تقارير

السيناريوهات المتوقعة للعلاقة الأمريكية-الإيرانية بعد مقتل “سليماني” وأثرها على السعودية

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث- تقرير خاص 

قُتل “قاسم سليماني” قائد فيلق قدس الإيراني، الجنرال الدموي الذي تسبب بمقتل مئات الآلاف من العرب في سوريا ولبنان والعراق واليمن من أجل إنفاذ مشروع بلاده الطائفي في المنطقة العربية. سيكون هذا خبراً سعيداً مع بداية العام الميلادي الجديد في المملكة العربية السعودية وباقي الشعوب العربية في المنطقة.

قُتل سليماني بغارة أمريكية جوية في العراق يوم الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري، لتنهي حياة الرجل إلى جانب القائد في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس، لكن هذا القتل أثار قلقاً في السعودية ودول الخليج إضافة إلى الحماس الموجود والقلق من حدوث توتر كبير قد يوصل إلى حرب بين الولايات المتحدة وإيران يؤدي إلى استهداف السعودية والامارات.

لقد قاد سليماني أنشطة إيران الإقليمية وكثيراً ما استهدف المملكة العربية السعودية وحلفاءها ، وتسبب في إيذاء المملكة بالفعل، وإن كانت السلطات وراء تسببها بالأذى للمملكة وشعبها بتوفيرها مناخات التأثير الإيراني بسبب الإخفاقات التي تقوم بها مراراً وتكراراً في السياستين الداخلية والخارجية.

أبرز الإخفاقات يأتي عندما استبشرت السعودية بوصول دونالد ترامب إلى السلطة وانتهاء عهد باراك أوباما الذي عاشت معه توتراً ملحوظاً بسبب رفض إدارة “أوباما” للسياسة الخارجية السعودية وحالة حقوق الإنسان داخل المملكة وغضبت الرياض من توقيع “أوباما” للاتفاق النووي مع إيران (2015). ووضع الديوان الملكي معظم بيض العلاقة مع إيران في سلة “ترامب”، الذي زعم أنه استشعر مخاطر الأنشطة الإقليمية الإيرانية وأخذها شخصياً. ولأجل ذلك تعتمد السعودية على الولايات المتحدة لتحديد نتائج حملة الضغط القصوى التي تقوم بها إدارة ترامب ضد إيران منذ الانسحاب من الاتفاق النووي (2018). لكن تُبين ردود فعل ترامب الفاترة على التصعيد الإيراني في السابق، بما في ذلك الهجوم على منشأة النفط السعودية، ودعواته العلنية لعقد اجتماع مع الرئيس الإيراني، وأمله الغريب في وجود إيران تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، فشل تكتيك الرياض بالاعتماد على واشنطن للدفاع عن المملكة من عدوها. لذلك كان الرد الرسمي السعودي على مقتل “سليماني” فاتراً مع خوف الديوان الملكي من تصعيد يجرّ المملكة إلى أتون حرب في المنطقة، هي الخاسر الأبرز فيه إلى جانب باقي دول الخليج.

فما السيناريوهات المتوقعة لأمن السعودية والمنطقة الخليجية بعد مقتل “قاسم سليماني”؟!

السيناريو الأول: حرب في المنطقة (إيران-أمريكا)

إن إشعال حرب في المنطقة له تكاليف باهظة على أمن الخليج وعلى الاقتصادات الدول الست والاقتصاد العالمي، حيث سترتفع أسعار الطاقة. كما أن استمرار التوتر والمخاوف من حدوث هذه الحرب يضعف اقتصادات دول الخليج، وهو أكثر تأثيراً على الاقتصاد السعودي، حيث وقبل توجيه الضربات الإيرانية للقاعدة العسكرية الأمريكية في العراق يوم الثامن من يناير/كانون الثاني 2020 فقدت شركة أرامكو 200 مليار من القيمة السوقية لها حسب ما أفادت (CNN).

كما أن التهديدات الإيرانية في حال ردت الولايات المتحدة على قصف قاعدة عين الأسد في العراق، سيشمل كل المنطقة بما فيها المملكة العربية السعودية التي تملك قواعد عسكرية أمريكية، ومنشآت نفط تغذي دول العالم بالطاقة.

سيستخدم “ابن سلمان” مثل هذا السيناريو كمبرر لفشل “رؤية 2030” مع أن علامات فشل ما يسمى بالرؤية واضحة للجميع خلال السنوات الأربع الماضية.

قد تؤدي الحرب إلى التفاف شعبي حول القيادات الحالية للأنظمة في السعودية والإمارات، لكن بعد توقف الحرب -فلا حرب تستمر للأبد- ستفيق الدولتين الملكيتين على أثار اقتصادية مدمرة، مع غضب شعبي عارم.

ويعد هذا السيناريو مستبعداً، خاصة بعد تصريحات ترامب بأن الولايات المتحدة لا تنوي الرد على الهجوم الإيراني. مع احتمال وقوعه إذا ما حدث تصعيد جديد.

 

السيناريو الثاني: استهداف إيران لحلفاء أمريكا في المنطقة

قد تقوم إيران باستهداف مباشر معلن عنه على منشآت حيوية في دول الخليج، تشمل “الإمارات، السعودية، البحرين، الكويت” وهذ السيناريو في حال حدث قد يؤدي إلى انفجار حرب إيرانية-سعودية أو إيرانية-خليجية وفي الواقع فإن تهاوي البيت الخليجي بفعل الأزمة المفتعلة من المملكة والإمارات والبحرين بحق قطر، والتوتر المستمر مع سلطنة عمان، ووضع الكويت الحالي كوسيط يجعل من حرب خليجية-إيرانية مستبعداً. لكن قد تنجر المملكة إلى هذه الحرب، بفعل تهور الديوان الملكي فقرار المملكة السياسي لا تبنيه مؤسسات بل قرار شخص واحد لا يتصف بالحكمة والاتزان.

وقد يؤدي ذلك إلى توقف تصدير النفط إلى الخارج، واضطراب سياسي واقتصادي واجتماعي في الخدمات بما يشمل “محطات التحلية، ومؤسسات الكهرباء..الخ”. كما أن ذلك سيؤدي إلى توقف الشركات الكبرى في المملكة بسبب هجمات الكترونية.

وفي الجانب الآخر قد يحصل “ابن سلمان” على التفاف شعبي بسبب الحرب وهو ما يطمح إليه بسبب صورته السيئة في الداخل. وسيزيد من تحركات للجماعات الشيعية الموالية لإيران في المملكة.

ويُستبعد حدوث هذا السيناريو -أيضاً- فعادةً إيران تعتمد على وكلاءها لشن هجمات على السعودية بما يكفي لإحداث اضطراب، والتملص من مسؤوليتها.

 

السيناريو الثالث: حروب بالوكالة

قد تحدث حرب بين الوكلاء، حيث يعتمد الأمريكيون على السعوديين وفي تعتمد إيران على جماعة الحوثي في اليمن وباقي ميليشياتها في المنطقة (كما في العراق). حيث ستدفع الولايات المتحدة السعودية إلى مهاجمة وكلاء إيران في المنطقة وأبرزها اليمن من أجل تحقيق مكاسب سياسية أمام إيران بإنهاء أدواتها، ما ستؤدي إلى تداعيات وخيمة على اقتصاد المملكة.

وتخوض السعودية حرباً بالفعل ضد الحوثيين -منذ 2015- لكن الجماعة المسلحة المدعومة إيرانياً لم تهاجم “محطات التحلية ومؤسسات الكهرباء.. الخ”. وهددت مراراً باستهدافها كما أن الميليشيا المسلحة تملك أسلحة متقدمة مثل الصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار ما يجعل تنفيذ هجمات وحرب دائمة على السعودية ممكن بدعم ومساندة إيرانية.

وسيزيد ذلك من تماسك المجتمعات الشيعية في دول المنطقة وشن هجمات من عدة دول على المنشآت الحيوية السعودية. وقد تشن الجماعات الشيعية المدعومة من إيران عمليات في المملكة.

 

السيناريو الرابع: التسوية بين أطراف الأزمة

يبدو أن هذا السيناريو بدأ بالفعل مع تحرك عدة دولة لاحتواء الموقف بين أمريكا وإيران، بعد القصف الإيراني للقاعدة العسكرية. وبجلوس الطرفين على طاولة واحدة سيزيد النفوذ الإيراني في المنطقة إلى مستويات قياسية يضرّ بشكل مباشر بالأمن القومي للمملكة العربية السعودية بشكل خاص وشبه الجزيرة العربية بشكل عام.

حيث ستحصل إيران على مكاسب في مناطق نفوذها (العراق، اليمن، لبنان، سوريا)، يُعتقد أن يؤدي ذلك إلى انسحاب أمريكي من العراق وسوريا وحدوث هيمنة إيرانية كاملة على الدولتين. وتمكين حلفائها في اليمن ولبنان بضغط أمريكي على أداته السعودية. إضافة إلى رفع للعقوبات مقابل التزامات جديدة بشأن الاتفاق النووي بعد عودة تفعيله.

ويعتبر هذا السيناريو الأكثر خطورة، إذ أنه يضمن خروج إيران من عزلتها وتفعيل حلقة النار للميليشيات الشيعية كسلطات في الدول الحدودية للمملكة. 

في كل الحالات فإن السعودية هي الخاسر الوحيد، لأنها لا تملك استراتيجية وترهن قرارها وسياستها الخارجية بيد ولي العهد ومجموعة من الطائشين الذين لا يعرفون إدارة دولة وتحمل تبعات قراراتهم. وتعتمد على إدارة أمريكية في حمايتها لا على أبناء شعبها وبناء قدراتها القِتالية بما يتوازى مع حجم المخاطر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق