تقارير

اكتتاب أرامكو في الميزان.. خطط فاشلة تبيع الثروات ويغيب عنها الشعب

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث- تقرير خاص 

بالنسبة للسعوديين هذه الأيام، فإن الحياة صارت “أفعوانية” وغريبة ومثيرة للقلق على كل المستويات فالتناقض ما يثير البلاد ويجعلها خطرة. فالاقتصاد يجري تجريفه والبلاد تكاد تنهار في الفوضى التي يخشاها المواطنون فيما يعتبرها الأجانب والغرب فُرص الدخول إلى اقتصاد دولة تسبح على بحيرات نفط والسيطرة عليه.

وأعلنت “أرامكو” شركة النفط السعودية المملوكة للدولة أخيرا التفاصيل التي طال انتظارها لما سيكون أكبر طرح عام أولي في التاريخ؛ مع كثير من الغموض حول الاكتتاب ومدى الضرر الذي سيلحقه على المملكة، إذ يملك الديوان الملكي بالكامل الشركة الأكثر ربحاً في العالم.

 الخطوة السياسية

في السياسة تعتبر خطوة ولي العهد “محمد بن سلمان” باكتتاب أرامكو مغامرة غير محسوبة المخاطر، فتوقيتها يأتي بالتزامن مع كثرة الشكوك داخل العائلة الحاكمة حول قدرته على قيادة المملكة في المرحلة القادمة حيث يوجه ابن سلمان رسالة للداخل والخارج إنه “لايزال حاضراً ومتحكماً”.

وما يُثير شكوك العائلة الحاكمة أن “ابن سلمان” فشل في كل مشاريعه وطموحه منذ 2015، حيث دخل في حرب اليمن، وفشل فشلاً ذريعاً كما هو واضح إذ تستمر المشاورات مع جماعة الحوثيين المدعومين من إيران في مسقط وعَمان بعد سنوات الحرب. وفشله في مواجهة تزايد النفوذ الإيراني، كما في فشل في تنويع الاقتصاد حيث تعاني رؤيته لعام 2030 من انهيار متلاحق يشير إلى فشلها المبكر. إضافة إلى فشله في إسكات الغضب العالمي المتزايد على قتل الصحافي جمال خاشقجي، وظهور فضيحة “جواسيس تويتر” المرتبطة به وبمعاونيه.  

وما يشير إلى أن قرار الاكتتاب سياسي أمران مهمان الأول: أنه جرى الإعلان عن “الاكتتاب” في ظل انخفاض قيمة الشركة وبعد أسابيع فقط من تعرض منشآت أرامكو في “بقيق وخريص” لضربات أوقفت نصف صناعة السعودية من النفط بشكل مؤقت، ما يعني أن توقيت الإعلان الذي حدد قيمة الشركة ليس جيداً من ناحية الاقتصاد لكنه من ناحية الشخصية لابن سلمان فإنه يدعم غرورة بتحديد التوقيت الذي يريده.

الثاني: أن الإعلان جاء في ظل معاناة الإيرادات حيث تراجعت الإيرادات النصفية لأول مرة في تاريخها وحسب تقرير رسمي للشركة نشر قبل أسابيع من الاكتتاب فقد تراجعت أرباحها الصافية في النصف الأول من عام 2019 إلى 46.9 مليار دولار، مقارنة بنفس الفترة في العام السابق (2018) أي تراجع بحوالي 12%، وتدهور الإيرادات يجعل من قيمة الشركات تنخفض.

إن الاكتتاب في ظل هذه الظروف يبرز تخبط ولي العهد الذي حدد قيمة أرامكو عند اثنين ترليون دولار. فيما قيمت البنوك المتابعة لهذا الملف تقدم تقديرات بعيدة عن هذه الأرقام، حيث إنها تعتبر أن قيمة الشركة تناهز 1.5 تريليون دولار أو حتى أقل من ذلك إذا كانت المملكة تنوي تحقيق النجاح في جذب المستثمرين الأجانب. وفي نهاية حدّدت أرامكو قيمتها بما بين 1,6 و1,71 تريليون دولار، قبيل بدء تداول أسهمها في السوق المحلية. وهو أقل مما ذكره “ابن سلمان” ما يكشف فشلا جديدا لدى قيادة المملكة في فهم قيمة الشركة وتقديمها للسوق بصورة سيئة للغاية.

 مخاطر الاكتتاب

ويعد “الاكتتاب العام” أهم وسيلة مالية لتنفيذ رؤية “بن سلمان” لعام 2030، وهي خطة إصلاح اقتصادي قدمها “ابن سلمان” عام 2016، حيث ينوي استغلال المال في مجموعة مرتبطة من المشاريع الاقتصادية غير المدروسة بشكل جيد. إذ أن الخطة التي يفترض أنها بدأت بالفعل عام 2016 مع الإعلان عنها لم تتمكن حتى الآن من توفير فرص العمل للشباب، بل على العكس ساهمت سياسات ولي العهد في زيادة البطالة، وتضرر الاقتصاد.

ويظهر والده “الملك سلمان” متمسكاً برؤية نجله وداعماً لها حيث قال يوم الأربعاء (20 نوفمبر/تشرين الثاني) إن “إعلان المملكة عن طرح جزء من أسهم أرامكو السعودية للاكتتاب العام سيتيح للمستثمرين المساهمة في هذه الشركة الرائدة على مستوى العالم، وسيحدث نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالية السعودية لتكون في مصاف الأسواق العالمية”. مع أن معظم المؤشرات تشير إلى عكس ذلك فالاكتتاب على مستوى عالمي سيعني وجود أجنبي جديد في صناعة النفط السعودية، بعد عقود من إخراجهم[1].

فاستثمار الأجانب في المملكة تضرر بفعل سياسات “أبن سلمان” فحبس رجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة في فندق “ريتز كارلتون” عام 2017، ومقتل “جمال خاشقجي” عام 2018، وجواسيس تويتر، ساهم أيضا في تغيير نظرة المستثمرين الأجانب نحو بيئة الأعمال في المملكة.ولإقناع هؤلاء المستثمرين بخلاف ذلك، تحتاج السلطات السعودية إلى إعادة بناء الثقة فيما يتعلق بحرية الاستثمار وسلامته؛ والحاجة إلى الشفافية من قِبل السلطة مع مواطنيها أولاً؛ والسماح بحرية الرأي والتعبير إذا كانت تريد تطمين المستثمرين.

 السلبيات

إن وضع شركة أرامكو للاكتتاب هو باعتبار “عرض احتياط النفط للبيع” والأصل أن السلطة لا تملك أي حق في بيع هذا النفط دون مشاركة كل الشعب السعودي في ذلك. وسبق أن قال خبير الاقتصاد السعودي عصام الزامل “بعيداً عن المجاملات والكلام المبهم: النفط ملك كل الشعب. وقرار بيع النفط تحت الأرض يفترض ألا يتم إلا بموافقة الجميع، وفي ظل غياب إعلام حرّ قادر على التعبير عن الناس بشكل حقيقي. فحتى الاستفتاء العام لأخذ موافقة الشعب لبيع النفط لن يكون مجدياً“.

وقال: “لذلك، لا أعتقد أنه من العدل ولا المنطق أن يتم بيع نفطنا تحت الأرض في صفقة تجارية في الوقت الحالي، لو تم بيع النفط كله الآن وأخذنا فلوسه كاش، وفشلنا في تنويع الاقتصاد مرة أخرى وهذا محتمل، فبعد عشرين سنة لن يكون لدينا تنويع اقتصاد ولا نفط”.

ولأجل ذلك تم اعتقال “الزامل” في سبتمبر/أيلول2017 وكذلك اُعتقل رجل الأعمال والمتخصص في الاقتصاد “جميل فارسي” بالسبب نفسه. في حين مُنع وكيل وزارة المالية السابق عبد العزيز الدخيل من السفر وانكمش عن المشاركات الإعلامية والنشاط على تويتر مما يوحي بتعرضه لتهديدات بسبب اعتراضه على السياسات المالية وبيع أرامكو، هذا بالإضافة لعشرات من العلماء والصحافيين وأصحاب الرأي وأساتذة الجامعات والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وسيؤدي بيع أرامكو إلى تباطؤ كبير في الاقتصاد، إذ سيدفع المستثمرين للاستثمار السهل في أسهم أرامكو. ويضيف الزامل في مقطع فيديو نشره قبل اعتقاله، إن تأثير الاكتتاب سيكون سيء للغاية على الاقتصاد السعودية “فستُغلق شركات كثيرة حيث ستقفل أبوابها خاصة بعد رفع الدعم والرسوم على العمالة. كما أن المستوى المعيشي للمواطن سينخفض، وبالتالي ستنخفض القدرة الشرائية”.

وعلى عكس ما يروج له الديوان الملكي فإن الاكتتاب “سيخلق فرص قليلة للوظائف في البلاد، لن تكون كافية”.

خلال الشهور والسنوات القادمة ستظهر التغيرات الكبيرة التي يلمسها كل السعوديون. وفي ظل حظر النقاش العام في البلاد، يبقى الرأي العام ضبابيًا دون معرفة جيدة بحجم الغضب إلا من حملات على شبكات التواصل الاجتماعي تستهدفها السلطات باعتقال الناشطين والبارزين فيها ويقوم فريقها الالكتروني بالتأثير على انتشارها. ولا شك أن تلك الهجمات على الناشطين والمراقبة المكثفة تخلق الخوف لدى السعوديين بالتزامن مع الاعتقالات التي طالت حتى المعتدلين، والقتل الوحشي للصحفي “جمال خاشقجي” والتجريد العلني للأمراء البارزين من ثروتهم وحقهم في السفر عام 2017. لكن هذه المخاوف يتم التعبير عنها فقط في خصوصية عميقة، وتُدار البلاد وفقًا لما يمكن تسميته “قاعدة: إذا لم تستطع قول شئ جيد فلا تقل شيئًا على الإطلاق“.-حسب ما يشير تقرير لصحيفة وول استريت جورنال.

وعبّر شخص سعودي مستاء من الوضع الاقتصادي لصحيفة أمريكية قائلا: “كلنا نركب في المقعد الخلفي لسيارة مسرعة. لا يمكننا أن نرى إلى أين نحن ذاهبون، لكننا ندعو فقط أن يكون السائق على علم حتى نتجنب الاصطدام”، ويعد هذا أكبر نقد علني يجرؤ عليه السعوديون في الداخل هذه الأيام. ويلخص سعودي آخر الأمور قائلا: “لقد اعتدنا أن نناقش ولا نقرر أبدًا، والآن يتولى الملك وولي العهد أيضا مسؤولية القرار ولكننا لا نناقش أبدًا“.

 

[1]ناقشت ورقة بحثية لمركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث رؤية (2030) للاطلاع: المقامر الخاسر.. “ابن سلمان” فانتازيا (رؤية 2030) المعوقات وعلامات الفشل https://jazertalarab.com/2019/10/23/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%85%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b3%d8%b1-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%81%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d8%a7-%d8%b1%d8%a4/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق