تقارير

انتقامًا من محمد بن سلمان .. تحريض أمريكي على الانقلاب في السَّعوديَّة

انتقامًا من محمد بن سلمان .. تحريض أمريكي على الانقلاب في السَّعوديَّة

 

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

 

لم يعد خافيًا على أحد تفاقُم حالة التَّوتُّر في العلاقات السَّعوديَّة-الأمريكيَّة في الفترة الأخيرة، لا سيِّما بعد رفْض وليِّ العهد السَّعودي، الأمير محمَّد بن سلمان، طلب إدارة الرَّئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، زيادة إنتاج النَّفط، بعد اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة أواخر فبراير الماضي، وتعنُّته في موقفه، برغم الوساطات الدُّوليَّة. تعرَّضت العلاقات التَّاريخيَّة بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والسَّعوديَّة لأزمة كبيرة، منذ وصول بايدن إلى سُدَّة الحُكم في يناير 2021م، بعد استخدامه ورقة ملفّ مقتل الصُّحافي السَّعودي، جمال خاشقجي، في أكتوبر من عام 2018م في ابتزاز وليِّ العهد، بل وحتَّى من قبل تسلُّمه السُّلطة رسميًّا، بأن انتقد انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة النَّفطيَّة، وهدَّد بتحويلها إلى جزيرة منبوذة. من ناحيته، نفى الأمير محمَّد بن سلمان، في حوار له مع مجلَّة ذا أتلانتيك الشَّهريَّة الأمريكيَّة (The Atlantic) نُشر مطلع مارس الماضي، أيَّ علاقة له بمقتل خاشقجي في قنصليَّة بلاده، في مدينة إسطنبول التُّركيَّة، بل ونفى حتَّى الاطِّلاع على مقالاته، كما لم يجد حرجًا في التَّصريح بعدم اهتمامه برأي الرَّئيس الأمريكي في علاقته بمقتل الصُّحافي، الَّذي كان يعمل بإحدى الصُّحف الأمريكيَّة، ولم يكن مواطنًا أمريكيًّا.
وقد نشرت صحيفة وول ستريت جورنال في 19 أبريل الجاري مقالًا تحت عنوان “كيف وصلت العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة على شفير الانهيار”، كشفت فيه عن انفعال وليِّ العهد الشَّاب في حديثه مع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، في زيارته للمملكة في سبتمبر الماضي، عند حديث الأخير عن ملف خاشقجي. وقد قارن البعض بين موقف الأمير محمَّد بن سلمان من إدارة بايدن في رفْضه زيادة إنتاج النَّفط وموقف عمِّه، الملك فيصل بن عبد العزيز، من إدارة الرَّئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، أوائل سبعينات القرن العشرين، لمَّا حظر العاهل السَّعودي تصدير النَّفط إلى الغرب، تزامنًا مع حرب أكتوبر 1973م، احتجاجًا على الدَّعم الأمريكي لإسرائيل ضدَّ مصر، كما صُرِّح في وسائل الإعلام. ويُقال أنَّ من أهمِّ أسباب مقتل الملك فيصل غيلة، على يد أحد أبناء إخوته كان يعيش بأمريكا، كان الانتقام منه على تحدِّيه الإدارة الأمريكيَّة بشأن تصدير النَّفط. وازدادت الأمور تعقيدًا بين الولايات المتَّحدة والسَّعوديَّة مؤخَّرًا، بعد تردُّد أقاويل عن نيَّة المملكة الاستغناء عن الدُّولار في بيع النَّفط، واستبداله بعملتها المحليَّة أو باليوان الصِّيني؛ ما قد يفضي إلى بانهيار نظام البترودولار، وينذر بردٍّ أمريكي حاسم على تصرُّفات وليِّ العهد الشَّاب المضرِّة بمصالح الولايات المتَّحدة.
تصريح رسمي: أمريكا لن تعيد طلب زيادة إنتاج النَّفط من السَّعوديَّة
صرَّح مسؤول أمريكي رفيع المستوى لصحيفة وول ستريت جورنال مؤخَّرًا بأنَّ إدارة جو بايدن لن تكرِّر محاولة إقناع السَّعوديَّة بزيادة إنتاج النَّفط؛ لسدِّ العجز النَّاتج عن فرْضها عقوبات على روسيا بحظر تصدير النَّفط الرُّوسي إلى الغرب، بعد غزو الأخير لأوكرانيا. وكما أوضح مقال الصِّحيفة الأمريكيَّة آنف الذِّكر، أضاف المسؤول الأمريكي أنَّ بلاده الآن لا تريد من المملكة سوى ألَّا تفعل ما يضرُّ بالجهود الغربيَّة في أوكرانيا، مشيرًا إلى أنَّ السَّعوديَّة من بين الدُّول الَّتي لم تفرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا. لم تكتفِ السَّعوديَّة والإمارات برفض زيادة إنتاج النَّفط لتخفيض سعر البرميل من جرَّاء أزمة الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، بل حرص وليِّ العهد السَّعودي على تطمين الرَّئيس الرُّوسي، فلاديمير بوتين، بشأن عدم تأثُّر تعاوُن بلديهما في شتَّى المجالات بالحرب المشتعلة في أوكرانيا، في مكالمة أجراها معه حديثًا، وفق ما أعلنته وكالة الأنباء السَّعوديَّة “واس”. وفي تعزيز المملكة النَّفطيَّة تعاونها مع روسيا والصِّين ما يؤكِّد وصول الأمريكيَّة-السَّعوديَّة إلى “شفير الانهيار”، كما يذكر مقال وول ستريت جورنال؛ وفي ذلك ما يثير تساؤلات عن كيفيَّة تعامُل إدارة بايدن مع تلك الأوضاع الجديدة في منطقة الشَّرق الأوسط، بعد خسارة أهمِّ حليف لأمريكا.
تحريض إعلامي على إيقاف الحماية الأمريكيَّة للسَّعوديَّة
كما هو معروف، بدأ التَّحالف الأمريكي-السَّعودي بإبرام اتِّفاق كوينسي (Quincy Pact)، في 14 فبراير 1945م بين الملِك عبد العزيز آل سعود، مؤسِّس السَّعوديَّة، والرَّئيس الأمريكي الأسبق، فرانكلين روزفلت، الَّتي تنصُّ على منْح الولايات المتَّحدة السَّعوديَّة الحماية غير المشروطة، في مقابل تصدير النَّفط السَّعودي للولايات المتَّحدة بما يفي بحاجاتها. غير أنَّ إدارة بايدن تقاعست نوعًا ما في توفير الحماية للسَّعوديَّة في مواجهة الهجمات الحوثيَّة المتزايدة، بل وأقدمت رفْع الجماعة الشِّيعيَّة المدعومة من إيران من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة بمجرَّد وصولها إلى السُّلطة مطلع عام 2021م؛ ما دفع السَّعوديَّة إلى اتِّخاذ موقفها السَّلبي من إدارة بايدن. ويبدو أنَّ الإعلام الأمريكي بدأ يمهِّد لفرْض الإدارة الأمريكيَّة عقوبات تأديبيَّة على المملكة، ردًّا على تحدِّي وليِّ العهد طلبات بايدن. فبعد أن نشرت مجلَّة السِّياسة الخارجيَّة (Foreign Policy) في 22 مارس الماضي مقالًا تحت عنوان “Biden Should Punish Saudi Arabia for Backing Russia”، أو بايدن ينبغي أن يعاقب السَّعوديَّة لدعمها روسيا، بقلم خالد الجبري، نجل المسؤول الأمني السَّعودي الهارب سعد الجبري، نشرت صحيفة شيكاغو تريبيون (Chicago Tribune) في 21 أبريل الجاري مقالًا تحت عنوان ” It’s time to leave Saudi Arabia to the wolves”، أو حان الوقت لترك السَّعوديَّة للذِّئاب. ينتقد مقال شيكاغو تريبيون موقف السَّعوديَّة الدَّاعم لروسيا في غزوها أوكرانيا، ويدين رفْضها زيادة إنتاج النَّفط لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي، مع إثارة مسألة انتهاك حقوق الإنسان، لا سيِّما المرأة. يصف المقال في مستهلِّه التَّحالف طويل الأمد بين الولايات المتَّحد والسَّعوديَّة بأنَّه صار بمثابة “صفقة مع الشَّيطان”، حان الوقت للتَّخلُّص منها. ويضيف المقال أنَّ الدَّعم العسكري الأمريكي للمملكة، سواءً بتمرير صفقات شراء الأسلحة أو تزويدها بالمعدَّات اللازمة لمواجهة الاعتداءات الحوثيَّة، لم يفلح في إقناع وليِّ العهد الشَّاب بضرورة الاستجابة لطلب إدارة بايدن زيادة إنتاج النَّفط. وفي الختام، يرسل مقال شيكاغو تريبيون تهديدًا مبطَّنًا للسَّعوديَّة بأنَّها إن لم تتراجع عن موقفها الدَّاعم لروسيا والمعادي للمصالح الأمريكيَّة، فعلى الجانب الأمريكي حينها إعادة النَّظر في تحالُف “أبدًا لم يؤتِ أكله”.
هل تخطِّط أمريكا للانقلاب على وليِّ العهد السَّعودي؟
أعيدت إلى الواجهة مؤخَّرًا علاقة الودِّ والألفة والدَّعم غير المشروط الَّتي ربطت الأمير محمَّد بن سلمان بإدارة الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب، وبخاصة مع مستشار ترامب وصهره، السِّياسي ورجل الأعمال اليهودي جاريد كوشنر، بعد أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز في مارس الماضي مقالًا أشارت فيه إلى تلقِّي الأخير من ابن سلمان مبلغ ملياري دولار أمريكي من صندوق الاستثمار السِّيادي السَّعودي؛ لتأسيس شركة للأسهم الخاصَّة. أثار ذلك النَّبأ أقاويل عن دعْم ابن سلمان عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في حال خاض الانتخابات الرِّئاسيَّة عن الحزب الجمهوري، في مواجهة بايدن، مرشَّح الحزب الدِّيموقراطي، عام 2024م، أملًا في استعادة الدَّعم الأمريكي عند إعلانه ملكًا بعد وفاة أبيه. فقد عُيِّن الأمير الشَّاب في منصبه بعد زيارة ترامب التَّاريخيَّة إلى المملكة في مايو 2017م بأسابيع قليلة، وقيل إنَّ الرَّئيس الأمريكي السَّابق تقاضى مقابل دعْم الانقلاب على وليِّ العهد السَّعودي السَّابق، الأمير محمَّد بن نايف، مبلغًا طائلًا. وكما نشرت صحيفة الغارديان البريطانيَّة في 24 أبريل الجاري، يعقد الأمير محمَّد بن سلمان أملًا كبيرًا على عودة ترامب إلى الحُكم، ويقدِّم لذلك الدَّعم المالي لحملته في صورة استثمار في شركة الأسهم الَّتي أسَّسها صهره كوشنر تحت اسم Affinity Partners، لكنَّ نوَّاب ديموقراطيون في الكونغرس الأمريكي يطالبون بفتح تحقيق بشأن تلقِّي كوشنر تلك الأموال؛ ما قد يأتي بنتائج عكسيَّة للدَّعم المالي السَّعودي لمساعي عودة ترامب!
يجدر التَّذكير بأنَّ محمَّد بن نايف، المعتقل منذ أكثر من عامين، ربطته علاقات قويَّة بإدارة باراك أوباما، الَّتي شغل فيها بايدن منصب نائب الرَّئيس، وقد أثار صحيفة نيويورك تايمز في يناير الماضي مسألة تعرُّض ابن نايف للتَّعذيب الشَّديد في محبسه. وقد نشرت الصَّحيفة الأمريكيَّة تقريرًا عن احتجاز وليِّ العهد السَّابق، جاء فيه ” بعد تنحيته وضع الأمير محمد بن نايف قيد الإقامة الجبريَّة حتى مارس 2020، حينما تم اعتقاله واحتجازه. في بداية احتجازه كان الأمير محمد بن نايف محبوسا في غرفة انفراديَّة وحُرم من النوم، وتم تعليقه بالمقلوب من كاحليه”. واستكمالًا للحملة الإعلاميَّة لإثارة التَّعاطف تجاه ابن نايف وشيطنة ابن سلمان، نشرت الصُّحافيَّة الأمريكيَّة، بريطانيَّة الأصل، فيكي وارد على موقعها الرَّسمي للتَّحقيقات الصَّحفيَّة في 19 أبريل الجاري تحقيقًا، أشارت فيه إلى ورود تسريبات تفيد بتآمر ابن سلمان مع كوشنر ضدَّ ابن نايف لإزاحته من ولاية العهد. حصلت وارد على نسخة من الشَّكوى المعدَّلة الَّتي قدَّمها سعد الجبري إلى القضاء الأمريكي، متِّهمًا الأمير محمَّد بن سلمان بمحاولة قتله، وهي تتضمَّن صور لمكالمات نصيَّة تكشف تخطيط ابن وسلمان وصهر ترامب الإطاحة من ابن نايف من ولاية العهد قبيل زيارة ترامب في مايو 2017م. ومن المثير للاهتمام أنَّ الصُّحافي جوناثان آلتر، محلِّل قناة MSNBC الأمريكيَّة، قد كشف عن أنَّ المقابل الَّذي حصل عليه كوشنر من ابن سلمان لم يكن ملياري دولار، إنَّما 10 مليارات!
ونتساءل: هل تسعى إدارة بايدن إلى تبرير عقابها لوليِّ العهد السَّعودي الشَّاب بفتح ملفِّ تآمره للوصول إلى منصبه؟ إذا صدقت نظريَّة المؤامرة، هل يستحق ابن سلمان العقوبة الأمريكيَّة لتحدِّيه الإدارة الأمريكيَّة، كما فعل عمُّه الملك فيصل بحظر تصدير النَّفط إلى الغرب بتدبير اغتياله عام 1975م، وكذلك الرَّئيس العراقي الأسبق صدَّام حسين باتِّجاهه إلى التَّعامل باليورو في بيع النَّفط بالإطاحة به عام 2003م؟

 

المصدر: رسالة بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق