تقارير

كيف يُدير الديوان الملكي أسس الدكتاتورية الحديثة القائمة على المراقبة والتجسس وإغراق الناس بالرعب؟!

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

يُقدم الديوان الملكي دروساً “شيقة” للمستبدين والطغاة عن أسس الدكتاتورية الحديثة القائمة على “التجسس” والمراقبة والاعتقالات التعسفية، إلى جانب موجة من إغراق الناس بالرعب والخوف من الانتقاد. فالدولة التي يفترض أنها حامية للشعب ومصدر الأمن وأساس حمايته تتفنن في إرهاب المجتمع وإخافته وفرض الرقابة عليه.

منذ ظهوره عام 2015 ووصوله لاحقاً إلى منصب ولاية العهد ازدادت شراسة المملكة ضد مواطنيها في مراقبة الانترنت وشبكات التواصل بشكل خاص. ومن مخبئه يقود تلك الحملة من المراقبة والتتبع “سعود القحطاني” المستشار السابق لـ”ابن سلمان” الملقب بـ”أمير الظلام”، وقاد جيشا على تويتر، أطلق عليه ناشطون “الذباب الإلكتروني”، مهمته على مدار اليوم تتبع المنتقدين، وشن موجات من الإهانات والتهديدات الموجهة إليهم، وأيضا نشر تغريدات تمجد الملك سلمان ونجله.

يُشار إلى أن أمن الدولة أصدر مقطع فيديو بصوت الإعلامي الحكومي عبد الرحمن البشري، يؤكد فيه أن كل وسائل التواصل بجميع أنواعها تحت المراقبة وأن الدولة تعرف كل شخص يستخدم هذه التواصل باسمه وعنوانه؛ مما اعتبره حقوقيون ومراقبون تهديدا مباشرا للشعب السعودي بغرض إرعابه وإسكاته عن أي نقد او مطالبة

 رعب الاحتجاج عبر التدوين

وبشكلٍ رسمي لجأت السلطات السعودية إلى إنشاء قطاع في وزارة الداخلية متخصص في “الأمن السيبراني”، وهو الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة، وتم تخصيص إدارة من هذا الاتحاد لمراقبة حسابات شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تكون مهامها رصد “الهاشتاجات” و”التريندات”، واستخراج أسماء المستخدمين، وجمع أكبر معلومات عنهم من “البروفايل” الخاص بكل منهم. ثم يتم التعامل معهم بطريقين:

الأولى: يتعلق بالحسابات التي يجري بثها من داخل الدولة، حيث يلقى القبض على أصحاب هذه الحسابات ومحاسبتهم. وقد تم بالفعل اعتقال أعداد من العاطلين المشاركين في وسم (تجمع العاطلين).

الثانية: مطاردة من يوجدون خارج الدولة ومعاقبتهم في حقوقهم الإنسانية أو في عائلاتهم، أو “اغتيالهم” كما حدث مع الصحافي جمال خاشقجي.

إن الاحتجاج عبر تويتر زاد من مخاوف السلطات بعدم إمكانية السيطرة عليه وتحوله إلى “ثورة” ضده كما حدث أثناء الربيع العربي عام 2011، ويحدث الآن في موجته الثانية في الجزائر والعراق ولبنان والسودان.

ويمكن الإشارة إلى عدة مواضيع يتم إثارتها تثير غضب الديوان الملكي أعلى هيئة موجودة داخل البلاد:

  • انتقاد ولي العهد: إن انتقاد ولي العهد بصفته الاعتبارية من قِبل المواطنين السعوديين جريمة عظيمة لا يمكن غفرانها، وقد تم تصنيفها ضمن لائحة الإرهاب، ويتعرض من ينتقد “ابن سلمان” للسجن والتعذيب والتغييب لسنوات، حتى لو كان الأمر تلميحاً على سبيل المثال الشيخ سلمان الدويش أبرز المختفين قسرياً في البلاد حتى الآن (اعتقل في 2016)، وسط شكوك حول تعرضه للقتل بعد سلسلة من عمليات التعذيب على يد الأمنيين التابعين لولي العهد. وكان الدويش، قد اعتقل عقب سلسلة تغريدات ألمح فيها تلميحاً فقط إلى الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله، محذراً إياه من منح الثقة لابنه محمد، ووصفه ب”المراهق المدلل”. وتقول التغريدة “لا تفرط في منح ابنك المراهق المدلل مزيدا من الثقة والصلاحيات دون مراقبة ومحاسبة، وإلا فانتظر كل يوم فاجعة تأتيك منه حتى تهدم بيتك”.

كما أن انتقاد أيٍ من أفراد العائلة الحاكمة المقربين من “ابن سلمان” سيؤدي إلى نفس العواقب، يشمل ذلك المقربين الأخرين من ولي العهد مثل رئيس هيئة الترفيه تركي الشيخ.

  • المطالبة بحقوق الإنسان: حيث جرى اعتقال عشرات المدونين والناشطين الحقوقيين بسبب مطالبتهم بالحق في حرية الرأي والتعبير وهو أمرٌ تعتبره السلطات جريمة يجب المحاسبة عليها.
  • انتقاد هيئة الترفيه: تواجه هيئة الترفيه والانحلال الذي تُقدمه في المملكة بما يتناقض وعادات وتقاليد المجتمع وطبيعة المملكة الحاضنة لبلاد الحرمين انتقادات شديدة من السعوديين، لكن السلطات بدلاً من استماع رأي المجتمع فيما يمس عاداته وتقاليده تقوم باعتقال من ينتقد كل ذلك، حتى لو كان شيخاً قبلياً بارزاً مثل شيخ قبيلة عتيبة فيصل بن حميد.
  • المطالبة بالوظائف: يُعتبر مطالبة السعوديين بأي حقوق بسيطة بما فيها الغضب من عدم وجود وظائف في المملكة للعاطلين جريمة تستوجب العقاب. وظهر ذلك واضحاً في هاشتاقات العاطلين عن العمل في السعودية، من بينها “تجمع_العاطلين_السعوديين” الذي تجاوزت حملته حتى الآن الرقم 58 وتصدر الترند في الأشهر الماضية حيث جرى اعتقال العشرات من المدونين، وتم تغييبهم في السجون كما تقول عائلاتهم.
  • انتقاد رؤية 2030: إن انتقاد رؤية 2030 التي فشلت حتى الآن في تحقيق أي انجاز؛ يؤدي إلى اعتقال الأشخاص، من بين هؤلاء المعتقلين الخبير الاقتصادي البارز عصام الزامل، والكاتب الصحفي جميل فارسي.

إضافة إلى ذلك هناك عديد من الأسباب للاعتقال من بينها وجود أي انتقاد في تاريخ الكاتب أو المدون للسلطات السعودية في العقدين الماضيين أو تأييد الربيع العربي، وهي الحملة التي قامت بها السلطات الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني. ويدخل ضمن الأسباب أي تلميح بالثناء على قطر أو تركيا، أو أي نقد ل”عبدالفتاح السيسي”.

ومعظم هذه الأسباب تثير الرعب لدى “ابن سلمان” إذ أنها تشير إلى فشل خططه المستقبلية، وتراجع قوته وتأثيره داخل العائلة الحاكمة أولاً، وبين السعوديين ثانياً، وثالثاً أمام العالم. ف”ابن سلمان” لم يحقق أي انجاز أو انتصار منذ 2015 إلى اليوم.

 كيف يحاول الطغاة الاستفادة من الانترنت؟!

منحت شبكات التواصل الاجتماعي الشعوب في الدول المستبدة منبرًا للتعبير عن آرائهم، مثل السعودية، لكنها جعلت في الوقت ذاته الناس تحت المجهر طيلة الوقت، وجعلها تحت مراقبة السلطة وهيئاتها المشكلة مثل الهيئة الموجودة في وزارة الداخلية وتتبع الديوان الملكي.

لذلك حاول الديوان الملكي- الذي يمثل العمود الفقري للسلطة المستبدة- استخدام الانترنت وشبكات التواصل على وجه التحديد كأداة محورية للتأثير على المجتمع وإغراقه بالخوف و”الرُهاب”، مستخدماً أدوات التجسس وتقنيات النشر وإغراق الحملات التي تنتقده بالثناء والمديح، أو إطلاق “هاشتاقات” بمعاني سيئة أو تافهة لا تمثل السعوديين لتتصدر الترند أو يتم احداث تغيير بسيط في الهاشتاقات المعارضة من أجل إخفاء الهاشتقات الأصلية، ويساند ابن سلمان في ذلك شركة التجسس الإسرائيلية “أن أس أو” ومكتب تويتر العربي الذي مقره دبي.

ويقول داريل ويست، مدير مركز الابتكار التكنولوجي في معهد بروكنجز “هذه الأدوات تسهل على السلطات متابعة ما يحدث، والتأثير على تدفق المعلومات، وتهميش الأصوات المنشقة. في الوقت ذاته.. يصبح أسهل عبر وسائل التواصل الاجتماعي استغلال الانقسامات المجتمعية، ويصبح أصعب حشد الناس سويًا لتحقيق هدف مشترك”.

وعلى الرغم من كل هذا القمع إلا أن أصوات السعوديين مستمرة في الانتقاد والاحتجاج. لكن في نفس الوقت فإن هذه الشبكة القمعية من المراقبة والمطاردة تعني أن على الناشطين توخي الحذر واستخدام أدوات السلامة خوفاً من تعرضهم للمراقبة والتجسس.

على أن من المعلوم تقنيا أنه لا يمكن متابعة كل شخص، خاصة مع استعمال برامج VIPوأمثالها، وهو ما يعمد اليه كثير من النشطاء في الداخل، إضافة إلى إمكانية إرسال التغريدات لأصدقاء في الخارج يقومون بالكتابة في الحسابات التي تظن الدولة أنها تحت رقابتها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق