تقارير

نيويورك تايمز: عداء ابن زايد للإسلاميين ونظرته القاتمة لمستقبل الشرق الأوسط

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث – متابعات

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مقالاً للكاتب “روبرت أف فورث” تناول فيه النظرة القاتمة لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، تجاه مستقبل الوطن العربي، خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي، التي قادها الإسلاميون، وأطاحت بالكثير من المستبدين.

وتطرق الكاتب في البداية إلى المسؤول الأمريكي السابق “ريتشارد كلارك”، الذي دعاه محمد بن زايد إلى مبنى وجد فيه مجموعة من الشابات يرتدين زياً عسكرياً، ويطلقن النار من المسدسات، حيث كان محمد بن زايد جالسا على مقربة منهن والأغطية الواقية على أذنيه، وإلى جانبه زوجته وكرسي ثالث فارغ مخصص لكلارك، وخلال فترة هدوء في إطلاق النار، قدم بن زايد النساء، اللواتي كن جميعاً بناته وشقيقاته، وأبلغ كلارك أنه يريد أن يطلق برنامجاً يُشعر كل شخص داخل البلاد أنه متحمل مسؤولية، كون الكثير منهم بدينون وكسولون. وقال إنه “سيبدأ بكل الشباب في أسرته”.

ويشير الكاتب أنه منذ تأسيسها في عام 1971 ، ظلت دولة الإمارات خارج معظم الصراعات في العالم العربي، وأصبحت وجهة المنطقة الاقتصادية، بوجود ناطحات السحاب البراقة، والمراكز التجارية الكثيرة، والمطارات ذات الأرضيات الرخامية.

ولكن بحلول عام 2013، كان محمد بن زايد يشعر بقلق عميق حول المستقبل، حيث كانت ثورات الربيع العربي قد أطاحت بالعديد من المستبدين، وكان الإسلاميون السياسيون يملؤون الفراغ، وخصوصاً بعد فوز شركاء الإخوان المسلمون- الحزب الإسلامي الأول في المنطقة، الذي تأسس عام 1928- بالانتخابات في مصر وتونس.

وينوه الكاتب إلى أنه حتى الولايات المتحدة، التي كان يعتبرها بن زايد دائما حليفاً رئيسياً له؛ بدأت تنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها نتيجة حتمية يجب التسليم بها.

وأضاف أن بن زايد كان يحذر الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” مراراً، عبر الهاتف بشأن المخاطر التي يراها، وقال “أخبرني مسؤولون سابقون في البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي كان متعاطفاً، لكن بدا أنه عازم على الخروج من الشرق الأوسط”.

ويشير إلى أنه في الوقت الذي دعي فيه كلارك إلى تدريبات أسرة ابن زايد، كان قد وضع خطة طموحة للغاية لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة، وسينضم إليه قريباً محمد بن سلمان، وهما الذَين ساعدا معا الجيش المصري في الانقلاب على الرئيس (محمد مرسي) المنتخب في 2013.

وفي ليبيا عام 2015، تحدى الحظر الأممي لدعم حفتر، كما انضم إلى الحرب السعودية في اليمن لمحاربة ميليشيا الحوثيين التي تدعمها إيران. وفي عام 2017، كسر تقليداً قديماً من خلال إعلان حظر عدواني على جارته الخليجية قطر.

كل ذلك كان بسبب اعتقاد ابن زايد أنه يقوم من خلاله بإحباط ما رأى أنه تهديد إسلامي يلوح في الأفق.

وبالنسبة لبن زايد فإنه لا يفرق بين الجماعات الإسلامية، حيث يصر على أنها تشترك جميعاً في نفس الهدف: (الحكم بالقرآن بدلاً من الدستور)، ولهذا يبدو أنه يعتقد أن الخيارات الوحيدة في الشرق الأوسط هي نظام “أكثر قمعاً“.

ويشير الكاتب إلى أن ابن زايد خصص الكثير من موارده الهائلة لدعم الثورات المضادة. وعلى الرغم من صغر حجم بلده (التي تحتضن أقل من مليون مواطن إماراتي)؛ فإنه يشرف على أكثر من 1.3 تريليون دولار في صناديق الثروة السيادية، ويدير جيشاً مجهزاً، وتدريباً أفضل من أي شخص آخر في المنطقة باستثناء إسرائيل.

وعلى الجبهة الداخلية، قام بحملة صارمة ضد جماعة الإخوان المسلمين، وبنى دولة بوليسية حديثة، حيث تتم مراقبة الجميع بحثًا عن أدنى نفحة من الميول الإسلامية، وقد أدى دور ابن زايد في هذه الثورة المضادة المستمرة إلى تشويه سمعة بلده.

ويضيف الكاتب أنه يبدو أن نفس الرجل الذي انتقد أوباما سراً بسبب استرضائه لإيران يشعر بالقلق من أن ترامب، الذي ربما ينزلق إلى الحرب مع إيران بعد اغتيال قاسم سليماني. حيث يخشى ابن زايد أن تكون بلاده واحدة من الأهداف الأولى، في هذه الحرب.

و يقول الكاتب إن ابن زايد، 58 عاماً، ظل هو الشخصية البارزة في دولة الإمارات لأكثر من عقد من الزمان، حيث أصبح شقيقه الأكبر خليفة، الذي أصيب بجلطة دماغية في عام 2014 مجرد رئيس فخري.

ويشير إلى أن ابن زايد كان يقوم بصياغة سياسات استراتيجية في التعليم والتمويل والثقافة وكذلك السياسة الخارجية، ومع ذلك، لم يقم بزيارات دولية إلى بشكل قليل، ولم يحضر أبداً جمعية للأمم المتحدة. ونادراً ما يلقي خطابات، ولا يتحدث إلى الصحافيين، ولديه شخصية أقل ظهوراً من حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يعتبر مرؤوسه في الاتحاد الإماراتي، وينقل الكاتب عن أحد أقدم أصدقاء ابن زايد، قوله إنه “لا يريد أن يكون في الصورة”.

وأوضح الكاتب أن الترتيبات لمقابلة ابن زايد استغرق قرابة العام، ولم يسبق له إجراء مقابلة مسجلة مع صحافي غربي، لكن التوقيت كان محظوظًا: “لقد تزامنت جهودي مع دفع دائرته الداخلية ليكون أكثر انفتاحا وشفافية، ومع ذلك، حتى بعد حديثنا، كان مستشاروه قلقين للغاية بشأن ما يمكن نقله، خوفاً من أن يقوم أعداؤه بإساءة استخدام كلماته” يضيف الكاتب.

ويشير الكاتب الذي حاور بن زايد لمدة ساعة أن الأخير يتكلم الإنجليزية بطلاقة مع لهجة بريطانية باهتة ومفردات أمريكية.

وينقل عنه أن نظرة والده زايد التعددية هي أصل حملته المعادية للإسلاميين، وقد توفي زايد عام 2004 عن عمر يناهز 86 عاما. مشيراً إلى أن البريطانيين قاموا بتثبيته كحاكم في عام 1966، بناءً على طلب من العائلات البارزة في أبو ظبي، لأنهم سئموا من شقيقه شخبوط، الذي كان يكره الأجانب ويكره التنمية، حيث كانت الإمارات فقيرة للغاية في ذلك الوقت، وحتى أغنى العائلات كانت تعيش في أكواخ من الطين. ولم يكن هناك أي دواء غربي متاح في الستينيات، وكان معظم السكان أميين، ويموت نصف الأطفال وثلث الأمهات أثناء الولادة.

وذكر الكاتب كيف سمح للمسيحيين ببناء كنائس في أبو ظبي، وأنه في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، قامت أسرة من المبشرين الأمريكيين ببناء مستشفى في مدينة العين، وهناك ساهمت طبيبة أمريكية في ولادة نجل زايد الثالث، محمد.

ويروي الكاتب أن ابن زايد أخبره أنه ترعرع في بلد انتقل من الفقر إلى ثروة لا يمكن تصورها من خلال اكتشاف النفط. وفي الوقت نفسه، كيف أصبح الإسلام السياسي صرخة جيله الكبرى. وعندما كان محمد في الـ14 من العمر، أرسله والده إلى الدراسة في المغرب.

ويبدو أن زايد تعمد إعطاء نجله جواز سفر باسم مختلف، حتى لا يعامل معاملة الملوك. وروى ابن زايد أنه عاش ببساطة في المغرب، وقضى عدة أشهر في العمل كنادل في مطعم محلي، وكيف صنع وجبات الطعام الخاصة به وقام بغسل ملابسه الخاصة وكان غالبا وحيدا. وبعد ذلك أمضى الصيف في مدرسة داخلية اسكتلندية، حيث أرسلت أجيال من أفراد العائلة المالكة البريطانية وغيرها من النخب، وهي معروفة بصرامتها. وذكر أن الأمير تشارلز يكره المكان، لكن محمد بن زايد أخبره أنه استمتع بوقته هناك، قبل قضائه عاماً في الأكاديمية العسكرية البريطانية.

وينوه بأن والد محمد بن زايد وضعه تحت إشراف معلم مصري إسلامي يدعى عز الدين إبراهيم، وأن زايد كان يعرف بانتماء إبراهيم للإخوان، لكنه لم يكن يعتبر المنظمة تهديداً بعد.

ويروي الكاتب كيف كانت والدة محمد، فاطمة، زوجة زايد الثالثة والمفضلة، قد ساعدت بعزم في ترقية أبنائها الستة على أطفال زايد الآخرين. وكيف أنهم مخلصون بشدة لبعضهم البعض ولها. وينقل عن ضابط مخابرات بريطاني سابق، كيف أنه في أواخر الستينيات من القرن الماضي، عندما كان محمد بن زايد، أخبرت فاطمة أولادها عن تاريخ عائلة آل نهيان الطويل من العنف الداخلي الذي ارتفع إلى ذروته في العشرينات من القرن الماضي بسلسلة من جرائم القتل من قِبل شقيق لأخيه، وشهدت تغيير السلطة خلال ثلاث مرات في غضون سبع سنوات، حيث جعلتهم جميعاً يقسمون بعدم الإطاحة أو التصرف ضد بعضهم البعض.

وقال الكاتب إن هجمات 11 سبتمبر كانت لحظة تغير في حياة محمد بن زايد، حين عرف أن اثنين من الإماراتيين كانا من بين الخاطفين الـ 19، وأنه أخبره أنه استمع في دهشة لرئيس دولة عربية، حين التقى مع والده في زيارة إلى أبو ظبي، بأن من قام بالهجمات المخابرات الأمريكية أو الموساد، و أنه في ذلك الخريف، اعتقلت الأجهزة الأمنية الإماراتية حوالي 200 إماراتي وحوالي 1600 أجنبي كانوا يخططون للذهاب إلى أفغانستان، والانضمام إلى تنظيم القاعدة، بما في ذلك ثلاثة أو أربعة كانوا ينوون بأن يصبحوا انتحاريين.

ويشير الكاتب إلى أنه الوقت نفسه شن ابن زايد هجوماً على حزب الإصلاح، وهي جماعة تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وكانت المعادل المحلي لجماعة الإخوان المسلمين. وكان من بينهم آلاف الأجانب، معظمهم من مصر، الذين تم الاستعانة بهم قبل عقود لسد حاجة جامعات الإمارات، وقد قام بن زايد بطرد المعلمين المشكوك بإسلاميتهم، وإعادة صياغة المنهج المدرسي في البلاد.

وفي عام 2009 اتخذ محمد بن زايد قراراً من شأنه أن يزيد من قدرته على إبراز السلطة خارج حدوده إلى حد كبير، ودعا اللواء المتقاعد “مايكل هندمارش”، قائد العمليات الأسترالية الخاصة السابق ؛ للمساعدة في إعادة تنظيم الجيش الإماراتي، وانتهى به الأمر لاختياره قائداً للجيش، ولكن، لا يمكن تصور تعيين شخصية غير عربية مسؤولاً على رأس هرم مؤسسة عسكرية في أي دولة أخرى في الشرق الأوسط.

وبعد الربيع العربي، عندما تم انتخاب محمد مرسي من جماعة الإخوان رئيساً لمصر في عام 2012، قبلت إدارة أوباما النتيجة؛ لكن بحلول أوائل عام 2013، كانت الإمارات تدعم حركة “تمرد” ضد مرسي، وقد نظمت مظاهرات حاشدة ضد مرسي في 30 يونيو، أعقبها الإطاحة به من قبل الجيش في 3 يوليو، والتي جاءت بقيادة عبد الفتاح السيسي، القائد العسكري، إلى السلطة.

ويشير الكاتب إلى تعهد الإمارات والسعودية -داعمتا الانقلاب- على الفور بمليارات الدولارات لدعم الحكومة الجديدة، “وقد تحفظ المسؤولون الإماراتيون بشأن دورهم، لكن جميع الدبلوماسيين الذين تحدثت معهم يعتقدون أن الإمارات اقتربت من السيسي، وحددت شروط دعمه ماليا قبل الإطاحة بمرسي” بحسب الكاتب.

ونقل الكاتب عن أحد الدبلوماسيين السابقين قوله “أعتقد أن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه دعم الانقلاب”. “فبالنسبة لقدرة إحدى الدول الصغيرة في الخليج على الإطاحة بحاكم مصر وتضع رجلها هناك؛ فهذا إنجاز كبير”.

كانت الإطاحة بمرسي أول نجاح كبير لحملة ابن زايد المضادة للثورات، ويبدو أن صمت أمريكا زاد من ثقته، وسرعان ما حول انتباهه إلى ليبيا، وبدأ بتقديم الدعم العسكري للواء السابق خليفة حفتر، (وهو مستبد يشارك محمد بن زايد في مشاعره تجاه الإسلاميين).

وبحلول نهاية عام 2016، كانت الإمارات قد أقامت قاعدة جوية سرية في شرق ليبيا، انطلقت منها طائرات وطائرات بدون طيار؛ لضرب منافسي حفتر في بنغازي.

ويقول الكاتب إن محمد بن زايد وجد في ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حليفا قوياً، وقد يبدو التحالف طبيعياً، لاثنين من المستبدين في الخليج، لكن الرابطة كانت مثبتة على خلاف تاريخي. فالسعوديون -كما يذكر الصحافي السعودي المغتال جمال خاشقجي- يرون أنهم “هم أب الإسلام السياسي”، فالدولة السعودية متجذرة عبر اتفاق وقع في القرن الثامن عشر بين حكامها والوهابية، وهي صيغة للتطرف الذي ترعاه الدولة، والذي يجعل جماعة الإخوان المسلمين تظهر ضعيفة.

ويشير إلى أن ابن زايد نشأ في وقت شعر فيه معظم الإماراتيين بالتهديد من قبل جارهم الصحراوي الكبير؛ وكيف كانت هناك اشتباكات مسلحة على الحدود في وقت قريب من 1950.

وفي عام 2005، أخبر محمد بن زايد سفير الولايات المتحدة ، جيمس جيفري، أن قلقه الأكبر كان الوهابية، (وفقاً لبرقية نشرتها ويكيليكس) وأنه رأى أن العائلة المالكة السعودية عقيمة، لكنه خشي أن يكون البديل في مثل هذا المجتمع المحافظ بشدة هو ثيوقراطية الوهابية على غرار داعش، ويتذكر جيفري قائلاً “أي شخص يحل محل آل سعود سيكون كابوساً.. علينا أن نعينهم على مساعدة أنفسهم”.

ويذكر الكاتب أنه عندما قاد السعوديون حملة عسكرية ضد المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن في مارس/ آذار 2015 توقع الكثيرون أن تستمر بضعة أشهر على الأكثر، وبدلاً من ذلك، استمر ما يقرب من خمس سنوات، ليصبح كارثة صدمت ضمير العالم. مؤكداً أن الإمارات تحمل على عاتقها مسؤولية هذه المأساة الهائلة.

وعندما أعلن ابن زايد انسحابه من اليمن في يونيو/ حزيران، الماضي، أوضح أن شراكته الجديدة مع السعودية لها حدود، حيث كان قد بدأ برسم مسار دبلوماسي مع إيران.

و نقل الكاتب عن دبلوماسي أمريكي، أنه فيما يخص قطر؛ أصبح الحصار المفروض عليها منذ يونيو/ حزيران 2017 “قضية شخصية وانتقامية” بالنسبة لمحمد بن زايد.

ويشير إلى رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن التعبير عن الدعم لدولة قطر يعد جريمة جنائية يعاقب عليها بالغرامات أو حتى بالسجن، وينقل عن عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية، المقرب من ابن زايد ومستشاره السابق، والذي تم اعتقاله بسبب تعبيره عن انتقاده للحكومة، قوله “إنها حقيقة من حقائق الحياة اليوم أنه من الصعب للغاية نشر الانتقادات والتحدث بصراحة”.

ويختم الكاتب بالإشارة إلى أنه في الإمارات؛ يتم فرض الكثير من الرقابة الذاتية. وينقل عن شاب في العشرينات من عمره أنه يتساءل عما إذا كان تهديد جماعة الإخوان المسلمين مبالغاً فيه للمساعدة في تقوية الدولة “وهو بلا شك ما لا يجرؤ أبداً على التعبير عنه علانية“.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق