تقارير

بيادق الإمارات من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي

بيادق الإمارات من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي

سلط انعقاد “قمة المليار متابع” في نسختها الثانية مؤخرا في الإمارات الضوء مجددا على بيادق أبوظبي من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي وانخراطهم في تنفيذ خططها الخبيثة.

وبحسب مراقبين لا تنفك الإمارات عن استخدام المؤثرين (إماراتيين وعرب) لتبرير قوانينها الشاذة عن المجتمع وأخلاق الإسلام، وسياستها البعيدة كل البُعد عن الإجماع الوطني والعربي.

يتصدر ذلك التطبيع الإماراتي مع إسرائيل وإقامتها علاقات كاملة معها، دون وجود أي سبب حقيقي ولو على الهامش، وتبني أبوظبي المواقف الإسرائيلية بحذافيرها، بما في ذلك وقوف أبوظبي مع تل أبيب في الحرب الدموية على غزة.

وهو الأمر الذي عرّضها لكثير من الانتقادات على مستوى المواطنين وكذلك الشعوب العربية جمعاء، ما استدعاها لاستخدم بيادقها من المؤثرين، ممن موّلتهم أبوظبي ودعمتهم.

وذلك عبر الترويج للتطبيع بالحديث عن التعايش مع الإسرائيليين وتبرير جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، وإدخال الشبهات للقضية الفلسطينية، والتشكيك بقدسية المسجد الأقصى، ناهيك عن ضرب النضال الوطني والاجماع الفلسطيني.

من أبرز تلك الأدوات، برنامج “ناس ديلي“، الذي يقدمه المدعو نصير ياسين، الذي يقول عن نفسه بأنه إسرائيلي أولا، وذلك بتمويل من “نيو ميديا أكاديمي” الإماراتية، التي اتهمتها “اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة” (BDS)، بأنها منصة تمثل “تواطؤا صريحا مع الجهود الإسرائيلية لغزو عقول الشعوب العربية وتلميع جرائم إسرائيل”.

كما قامت “نيو ميديا أكاديمي” بتمويل “أكاديمية ناس” التي تضمّ إسرائيليين من ضمن طاقم الإشراف والتدريب الذي يرأسه الإسرائيلي “جوناثان بيليك”.

وأشارت “اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة”، في بيان سابق، إلى أن الدعم الذي تقدمه الإمارات لتلك المنصة المشبوهة، يشكّل تواطؤاً صريحاً في الجهود الإسرائيلية لغزو عقول شعوبنا وتلميع جرائم نظام الاستعمار الاستيطاني و”الأبارتهايد” الإسرائيلي، فضلاً عن تسويق اتفاقية تطبيع أبوظبي مع الاحتلال.

وأوضحت أن برنامج “ناس ديلي” لصانع المحتوى نصير ياسين، الغارق في التطبيع والذي ينتج ويبث محتوى تطبيعي ناعم، ينتزع إسرائيل من سياقها الحقيقي وطبيعتها القائمة على الإجرام والتطهير العرقي. وبذلك يخدم مساعي الاحتلال الإسرائيلي لفرض نفسها ككيانٍ طبيعي، وفق البيان.

إلى جانب تلك المنصة الرقمية المُتصهينة في العالم العربي، يظهر المؤثر الإماراتي “أنس بوخش” في برنامجه “إيه بي توكس” (ABtalks)، والذي يسعى جاهداً للترويج إلى التطبيع مع إسرائيل بشتى الوسائل، بالإضافة إلى “تتفيه” العقل الإماراتي، والتركيز على هوامش الأمور، ناهيك عن ابتعاده تماما على أي حديث قد يلامس قضايا المواطنين الإماراتيين، مكتفياً بالترفيه السطحي.

وكما هو الحال في استخدام المؤثرين داخلياً، فإن استضافة 3 آلاف مؤثر -كل في دولته أو في المنطقة الناطق بلغتها- لها أهداف مرتبطة بالسياسة الخارجية في بلدانهم ومناطقهم، والتي أبرزها تحسين سمعة دولة الإمارات الخارجية وتبريرها، مع كل الضرر الذي أحدثته سياسات أبوظبي في المنطقة والعالم.

وتشير دراسة جديدة إلى أن أبوظبي كانت وراء حملة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لتحسين صورتها عبر الإنترنت لجيل أصغر سنا.

كما دفعت في مؤتمر المناخ الأخير (كوب 28) أموالاً لمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز صورتها كدولة بيئية، وتحسين صورتها مع التقارير التي تؤكد انتهاكها لحرية الرأي والتعبير في البلاد.

وتقول الدراسة بشأن المسؤولين في الإمارات “إنهم يعرفون ما يحتاجون إلى عرضه ليظلوا ملائمين في القرن الحادي والعشرين”.

ولا يعرف قيمة ما تنفقه الدولة على المؤثرين لتحسين صورتها؛ لكن تخصيص 150 مليون درهم لصناع المحتوى يشير إلى حجم الاهتمام السياسي بهذه الصناعة المؤثرة بالفعل.

ووفقًا لصحيفة “جلف نيوز” الرسمية، فإن 94% من المؤثرين في الإمارات يتقاضون رواتب تتراوح بين 1000 دولار و5000 دولار لكل منشور، في حين أن النسبة المتبقية البالغة 6%، قد يصل سعر المنشور الواحد إلى أكثر من 10 آلاف دولار.

وقد انعقدت قمة المليار المتابع بالتزامن مع انتقادات حادة وجهتها منظمات حقوقية دولية، لواقع الحريات في الإمارات، على رأسها حرية التعبير على شبكة “الإنترنت”.

وشارك في الملتقى -الذي تروّج له الحكومة بأنه الأكبر لصنّاع المحتوى الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي- نحو 7 آلاف ضيف، منهم 3 آلاف صانع محتوى ومؤثر من مختلف دول العالم، و100 رئيس تنفيذي، يتابعهم أكثر من 1.6 مليار شخص، ومسؤولون وشركات صناعة محتوى.

وأجمع مراقبون على أن تجميع تلك الأعداد الكبيرة من المؤثرين، وإنفاق الملايين لاستضافتهم، وتخصيص 150 مليون درهم إضافية، لدعم صندوق خاص بـ “صنّاع المحتوى”، فتح الباب واسعا حول الأهداف الحقيقية التي تكمن خلف الملتقى، وليس كما يتم الترويج له، بأنه ملتقى الحضارات والثقافات، وسماع قصص تجاربهم، رغم أن غالبيتهم يوصفون بأنهم “سطحيون”.

فعلى مدى العقد الماضي، شهدنا ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بشكل هائل. لقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة للأشخاص العاديين ليصبحوا من المشاهير بين عشية وضحاها أو علامات تجارية كبيرة، كل ذلك بسبب انتشارهم وارتفاع أعداد متابعيهم.

ولأنهم كذلك؛ تسعى أبوظبي -كما الشركات التجارية- لاستخدامهم كمنصات لإنفاذ سياستها داخليا وخارجيا، واعتبارهم جنوداً رقميين يعملون لصالحها، وتحركهم كيفما تشاء وفي الوقت الذي تريده.

هذا التوجه الجديد لم يكن موجودا قبل عام 2015، بل على العكس كانت تنظر الدولة للمؤثرين بأنهم مشبوهون ولديهم أجندات خاصة، وترى بهم أعداء محتملين على شبكات التواصل الاجتماعي؛ باعتبار أن المؤثرين في حينه ارتبطوا بالمطالبة بالحقوق والحريات، والانتفاضات في العالم العربي (2011) التي اعتبرت كأداة الشعوب للتحشيد والانتقاد ضد الحكومات الاستبدادية في المنطقة، ونظرت لها أبوظبي بعين العداء.

لكن في الوقت الحالي يبدو أن أبوظبي غيّرت استراتيجيتها لتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي ومؤثريها لتمرير توجهاتها.

وفقاً للبيانات، يتابع 3 من كل 4 من سكان الإمارات أحد الأشخاص المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الفئة العمرية من 18 إلى 40 عاماً.

وهذه الفئة على وجه الخصوص، فئة الشباب المواطنين، تحسب لها السلطات الأمنية ألف حساب، والتي تمتلك الجرأة على انتقاد سياسات الدولة، والمطالبة بالمشاركة في الحياة السياسية، وبتمكين “المجلس الوطني الاتحادي” (البرلمان) بأداء دوره لمصلحة الشعب وليس كأداة طيّعة لإكمال الديكور الديمقراطي للحكومة.

بالإضافة إلى انتقادها لقرارات وسياسات الحكومة، فيما يتعلق بالأوضاع المعيشية ومستقبل الوظيفة العامة، وملفات الحقوق والحريات، ومراقبة المال العام، والتطبيع مع إسرائيل.

وهذا جعل السلطات تتبني أيضا صنّاع المحتوى الرقميين الذين في موقف رمادي تجاه السياسة وتوجيههم لعدم مناقشة قضايا المجتمع والاكتفاء بالترفيه وحده.

ويكررون عبارات بأنهم ليس لديهم علاقة بالسياسة ولا شأن لهم بأي تفاصيلها، والتركيز في منصات التواصل الاجتماعي على الشغف بتحقيق الذات والطموح والاستكشاف، وتعزيز هذا الموقف الرمادي لدى المتابعين.

بموازاة ذلك عملت السلطات الأمنية على تكميم أفواه صناع المحتوى والمؤثرين ممكن يملكون ولو القليل من المبادئ والهم العام، ومن الذين يُبرزون قضايا مجتمعهم وهمومه، باشتراط حصولهم على تراخيص مقرونة بموافقة الجهات الأمنية، في محاولة لضبط تأثيرهم، ومحاربتهم قبل توسّع انتشارهم.

ودائما ما يكرر المسؤولون الحكوميون (سياسيون وأمنيون)، ضرورة تقيّد المؤثرين في الدولة بالقوانين الإلكترونية وصناعة المحتوى ووسائل الإعلام في الدولة، وهي القوانين التي تعاقب على أبسط الانتقادات، أو النشر لقصص محلية من خارج القنوات الرسمية.

كما يشددون على ما يعتبرونه الحفاظ على سمعة الدولة؛ وهي عبارة فضفاضة في قوانين الدولة سيئة السمعة تستخدمها الأجهزة الأمنية لاعتقال وتجريم المدونين على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويكرر المسؤولون خلال القمم والمؤتمرات المتعلقة بصناع المحتوى والمؤثرين على توجيههم بقوانين دولة الامارات والعقوبات المفروضة على الانتقاد، وتحذيرهم من “عدم إثارة الفتن” كما حدث في “قمة المليار متابع” التي عقدت الأسبوع الماضي.

وعلى الرغم من حجم الانفاق على هذه الصناعة –سياسياً وتجارياً- إلا أنها تعتبر ضمن “أسوأ المهن” في دولة الإمارات، وهو ما يعتبر صدمة لهؤلاء المؤثرين.

إذ تشير دراسة إلى أن 25% من سكان الدولة يرون أنهم غير جديرين بالثقة، ما يضعهم في المرتبة الرابعة بين المهن الأسوأ في الدولة.

المصدر: إمارات ليكس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق