تقارير

كيف تؤثر حرب اليمن على الحكم في السعودية؟!

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث – تقرير خاص

دخلت السعودية في حرب اليمن دعماً للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ضد الحوثيين المدعومين من إيران، لكن لهذه الحرب أبعاد مختلفة تتعلق بنظام الحكم في المملكة العربية السعودية.

ويمكن اعتبار العمليات العسكرية التي تقودها السعودية والتي دخلت عامها الخامس، واحدة من أبرز المحاور المؤثرة في الديوان الملكي السعودي، حيث استخدمت كأداة لإجراء تغييرات واسعة لتثبيت سلطة عائلة “سلمان” في السلطة، وهو ما سنوضحه في التقرير الحالي.

 البداية

عندما تولى الملك سلمان قيادة البلاد في 2015، تجاهل بشكل كامل هيئة البيعة، التي أنشأها الملك الراحل عبد الله من أجل تنظيم عملية انتقال السلطة. ويبدو أن ذلك إرثا ستدأب عليه عائلة الملك طوال فترة الحكم اللاحقة. وهي أحد أبرز مساوئ النظام الملكي المطلق الذي يجعل الملك وعائلته هم القانون وكلامهم واجب النفاذ والتنفيذ دون محاسبة ودون معرفة أبناء الشعب أو تنفيذ رغباتهم ورؤيتهم.

 وفور صعوده وصل نجله القريب إليه محمد بن سلمان إلى منصب وزير الدفاع. والأمير محمد لم يكن معروفاً ولا يمتلك أي خبرات عدا كونه نجل الملك المُحبب. لذلك أراد “ابن سلمان” إثبات فائدته وأحقيته بالمنصب فأعلن حرباً ضد الحوثيين، لإبراز نفسه داخل العائلة الحاكمة التي تعاني من تجريف نفسها ومشكلات لا حصر لها بسببه. لكنه دفع الاقتصاد إلى الهاوية إذ يكلف الميزانية السعودية أكثر من 200 مليون دولار يومياً كنفقات لهذه الحرب. كما أدت الحرب إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم -حسب الأمم المتحدة- ودفعت بثلثي اليمنيين إلى حافة المجاعة. وهو ما يجعله متهماً بجرائم حرب حسب تقارير الأمم المتحدة.

 مراهق يشعل غضب أقاربه

إن طموحات “ابن سلمان” وأسلوب المراهقين الذي ظهر في حرب اليمن أكد للمسؤولين الوسطيين والمراقبين أنه يدفع المملكة إلى “جحيم” سيء من أجل إشباع هذا الطموح والغرور. حيث قام “ابن سلمان” بتجميع السلطة بيديه بمبرر استمرار الحرب ضد الحوثيين بمباركة والده الملك، وهذه المركزية في السلطة كانت سببًا في إثارة غضب الشعب السعودي والكثير من أقاربه، واختلاف الكثيرين حوله.

ورغم أن قراءة الخيوط المتشابكة للعائلة المالكة أشبه بمحاولة الدوران داخل غرفةٍ مليئةٍ بالمرايا، يرى كثيرٌ من المسؤولين الأمريكيين والسعوديين أن ابن سلمان قد اتّخذ خطوات الوصول إلى الحكم منذ وصوله إلى منصب وزير الدفاع وقيادة الحرب في اليمن للتخلص من خصومه. فبدأ باستهداف عمّه الأمير مقرن وحصل على منصب “وليّ وليّ العهد” ثم توجه لإزاحة وليّ العهد– ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي يبلغ من العمر 57 عامًا – من المشهد السياسي، بعد أشهر من خلافات الرجلين حول إدارة “ابن سلمان” للحرب في اليمن[1]. ليمهّد لنفسه الطريق ليكون الملك القادم للسعودية. أما الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز فقد عانى منذ وفاة والده فقد تم تجريده تدريجياً من مناصبه وتم إرسال القوات التي كان يرأسها إلى الحدود اليمنية لتهلك في حروبها مع الحوثيين حتى تكون بعيده عن العاصمة خوفاً من أي انقلاب قد يخطط له أقاربه. وكان “متعب” ضمن عشرات آخرين من أفراد العائلة الحاكمة سجناء في “الريتز” عام 2017، التي فاقمت العلاقة وسط العائلة.

وإذا قُدّر لخططه بالوصول إلى سدة الحكم -وهو الآن حاكم فعلي للمملكة، فستكون سابقةً في تاريخ البلاد التي ستشهد للمرة الأولى ملكًا شابًّا قد يبقى على سُدة الحكم عقودًا طويلة، دون تأييد من معظم العائلة الحاكمة وإشعال الحروب دون معرفة كيف إغلاقها ولا تحديد جدول لإنهائها ولا التعامل مع النتائج المترتبة عليها.

 استخدام المشاورات مع الحوثيين

لم تكن حرب اليمن ذات تكاليف اقتصادية فقط، بل أظهرت فشل إدارة “ابن سلمان” وتوقعات الحرب السيئة التي أغرقت المملكة في مستنقع حرب مستمرة أصبح من الصعب الخروج منها وتسببت في قتل آلاف الجنود السعوديين على الحدود. كما تعرضت المملكة لمئات الصواريخ الحوثية الباليستية والطائرات بدون طيار الانتحارية -ذات المنشأ الإيراني- حتى وصلت إلى الرياض العاصمة وموانئ ومنشآت النفط. وكان الهجوم الأخير في سبتمبر/أيلول 2019 على منشأتي النفط في “خريص وبقيق” كبيراً وواسعاً يتجاوز بكثير مخاوف الديوان الملكي، إذ كانت تقتصر تلك المخاوف على استهداف المحافظات الحدودية وفي أبعد مدى “مكة المكرمة”. وهو ما اشتكى منه الملك سلمان قبل أيام من إطلاق الحرب ضد الحوثيين (مارس/آذار 2015)  لوزير الخارجية الأمريكي الزائر آنذاك جون كيري من أن هجمات بصواريخ “سكود” على مكة التي تقع على بُعد 350 ميلاً شمال الحدود اليمنية[2]. أمّا الرياض فتبعد أكثر من 700 ميل من اليمن. بينما تبعد خريص وبقيق أكثر من 1000 ميل.

ويشكّل الهجوم الأخير فرقاً كبيراً يوحي بتقدّم تقني سريع ومهمّ للحوثيين، وهو ما أجبر الديوان الملكي على رفع راية الاستسلام والذهاب في مفاوضات مع الحوثيين بالعاصمة العُمانية مسقط. الذي يبدو أنها أصبحت ذات فائدة للرياض بعد أن ظلت غاضبة طوال سنوات الحرب الخمس لرفض السلطان قابوس المشاركة ضمن تحالف المملكة ضد الحوثيين واكتفت بكونها وسيط في الدوائر الخلفية.

لكن ذلك لم يكن بعيداً عن تشكيل الحُكم وسيطرة عائلة الملك سلمان على السلطة. فقد جرى تعيين خالد بن سلمان (شقيق محمد بن سلمان) سفيراً في واشنطن وبعد فشله وسوء السمعة التي لطخته بعد القتل الوحشي لجمال خاشقجي، أصبح نائب وزير الدفاع مسؤول ملف اليمن شكليا، وهو من يقود ظاهريا المشاورات مع الحوثيين في مسقط. وزاد من فرص “خالد” أنه ظهر إعلاميا في توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمن المعترف بها دولياً والانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات. على الرغم من أن الاتفاق لم يتم تنفيذه وفق الجدول الزمني الذي وضعته المملكة، وقد يخفق.

ومن الواضح أن “خالد بن سلمان” الأمير البالغ من العمر 31 عامًا يهدف من خلال تحركه إلى إثبات فائدته للعائلة وخاصة لوالده الملك، وشقيقه “محمد” الذي سيكون ملك السعودية القادم وسيحتاج “ولي عهد جديد” وقد يتم تعيينه “ولياً لوليّ العهد” في وقت مبكر.

ومحصلة القول أنه أصبح من الواضح أن عائلة الملك سلمان بن عبدالعزيز، باتت تسيطر على معظم الأجهزة الأمنية، والسلطة الاقتصادية والعسكرية، وتسعى لوراثه الجيل الثاني للحكم في السعودية لكن ذلك لن يمنع من حدوث انشقاقات بين أبناء العمومة وسيسبب ذلك أزمات متعددة للسعوديين الذين يجري ابعادهم تماماً عن مناقشة أي أمر يتعلق بمصيرهم كشعب ومصير بلادهم وثرواتهم.

 ـــــــــــــ ـــــــ

[1]Rise of Saudi Prince Shatters Decades of Royal Tradition https://www.nytimes.com/2016/10/16/world/rise-of-saudi-prince-shatters-decades-of-royal-tradition.html

[2]The Rising Menace From Disintegrating Yemen  https://www.wsj.com/articles/simon-henderson-the-rising-menace-from-disintegrating-yemen-1427153488

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق