تقارير

“الطائش القاتل”.. لا يمكن ل”ابن سلمان” النجاة من مقتل “خاشقجي”

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث- خاص

حكمت محكمة سعودية تابعة للديوان الملكي بنجاة “الحلقة” المقربة من ولي العهد محمد بن سلمان في قتل جمال خاشقجي الصحافي السعودي البارز، من بينهم سعود القحطاني وأحمد عسيري. كما أن القضاء السعودي تجاهل ارتباط “ابن سلمان” بإصدار أوامر القتل وإخفاء الجثة.

قُتل جمال خاشقجي بطريقة بشعة في قنصلية المملكة باسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ومنذ ذلك الوقت حاول ولي العهد الفرار والتنصل من الجريمة البشعة مع أن كل الأدلة تثبت تورطه وتورط السلطات في تلك الجريمة الوحشية التي لا تعني السعودية فقط بل الضمير الإنساني العالمي.

إن فرار القاتل الحقيقي والحلقة الضيقة من المقربين من الإدانة في قضية جمال خاشقجي يبعث برسالة إلى أن “الطائش القاتل يمكنه ارتكاب الجرائم والإفلات من العقاب” حسب ما اشارت “واشنطن بوست” في افتتاحية يوم الثلاثاء الماضي.

 عثرات وفجوات

إطاعة الأوامر: حسب الأمم المتحدة فإن المتهمون الـ18 بقتل جمال خاشقجي كانوا يكررون في التحقيقات أنهم كانوا يطيعون الأوامر، بمعنى أنهم كانوا يتبعون تسلسلاً يصل إلى أعلى قيادة في السلطة وهم من “الحلقة الضيقة” التابعة لولي العهد محمد بن سلمان لذلك فإن من المفترض أن يخضع ولي العهد إلى التحقيق والمحاكمة أسوة بالجميع، لا أن يخرج أبرز تابعيه ويحكم على الأخرين بالإعدام.

الإفلات من العقوبة: ظهرت القنصلية كمسرح للجريمة، وفي الأيام التالية ظهر القنصل السعودي محمد العتيبي يقوم بفتح الأبواب وأدراج المكاتب بحثاً عن “جمال خاشقجي” لكنه نجا من الإدانة، مع مشاركته الفاعلة في مسرح الجريمة وتحويل القنصلية إلى مكان لذبح أبناء بلده وتقطيعهم وحرصه الكبير على عدم وجود شاهد في مسرح الجريمة. سعود القحطاني مستشار “محمد بن سلمان” والذي أمرَّ باختطاف جمال خاشقجي نجا من الإدانة، بل يبدو أنه لم يتم اعتقاله.

الجثة: لا يوجد حتى الآن إشارة إلى مكان جثة “جمال خاشقجي” ويبدو أن هذا اللغز سيستمر طويلاً، إلا إذ كشف عنه من أمر بالقتل وأخفى الجثة -إن كانت موجودة- وهو لي العهد محمد بن سلمان.

حادث أم نيّة: عندما تم الإعلان عن مقتل جمال خاشقجي في القنصلية تم تداول عديد روايات من قِبل السلطة إحداها أنه جرى قتل خاشقجي بوجود نيّة القتل وأن فريق الاغتيال غادر الرياض إلى إسطنبول بنيّة قتله. لكن القاضي بدا أنه خلص إلى أن مقتل السيد خاشقجي كان حادثا وأنه لم تكن هناك نية، لكنه مع ذلك حكم على المتهمين بعقوبة الإعدام. وعقوبة الإعدام يجب تُفرض فقط في ظل أكثر الظروف صرامة للمحاكمة العادلة، واحدها ينطبق على القتل العمد- كما تشير بذلك الشريعة الإسلامية. وكررتها أغنس كالامار مقررة الأمم المتحدة المعنية بالإعدامات التعسفية والمنفذة خارج نطاق القضاء.

وما يؤكد وجود نيّة القتل أن الأشخاص الذين نفذوا الجريمة سافروا باستخدام موارد الدولة وصفتهم الرسمية، كما أن الفريق يتضمن “وجود طبيب شرعي ضمن قائمة الفريق الرسمي الذي نفذ القتل قبل 24 ساعة على الأقل من الجريمة، ومناقشة تقطيع جمال خاشقجي قبل ساعتين من وقوعه فعليا، يشير بوضوح إلى أن القتل قد تم التخطيط له”.

في السياق ذاته كان المدعي العام -في ذروة الضغط الدولي على السعودية- قد أعلن أن مقتل جمال خاشقجي كان متعمداً، لكن ولي العهد صرح أن مقتل “خاشقجي” كان حادثاً. وهو ما استند عليه القاضي من أجل الحُكم وكأن القرار جاء من محمد بن سلمان وليس من القاضي.

تقول كالامار إن “الإفلات من العقاب على مقتل صحفي قد يكشف عادة عن القمع السياسي والفساد وإساءة استخدام السلطة والدعاية وحتى التواطؤ الدولي؛ وكل هذه العناصر موجودة في قتل جمال خاشقجي”.

 استقلال القضاء السعودي

هذا يدفعنا إلى التساؤل عن استقلال القضاء السعودي، ودور الديوان الملكي في استخدامه لصالحه والعبث به، فمعظم القوانين الموجودة في السعودية تكون بعبارات فضفاضة تقتل الحريات الأساسية كحرية التعبير، أو حرية التجمع. فالوضع في هذه المجالات قاتم للغاية، وكل النشطاء الحقوقيين السعوديين في السجن، وصدرت في حقهم عقوبات طويلة الأمد. وفي العموم لا توجد قوانين مكتوبة تنظم العقوبات. وأبرز التهم الأكثر شيوعا هي “خيانة الأمانة تجاه الحكام”. ولكن ليس هناك أية وثيقة تشرح بالضبط المقصود بذلك والعقوبات الخاصة بتلك التهمة. ليبقى الحكم مرتبطا في النهاية بالتقدير الشخصي للقاضي المُعين من قِبل السلطة نفسها بأمر ملكي (قانون القضاء “المادة 53”). كما أن الملك هو مصدر السلطات وتشريعها لذلك فهو وولي العهد من يتحكمون بكل السلطات بما فيها المحاكمة وإصدار الأحكام ما ينفي حيادية واستقلال القضاء.

هذا القضاء الذي يبرر الأحكام السياسية ويتجاهل تعذيب الناشطين واعتقالهم، هو نفسه الذي أصدر قراره في قضية “جمال خاشقجي”، ويوضح ذلك بشكل جيد مدى ارتباط القضاء بالديوان الملكيولم يسبق أن تعرض مسؤول في العائلة الحاكمة للمحاكمة إذا لم يكن الملك موافقاً حتى لو كانت الجريمة قَتل وتسبب بأضرار بالغة للدولة والمواطنين.

 في أي دولة تحترم نظامها القضائي كان سيفتح تحقيق كامل وشفاف وعلّني في سلسلة القيادة لتحديد العقول المدبرة وكذلك أولئك الذين حرضوا أو غضوا الطرف عن الجريمة البشعة بحق “جمال خاشقجي” وسيشرك المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة لمزيد من الشفافية والعلنية بما أن الجريمة وقعت خارج الحدود السعودية حتى لو كان وقوع الجريمة في “حرم القنصلية التي تعتبر أرض سعودية” إذ أن الجريمة على هذا النحو تغير اتفاقيات الدبلوماسية الدولية وتجعل من القنصليات مكاناً لممارسة القتل خارج نطاق القضاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق