تقارير

إعلان المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية في جنوب اليمن .. هل ستقسم اليمن؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بعد مضى أكثر من 24 ساعة على إعلان المجلس الانتقالي عن حكم محلي لمحافظات جنوب اليمن “الإدارة الذاتية”، جاء بيان التحالف العربي الذي أكد فيه على استمرار دعمه للشرعية اليمنية وتنفيذ اتفاق الرياض، بما فيه تشكيل ‏حكومة الكفاءات السياسية حسب نص الاتفاق وممارسة عملها من العاصمة المؤقتة ‏‏(عدن).‏

جاء بعده الموقف السعودي الذي كان ينتظره الجميع، متأخرًا كما هي العادة، بسبب حالة الحرج الذي تعاني منه السعودية، كون الإعلان الذي قام به المجلس الانتقالي، ما كان ليتم لولا الضوء الأخضر الاماراتي، وهي الدولة التي يفترض انها حليف للسعودية في حرب اليمن، ويعتبر اعلان المجلس الانتقالي لإدارة خاصة بالجنوب، ضربة لجهود السعودية بتنظيم ‏محادثات مع الحوثيين، والذين سيخرجون أكثر قوة من تصدع الجبهة المضادة لهم، مما سيضطرها لزيادة عملياتها العسكرية ضد الحوثيين.

‏جاء رد الفعل السعودي، على لسان أكثر من مسؤول سعودي عبر تغريدات نشروها في موقع التواصل تويتر. فمن ناحيته قال الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي: “أن أمن واستقرار اليمن في أعلى أولويات المملكة العربية السعودية”.

نفس الموقف أبداه وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، حينما غرد من حسابه الرسمي على “تويتر”، “نريد لليمن الشقيق تحقيق ما كفله اتفاق الرياض من عمل مشترك بين الطرفين لتحقيق مصلحة الشعب اليمني.

أما وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، فقد كانت تغريدته أكثر وضوحًا بشأن الموقف السعودي من الدعم الاماراتي للمجلس الانتقالي، وهل هناك خلافات بين موقفي البلدين من الإعلان الأخير، لا سيما بعد أن اطلقت السعودية العنان للجيوش الالكترونية التابعة لها بوصف الموقف الاماراتي بالخيانة، فقد أعلن الجبير رفضه بشدة أن تتحول مصلحة الشعب اليمني التي كفلها اتفاق الرياض لمزايدات.

يُذكر أن هناك هاشتاق انتشر بسرعة في السعودية بعد اعلان المجلس الانتقالي وتبنته جميع الحسابات المرتبطة بالنظام السعودي، كان بعنوان #سود_الله_وجه_الخيانة في إشارة إلى الموقف الاماراتي من القضية الأخيرة، وقد رجح مراقبين، بأن هذه تعبيرًا عن استهجان السعودية من الموقف الاماراتي الداعم للمجلس الانتقالي، ولكن لم تشأ السعودية تبيان خلافها مع الامارات بشكل واضح وصريح، بعد أن فقدت معظم الدول التي كانت إلى جانبها في موضوع تدخلها باليمن.

فقد غرد الحساب المعروف “المشهد السعودي اليمني” قائلًا: “ابناء السعودية يطلقون هاشتاغ #سود_الله_وجه_الخيانه في رسالة شديدة اللهجة للانتقالي والامارات”

أما حساب سلمان الانصاري فقد قال: “نقض تعهدات #اتفاق_الرياض، ورفع السلاح بوجه القوات #السعودية، وخيانة العهد والوعد، ونشر الفوضى، والطعن في الظهر، و استقطاب الذمم الرخيصة، والأكاذيب المركبة، والإستغفال المكشوف (ليست مسؤولية قيادات ميليشيا التمرد الانتقالي؛ بل مسؤولية داعميه) ولكل حادث حديث!”

موقف الامارات من بيان المجلس الانتقالي

موقف الامارات من اعلان المجلس الانتقالي، كان باردًا وهي التي تولي الاعتبارات الاستراتيجية الاهتمام الكبير والسبب في دعم انفصال جنوب اليمن عن ‏الدولة اليمنية، حيث يوجد مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي يربط البحر الأحمر ‏وخليج عدن، والذي تمر من خلاله معظم وارادات العالم النفطية.‏ لكنها مع ذلك فقد سارعت الامارات لإبداء اعتراضها على إعلان المجلس الانتقالي، لكي لا تبدوا إنها من وراء كل الاحداث التي تتسارع في جنوب اليمن، وأبعدت الإمارات نفسها عن الإعلان لكي لا تتهم بأنها هي من دعمته، قائلة إن الإحباط ‏من تأخير تطبيق اتفاق مشاركة السلطة لا يستدعي إجراءات من طرف واحد، وجاء هذا ‏التبرير الاماراتي كأنه تبرير لما اقترفه المجلس الانتقالي من خطوة انفصاليه تهدد شطر البلد ‏إلى بلدين.

‏وفي هذا السياق، أكد  أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية، على ضرورة عودة الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن إلى سابق وضعها، وغرد قائلا: “الإحباط من التأخر في تطبيق الاتفاق لا يجب أن يكون سببا لتغيير الأوضاع من طرف واحد وثقتنا في حرص السعودية الشقيقة على تطبيق اتفاق الرياض مطلقة”.

لقد لعبت الامارات دورًا كبيرًا في دعم عدد من التمردات العسكرية ضد الحكومة الشرعية ‏وتشجيعها على الانضمام لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي. وبنَت أذرعاً أمنية ‏وعسكرية خارج إطار الحكومة، وقوّضَت مؤسسات الدولة، وحاربت كل من ينتمي إلى ‏مشروع الدولة. وعملت الأمارات في صناعة سلطات عسكرية موازية ‏للدولة اليمنية، وحاربت كل رموز الشرعية، ‏وإبعدت المناوئين لمطامعها، بالإضافة إلى تنفيذ اغتيالات واستئجار مرتزقة من شتى ‏بقاع العالم وفتح السجون، لتبنّي مشروعها الخاص.‏

موقف حكومة ورئاسة اليمن الشرعية

 من ناحيته، شجب الرئيس اليمني هادي إعلان المجلس الانتقالي واعتبره انقلابًا، ودعا الأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي للتدخل. فيما اعتبرت الحكومة اليمنية التي يرأسها معين عبدالملك، إعلان الحكم الذاتي في الجنوب بأنه “تمرد واضح على الحكومة الشرعية وانقلاباً صريحاً على اتفاق الرياض ‏ومؤسسات الدولة”. وحملت الحكومة، المجلس الانتقالي وقياداته الموجودة في أبوظبي، ‏المسؤولية الكاملة عن عدم تنفيذ بنود اتفاق الرياض، وصولاً للانقلاب الكامل على ‏مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن من خلال بيانهم المذيل باسم المدعو عيدروس ‏الزبيدي”. ‏وفي السياق، رفضت ست محافظات في الجنوب اليمني من أصل ثماني ‏محافظات، إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي حكمًا ذاتيا على جنوب البلاد. ‏

فيما هاجم وزير الخارجية اليمني، محمد الحضرمي، المجلس الانتقالي وعبر عن تطلع حكومته “من الأشقاء في المملكة العربية السعودية -‏الضامن لاتفاق الرياض وقائد تحالف دعم الشرعية- إلى موقف واضح وإجراءات صارمة ‏تجاه استمرار تمرد ما يسمى المجلس الانتقالي، وتنصله من اتفاق الرياض”.‏

المبررات التي دعت المجلس الانتقالي لإعلان الإدارة الذاتية

لكن المجلس الانتقالي وفي سياق تبريره لخطوته الانفصالية، قال في بيان له، اتهم فيه حكومة هادي بعدم دفع الرواتب، والتسبب في تدهور الخدمات العامة. كما وبرر المجلس إعلانه “الإدارة الذاتية” بالقول إن “الحكومة استمرت في الصلف والتعنت في القيام بواجباتها”، بالإضافة إلى “تلكؤها وتهربها من تنفيذ ما يتعلق بها من اتفاق الرياض”. يُذكر إن التطورات في الجنوب، جاءت في الوقت الذي يشهد اليمن سيولا تسبّبت بمقتل 21 شخصا على الأقل غالبيتهم في عدن.

مع العلم، بأن المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، يمسك بزمام الأمور في عدن منذ أغسطس/آب الماضي، عقب قتال شرس مع القوات الحكومية، انتهى ‏بطرد الشرعية.‏ والمجلس الانتقالي الانفصالي بجنوب اليمن، أُعلِنَ عن تأسيسه في مايو/أيار 2017 في عدن برئاسة عيدروس الزبيدي،‏ والزبيدي هو أحد قيادي الحراك المنادي بانفصال الجنوب عن الشمال. ومنذ ذلك التاريخ، شرع المجلس بدعم إماراتي غير محدود، باتخاذ خطوات تصعيدية ‏ضدّ الحكومة في عدن.‏

بالمقابل، كان الموقف السعودي محاط بكثير من ‏الغموض، وتأرجح بين تأكيد دعم الحكومة الشرعية، والسعي إلى احتواء المجلس ‏الانتقالي. وتتخوف السعودية من فكرة تقسيم اليمن، التي ستؤدي إلى فشل عملية ‏التحالف العسكرية “عاصفة الحزم”، وتقوية الحوثيين في الشمال اليمني “جنوب المملكة”، ‏بما يمثل تهديدات أمنية وسياسية للسعودية، وهو السر في تمسكها بالشرعية اليمنية. ‏

لم تكن محاولة المجلس الانتقالي بالاستقلال بجنوب اليمن هي المحاولة الأولى، فقد ‏سبقتها محاولة قبل أشهر، لكن الحكومة اليمنية وقعت مع المجلس الانتقالي الجنوبي، ‏وبرعاية سعودية، في الـ 5 من شهر نوفمبر 2019م، اتفاق الرياض لإنهاء التوتر والتصعيد ‏العسكري بينهما على خلفية سيطرة ‏قوات المجلس على العاصمة المؤقتة عدن في العاشر ‏من أغسطس الماضي، عقب ‏مواجهات دامية مع الجيش اليمني استمرت أربعة أيام ‏وأسفرت عن سقوط 40 قتيلاً ‏و260 جريحاً، وكان من أبرز ما جاء بذلك ‏الاتفاق، هي تشكيل حكومة كفاءات تتكون ‏من 24 وزيرا مناصفة بين ‏الجنوبيين والشماليين، وعودة الحكومة اليمنية لممارسة عملها ‏في مدينة عدن، وتوحيد القوات العسكرية ‏خلال 60 يوما ‏من توقيع الاتفاق، ودمج قوات المجلس الانتقالي في قوات الداخلية اليمينة ‏وإعادة تدريبها.‏ ‏لكن أيٍ من النقاط أعلاه لم يتم تنفيذها، واستمر الوضع على ما هو عليه.‏

الحوثيون أكبر الفائزون

وفي هذا الاثناء، يواصل المتمردون الحوثيون في الشمال محاولتهم التقدم نحو السيطرة على مناطق جديدة وأهمها مأرب، رغم وقف إطلاق النار المعلن من جانب واحد للمساعدة على التفرغ للتصدي لفيروس كورونا. جاءت الاحداث الأخيرة في جنوب اليمن، من صالح جماعة الحوثيين، ويعتبرون من أهم المستفيدين، وفي هذا الشأن، علق القيادي البارز في جماعتهم، محمد على الحوثي قائلًا: “من المعرقل لاتفاق ‏الرياض؟ لا تذهبوا نحو الأضعف، لوصفه بالتمرد، أو إعلان عاصفة جديدة ضده، قبل ‏المكاشفة إن كنتم تحبون الجنوب كما تدعون؟”. وأضاف الحوثي في تغريدة عبر “تويتر”: ‏‏”والآن، نفذوا اتفاق الرياض، حتى لا يتأكد ما قلنا عنه (اتفاق انتفاخي)”.‏

أصداء أحداث جنوب اليمن في مواقع التواصل

تفاعلت مواقع التواصل مع إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، وبالأخص تويتر، فقد كتب حساب مستشار الأمير محمد بن نايف في تغريدة له: “أثبتت الإمارات من جديد بأنها تمثل الخطر الأكبر الذي يهدد المملكة وأمنها القومي، وأنها لم تشارك في عاصفة الحزم لأجل إعادة الشرعية، وإنما بهدف توسعة نفوذها في المنطقة الذي لن يتحقق إلا بإضعاف السعودية، إعلان المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية يعد ضربة للشرعية كما أنه ضربة للسعودية”.

لكن ناشطون اعتبروا “اتفاق الرياض” كذبة سعودية انتهت بتسليم المؤسسات المالية في ‏عدن لمرتزقة الإمارات، مستنكرين تجاهل الحكومة السعودية لبيان الانتقالي وغياب ردها ‏الحاسم عليه. فقد استهجن الناشط الإعلاني جلال شهدا تأخُر الموقف السعودي على ‏بيان الانتقالي، قائلا: “لا يزال خبر إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في ‏المناطق التي يسيطر عليها جنوبا وحالة الطوارئ في عدن غائبا عن الإعلام السعودي”. ‏وأشار إلى أن “السلطات في السعودية لم تعلق عليه رغم أنها راعية الشرعية اليمنية ‏واتفاق الرياض بين حكومة اليمن والمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات”.‏

وفي السياق ذاته، يرى ناشطون أن موقف المجلس الانتقالي يمثل طعنة إماراتية جديدة ‏للسعودية، فقد سخر الإعلامي القطري جابر الحرمي، قائلا: “نبارك ‏للسعودية الطعنة الجديدة التي وجهها الحليف في اليمن بإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي ‏المدعوم من الامارات حالة الطوارئ والإدارة الذاتية لجنوب اليمن”، لافتا إلى أن “السعودية ‏المختطفة لن تستطيع أن تتخذ خطوة معارضة لأن قرارها في أبوظبي. ‏

‎لقد فشل التحالف العربي بقيادة السعودية، في الحفاظ على وحدة اليمن، بعد حرب لخمس ‏سنوات مع مليشيات الحوثي، الأمر الذي يجعلنا في شكٍ كبير، هل كانت أهداف التحالف ‏العربي من حربه في اليمن هي المحافظة على وحدته فعلًا، واستعادة شرعية النظام ‏الجمهوري هناك؟

لقد خلق تدخلها أكبر كارثة ‏إنسانية في العالم، وتسبب في قتل عشرات الآلاف من المواطنين اليمنيين، وشرد الملايين ‏‏منهم وباتوا يعانون من المرض والجوع.‏ لكن كما هو معلوم للمراقبين، أن تدخل السعودية ‏لم يكن لإحلال الاستقرار في هذا البلد، ولم تكن تلك الغاية من أولويات تدخلها ‏العسكري، وإلا فلماذا عَمِدَتْ السعودية على تفويت عشرات الفرص للقضاء على تمرد ‏الحوثي والتي كانت ممكنة ومنذ السنة الأولى للحرب؟ بل إنها كانت تتعمد المماطلة ‏والتسويف ليستمر النزيف اليمني، ولتتحطم الدولة اليمنية بمؤسساتها وبنيتها التحتية ‏حتى لا تقوم لها قيامة مرة أخرى، ولكي لا تشكل تهديدًا لها في المستقبل، وهي الدولة التي ‏تتوفر فيها كل المقومات التي تجعل منها دولة قوية تفوق بقوتها جميع الدول الخليجية ‏ضمنها المملكة السعودية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق