تقارير

ما دلالات الحُكم على الناشطة لجين الهذلول في هذا الوقت بالذات؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في اجراء مفاجئ للقضاء السعودي، قررت احدى المحاكم السعودية في الـ28 كانون الأول/ ديسمبر، حسم قضية الناشطة “لجين الهذلول” والحكم عليها بالسجن مدة خمسة أعوام و8 أشهر، مع وقف التنفيذ لمدة عامين و10 أشهر، مما يعني أن الهذلول سيتم الافراج عنها خلال بضعة أشهر، كونها معتقلة منذ عام 2018.

تمَّ الحكم على لجين الهذلول بموجب قانون مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، وبتهمة التحريض على تغيير النظام الأساسي للحكم، والسعي لخدمة أجندة خارجية، واستخدام الشبكة العنكبوتية بهدف الإضرار بالنظام العام. فيما أن الهذلول، لم يُعرف عنها سوى أنها ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة.

قضاء مُسيَّس

يعتبر هذا الحُكم، إذا ما قارناه بباقي الاحكام التي اعتاد أن يصدرها القضاء السعودي، هو حُكم مخفف، مما جعل الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن السعودي، متفاجئين من الحكم، ومتفاجئين من سرعة حسم القضية، رغم أن السلطات السعودية لم تستجب لعدد كبير من الدعوات والمناشدات للإفراج عن هذه الناشطة، لكن اقتراب وصول بايدن للرئاسة، في الـ20 من الشهر الحالي، حفَّز المحكمة السعودية، لإصدار حكمها “المخفف” بحق لجين الهذلول، كعربون “حسن سيرة” من بن سلمان للإدارة الأمريكية الجديدة، عسى أن يشفع له هذا الإجراء، عند الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ويقوم بنسيان بعض وعودهِ الانتخابية التي قطعها على نفسه، بمحاسبة بن سلمان وعدم التساهل معه على جرائمه بمجال انتهاك حقوق الأنسان. كما أن هذا الحكم المخفف والمخالف لما تصدره المحاكم السعودية عادةً بحق الناشطين، يعطي لنا فكرة واضحة، عن عمق ارتباط القضاء السعودي بالسلطة السياسية، ومدى تبعية هذا القضاء للنظام الحاكم، وينسِفُ كل التقولات التي تُرفع، حول استقلال القضاء داخل المملكة، وعدم تأثره بالنظام السياسي الحاكم للبلد.

يذكر أن لجين الهذلول كانت قد اعتقلت عام 2018، ضمن حملة قامت بها السلطات السعودية ضد عدد من الناشطات النسويات، شملت أيضًا، سمر بدوي ونسيمة السادة ونوف عبد العزيز ولمياء الزهراني، أتهمتهُنَّ السلطات السعودية حينها، بالمساس بأمن البلاد.

والمفارقة العجيبة، أن التهمة الحقيقية للهذلول، كانت بسبب دفاعها عن حق المرأة السعودية في قيادة السيارات وموضوع ولاية الرجل على المرأة، رغم أن المملكة سمحت بعد ذلك بقيادة النساء للسيارات وعدلت نظام ولاية الرجل على المرأة. وامعانًا في الكذب، نفى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن يكون النشاط الحقوقي للهذلول هو السبب في اعتقالها، إنما السبب كان لنقلها معلومات سرية إلى دولٍ غير صديقة. لكن الوزير أو السلطات السعودية، لم يقدما أية أدلة على اتهاماتهم تلك.

وتدور شبهات كثيرة حول مصداقية القضاء السعودي ونزاهته، وكثيرًا ما يُتهم هذا القضاء، بعلاقته الوثيقة بالنظام الحاكم، والعمل على تمكين رموز النظام من الإفلات من العدالة، وتبرير ما يقوم به هذا النظام من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان السعودي. ففي يوم 7 أيلول/سبتمبر من العام الماضي، أكتفى القضاء السعودي، بإصدار أحكامًا نهائية ضد 8 من قتلة جمال خاشقجي فقط، وسجنهم. الأمر الذي فتح باب التشكيك حول مصداقية القضاء والنيابة العامة. ووصف مراقبين ومتابعين للشأن السعودي، بأن هذه الأحكام المخففة التي صدرت بحق قتلة خاشقجي، ما هي إلا محاولة للتستر وتبرئة ساحة القتلة والمتهمين الأصليين المرتبطين بأبن سلمان، والأهم من ذلك كله، العمل على إفلات المتهم الأساسي الذي أمر بعملية الاغتيال، وهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حسب ما انتهت إليه المخابرات التركية وحكومات ومؤسسات دولية أخرى.

وما يزيد من أمر فضيحة القضاء السعودي، وارتباطه بسياسة بن سلمان، هو إنه تجاهل ولم يكلف نفسه بالتحرك والتحقيق في أمر وفاة العديد من المعتقلين والمعتقلات، وممارسة شتى أنواع التعذيب، والإهمال الطبي المتعمد بحقهم، كما حصل ذلك مع الداعية الحقوقي الدكتور عبد الله الحامد، الذي توفي في المعتقل بسبب التعذيب والإهمال الطبي، كما لم يفعل هذا القضاء شيئًا يذكر إزاء وفاة الإعلامي “صالح الشحي” بعد الإفراج عنه بأيام فقط، والذي تُفيد بعض التكهنات، إلى تعرضهِ للتسمم. وهو نفس القضاء الذي اصدر حكمًا بالإعدام بحق الطفل “مجتبى القريريص” والذي كان عمره 13 عام حينما تم اعتقاله بسبب مشاركته بتظاهرات ضد النظام، ولم يخفف عنه حكم الإعدام، إلا بعد ضغوط من مؤسسات حقوقية عالمية. أما النيابة العامة السعودية التي طالبت بأحكام مخففة عن قتلة خاشقجي، فهي ذاتها التي تطالب بإعدام الداعية سلمان العودة بسبب آرائه ومواقفه الوسطية.

حسم قضية “الهذلول” له علاقة بوصول بايدن للرئاسة

وفي معرضِ تغطيتها لخبر الحكم الصادر بحق الناشطة “لجين الهذلول”، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مقدار العقوبة ضد الناشطة السعودية لجين الهذلول، جاءت بناء على طلب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ويعتقد كثير من المراقبين، بأن هذا الحكم المسيس، لم يأتي إلَّا نتيجة خشية بن سلمان مما سيترتب على وصول جو بايدن لسدة الرئاسة في الولايات المتحدة، من تداعيات خطيرة بحقه إذا ما فَتَحَ الرئيس الجديد ملف حقوق الانسان داخل المملكة، وتحميله بن سلمان مسؤولية الجرائم بحق الناشطين السعوديين من قتلٍ وسجن. ونشره الموقع الأمريكي Responsible Statecraft، من إن الحكم السعودي “المخفف” على الناشطة لجين الهذلول، يستهدف التقرب من الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، وحفظ ماء وجه بن سلمان، بالنظر لوعود بايدن القاطعة بمعاقبة ولي العهد محمد بن سلمان، والذي وصفه خلال حملته الانتخابية بالرجل “المنبوذ”. نفس الأمر ذهبت إليه صحفية “وول ستريت جورنال”، حينما ذكرت بأن مقدار العقوبة التي سلّطتها محكمة سعودية على الهذلول، جاء بطلب مباشر من بن سلمان، لتخفيف الضغوط المسلطة على الرياض من قبل واشنطن.

لكن يا ترى، هل سيكون هذا الاجراء من قبل بن سلمان، كافيًا لإدارة بايدن حتى تعفي عنه؟ لا سيما وأنه يمتلك دفقًا غير منتهي من الانتهاكات بحق الناشطين، وبعض هؤلاء، يحمل الجنسية الأمريكية مثل الدكتور وليد فتيحي. وعلى هذا الأساس، يبدو أن محاولات بن سلمان للتملق للإدارة الأمريكية الجديدة، سوف لن تفلح، ففي هذا الشأن، علَّق مستشار الأمن القومي الاميركي في إدارة بايدن، جيك سوليفان، على الحكم الصادر بحق الهذلول بالقول، بأن القرار “ظالم ومُقلق” رغم وداعته وحنيته ولطافته من وجهة نظر الامير ولي العهد. مضيفا: “إدارة بايدن ستقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان حيثما وقعت”. ومن الغريب أن موقف إدارة بايدن القادمة، لم يختلف في موقفها عن موقف إدارة ترامب المنتهية ولايتها من قضية الحكم على لجين الهذلول، فقد علَّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، كيل براون على قرار المحكمة السعودية، بإن الولايات المتحدة “تشعر بالقلق” إزاء تقارير الحكم على الهذلول، وأكد على “أهمية حرية التعبير والنشاط السلمي في السعودية، لأنه ينهض بحقوق المرأة”. الأمر الذي يعكس مدى انزعاج الساسة الأمريكان من كلا الحزبين، من مواقف بن سلمان إزاء ملف حقوق الانسان في المملكة.

ردود فعل شعبية من قرار المحكمة السعودية

حالما أصدرت المحكمة السعودية بحكمها ضد لجين الهذلول، ضجت مواقع التواصل باستنكار الحكم، فقد انتقد حساب معتقلي الرأي ما سماه “إصرار السلطات السعودية على وصم لجين الهذلول بالعمالة والخيانة، رغم تحايل القضاء على حكم السجن لكي تخرج لجين خلال مدة قصيرة جدا”. وأكد الحساب، بأن الهذلول لا علاقة لها بأية تهمة زائفة وجهت لها من هذه المحكمة. ورفض الحساب إنهاء قضية لجين بهذه الطريقة التي تحاول إظهارها أمام الرأي العام على أنها “خائنة ومجرمة”، مؤكدين أنها ناشطة حقوقية، وبريئة من جميع التُهم الموجهة ضدها.

بدوره أشار شقيق الهذلول، “وليد”، إلى تحدث أكبر الصحف النرويجية عن تواطئ السفيرة السعودية في النرويج، “أمال يحيى المعلمي”، في التغطية عن التعذيب الذي حصل للجين حين كانت في “هيئة حقوق الإنسان”.

فيما وصف الصحفي اليمني “عباس الضالعي”، السعودية بـ”الدولة القمعية” ونظامها بـ”المستبد” وقضاؤها بـ”الفاسد”، مبشرا بأن لجين “ستنتصر عليهم”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق