تقارير

ما هي رسالة النظام السعودي لشعبه من وراء حادثة مقتل عبدالرحيم الحويطات؟

خاص  – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تصدرت خبر اغتيال المواطن السعودي عبدالرحيم الحويطات، على إيدى القوات الأمنية السعودية، الصحف خارج المملكة، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وحصل ترند #استشهاد_عبدالرحيم_الحويطي المراكز الأولى في موقع التويتر لأكثر من دولة عربية، فما هي قصة هذا المواطن؟ ولماذا أقدمت السلطات السعودية على اغتياله في بيته؟ وما هي التداعيات اغتياله على السلطات السعودية والعائلة المالكة في ذلك البلد؟

وحسب ما جاء بالصحف وفي تغريدات الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد بدأت قصة المواطن عبدالرحيم الحويطي حينما، أراد نظام محمد بن سلمان، استغلال انشغال شعب المملكة، بأرقام فيروس كورونا التي هي الأكثر عربيًا، لكي ينفذ خطة أخلاء المناطق التي تقع ضمن مشروع “نيوم” سيء الصيت، ومن تلك الأراضي الواقعة ضمن المشروع، هي أراضي وبيوت عشيرة الحويطات، ومن يقع بيت وأرض المغدور “عبدالرحيم الحويطي” ضمنها، لغرض إقامة المباني التابعة للمشروع والذي هو واحد من أهم أركان صفقة القرن حسب ما نشرته العديد من الدراسات المتعلقة بهذا الشأن، القيام بعمليات استبدال لسكان المنطقة الاصلين، بأخرين من القائمين على هذا المشروع، ووصف المغدور عبدالرحيم الحويطي تلك العملية، بأنها عبارة عن تجميع أشخاص من كل الملل لا يُعرف لهم أصل، ليقيموا عليها مشاريعٍ، غايتهم فيها العهر والفجور، والتطبيع مع المحتل الصهيوني. هذا ما ذكره بنفسه بمقطع فيديو نشره على مواقع التواصل.

ورغم مقاومة القبيلة لخطط التهجير، ورفضهم للتعويضات المالية، إلا إن السلطات السعودية كانت مُصِرّةً على المضي بخططها التهجيرية. ووفق تقارير صحفية تحدثت عن أصل القضية، ذكرت إن القرية التي تسكنها قبيلة الحويطات، تقع ضمن أحد مخططات مشروع “نيوم” الذي ‏كشفت عنه السعودية في العام 2017، وتبناه ولي العهد محمد بن سلمان، ومنطقة المشروع، تقع على مساحة 26,500 كم2، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر ‏وخليج العقبة بطول 468 كم. حاول أعضاء قبيلة الحويطات التفاوض مع الحكومة للتوصل إلى حل وسط يسمح لهم ‏بالاستمرار في التمتع بأراضيهم دون التأثير سلبًا على مشروع نيوم، لكن لم يصلوا إلى حلول في هذا الشأن مع إصرار حكومي على تهجيرهم، حتى بعد أن قام السكان المحليون بزيارة الحاكم الإداري ‏لمنطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان، للضغط من أجل حق الإقامة بمناطقهم. لكن الأمير ذكر لهم، أنه لا ‏يستطيع مساعدتهم في الدفاع عن أراضيهم من الحكومة.‏ من جانبها، بدأت السلطات السعودية، بعمليات التهجير لأبناء قبيلة الحويطات من منازلهم دون الالتفات إلى مطالبهم والتماساتهم، وحاصرت الأجهزة الأمنية قرية الخريبة، التي يعيش فيها عبدالرحيم وقبيلته الحويطات، واطلقت النار على أفراد القبيلة الذين رفضوا اخلاء منازلهم وتسليمها لهم، الأمر الذي ذهب ضحيته المواطن عبدالرحيم الحويطي.‏

كان الحويطي قد نشر مقاطع فيديو، وثق فيها كيفية محاصرة منزله من ‏قبل عناصر الشرطة السعودية، واتهم الحكومة بأنها تمارس “إرهاب الدولة” بحق أبناء قبيلة الحويطات، حينما تجبرهم على ترك منازلهم بالقوة. وقام بتصوير عدد من أفراد الشرطة، وإبلغهم أنه يرفض الرحيل عن منزله، ‏وعرض صورًا لصك الملكية الخاص ليته وأرضه. لكن السلطات الأمنية قامت بالهجوم ‏عليه بالسلاح وقتله داخل بيته، وبث نشطاء لقطات إطلاق النار على منزله، مشيرين إلى أنه قُتل بعد رفضهِ ‏الإخلاء.‏

تفاعل الكثير من الشخصيات العامة، وناشطو وسائل التواصل الاجتماعي مع الحادث، وصدرت عدة تغريدات، تُدين وتستنكر هذا الفعل غير القانوني. فقد غرد الدكتور سعد بن ناصر الغامدي بحسابه على تويتر، قائلًا: “اليوم حاصرت قوات الحكومة قرية الخريبه وطوقوا صاحب البيت الذي رفض تسليمه لـMBS #نيوم فقتلوه، وسيصدرون بيانا يتهمه ويجرّمه! قال ﷺ(لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) وقال ﷺ(من قتل دون ماله فهو شهيد)”

أما الباحث العراقي حسين السبعاوي فقال بتغريدة له: “اللهم عليك بمن قتله وحرض على قتله وعلى من رضي بقتله فإنهم لا يعجزونك، وبشر القاتل بالقتل”.

فيما أدلت الكاتبة الأردنية احسان الفقيه برأيها حينما قالت: “لا يوجد مواطن راشد تجاوز الأربعين، ببلاد الحرمين لم ينطق ولو همسا بعبارات الحويطي عن (ولاية الأطفال وأفكار الصبيان). الكل مُجمع على ذلك. جهرهُ بما يعتلج بصدور الناس، أحرق كبد الطاغية، فاصدر قراره الأخرق بإعدامه، اللهم امطر لعناتك على من أمر بقتله ونفّذه وبرّره”.

أما حساب علياء الحويطات فقد نشر فيديو لعبدالرحيم قبل مقتله، وهو ‏يتحدث كيف يستخدم بن سلمان القوة لترحيلهم، كما فعل من قبل السيسي مع أهالي ‏سيناء في مصر، لإخلاء المنطقة لإسرائيل وصفقة القرن، وقالت علياء ما نصه: “عبدالرحيم لم ‏يستشهد فقط لأجل أرضه فمثله من الرجال هم صمام أمان الأمة الذي يحفظ دينه ‏وارضه من خيانة عميل نصبه الاستعمار ينهب ارضنا ويدنس مقدساتنا ويجعلها وكر دعارة ‏ومرتع للإسرائيليين!”‏

وغيرها الكثير من التعليقات، حتى وصل ترند #استشهاد_عبدالرحيم_الحويطي الأول في الأردن، والثاني في مصر، بسبب وجود أبناء قبيلة الحويطات في البلدين، وعدم وجود ذباب إلكتروني سعودي، حسب ما ذكر المغرد ياسر أبو هلالة.

كما نشر العديد من النشطاء عبر وسم “إستشهاد_عبدالرحيم_الحويطي، فيديوهات ‏وتغريدات تندد بطريقة عصابات المافيا التي يمارسها بن سلمان وقواته لتنفيذ مخططاته، ‏بالقتل والتقطيع لكل من يقف ضد مخططاته، كما فعل ذلك مِنْ قبل، مع الصحفي جمال ‏خاشقجي.‏

وفي سبيل التغطية على هذه الجريمة، ولتحاشي غضبة القبائل العربية على “بن سلمان”، قامت السلطات السعودية، بإقناع الشيخ عليان الزمهري الحويطي، وهو احد شيوخ قبيلة الحويطات، للتعليق على ما جرى في قرية الخريبة بالقول، إن “هذه القبيلة لا يمثلها فرد واحد”، في إشارة لمقتل أحد سكانها على ايدي رجال الأمن. وجدد الشيخ عليان بيعته وولاءه للملك سلمان وابنه محمد، على السمع والطاعة. ولا نعلم إنْ كان هذا التصريح للشيخ صحيح أم لا، وهل كان في سبيل ترجيح المصلحة وتجنيب القبيلة لمواجهة مفتوحة مع بن سلمان أم غاية أخرى.

الملفت في قصة المواطن المغدور عبدالرحيم الحويطي، إنه قد وثَّق قصة دفاعه عن منزله لحد اللحظة التي قُتل فيها، كي لا يعطي فرصة لنظام بن سلمان، تلفيق تُهم الإرهاب عليه، كما يفعلون ذلك عادة الأنظمة المشابه لنظام بن سلمان، حينما يريدون التخلص من أحرار بلادهم. لقد تنبأ عبدالرحيم، السيناريو الذي سوف يُقتل فيه، حينما قال في الفيديو، “أتوقع أن تقتلني الشرطة في بيتي وتتهمني بأني إرهابي وتلقي أسلحة بجوار جثتي مثل ما يحدث في مصر”.

وفي سبيل التغطية على شدة التفاعل مع هاشتاق #استشهاد_عبدالرحيم_الحويطي قام الذباب الالكتروني السعودي، بإطلاق هاشتاق أخر اسموه #استشهاد، لتشويه وتضليل الراي العام وإخفاء الحقيقة، معتقدين إنهم بهذه الطريقة سوف يتم التغطية على هذه الجريمة، وأن خبرها سوف لن يصل إلى شعبه وإلى العالم.

ما تتعرض له قبيلة الحويطات هي جريمة تهجير قسري

ويجمع المراقبون للشأن السعودي، على أن ما تتعرض له قبيلة الحويطات، يمثل جريمة وتهجير قسري، يفترض من كل فئات المجتمع السعودي، وأحرار العالم، دعم مطالب القبيلة، ورفع الظلم الواقع عليها، فيما حث الناشطون على تويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، على رفض التهجير لقبيلة الحويطات.

وفي وقت سابق حذرت منظمات حقوقية من مخاطر التهجير القسري لقبيلة الحويطات، حينما شرع نظام آل سعود بتنفيذ مشروع نيوم المدرج ضمن خطة رؤية 2030. كما وأدانت “المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان” في بيان لها، عمليات الإخلاء القسري لأبناء قبيلة الحويطات، وغيرهم من السكان المحليين المتضررين من هذا المشروع. وانتقدت المنظمة الأوروبية أيضًا، الشركات الدولية التي تساعد وتحرض على هذه الحملة الإجرامية، داعية إياها للابتعاد عن المشروع، حتى تتخلى حكومة السعودية، عن ممارساتها الإقطاعية وعمليات النقل القسري لآلاف الأشخاص من منازل أجدادهم.‏ وانطلاقًا من ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية، والذي صوتت لصالحه المملكة العربية السعودية في عام 2007، في المادة 10، والذي جاء فيه “لا يجوز ترحيل الشعوب الأصلية قسرا من أراضيها أو أقاليمها. ولا يجوز أن يحدث النقل إلى مكان جديد دون الموافقة الحُرة والمسبقة والمستنيرة من قبل الشعوب الأصلية المعنية”. إن حقوق السكان الأصليين في التمتع الحر بأراضيهم، هو حق راسخ في القانون الدولي لا جدال فيه.

من جانب أخر، لم تكن حكومة آل سعود، الوحيدة بتورطها بعمليات التهجير تلك، بل يوجد عدد من الشركات الدولية هي الأخرى متورطة أيضًا في عملية الإخلاء القسري هذه. فوفقًا للتسريبات التي حللتها صحيفة وول ستريت جورنال، أن مجموعة “بوسطن الاستشارية” في الولايات المتحدة، هي ايضًا مشاركة في حملة تهجير ونقل السكان المحليين الاصليين للمنطقة. أضافت الصحيفة، أن المملكة تمول مشروع NEOM جزئياً من قرض بقيمة 45 مليار دولار أمريكي من مجموعة شركات أخرى هي SoftBank اليابانية، حيث لم يكن لدى الحكومة المال الكافي لبدء مشروعها نيوم.

ومن الجدير بالذكر، إن عمليات التهجير وتجريف أراضي السكان الأصليين باسم “التقدم”، لم تكن هي المرة الأولى التي يفعلها النظام السعودي، فعلى الساحل المقابل، قامت الحكومة بتدمير حي المسورة التاريخي في مدينة العوامية، كأجراءٍ انتقامي بسبب الاحتجاجات المستمرة في المنطقة. وبعد ذلك بفترة وجيزة، سيطرت الحكومة على وقف الرامس في نفس المدينة، وطردوا مئات المزارعين، وشرعوا في هدمه. ومن هذا يعتقد كثير من المراقبين للشأن السعودي، إن حادثة مقتل المواطن عبدالرحيم الحويطات، سوف لن يطويها النسيان مثلها مثل العديد من العمليات التي ارتكبتها القوات الأمنية السعودية بعهد ولي العهد الحالي بن سلمان، إنما ستحفز هذه الجريمة،  المزيد من الأصوات المنتقدة للنظام السعودي، وستخرج حركات شعبية وجماهيرية منددة لتصرفات النظام السعودي الحالية تجاه شعبه، لا سيما وأن النظام حاليًا لا يمر بأفضل حالاته، مثل انخفاض أسعار النفط والورطة في اليمن والاخفاقات بالموضوع الليبي، وانحسار العلاقات السعودية بالحليف الاستراتيجي لها مع الولايات المتحدة، وغيرها من الملفات المستعصية على الحل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق