تقارير

من السياسة إلى السينما.. كيف جرَّ “ابن سلمان” السعودية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني؟!

مركز جزيرة العرب للدراسات والأبحاث- تقرير خاص

منذ عام 2015 ازدهرت العلاقة بين الديوان الملكي بالسعودية و”الكيان الصهيوني” تحت لافتات مختلفة، ليصل التطبيع مع الاحتلال إلى درجة كبيرة من التنسيق والمواقف المشتركة.

وظهر التطبيع إلى العلن، دون احترام لخصوصية “بلاد الحرمين” وتأكيد أن السلطة الحالية تنتهك ثوابت الشعب السعودي الذي يقف مع القضية الفلسطينية؛ في سلسلة انتهاكات طالت كل ثوابت المجتمع وأعرافه وتقاليده.

بدأ أمر التطبيع من أجل تعزيز حظوظ “محمد بن سلمان” في الوصول إلى العرش، بالحصول على الدعم من الجمعيات اليهودية الموجودة في الولايات المتحدة، وتطور مع وصول جاريد كوشنر صهر دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لتبدأ مرحلة حياكة “صفقة القرن” التي تعتبر أسوأ صفقة عرفها التاريخ البشري، بإلغاء حق الفلسطينيين بالعودة ومصادرة القدس لتكون عاصمة الكيان، وبدلاً من أن تكون السعودية مع أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أصبحت ضد ذلك كله لتقف مع المُحتل والكيان الغاصب ضد أصحاب الأرض.

وبدت منهجية “ابن سلمان” في البناء من أجل تقديم نفسه للصهاينة، بالاعتماد على أدوات سياسية وثقافية من الذين يعملون تحت إمرته وسلطته، وتقديمهم باعتبارهم يعبرون عن مكونات الشعب السعودي، وهم لا يعبرون إلا عن “ابن سلمان” وحده وتوجه ديوانه الملكي، أما السعوديون فيقفون مع إنهاء الاحتلال الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية على كل أراضيها بعاصمة القدس الشريف، فلم تؤثر فيهم دعاية “ابن سلمان” ولا أدواته القميئة التي تبرر التطبيع ضد إرادة الشعب.

 تطبيع سينمائي

أخر أدوات التطبيع كان قيام “الاحتلال الإسرائيلي” باختيار فيلم المخرجة السعودية هيفاء المنصور ليكون فيلم افتتاح “مهرجان سينما المرأة الإسرائيلية” الذي سيقام بحلول ديسمبر/كانون الأول القادم.

ورحبت الخارجية الصهيونية عبر حسابها على تويتر (إسرائيل بالعربية) بالقول “سيفتتح فيلم المرشحة المثالية للمخرجة السعودية هيفاء المنصور مهرجان سينما المرأة الإسرائيلي والذي سيقام في مدينة أورشليم”.

وعبر النشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي عن رفضهم للتطبيع مع الكيان الصهيوني بعرض الفيلم. واعتبروا “ابن سلمان” عراب هذا التطبيع الذي يدور في حلقة واحدة لصفقة القرن.

وشكك أخرون من أن الفيلم ليس من صنع ولا حبكة المخرجة السعودية بمفردها. مشيرين إلى أنها تلقت المساعدات الفنية عالية الجودة من جهات تدعمها إسرائيل محاولة منها لجر السعوديين إلى التطبيع و”القبول به كأمر واقع لاسيما وأن حكومتهم لم تعد ترى ذلك مخالفة قانونية أو أخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني”. ويقدم الفيلم تمكين المرأة السعودية عبر إخراجها من العادات والتقاليد الاجتماعية كمبرر لتكون مرشحة انتخابات!

السؤال الأهم كيف وصلت المملكة إلى هذه النقطة من التطبيع مع “العدو الإسرائيلي”؟!

الزيارات منذ 2016

في عام 2016 ظهر التطبيع بزيارة اللواء السابق في القوات المسلحة السعودية أنور عشقي المقرب من “ابن سلمان” وأحد مستشاريه، على رأس وفد مرافق له إلى الكيان الصهيوني “إسرائيل”. وهو ما أثار موجة سخط الشعب السعودي والعالمين العربي والإسلامي واتهام الحكومة السعودية بالاتجاه لإعلان التطبيع مع “إسرائيل”.

علاقة “عشقي” بالكيان الصهيوني ليست جديدة ففي منتصف 2015 ظهر “عشقي” إلى جانب “دوري غولد” السفير الصهيوني السابق في الأمم المتحدة وصاحب كتاب “كراهية المملكة: كيف تدعم المملكة العربية السعودية الإرهاب العالمي الجديد؟”، الذي هاجم المملكة والشعب السعودي واتهمهم بالإرهاب، ليُظهر الدرجة الكبيرة من “انحطاط القيّم والسلوك” الذي يقوم به المقربون من “الديوان الملكي” بحق السعوديين والمملكة بمصافحة من يتهمونهم بالإرهاب ويدعون لإنهاء دولتهم.

لكن ما يجعل خطوة “عشقي” في 2016 كبيرة للغاية أنه جرى زيارة الكيان الصهيوني بإعداد وتخطيط مسبق مع عدد من الأكاديميين والناشطين السعوديين القريبين من “الديوان الملكي” ما يعني توجه الديوان للتطبيع. ولمواجهة السخط الشعبي قال مقربون من السلطة إنها تمت بشكل “شخصي” مع أن هذه الزيارة لن تكون إلا بضوء أخضر من “ابن سلمان” نفسه إن لم يكن من “الملك سلمان” شخصياً. حيث يعيّ الجميع أن أي تحرك في السياستين الداخلية والخارجية داخل المملكة لا تتم إلا بأوامر رأسيه من الديوان الملكي وليس من جهة أخرى.

عقب زيارة “عشقي” المُشينة، توالت الأحداث بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحدث إعلام الكيان الصهيوني عن زيارة “أمير بارز في البلاط الملكي إلى (إسرائيل) ولقاءه المسؤولين الصهاينة”. وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى أنه “محمد بن سلمان” ورافقه مسؤولين أمنيين وعسكريين. ولم يجرِ نفي ذلك من قِبل “ابن سلمان” أو من السلطات في المملكة في ذلك الوقت.

تطور التطبيع ليصبح في أشكال مختلفة أبرزها: الإعلام الرسمي، وظهور معلقين سعوديين في شاشات التلفزة الصهيونية، إضافة إلى استهداف الفلسطينيين عبر الشاشات السعودية. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي وإطلاق هاشتاقات ضد الفلسطينيين ودعماً للكيان الصهيوني، تقوم بها فرقة خاصة تتبع “ابن سلمان”.

 كما برز التطبيع الثقافي لإظهار التقارب مع الكيان الصهيوني، فعلى سبيل المثال تم نشر رواية “سعودي في إسرائيل”! لتحظى بترويج واسع في معظم وسائل الإعلام التابعة للمملكة.

وظهر شكل جديد للتطبيع بمنح الصهاينة الوصول إلى الحرمين الشريفين، فقد نشر المدون الإسرائيلي بن تزيون، صور له داخل المسجد النبوي، وأكد أنّه دخل السعودية بطريقة نظامية عبر مطار الرياض. في إساءة لتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم بمنع دخول اليهود المدينة المنورة.

واستخدم “ابن سلمان” كل الوسائل للتقرب من الكيان الصهيوني حتى باستخدام عاطفة السعوديين بمواجهة إيران، وتبرير تحالفه الصهاينة بكونه ضد إيران. في إساءة بالغة للسعوديين وعدم قدرتهم على مواجهة اعدائهم إلا بمساعدة أكثر الأعداء ديمومة في الذهنية السعودية وهو “الاحتلال الصهيوني”. كما أنه يظهر فشلا في السياسة السعودية الخارجية فمعظم المسلمين يعتبرون “إسرائيل” عدوهم الأول والتطبيع مع هذا العدو يجعل من السعودية عميلة للكيان وضد العالم الإسلامي، فتكسب السعودية “إسرائيل” وتخسر العالم الإسلامي.

 صفقة القرن

قام “ابن سلمان” بهذه الأشكال من التطبيع لتهيئة المجتمع السعودي للتطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني، ويفرضه أمراً واقعاً وإجبار السعوديين على الدخول فيه. لقد دفع ملايين الدولارات والمكافئات لمراكز الأبحاث اليهودية والأشخاص من أجل تحسين صورته في الغرب بصفته حليف الصهاينة الجديد، كما دفع الملايين من الدولارات على حاشيته والعاملين معه للتأثير على السعوديين للقبول بالتطبيع مع “الصهاينة”. لكن الشعب السعودي رفض أدوات التأثير السيئة وتمسك بالثوابت والمبادئ تجاه القضية الفلسطينية.

وليس ذلك فقط بل إنه كان يقوم بكل ذلك ممهداً لتبرير الدور المشين بصفته ممن صنعوا صفقة القرن” التي ظهرت عام 2018، والتي تلغي حق الفلسطينيين المهجرين في العودة إلى بلادهم وتمنح المُحتل الأرض، “والقدس” بما فيها المسجد الأقصى للصهاينة كعاصمة لدولتهم المزعومة.

وأثار ذلك غضب السعوديين والفلسطينيين إضافة إلى غضب العالمين العربي والإسلامي. ولمواجهة ذلك رفض الفلسطينيون حتى مناقشتها وتوترت العلاقة بين المملكة والسلطة الفلسطينية منذ ظهورها.

وغضب السعوديون على تويتر -الساحة الوحيدة الباقية للتعبير عن الرأي في المملكة رغم حملة المضايقة والاعتقالات المستمرة- واعتبروا “ابن سلمان” عميلاً ل”إسرائيل” من أجل تحقيق أهداف شخصية تكون وصمة عار في جبين المملكة.

حتى لو اعتقد الصهاينة أن بإمكان ابن سلمان منحهم تطبيعاً كبيراً، إلا أن السعوديين سيضلون أوفياء داعمين للمقاومة الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال، ومواجهته بكل قوة وحزم؛ وسيقفون مع كل حركات المقاومة ضد الصهاينة، رافضين لكل الصفقات التي تخالف تلك الثوابت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق