تقارير

في أول أيام رمضان… رحيل داعية الملكية الدستورية عبدالله الحامد

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

يمر علينا شهر رمضان الفضيل هذه السنة مثقلًا بهموم كبيرة، فأبواب المساجد قد أغلقت، والجماعات قد تفرقت، وصلاة التراويح التي كنا ننتظرها قد مُنعت، كل ذلك بسبب تفشي وباء كورونا بين البلدان، أما شعب المملكة، فقد أفجعهم شيء أخر، كانوا آخر ما يرغبون بسماعه، ففي اليوم الأول من شهر رمضان، تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خبر رحيل الداعية الحقوقي الإصلاحي الكبير عبدالله الحامد، غادر وهو يرى بلده أسوأ حالا من وضعه لما أدخل السجن، كان يريد أن يعيش في بلدٍ، تُصان فيه الحقوق، ويعيش فيه المواطن بكرامة، لكن روحه فاضت إلى ربها، وهو معتقل في سجون بائسة سيئة السمعة بسبب الإهمال الطبي المتعمد له.

كان الإصلاحي عبدالله الحامد يعاني من أمراض مزمنة، لكن هذا لم يحمل السلطات السعودية، للنظر إليه بعين التعاطف، لتُفرج عنه رغم سنه الذي شارف الـ70 عامًا، ضربت الرجل جلطة دماغية جعلته يدخل في غيبوبة، ولمدة عدة ساعات، دون أن تقوم الدولة بشيء لإنقاذه، وتركته يلاقي مصيره لتفيض روحه في اليوم الأول من هذا الشهر الفضيل. وفي الوقت الذي كنا ننتظر من ابن سلمان أن يستجيب للمناشدات والمطالبات التي رفعها كثير من الدول والكثير من الناشطين الحقوقيين والمنظمات الحقوقية للإفراج عن المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي والفكر من الكتاب والدعاة والمشايخ والمفكرين، بسبب ما يشكله فيروس كورونا من تحدي خطير على السجناء والمعتقلين. لكنه بدلا من ذلك اطلق سراح المخالفين لقانون الإقامة وغيرها من الجنح وشاربي الخمور ولصوص السيارات وأصحاب المضاربات وذوي القضايا المالية، وترك معتقلي الرأي والسجناء الإصلاحيين السياسيين قابعين في سجنوهم.

من ناحيتها طلبت منظمة العفو الدولية في 19 أبريل الجاري، من السلطات السعودية الإفراج فوراً عن معتقل الرأي الدكتور عبد الله الحامد، على إثر تدهور حالته الصحية في السجن ودخوله في غيبوبة، لكن دون أي استجابة من السلطات. اما منظمة “هيومن رايتس ووتش” كانت قد ادانت في تقريرها العالمي 2014، الأحكام الصادرة على ‏نشطاء حقوق الإنسان، ومنهم د. الحامد، بتهم وصفتها المنظمة بـ “فضفاضة تصلح لجميع ‏الأغراض من قبيل، محاولة تشويه سمعة المملكة، ونقض البيعة مع الحاكم، وإنشاء ‏جمعية غير مرخصة”.‏

الداعية الإصلاحي عبدالله الحامد، الذي فاضت روحه إلى بارئها، في اليوم الأول من رمضان والذي وافق يوم الجمعة 24/4/2020، كان رجلًا أكاديميًا وناشطًا حقوقيًا ‏‏سعوديًا، وواحدا من أبرز الوجوه الإسلامية الداعية للإصلاح بالمملكة. هذا ما أكده حساب «معتقلي الرأي»، المختص بشؤون ‏المعتقلين في السعودية عبر تويتر، خبر وفاته وقال، إن “الدكتور الحامد توفي صباح الجمعة في السجن نتيجة ‏الإهمال الصحي ‏المتعمد الذي أوصله إلى جلطة دماغية أودت بحياته”.‏

وشدد حساب “معتقلي الرأي” على أن “وفاة الحامد في السجن ليست أمرا عاديا، فهو ‏اغتيال متعمد قامت به ‏السلطات السعودية بعد أن تركته إدارة السجن في غيبوبة عدة ‏ساعات قبل نقله للمستشفى”. وحذّر من ‏‏”السكوت على هذه الجريمة”، لافتا إلى أنها “قد ‏تتسبب بوفاة آخرين من المعتقلين الأحرار”.‏

إلى ماذا كان يدعوا عبدالله الحامد؟

يعتبر الحامد، من أوائل الدعاة في الحركة الإصلاحية ومؤسسها وفق منهج وهوية الشعب، وأحد أهم المطالبين ‏بالتغيير السياسي نحو الملكية الدستورية في السعودية، كما أنه من أبرز المدافعين عن ‏حقوق الإنسان والحريات العامة. حيث يؤمن “الحامد”، بأن نظام الحكم في السعودية، ‏هو نظام ملكي مطلق، ويجب أن لا يستمر بهذا الشكل، فهو جمع بين الاستبداد ‏السياسي، والاستبداد الديني. وعلى هذا فأن النظام السياسي لا بد له من أن يتحول إلى ‏ملكية دستورية، تكتفي الأسرة المالكة بالعرش وولاية العهد، بينما يتولى الشعب الحكم ‏والمشاركة السياسية على غرار ما هو معمول به في العديد من النظم الملكية الديمقراطية ‏بالعالم.‏ لكن هذه الرؤية تعتبر من أخطر الرؤى التي يمكن أن يتعامل معها نظام آل سعود، لأنها ‏تهدد استبدادهم بكل شيء وتملكهم لكل أمر، ولأنها من أفضل طرق التغيير في المملكة بشكل سلمي ‏كما حدث في دول العالم كافة، ومن الممكن أن تجد لها أنصارا داخل المملكة، ومؤيدين من ‏خارج المملكة. وبالتالي فأن نظام آل سعود، لا يسمح بتاتًا لترويج مثل هذه الأفكار بين ‏صفوف الشعب.‏

حصل عبدالله الحامد، على الدكتوراه من جامعة الأزهر في القاهرة، وأسس “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعيّة” و”جمعية الحقوق المدنية والسياسيّة” بعد أن عاد للملكة بسنوات . وبسبب نشاطه هذا تعرض للاعتقال ستة مرات، على خلفيّة مطالبته مع أخرين بإصلاح سياسي في المملكة، كما اعتقل مرات أخرى بسبب رفضه مخاطبة الأمراء مستخدما تسمية “صاحب السمو” ومقولته الشهيرة “لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام”. وفي عام 2013 اعتقل، وحكم عليه بالسجن 11 سنة، لمشاركته في تأسيس جمعية “حسم”، التي كانت تدعو إلى حقوق المواطنين الكاملة تحت مظلة الملكية الدستورية. ويذكر أن “عيسى الحامد” شقيق فقيدنا عبد الله الحامد، وهو رئيس جمعية “حسم”، يقبع في السجن أيضا، بالإضافة إلى شقيقهما الثالث عبد الرحمن.

وللفقيد مؤلفات من أبرزها، كتاب “حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان”، والذي نُشر بعد إنشاء لجنة الدفاع عن الحقوق الدستورية، بعنوان جديد هو “حقوق الإنسان في الإسلام”. وشارك “الحامد”، مع مجموعة تمثل 100 شخصية من الإصلاحيين السعوديين، لتشكيل تيار للإصلاح السياسي الدستوري، من خلال بيانات أصدروها في عام 2003، دعوا فيها للتحول إلى الملكية الدستورية، والفصل بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومحاربة الفساد واستقلال القضاء. لكن السلطات السعودية، قامت في 16 مارس/آذار 2004، باعتقال عددٍ من تلك الشخصيات، بالإضافة إلى الحامد، للتحقيق معهم في البيانات التي اصدروها، والتي قالت عنها وزارة الداخلية، بأنها “لا تخدم الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع القائم على الشريعة الإسلامية”. وبعد أن أخذت الداخلية تعهدات من الجميع، بعدم المشاركة في نشاطات سياسية مستقبلًا، تم اطلاق سراحهم، ما عدا الحامد واثنين آخرين، الذين رفضوا كتابة أي تعهد، واستمر احتجازهم، في القضية التي اشتهرت إعلاميًا باسم “الإصلاحيين الثلاثة”.

وفي محاولة منه لإطلاق سراح دعاة حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين، أعلن الحامد، ‏في فبراير/شباط 2019، إضرابا مفتوحا عن الطعام رغم تدهور حالته الصحية. ويؤمن ‏‏”الحامد” أن المحاكمات السعودية، هي محاكمات على الرأي والحق في التعبير، أوضح ذلك ‏من خلال تسجيل له تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهره إلى جانب عدد من ‏الأشخاص بعد خروجهم من إحدى المحاكم قبل الحكم عليه بالسجن 11 عاما في عام ‏‏2014. ويصف “الحامد” المحاكم والإجراءات القضائية في السعودية، بأنها “محاكم ‏تفتيش” يجب العمل على إزالتها حتى ولو دفع الإصلاحيون الثمن لذلك. ورأى “الحامد”، أنه ‏ليس هناك من إمكانية “للتخلص من العنف والتطرف إلا بالسماح للناس بالتعبير عن ‏الرأي دون تضييق، لأن مصادرة حرية الرأي والتعبير تجعل الناس يلجؤون للعنف”.‏

ومما يميز الحامد عن بعض الذين خاضوا غمار هذه القضايا ،أو يتناولونها في الخارج أنه كان واضح المنهج إسلاميا،فلم يكن لديه تشويش أو غبش من هذه الناحية،وهذا ما جعله موضع نقمة أشد من النظام

مواقع التواصل تتفاعل مع خبر وفاة الإصلاحي عبدالله الحامد

أخذت مواقع التواصل على عاتقها مهمة الإعلان عن خبر وفاة الراحل عبدالله الحامد، ذلك لان من ‏المعروف عن السلطات السعودية، إنها لا تعلن عن حالات الوفاة في المعتقلات، ‏وترفض ‏السماح للمنظمات حقوق الإنسان بزيارة المعتقلين والاطلاع على أوضاعهم.‏ وضجت مواقع التواصل بخبر وفاة الإصلاحي عبدالله الحامد، منها ما كان مستنكرًا للإهمال الذي لاقاه الداعية “الحامد”، ومنها ما كان محذرًا من تكرار الحادثة مع دعاة ومشايخ أخرين في سجون آل سعود، لا سيما وإنها تضم العديد من المشايخ الكبار في العمر وبعضهم يعاني من أمراض مزمنة. وفي هذا الشأن غرد الدكتور عبدالله العودة، نجل الشيخ المعتقل، سلمان العودة.‏ واعتبر عبد الله العودة وفاة من وصفه بـ”رمز الإصلاح” الدكتور عبد الله الحامد بالـ “فاجعة”. ‏قائلًا: فاجعة وفاة رمز الإصلاح د. #عبدالله_الحامد بعد إهمال طبي متعمّد داخل السجن وتأخير لعملية القلب وتركه لساعات في زنزانته بعد أن أغمي عليه بسبب الجلطة الدماغية التي أصابته. ورحل عنّا تاريخ بأكمله من النضال المجيد. رحم الله هذا القلب النبيل.. وأسأل الله أن يجعل دمه لعنة على ظالميه.

وغرد حساب معتقلي الرأي محذرًا من أن الجريمة التي طالت الدكتور #عبدالله_الحامد من إهمال صحي متعمد، وأودت بحياته، قد تصل إلى غيره من أمثال الدكتور #سفر_الحوالي أو #سعود_الهاشمي أو #موسى_القرني أو الشاعر الثمانيني #عايد_الوردة وغيرهم إن لم تتوقف السلطات عن جرائمها الحقوقية هذه.

أما حساب مستشار الأمير محمد بن نايف فقال: وفاة الدكتور عبدالله الحامد في السجن نتيجة الإهمال الطبي سقطة أُخرى تُضاف إلى سقطات بن سلمان الحقوقية، عدم الاهتمام بالسجناء وصحتهم جريمة إنسانية لا تُغتفر. رحم الله الدكتور

سلطات آل سعود تحرم الحامد من جنازة تليق به

لم تكتفي السلطات السعودية بظلم “الحامد” وهو حي، حينما زجت به في سجونها بسبب دعواته الإصلاحية، بل أنها حرمته من جنازة تليق بشخصيةٍ من مثله، حيث نقلت وكالة “الأناضول” عن مصدر من أهل مدينة بريدة، مسقط رأس “الحامد”، إن “صلاة الجنازة أقيمت على الناشط الحقوقي والأكاديمي عبد الله الحامد، ومنعت أي شخص بالصلاة عليه غير أقاربه، تحت ذريعة منع التجمعات”. ورغم إن العديد من المنظمات الحقوقية وناشطين حقوقيين، قد اتهموا السلطات السعودية بالتعمد بالإهمال الصحي للحامد، إلا إنها لم تعلَّق على هذا الاتهام، بل إنها لم تعلن عن وفاة “الحامد” حتى الان.

رحم الله الداعية الإصلاحي عبدالله الحامد، وفرجَّ الله عن رفاقه في سجون السلطات السعودية، ومن المؤكد إن أمة تضم مثل هؤلاء الرجال، لا بد لها من نيل حريتها وإن طال الانتظار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق