئون السودان ومحاولة التأثير على ثورته الشعبية.

وفي عام 2005 وقع الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، مع وزير المالية في جمهورية جيبوتي، اتفاقية تعاون تستمر 21 عاماً، تتولى جمارك دبي إدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي. لكن شهر العسل بين الدولتين لم يدم طويلًا، بعد أن اكتشفت حكومة جيبوتي، أن موانئ دبي قدمت رشىً لرئيس هيئة الميناء والمنطقة الحرة في جيبوتي، لضمان الفوز بعقد امتياز إدارة محطة وميناء دوراليه للنفط، ما دفع الرئيس إسماعيل عمر غيله لفسخ التعاقد من جانب واحد.

وعن مؤامرات النظام الإماراتي ضد الشعب الصومالي، فكانت عبر نشر الفوضى والإرهاب والدفع بتقسيم ‏البلاد خدمة لأطماعها في النفوذ ونهب ثروات ومقدرات البلد.‏ فقد دعمت أبوظبي سلطة إقليم صوماليلاند، الذي أعلن انفصاله عن الصومال، والذي لم يحظ بأي اعتراف دولي أو إقليمي، إلا من الإمارات التي قامت باستقبال رئيس الإقليم الانفصالي ودعمته ‏عسكريا واقتصاديا.‏ يأتي المخطط الإماراتي ضمن جهودها لإسقاط وتقويض حكومة الصومال الاتحادية، وخطتها للاستيلاء على موانئ الصومال واليمن بالإضافة لموانئ السودان وموانئ القرن الأفريقي وصولًا إلى ميناء الحديدة في اليمن. هذا ما تحدث به قائد القوات الإماراتية في اليمن عام 2015، من إن الإمارات تسعى لضمان سيطرتها الكاملة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وصولًا إلى الحديدة.

وفي اليمن لم تدخر الإمارات جهدًا في دعم كيانات خارجة عن الشرعية، ‏مثل المجلس الانتقالي الذي قاد انقلابًا ضد الشرعية، فضلا عن تمويل مليشيات موالية ‏لها كقوات “الحزام الأمني”، إضافة إلى ما يسمى بـ”النخب” ‏مثل “النخبة الشبوانية” و”النخبة الحضرمية” وغيرها من التشكيلات غير الرسمية.‏

لم تخرج سوريا، من دائرة الاستهداف الإماراتي والسعودي، وما كان لها من دور بارز بإجهاض الثورة السورية ودعم الدكتاتور بشار الأسد، ففي الوقت الذي كانت المعارضة على وشك إسقاط بشار الأسد، مهدت تلكما الدولتان لروسيا بالتدخل ودعم الأسد، وقامتا بتشتيت المعارضة السورية من خلال قطع الدعم التسليحي، وتحريض بعضهما على ضرب بعض، وجعلهم لقمة سائغة لقوات الأسد ومواليه الروس.

عراقيًا، اختارت الإمارات والسعودية دعم الحركات الانفصالية فيه، وكانت تلك الدولتان بالإضافة لإسرائيل، من أشد الداعمين لانفصال إقليم كردستان عن العراق، رغم مواقفهم المعلنة التي كانت مع وحدة العراق. وفي الوقت الذي تدَّعي الإمارات والسعودية عداوتهما للسياسة الإيرانية، نرى أنهما يدعمان القادة العراقيين المقربين من إيران ويساندانهم ، في تناقض غريب يشكك بتوجهاتهم الحقيقية إزاء هذا البلد، والغالب إن هذين البلدين يتشاركان مع هدف إيراني مهم، هو إبقاء العراق بلدًا ضعيفًا مهزومًا، خشية من استرجاع العراق لقوته، مما سيشكل خطرًا محدقًا على أنظمتهما نتيجة لتجربة احتلال الكويت.

لم تكتفي الإمارات والسعودية بتدخلاتها بالشأن العربي بل تجاوزاه للشأن الإسلامي

لم تكتف الإمارات والسعودية في تدخلاتهما فقط على الدول العربية، بل تعدى ذلك إلى التدخل بشؤون الدول الإسلامية الأخرى، هذا ما فعلتاه حينما دعمتا انقلابًا عسكريًا على النظام الديمقراطي في تركيا، والتي كشفت التحقيقات أن الإمارات كانت من أهم الداعمين لهذا الانقلاب. وذكرت تركيا، إن الإمارات قامت بإنفاق 3 مليارات دولار، دعماً للانقلاب الفاشل عام 2016.

كما أنهما دعما الحزب العنصري الحاكم في الهند  وإجراءاته العنصرية بحق المسلمين الهنود الذين يعدون ثالث أكبر تجمع إسلامي في العالم، ووقفت الإمارات والسعودية لجانب الهند في خلافاتها مع جارتها المسلمة الباكستان حول منطقة كشمير المسلمة حينما ألغت الحكم الذاتي هناك. ومن المثير أن تجد أن العلاقة بين الهند والإمارات والسعودية قد ازدادت ألفة في عهد حكومة مودي زعيم حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي القومي العنصري، رغم تاريخه المخزي في اضطهاد الأقليات غير الهندوسية في الهند.

لم تكتف الإمارات والسعودية بذلك، بل إنهما دعمتا التوجهات الصينية في اضطهادها للأقلية الإسلامية هناك، وعملتا على ‏ شيطنة الأويغور من خلال وصفهم ‏بـ”المتطرفين”. من ناحيته، أظهر الرئيس الصيني، امتنانه لموقف الإمارات وولي عهدها محمد بن زايد من عملية اضطهاد الصين للأقلية المسلمة. فعل ذات الشيء حليفه محمد بن سلمان، الذي كان موقفه أكثر قوة ودفاعًا عن الإجراءات ‏القمعية الصينية ضد مسلمي الأويغور، حينما قال: إن “الصين لها الحق في تنفيذ ‏أعمال مكافحة الإرهاب والتطهير من أجل أمنها القومي”.‏

وفي ما نرى، أن النظام الحاكم في الإمارات وفي السعودية، يحاولان وبكل قوة محاربة العرب والمسلمين، الذين لا ينضوون تحت مشاريعهما، ويتهمونهم بالإرهاب. والأمثلة يصعب حصرها، في ما فعلاه في دول أخرى مثل ماليزيا، وموقفهما من اضطهاد الروهينغا في مينمار. حتى وصلت الصورة لكل العرب ومسلمي العالم، بأن نظامي الإمارات والسعودية هما أشد على العرب والمسلمين من أعدائهما التقليديين الذين عرفناهم فيما سبق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق