تقارير

لماذا تستجدي المملكة العربية السعودية وقف اطلاق النار باليمن والخروج باتفاق سلام بأي ثمن؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في خبر أوردته وكالة رويترز نقلًا عن مصدرين قريبين من المحادثات بين المسؤولين السعوديين والحوثيين، قالت الوكالة، إن السعودية استأنفت المحادثات غير المباشرة مع جماعة الحوثي مطلع هذا الأسبوع، لتعزيز وقف متعثر لإطلاق النار. ووصف أحد المصادر، بأن السعودية جادة للغاية بشأن إنهاء الحرب في اليمن، لكن الامر يتعلق بمدى قدرتها على إرضاء الحوثيين.

من طبيعة الخبر، يبدو أن الحوثيين يتعاملون مع السعودية من مركز قوة، تفرضها ظروف المملكة السعودية التي تمر بها. وبالتالي فأن الأخيرة تحاول جر الحوثيين بأي ثمن إلى استئناف المفاوضات التي تؤدي إلى التخلص من الصداع الذي سببته الحرب المستمرة في اليمن منذ خمسة سنوات.

الاستئناف السعودي للمفاوضات مع الحوثيين جاء بعد وقف اطلاق نار اعلنه التحالف العربي بقيادة السعودية قبل نحو أسبوع من طرف واحد، لم يحترمه الحوثيين الذين واصلوا عملياتهم العسكرية غير مبالين بوقف اطلاق النار الذي أعلنه التحالف، واعتبروه بأنه “مناورة سياسية” من جانب التحالف، وقاموا بالتقدم في مناطق الجوف بشمال اليمن وصوب مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية وسط اليمن‏، الأمر الذي استدعى السعودية استئناف ضرباتها الجوية في نفس اليوم الذي استأنفت فيه مفاوضاتها مع الحوثي، محاولة منها لوقف تقدم الحوثيين وتعزيز موقفها التفاوضي.

لكن اخبارًا واردة من مليشيات الحوثي، أفادت إنها رفضت استئناف تلك المفاوضات، على عكس ما نُشر في أكثر من وسيلة اعلامية لاستئنافها. جاء النفي على لسان مدير العلاقات الاعلامية في جماعة الحوثي، عبدالقدوس الشهاري، ‏يوم الأربعاء من هذا الاسبوع، والذي قال لوكالة “سبوتنيك”، “لا وجود لمباحثات رسمية بين جماعته والسعودية في الوقت الحالي، وكل ما يتم تناوله في الصحف والمواقع الإخبارية، ‏ليس رسميا حتى الآن”.

ماذا يريد الحوثيون؟

لخص الحوثيين مطالبهم في وثيقة اسموها “وثيقة الرؤية” والخاصة بإنهاء الحرب، رفعوها إلى المبعوث الدولي الخاص باليمن، بيَّنت مدى ما يتمتع به الحوثيين من القوة والجرأة التي اكتسبوها في تعاملهم مع التحالف بقيادة ‏السعودية، وقاموا بتذيلها ‏‏بتوقيع بديل وهو “الجمهورية اليمنية بصنعاء” متخلين بذلك عن اسم جماعتهم ‏‏”انصار الله”، ومن البنود التي جاءت بها الوثيقة والتي تمثل المطالب الحوثية، مطالب وزعت على ثلاثة أجزاء رئيسية جاء في أهمها: إنهاء الحرب ‏وتنفيذ وقف إطلاق النار، إنهاء الحصار المفروض من قبل التحالف، والتوصل إلى تسوية ‏سياسية من خلال العملية السياسية اليمنية. ووفقًا للرؤية، سيكون التحالف مسؤولا عن ‏تعويض مالكي وعمال المصانع والشركات والهيئات والمنشآت والأسواق والمطاعم وغيرها، ‏ودفع المرتبات لمدة عشر سنوات قادمة، حتى تعافي الاقتصاد اليمني، وإعادة الإعمار ‏والتعويض عما سببته الحرب، ووقف جميع أنواع التدخلات الخارجية في اليمن. وانهاء ‏الحظر الجوي والحصار البري والبحري، كما تدعو الوثيقة إلى إزالة الصفة العسكرية عن ‏جميع المنافذ البرية، وإنهاء “التواجد الأجنبي” في الموانئ اليمنية. بالإضافة إلى مطالبة ‏الحوثيون بإجراء استفتاء شعبي على هذا الاتفاق.

ورغم إن السعودية وأعضاء ‏التحالف، كانوا مستعدين فعلًا لدفع مبالغ كبيرة لإعادة الإعمار بعد الحرب، لكن رؤية الحوثيين، جاءت بشكل ‏استفزازي للسعودية، لأنها مشابه لنظام التعويضات الذي فُرض على صدام حسين حينما غزا ‏الكويت عام 1990. وقد يَنظُر السعوديون إلى مثل هذه اللغة على أنها بمثابة استسلام ‏كامل. من قبلها لصالح الحوثيين.

ما أسباب وقف اطلاق النار من جانب التحالف، وما أسباب الرغبة باستئناف المفاوضات الان؟

جاء اعلان وقف اطلاق النار ولمدة أسبوعين من قبل التحالف بقيادة السعودية ومن جانب واحد، بسبب الاستعداد لمواجهة تفشي فيروس كورنا كما ادعت السعودية، حيث أعلن التحالف يوم 9 أبريل/نيسان 2020 موعدًا لبدء وقف اطلاق النار، وأكد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، على حسابه الرسمي في ‏‏”تويتر”، أن قرار التحالف جاء استجابة لدعوة الأمين العام للأمم ‏المتحدة أنطونيو غوتيريش الشهر الماضي إلى وقف إطلاق النار والتهدئة في اليمن وإطلاق ‏مفاوضات مباشرة بين الأطراف اليمنية من أجل التصدي لانتشار الفيروس المعروف ‏بـ”كوفيد-19″.‏

لكن الحوثيين رفضوا تطبيقه، طارحين سلسلة من الشروط للموافقة عليه، تمثلت بالنقاط التي اطلقها المتحدث باسم ‏الجماعة محمد عبدالسلام، وعلى حسابه في تويتر، إنَّ “وقف إطلاق النار لا بد أن ينص ‏على وقف شامل للحرب، و”إنهاء الحصار”، والتأسيس لمرحلة انتقالية. من جانبه، أعلن ‏محمد علي الحوثي رفض جماعته لأي حلول “مجزَّأة”، مشيرًا إلى وجوب استفتاء الشعب ‏عليه، وأضاف، أنهم قدَّموا رؤية متكاملة إلى مارتن غريفيث، تضمنت شروطهم للقبول ‏بوقف إطلاق النار.‏ ونشر صورة لبنود تلك الرؤية، التي تدعو المملكة العربية السعودية للاعتراف بها والتوقيع ‏عليها، على اعتبار أنها طرف رئيسي في الحرب، ومتجاهلةً للحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، ورفض ‏الحوثيين وقف اطلاق النار ما لم يتم الأخذ بالرؤية المقدمة من ميليشيا الحوثي إلى المبعوث ‏الدولي.‏

وعلى ما يبدوا أن انتشار فيروس كورنا وكما توقع الكثير من الباحثين، إنه سيترك أثاره الواسعة في السياسة العالمية، والسعودية والامارات تريد التحجج بموضوع الفيروس، لجعله الذريعة التي تخلصهم من الورطة التي تورطوا فيها في اليمن منذ 5 سنوات، لم يستطيعوا خلالها تحقق الأهداف المرجوة منها. السعوديون اليوم يقولون إنهم قرروا إعلان وقف إطلاق النار في اليمن، ‏مراعاةً للتطورات المؤلمة التي يمر بها العالم، من جراء تفشي فيروس كورونا.‏ والتي من الممكن أن يعاني منها اليمن، لكن لماذا استمرت المملكة بحربها في اليمن، طيلة خمس سنوات؟ رغم أنها أدت إلى ‏أسوأ كارثة إنسانية في العالم وفقاً لتوصيف المنظمات الدولية؟‏ وإذا كانت المملكة فعلًا تريد أن تخفيف بؤر الصراعات العسكرية في العالم، على حد ‏قولها، فلماذا إذن ما زالت تدعم حليفها حفتر وميليشياته في ليبيا، وتمده بالسلاح ‏لقصف المدنيين في طرابلس واستهداف المستشفيات التي تعالج المصابين بوباء كورونا؟ ‏أسئلة على من يقود السياسية الخارجية السعودية أن يجيب عليها، كي لا يقع في ‏هذا التناقض.‏

حجة أخرى تذرع بها المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي تركي المالكي، حينما قال في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، أن “إعلان وقف إطلاق النار باليمن يأتي بهدف تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن إلى عقد اجتماع بين الحكومة الشرعية والحوثيين، إضافة إلى فريق عسكري من التحالف، تحت إشراف مارتن غريفيث، يخصص لبحث خطوات وآليات تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل دائم في اليمن، وخطوات بناء الثقة الإنسانية والاقتصادية، واستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية للوصول إلى مشاورات بين الأشقاء اليمنيين، للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن”.

ولا نعلم لماذا السعودية التي تقود هذا التحالف، انتظرت كل هذه السنوات الخمس، حتى تبادر بإطلاق مثل هذه المبادرة لوقف اطلاق النار، رغم إنها كان بأمكانها فعل ذلك خلال سنوات الحرب الماضية، حينما كان موقفها هو الاقوى، وليست الان بموقفها الضعيف.

لم تكن هذه المحادثات السرية الأولى من نوعها

يُذكر أن هذه المحادثات بين الجانب السعودي ومليشيا الحوثي، ليست الأولى من نوعها، فقد جَرَت مباحثات سرية عديدة بين السعودية والحوثيين، كان من أبرزها، المحاولة التي قام بها الشقيق الأصغر لولي العهد السعودي، خالد بن سلمان، والذي التقى بالسلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، لتمهيد الأرض أمام مباحثاتٍ رفيعة المستوى مع الحوثيين. كان ذلك اللقاء الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نقطة مهمة في مسيرة امتدت لثلاث سنوات من المباحثات المباشرة المتكتِّمة للغاية، لكنها مع ذلك لم تسفر عن إنهاء الأزمة.

الواقع أن أزمة كورونا على غير ما يعلن النظام السعودي، مثَّلت مشكلة بالنسبة لمجهودها الحربي، في ظل حظر تجولٍ وإغلاقٍ واسع النطاق في الداخل السعودي، واستمرار الحرب في بلد مثل اليمن يعاني بالأصل من تردي في أوضاعه الصحية، من شأنه تعريض الجنود السعوديين للخطر حسب وجهة النظر السعودية. لذلك فإن أزمة كورونا تعتبر فرصة من شأنها إتاحة مَخرج يحفظ ماء الوجه للسعوديين، في ظل رفض الحوثيين المتكرر لعروضهم بوقف إطلاق النار.

كان لفيروس كورونا تداعيات حقيقية، اثرت بشكل جدي على موقف السعودية من الحرب ‏في اليمن، حيث أن شركة الدفاع البريطانية ‏BAE Systems، والتي كانت قد قدمت قاذفات ‏بريطانية الصنع يستخدمها السعوديون، غادرت فجأة مركز العمليات الجوية السعودية في ‏الرياض بسبب مخاوف كوفيد-19 وقللّت بشكل كبير من قدرة السعودية على تنفيذ أعمال ‏القصف. كما وأن صورة المملكة السعودية بالغة السوء عالميًا بالوقت الحالي، بسبب استمرارها بالحرب على جارتها ‏الجنوبية الفقيرة اليمن، وإظهار الصور المروعة للأطفال الذين يتضورون جوعًا، وحافلات ‏المدارس التي طالتها القنابل السعودية، ربما سيجعل قرار ولي العهد السعودي بوقف ‏إطلاق النار من جانب واحد والدعوة إلى المفاوضات، سيساعد في تحسين تلك الصورة. كما وأثرت تكاليف الحرب الكبيرة في اليمن، بالإضافة إلى تراجع الطلب على النفط مؤخرا بسبب فيروس كورونا، وحرب ‏أسعار النفط بين السعودية وروسيا، كلها أمورٍ فاقمت من الضغوط المالية على ‏السعودية.‏

من جانبها، لا تشعر جماعة الحوثيين، بأنها مضطرة للتجاوب مع المساعي السعودية، في وقت لم تستطيع المملكة وحليفها تحقيق نتائج عسكرية ذات أهمية على الأرض، بالإضافة إلى فشل الطائرات السعودية من النيل منهم إلا القليل، بسبب طبيعة البلاد الوعرة وخبرة الحوثيين في حرب العصابات. أما ما يقع من خسائر بشرية في صفوف الشعب اليمني جراء هذه الحرب، فهو أخر اهتمامات الحوثيين، لذلك فأن الحوثيين يريدون تحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات، تفوق ما يمكن أن يحققوه على أرض المعركة، وعلى الأرجح فهم يريدون كل اليمن لهم، دون شراكة من حكومة شرعية أو قوى سياسية يمنية أخرى، والأهم من ذلك، هم يريدون اعترافاً سعودياً بذلك، ومن سير الأمور في اليمن والنتائج الفاشلة للجانب السعودي، فأن الممكن أن يعترف السعوديون لهم بذلك، لا سيما بعد أن عززت مليشيات الحوثي موقفها العسكري في الأسابيع الأخيرة، وأصبحت يدها هي العليا، بعد أن ‏اكتسبوا أراضي جديدة في محافظتي الجوف ومأرب شمال اليمن، ومأرب كانت تعتبر آخر معاقل حزب ‏الإصلاح الإسلامي، والقوى الأخرى الموالية للرئيس هادي.

هل ستنتهي الحرب في اليمن بخروج السعودية منها؟

ومع الأسف، لا تشير المعطيات على الأرض في اليمن بأن هذه الحرب ستنتهي بخروج القوات السعودية وانهاء دعمها للحكومة الشرعية ومن ورائها من قوات موالية للرئيس هادي، ذلك ما ذهبت إليه إحدى الصحف الامريكية (THE NATIONAL INTEREST )، حينما قالت، إن عذر فيروس كورونا ربما سيوفر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، طريقة للخروج من اليمن دون الاعتراف بالهزيمة، لكن الحرب لن تنتهي في اليمن بعد الخروج السعودي منها، وأوضحت الصحيفة، بأن المطالب الحوثية لن تكتفي بالقليل، وهي التي تشعر إنها ستخرج من الحرب منتصرة، فلربما ترغب هذه الجماعة بالمطالبة بالسيطرة على الشمال، بما في ذلك العاصمة صنعاء، في الوقت الذي يطالب المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة باستقلال جنوب اليمن، في الوقت الذي تتمنى القوى الموالية لحكومة الرئيس هادي، إعادة تنصيبه رئيسا لليمن الموحد، وهؤلاء هم من سيكونون بموقف الضعيف للغاية وسط كل تلك الاطراف، خاصة بعد الخروج السعودي المحتمل. وبالتالي فأن هذه التوجهات المتضاربة ستجعل الحرب الاهلية اليمنية  مستمرة لعدد من السنوات حتى بعد الانسحاب السعودي منها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق