تقارير

سياسة خارجية فاشلة.. السعودية تقدم دروساً في فن صناعة الخصوم

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث- خاص 

تسعى الدول إلى “تصفير” مشكلاتها الخارجية، مع أن الوصول إلى هذه النتيجة يبدو مستحيلاً إلا أن الدول تسعى إلى عدم صناعة خصوم جدد وسط حالة حرب تخوضها مع دولة جارة. على الأقل هذا واحد من أسس الدبلوماسية وقيادة الدُول لكن الديوان الملكي في السعودية له رأي مختلف فالخصوم يتكاثرون والحلفاء يبتعدون.

السعودية ليست دولة طارئة بل يفترض أنها تحمل إرثاً دبلوماسياً في كيفية التعامل مع الدول والحلفاء أثناء الأزمات والحروب. لكن النظام الملكي الذي يحكر السياسات ويختصر الدولة في شخصية الملك وولي العهد دائماً ما يتعثر ويفشل في سياسته الخارجية؛ فلا توجد رقابة مجتمعية مثل برلمان منتخب يملك صلاحيات واسعة، ولا يُشرِك الديوان الملكي الشعب في قراراته السيادية وأعماله الداخلية والخارجية. وحتى خبراء الدولة ومستشاريها وأصحاب الخبرة فيها لا يستفاد منهم في ظل خوف كثير منهم، وممارسات الابعاد المتعمد لهم حيث يحاول ولي العهد إيجاد طبقة سياسة جديدة من أصدقائه وزملائه وشركاء تجاراته وكلهم يتميزون بانعدام الخبرة السياسية وكثافة التزلف للأمير والإشادة بمواقفها المتهورة وتأييده عليها، وحتى مجلس الوزراء الذي من المفترض أن يناقش أمور الدولة ليس بيده شيء سوى الحضور للاجتماع وتصويره ثم عودتهم الى مكاتبهم حيث يتلقون الأوامر للتنفيذ مباشرة من ولي العهد أو من أحد مقربيه.

لا يتعامل الديوان الملكي بنديّة مع الدول العربية والإسلامية -كما يفترض- بل يفترض أنها مجرد تابعة له أو حليفة له ومن خرج من هذا الإطار فهو بالضرورة عدو، وهذا الأمر يعزز الصورة النمطية عن السعودية كدولة “عدوانية” تسعى لاستهداف السياسات الداخلية للدول، وهو أمر دأب عليه ولي العهد الحالي محمد بن سلمان، وأصبح مضرب المثل في ذلك. فالمملكة التي تدير الحرمين الشريفين وتستخدمهما في تبييض سجلها الحقوقي والإنساني وتوسيع نفوذها الخارجي يفترض أن يكون عليها استحقاقات للمجتمع السعودي والعالم الإسلامي، لكن المملكة تقوم بشيء مخجل باستهداف الدول والعبث بسياستها الداخلية مستخدمة الرشاوى السياسية والابتزاز أو التهديد والوعيد كأداة لإنفاذ سياستها.

تكشف عدد من الحوادث هذا النوع من العبث العشوائي والمرتجل من قِبل السلطات السعودية وسياستها الخارجية العدائية، ويمكن الاستدلال على ذلك بمواقف كثيرة منها على سبيل المثال: الموقف من القِمة الإسلامية في ماليزيا، وحصار قطر، والعلاقة مع تركيا، والعلاقة مع باكستان، والعلاقة مع لبنان والمغرب وتونس.

 القمة الإسلامية

أعلن رئيس الوزراء الماليزي؛ “مهاتير محمد”، في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أن بلده سيستضيف قمة إسلامية مصغرة، تضم 6 دول، هي ماليزيا وتركيا وقطر وباكستان وإندونيسيا وإيران. وانطلقت القمة في كوالالمبور2019 يوم الأربعاء (18 ديسمبر/كانون الأول2019) واستمرت أربعة أيام. فالمملكة تعتقد أن الهدف من القمة سحب البساط عنها كرائدة للعالم الإسلامي. واعتذرت باكستان واندونيسيا عن الحضور بسبب ممارسة ضغوط سعودية حسب ما تقول التقارير.

تشعر السعودية بأن القمة تستهدفها بعد أن تخلت عن دورها في العالم الإسلامي وتحويل منظمة التعاون الإسلامي إلى ملكية خاصة لتبرير السياسة السعودية وليس كجزء من المنظومة لتوحيد قرار الدول الإسلامية. فخلال أكثر من عقدين من الزمان استمرت المنظمة في إصدار بيانات التأييد للديوان الملكي وسياساته في العالم الإسلامي، وليس معالجة مشكلات العالم الإسلامي والقيام بما يفترض أنها تأسست من أجله. كما أن السياسة السعودية الحالية داخلياً يخرجها من كونها دولة ملتزمة بالشريعة الإسلامية إلى محاولات العلمنة المتفسخة والمناوئة للقيم والدين.

في إطار متصل فالسعودية التي تستخدم “الحرمين الشريفين” من أجل زيادة نفوذها في العالم الإسلامي فشلت فشلاً ذريعاً في إدارته وتزايدت الأصوات المطالبة بنقل إدارة الحرمين إلى العالم الإسلامي حيث تواجه المملكة اتهامات: بارتكاب أخطاء أدت إلى وفاة آلاف الحجاج والمعتمرين خلال المواسم السابقة. واستخدمت الإيرادات من الحج والعمرة في شراء الأسلحة من الغرب لقتل المدنيين في اليمن، ودعم الانقلابات على الشعوب في عدة دول أخرى. كما تم استخدام الحرمين الشريفين من أجل اعتقال المعارضين للسياسة الخارجية السعودية في بلدانهم. إلى جانب استخدام المنع من الحج والعمرة أداة لمعاقبة من يعارضون المملكة سواء كانوا أفراداً أو دولا أو جماعات. وفي الوقت نفسه يستمر التلاعب بحصص الحج والعمرة للدول الإسلامية كنوع من الرشاوى السياسية فهي أداة قديمة وفعالة في شرق آسيا وأفريقيا. وتعتبر الدول الست في قمة كوالالمبور هي الأكثر كثافة سكانية من حيث عدد المسلمين ما يعني أكثر حصص الحج والعمرة منها ما يجعلها في مقدمة الدول التي يفترض مطالبتها بإدارة الحرمين الشريفين. وإذا ما حدث ذلك فستفقد المملكة جزءا كبيرا من سطوتها وأداة نفوذها الخارجي.

 العلاقة مع باكستان وتركيا

بذلت السعودية جهوداً كبيرة في محاولة وقف انعقاد القِمة، وكانت باكستان الدولة الأضعف بسبب مشكلاتها الاقتصادية أما من حيث كونها حليف للمملكة فإن باكستان من أوائل الدول التي وقفت طوال تاريخ الدولة السعودية الحالية إلى جانبها. لكن ذلك لم يشفع لها “تهور” و”انعدام الرؤية والأفق” لدى ولي العهد محمد بن سلمان.

وكشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن سبب اعتذار “اسلام أباد” عن الحضور بأن “السعودية هددت باكستان بسحب ودائعها من البنك المركزي الباكستاني، وترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في المملكة واستبدالهم بالعمالة البنجالية، وذلك من أجل ثني إسلام أباد عن المشاركة في القمة الإسلامية المصغرة”.

كان عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني قد زار المملكة هذا الشهر، وأُعلن الموقف بعدها. واستخدام التهديد بهذه الطريقة يسيء للمملكة وإدارتها للحرمين.

وتعاني علاقة المملكة مع تركيا من توتر منذ عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز بسبب دعم السعودية للانقلابات في العالم العربي، وحصلت انفراجه في بداية عهد الملك سلمان في ظل حاجة المملكة لمواجهة الخطر الإيراني وحاجتها إلى دولة كبيرة مثل تركيا لتأييد سياستها. لكن “ابن سلمان” كالعادة انجرَّ وراء السياسة الإماراتية لمهاجمة تركيا. واتهمت الرياض من قِبل مراقبين بمشاركة حليفتها أبوظبي في محاولة الانقلاب ضد “رجب طيب أردوغان” عام 2016.  ثم جاءت جريمة القتل الوحشي للصحافي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة باسطنبول (أكتوبر/تشرين الأول2018) لتزيد الأمور توتراً مضاعفاً.

ما يعني أن السعودية باتت تقلص عمقها الإسلامي تدريجياً باستهداف أبرز حلفائها ضد التمدد الإيراني الذي تزعم المملكة مواجهته. في الوقت الذي تزيد فيه من وتيرة العلاقةمع العدو الصهيوني والولايات المتحدة أعداء الأمتين الإسلامية والعربية.

 لبنان وقطر

إن التوتر مع دول خارج الإقليم لا يعني أن علاقة المملكة جيدة بمحيطها العربي على العكس من ذلك بل أكثر سوءاً، ف”ابن سلمان” قام باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري وإجباره على الاستقالة. وستند المملكة في ذلك إلى إرث سيء من التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية خلال العقود الماضية. عندما غادر “الحريري” المملكة بضغوط فرنسية تراجع عن استقالته حتى انفجر الغضب اللبناني الأخير مطالباً بإزاحة كلّ الطبقة السياسية.

أما في المحيط الخليجي فعلاقة المملكة سيئة -أيضاً- ففي يونيو/حزيران 2017، فرضت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة دبلوماسية واقتصادية كاملة على قطر. وبعد أسبوعين، أصدرت الدول الأربع 13 مطلبا قالوا إن على قطر أن تفي بها لإنهاء الحصار. ومن بين أمور أخرى، أرادت دول الحصار من قطر اتخاذ إجراءات صارمة ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها السعودية جماعة إرهابية، وإغلاق شبكة الجزيرة الفضائية، وطرد القوة العسكرية التركية المتمركزة في البلاد وتقليص علاقاتها الاقتصادية مع إيران. وعندما لم يمتثل القطريون، أعلن السعوديون عن خطة لحفر قناة على طول الحدود السعودية القطرية.

إن السعودية بحاجة إلى إعادة تقييم سياستها الخارجية والوقوف على جملة الأخطاء الخارجية وتصيحها ولن يكون ذلك إلا بمراقبة شعبية واسعة، وبوجود “ابن سلمان” في السلطة يبدو ذلك أشبه بالمستحيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق