أخبار

“المراعي” السعودية تثير جدلاً بالجزائر.. هذه قصة “التلاعب” بالحليب

أثار قرار وزير التجارة الجزائري، كمال رزيق، الاستنجاد بـالشركة السعودية للألبان “المراعي” لمواجهة أزمة الحليب ببلاده انتقادات واسعة، وبينما كان يأمل الجزائريون في اتخاذ قرارت ثورية تدفع نحو بروز شركات محلية تنهي التبعية للخارج، فقد شكل قرار الاستنجاد بالشركة السعودية غضباً وانتقادات واسعة.

وكان وزير التجارة أعلن، الجمعة الماضي، أنه ستتم قريباً إعادة إحياء مشروع “ملبنة المراعي” السعودية المختصة في إنتاج الألبان بالجزائر، وقال في منشور عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إنه طلب ذلك رسمياً من السفير السعودي لدى الجزائر يوم استقباله.

وأضاف أن السفير السعودي وعده بذلك، وفي الأشهر القادمة سوف يستقبل الوزير هذه الشركة لإحياء المشروع رسمياً.

وكانت الجزائر رفضت عام 2009 عرضاً للشركة السعودية من أجل بدء استثماراتها بالجزائر، واشترط آنذاك وزير الفلاحة الأسبق، رشيد بن عيسى، على الشركة السعودية ضرورة الاندماج في السياسة الفلاحية الجديدة للبلاد بجميع جوانبها، بما في ذلك الاستثمار في المواد الواسعة الاستهلاك.

“تلاعب” بالحليب

خطوة وزير التجارة الحالي جاءت في سياق ما أسماه بــ”الحرب ضد مافيا الحليب”، التي أعلنها في 25 يناير الماضي، حينما أكد أن مصالحه لن تتهاون في محاصرة وردع كل من يتلاعب بهذه المادة الأساسية في غذاء الجزائريين.

وأشار إلى أنه “يرفض مقترح رفع المعروض من الحليب لامتصاص الندرة”؛ لأنه يعتقد أن “الحلّ لا يمكن في ذلك، وإنما يتطلّب تنظيم السوق ومحاربة السمسرة”.

ووصف رزيق من يتلاعبون بـ”حليب الجزائريين” ببقايا العصابة التابعين لنظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، معلناً أن هذه العصابة ستكون أولى ضحايا حربه على من ينهبون المواد المدعّمة من قبل الدولة، ويضطر الجزائريون منذ أسابيع إلى الوقوف في طوابير طويلة تبدأ غالباً في الخامسة صباحاً؛ لأجل الحصول على كيس حليب، بسبب ندرته من المحلات التجارية.

ورغم أن الكثير من الجزائريين باركوا “الحرب المعلنة ضد بارونات الحليب”، فإنهم رفضوا الاستنجاد بالشركة السعودية، وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالردود المنتقدة للوزير “رزيق”.

عبث اقتصادي

وكان الإعلامي الجزائري المعروف، حاتم غندير، من بين المتفاعلين الأوائل مع الإعلان، حيث كتب في صفحته الرسمية في فيسبوك: “أكثر ما استغربت تصريح وزير التجارة لحل أزمة الحليب بإعادة بعث مشروع المراعي مع السعودية! أليس هذا هو العبث الاقتصادي والحلول البائسة التي تجرعناها لسنوات؟! ما الذي ينقصنا.. الأرض، المناخ، الأبقار، أم الإرادة السياسية؟!”.

وضرب غندير مثلاً في مواجهة الأزمة بدولة قطر بقوله: “عندما فرض الحصار على دولة قطر قبل عامين كانت المراعي التي تحتكر السوق هي أداة الضغط الكبيرة.. لكن بعد أسبوع من الحصار أسس القطاع الخاص شركة (بلدنا)، وتم جلب 18 ألف بقرة بالطائرات لربح الوقت، وفي ظرف أشهر معدودة وبعد استقطاب خبرة عالمية في تربية الأبقار في ظروف صحراوية صعبة، أصبحت الشركة اليوم تغطي 90% من حاجة البلاد من الحليب ومشتقاته”.

وتابع حديثه عن الشركة القطرية: “تم طرح الشركة في بورصة قطر، وهي تستعد اليوم لتوسع نشاطها إقليمياً ودولياً عبر التصدير لتكون منافساً شرساً في سوق إنتاج الحليب عالمياً!! عندما تمتلك إرادة سياسية ورؤية واضحة يصبح إنتاج الحليب وغيره مسألة في غاية البساطة!”.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور سليمان ناصر فاستحضر تجربة مدينة “القرارة” بمحافظة غرداية جنوب الجزائر، التي يقطنها نحو 80 ألف نسمة، حيث تحوي ثلاث شركات لإنتاج الحليب ومشتقاته، ويؤكد ناصر أنها “لا تعرف أزمة في الحليب، فحليب البقر الطبيعي متوفر، وحتى الحليب المدعم، الذي يُباع بسعره القانوني”.

لكن الغريب في الأمر وفق حديث ناصر لـ”الخليج أونلاين”، “أنك لا تجد عليه إقبالاً كبيراً في السوق؛ لأن المواطن ولو كان فقيراً يفضل أن يدفع أكثر مقابل أن يستهلك حليباً طبيعياً وصحياً، كما أن هذه المصانع لا تكتفي بتسويق منتوجها محلياً، بل يمتد حتى إلى الولايات المجاورة”.

تجربة القرارة

ويتساءل: “ماذا لو كررنا تجربة القرارة في كل ولاية بإنشاء مصنع واحد على الأقل وبتشجيع المستثمرين الجزائريين في هذا المجال؟ ماذا لو منحنا إعفاءات جمركية لمستوردي الأبقار الحلوب كتلك الإعفاءات التي تحصل عليها المستثمرون في أجزاء تركيب السيارات؟ ماذا لو منحنا للمستثمر الوطني الحقيقي في هذا المجال كل الدعم والمرافقة والرعاية الصحية ونزعنا من أمامه كل العراقيل البيروقراطية؟ أليس هذا بكافٍ للقضاء على أزمة الحليب نهائياً والتي سببت صداعاً مزمناً للحكومة ولوزير التجارة؟”.

ويعتقد سليمان أن “مزيداً من التشجيع والدعم والعقلانية في مجال إنتاج الحليب كفيل بأن تجعل شركة مثل الصومام تغطي السوق الجزائرية بل وتستثمر في السعودية، دون أن نحتاج إلى دعوة شركة المراعي لتغطي عجزنا وتفرض علينا شروطها”.

من جانبه انتقد الخبير الاقتصادي فارس مسدور خيار الاعتماد على التجربة السعودية، التي قال عنها إنها “تواجه العديد من النقائص منذ بروزها في السبيعينات وإلى غاية الآن”.

عراقيل وبيروقراطية

وبالمقابل كشف أن “متعاملين جزائريين لديهم مشروع ضخم جداً في مدينة المنيعة يضاهي ويفوق مشروع المراعي، وهو مشروع بالشراكة مع الإيرلنديين، غير أنه بقي حبيس الأدراج بفعل العراقيل البيروقراطية في الإدارة الجزائرية سابقاً”، وأكد مسدور لـ”الخليج أونلاين” أن “هذا المشروع يمكنأن يغطي وحده حاجيات الجزائر بكاملها”.

الجانب الآخر برأيه هو “أن استيراد بودرة الحليب بفاتورة تتجاوز سقف ملياري دولار أمر يؤكد وجود ثغرة كبيرة تقف وراءها لوبيات تريدنا أن نبقى دائماً في تبعية لاستيراد هذه المادة، وعوض أن ننتجها في الجزائر فقد تم تحطيم بعض منتجي الحليب المحليين من طرف أشخاص في المؤسسات الحكومية”.

وأغلب هذه المؤسسات، حسب حديثه لـ”الخليج أونلاين”، “موجودة في الشرق الجزائري، وحققت الاكتفاء الذاتي من الحليب، ووصل الأمر ببعض المؤسسات إلى إتلاف نحو 8 آلاف لتر يومياً لرفض الديوان الوطني للحليب اقتناء ما تنتجه من الحليب”.

لذلك يرى أن “مشروع المراعي هو خطأ فادح، وكان يمكن إعطاء الفرصة والاعتمادات للشركات الجزائرية التي تريد توسيع دائرة إنتاج الحليب، وهي 90 شركة تحدث عنها الوزير في تصريحات سابقة”.

المصدر – الخليج أونلاين
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق