أبحاث ودراسات

دراسة: قمة أبوظبي تحالفات جديدة وخلافات سعودية متجددة

دراسة: قمة أبوظبي تحالفات جديدة وخلافات سعودية متجددة

أصدر المركز الخليجي للتفكير دراسة تحليلية تناولت قمة أبوظبي الأخيرة التي جمعت زعماء عرب وكرست خلافات متجددة بين الإمارات والمملكة العربية السعودية.

وبحسب الدراسة جاءت قمة أبوظبي الأخيرة لتكشف جانباً من مسار العلاقات الإماراتية – السعودية في الآونة الأخيرة، فقد استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة في عاصمتها أبوظبي، يوم الأربعاء 18 يناير الماضي، قمة أبوظبي التشاورية المصغرة تحت عنوان “الازدهار والاستقرار في المنطقة”.

وضمّت القمة قادة أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، هي الإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان، إلى جانب الرئيس المصري وملك الأردن. بينما تغيبت كل من السعودية والكويت عن حضور القمة.

وتشهد السياسة الخارجية الإماراتية في الآونة الأخيرة تحولاً كبيراً فبعد عقد كامل من التدخلات الخارجية الخشنة بدأت تغير نهج سياستها إلى الدبلوماسية الناعمة معتمدة في ذلك على فوائضها النفطية وارتفاع أسعار النفط إثر الحرب الروسية – الأوكرانية.

فانتهجت سياسة “صفر مشاكل” خاصة أن الساحة في ظل متغيرات عديدة باتت أكثر تهيؤاً لهيمنة إقليمية إماراتية في ظل تراجع العديد من الدول التقليدية مثل مصر والأردن، وفي الظل تتصاعد حدة منافستها للهيمنة الإقليمية مع المملكة العربية السعودية.

أولاً: – قمم متلاحقة وتحالفات جديدة

تأتي قمة أبوظبي التشاورية في سياق نشاط دبلوماسي ملحوظ للإمارات للتأكيد على دورها الإقليمي المحوري؛ حيث سعت أبو ظبي إلى تكثيف مشاركتها في المبادرات والتكتلات الإقليمية في الفترة الأخيرة والتي منها قمة النقب وقمة العلمين.

كما عززت علاقاتها مع دمشق لتصبح بوابتها لعودة دمج سوريا في النظام العربي والإقليمي، وكذلك اتجهت أبوظبي إلى سياسة أكثر مرونة تجاه الأزمة الليبية، كما سعت لتطوير علاقتها مع تركيا بعد سنوات من الصراع.

واستهدفت الإمارات من خلال تلك القمة بصورة أساسية مناقشة الأوضاع الاقتصادية في مصر والأردن، والمخاوف المرتبطة بها على الاستقرار الداخلي في كلا البلدين؛ حيث تأتي مصر والأردن في مقدمة دول المنطقة الأكثر تضررا اقتصاديا.

ويعاني كلا البلدين من تحديات اقتصادية معقدة يصاحبها تزايد مخاطر الاضطرابات اجتماعية، وهو الأمر الذي قد ينعكس على الاستقرار في المنطقة، خاصة في حالة مصر التي تنظر إليها الإمارات باعتبارها حجز الزاوية للاستقرار الإقليمي إلى جانب كونها بمثابة سوق كبير للاستثمارات الإماراتية وتابع استراتيجي مهم.

ووفقاً لوكالة “وام” الإماراتية فإن اللقاء هدف إلى ترسيخ التعاون وتعميقه بين هذه الدول في جميع المجالات التي تخدم التنمية والازدهار والاستقرار في المنطقة، وذلك عبر مزيد من العمل المشترك والتعاون والتكامل الإقليمي.، وبحث القادة، وفق وام، العلاقات الأخوية بين دولهم، وعددا من القضايا والتطورات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك والتحديات التي تشهدها المنطقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وأكدوا أهمية تنسيق المواقف وتعزيز العمل العربي المشترك في التعامل مع هذه التحديات بما يكفل بناء مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا لشعوب المنطقة كافة.

وأتت القمة غداة عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفلسطيني محمود عباس وعاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، قمة بشأن القضية الفلسطينية دعوا خلالها إسرائيل إلى التوقف عن إجراءاتها “اللاشرعية” بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى ومقدسات القدس.

ويرى بعض المراقبين أن الإمارات تهدف من هذه القمة إعادة رسم تحالفات المنطقة وتأكيد هيمنتها الإقليمية، فقد انتهى محور مواجهة الثورات والذي ضم (مصر السعودية الإمارات البحرين) فقد نجح نسبياً في تجاوز مرحلة الربيع العربي، والذي استطاعت الإمارات من خلاله تحقيق دور إقليمي فعال.

وفي ظل متغيرات عديدة أصبح هذا التحالف من الماضي خاصة في ظل ارتفاع حدة التنافس بين قطبيه الرئيسيين “الإمارات – السعودية”، فقمة أبوظبي وضعت أسس محور عربي جديد، مستبعدة حليفتها السابقة “السعودية” عن هذا المحور.

تسعى الإمارات في السنوات الأخيرة لبلورة دورٍ إقليمي يستفيد من كل التناقضات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تراجع فيه دور مصر على المستوى العربي وانكفأت فيه سوريا والعراق واليمن في مشاكلها الداخلية، انفتح الباب أمام الإمارات لأن تملأ الفراغ الذي تعيشه المنطقة، وهذا الفراغ لم يكن مَلؤه ممكنا دون تشكيل تحالفات وتوازنات براجماتية جديدة.

ثانياً: – غياب يكشف الصراعات

يشير التغيب السعودي عن قمة أبوظبي إلى أن العلاقات السعودية الإماراتية ليست على ما يرام، حيث تواصل المملكة جهودها لتعزيز موقع الرياض كمركز للمال والأعمال في المنطقة على حساب أبوظبي. ويتزامن تصاعد التنافس الاقتصادي بين البلدين مع خلافات أخرى في ملفات مثل العلاقة مع الولايات المتحدة عقب قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط.

إذ تبرأت الإمارات من القرار سرا وحمّلت السعودية المسؤولية عنه وسعت لتجنب غضب واشنطن. كما أن ثمة خلافات حول الملف اليمني. لذلك؛ لم يكن من الممكن أن تشارك السعودية في قمة أبوظبي التي تملك الإمارات فيها زمام المبادرة.

وكان لافتا أن الغياب السعودي عن قمة أبوظبي كان هو الثاني بعد غياب عن تجمع سابق في مدينة العلمين المصرية، في أغسطس من العام الماضي، وهو التجمع الذي ضم أيضا قادة الإمارات والبحرين والأردن والعراق.

كما هناك من حاول الربط بين غياب ابن سلمان وبين غياب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد قبلها عن القمة العربية الصينية التي استضافتها المملكة، الشهر الماضي.

ثالثاً: – تحولات العلاقة بين الدولتين

سعت الدولتان منذ عام 2011 إلى تحقيق بعض الأهداف المشتركة لتقليل تأثير ثورات الربيع العربي على منظومة الدول الخليجية والدول الحليفة لهما، وإلى جانب التهديد المشترك الذي تمثله حركات الإسلام السياسي، وجدت الدولتان تهديدا وجوديا موازيا يمثله النفوذ الإيراني في المنطقة، المباشر منه، أو عبر القوات الحليفة لإيران.

وكانت محطة تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن مارس 2015، والتدخل العسكري بقيادة السعودية وشراكة الإمارات، المحطة الأهم في العمل المشترك في مواجهة التهديدات الإيرانية المفترضة، جراء الدعم الذي تقدمه إيران لجماعة (الحوثي) التي سيطرت على العاصمة اليمنية سبتمبر 2014.

هذا على الصعيد السياسي أما على الصعيد الاقتصادي فتعتبر العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين الكبرى بين مثيلاتها في دول مجلس التعاون الخليجي.

فتعد الإمارات واحدة من أهم الشركاء التجاريين للمملكة على صعيد المنطقة العربية بشكل عام، نمت التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات والسعودية بنسبة 92.5 % خلال السنوات العشر الماضية لتصل إلى 124.69 مليار درهم بنهاية العام 2021، مقابل 64.79 مليار درهم في العام 2012.

فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من العام الجاري 65.7 مليار درهم، بحسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء.

وبلغ إجمالي الصادرات غير النفطية من الإمارات للسعودية خلال السنوات العشر الماضية نحو 205.5 مليار درهم، وإعادة التصدير 471.7 مليار درهم، والواردات 227 مليار درهم.

وتبوأت المملكة العربية السعودية المركز الرابع في قائمة الشركاء التجاريين للإمارات خلال السنوات العشر الماضية بقيمة تقدر بـ 904.3 مليار درهم مشكلة ما نسبته 5.6% من إجمالي التبادل التجاري للإمارات مع العالم خلال الفترة من 2012 – 2021.

كما تبوأت السعودية المركز الأول في قائمة الدول المستقبلة لإعادة الصادرات من الإمارات خلال السنوات العشر الماضية بقيمة قاربت 423 مليار درهم وبمساهمة تبلغ 9.4% من إجمالي إعادة التصدير خلال تلك الفترة.

وجاءت السعودية في المرتبة الثانية ضمن قائمة أهم الدول المستقبلة للصادرات الإماراتية غير النفطية بقيمة بلغت 206 مليارات درهم وبحصة مساهمة بلغت 9.5% من إجمالي صادرات الإمارات غير النفطية خلال الفترة نفسها.

وخلال عام 2021، ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين الإمارات والسعودية بنهاية العام 2021 إلى 124.6 مليار درهم، بزيادة بلغت 20% عن العام 2020، ونحو 10% عن القيمة المحققة في العام 2019.

وشكل بند إعادة التصدير ما نسبته 48% من إجمالي التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2021 وبقيمة تجاوزت 59.78 مليار درهم، فيما بلغت نسبة الصادرات 30% وبقيمة تجاوزت 37.85 مليار درهم، وحازت على الواردات السلعية على نسبة 22 % وبقيمة تزيد عن 26.97 مليار درهم.

وبالرغم من التعاون الاقتصادي والسياسي أحياناً إلا أن الفترة الأخيرة شهدت بعض مظاهر التوتر في العلاقات بين الدولتين.

رابعاً: – الخلاف الإماراتي – السعودي.. عوامل الصراع

على الرغم من أن السعودية والإمارات لديهما العديد من المصالح الاستراتيجية المشتركة، إلا أن عوامل الخلاف والصراع أكثر من عوامل التقارب، فبالرغم من الالتقاء على بعض المصالح إلا أن هناك تناقض متزايد بين نهج الدولتين في التعامل مع الأزمات الإقليمية.

وبالرغم من التوتر الذي شهدته العلاقات خلال الفترة الماضية إلا أن الدولتين حافظتا على إخفاء أو السكوت عن هذه التباينات، إلا أنه مؤخراً بدأت تظهر تلك الخلافات للعلن بل والسجال المتبادل على وسائل التواصل الاجتماعي بين بعض الرموز الإعلامية المحسوبة على كلا الدولتين.

فقد حذر رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية من أن أي محور ضد السعودية سيكون وبالا على أصحابه، وقال سليمان العقيلي إن “تشكيل المحاور ضد السعودية قديم ومأساوي”.

وأضاف في تغريدة في حسابه على “تويتر” أن ذلك يمتد “من الاتحاد العربي بين الملكين فيصل بالعراق وحسين بالأردن بالخمسينيات، إلى محور عبد الناصر الجمهوري بالستينيات، ثم محور صدام بالثمانينيات”.، مشيرا إلى أن كل “المحاور” “فشلت في هز صلابة المملكة، بل قزمت أصحابها وأسقطتهم من عروشهم!”.واختتم تغريدته بالقول: “ننبه لخطورة تكرار التجارب المأساوية!”.

المثير في تغريدة العقيلي أنها تأتي بعد أقل من 48 ساعة من تغريدة للأكاديمي الإماراتي الدكتور عبد الخالق عبد الله، تحدث فيها عن تشكل محور عربي جديد، على رأسه الإمارات، لا يضم السعودية.

فينبع الخلاف بين البلدين بشكل أساسي من الرؤى الاستراتيجية المتنافسة، نظرًا لأن كلاً منهما تسعيان للسيطرة على الإقليم اقتصادياً وسياسياً، مما يزيد من حجم الصراع بين الجارتين، بالإضافة إلى الخلاف الحدودي التاريخي والخوف الإماراتي من التغول السعودي، ومن أهم نقاط الصراع بين الدولتين

أولاً: اليمن

بالرغم من أن اليمن كانت إحدى محطات التعاون المهمة بين الدولتين إلا أنه وللمفارقة كذلك يُعد أحد أهم نقاط الصراع بين الدولتين، فبعد ثمان سنوات من التدخل السعودي – الإماراتي في اليمن تتعاظم مظاهر التنافس بين الدولتين.

فبعيداً عن الاستراتيجيات والأهداف المتباينة، فالمنافسة بينهما تتزايد خاصة في المحافظات المحررة من سيطرة جماعة الحوثي جنوب وشرق اليمن، ما دفع كلا منهما إلى تعزيز حضوره عبر فصائل مسلحة تتقاسم الولاء بينهما في تلك المناطق.

حالة التنافس بين السعوديين والإماراتيين طفت مؤخرا على السطح، وانعكست على وحدة المجلس الرئاسي المنقسم بين الولاء للدولتين الخليجيتين.

ويرى بعض المراقبين أن المفاوضات الثنائية السعودية الحوثية، التي تسير باتجاه تحسين علاقة الرياض بالحوثيين أو على الأقل تحييد دورهم في تنافسها التقليدي مع إيران، أدت إلى تصاعد حدة التنافس السعودي الإماراتي.

فالإمارات كانت تهدف أن يؤول الصراع في اليمن إلى مفاوضات بين شمال يمثله الحوثي، وجنوب يمثله الانتقالي، حليف أبوظبي”، وهو ما ترفضه الرياض التي تحرص على إنهاء التنافس الإقليمي لاستقطاب القوى المحلية في اليمن، لتظل هي صاحبة اليد الطولي فيها، سواء من خلال دولة موحدة تدين بالولاء لها، أو بوجود كيانين سياسيين مواليين للرياض، أي دولة زيدية في الشمال تقف موقف الحياد من التنافس السعودي الإيراني، مقابل الحصول على اعتراف المملكة العربية السعودية ودعمها وتبادل المصالح معها”.

أما الكيان الثاني فهو “دولة في الجنوب تضم مختلف الفصائل المشاركة في الحكومة المعترف بها دوليا، بما فيها حلفاء السعودية من أحزاب وجماعات سياسية وقادة فصائل عسكرية”.

كما أن المملكة لا تؤيد الانفصال وقيام دولة الجنوب العربي، وهو المشروع الذي تدعمه الإمارات، من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشكل عام 2017 بدعم من أبوظبي. “السعودية لديها مشروع آخر وهو اليمن الاتحادي المتمثل بتقسيم اليمن إلى أقاليم”، مؤكدة أنه يمكن القول إن الصراع بين مشروعين الأول تقوده أبوظبي “الجنوب العربي”، والثاني تقوده الرياض وهو “اليمن الاتحادي”.

وفي إطار المنافسة على أرض الواقع في اليمن، أنشأت المملكة العربية السعودية منذ أواخر عام 2022 تشكيلات مسلحة جديدة في عدن والمحافظات المجاورة، مثل قوة درع الوطن (NSF).

وإن إنشاء جماعات مسلحة ممولة من السعودية على طول الساحل الجنوبي الغربي يمكن أن يساعد الرياض على إنشاء منطقة نفوذ ساحلية وبحرية بالقرب من باب المندب، خاصة إذا اكتسبت هذه الجماعات سيطرة إقليمية دائمة، يبدو من اللافت للنظر أن فشل التكامل الفعال للقوة وإصلاح قطاع الأمن، كما نصت اتفاقية الرياض، دفع المملكة العربية السعودية إلى بناء جماعات مسلحة موالية لها في اليمن أخيرًا.

ثانياً: – التنافس على النفوذ البحري

تمثل المنافسة على السيطرة في البحر الأحمر مسألة شديدة الحساسية بالنسبة للسعوديّة منذ إنشائها؛ فهي ترى أنها المخوَّل الوحيد في شبه الجزيرة باحتكار مسألة البحر الأحمر، رغم أهميته الحيوية لباقي دول الخليج والإقليم. وقد كانت للملك عبد العزيز مطامع في ميناء الحُديدة اليمني، وحاول ضمّه لدولته في الثلاثينيّات ولكنه فشل في ذلك.

فقد استطاعت الإمارات أن تجد موضع قدم لها في كل من إرتيريا والصومال، وتوصلت إلى تفاهمات مع الدولتين لبناء قواعد عسكرية وتحديث وإدارة بعض موانئها، وهناك تواصل وتفاهمات واضحة بين الإمارات وإسرائيل، كما تسيطر الإمارات حاليًا على ميناء عدن وميناء المخا اليمنيين، وجزيرة سقطرى، لذا بدأت الإمارات تمس المصالح السعودية تدريجياً، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ البحري والسيطرة على الموانئ اليمنية في بحر العرب والبحر الأحمر.

وتمثل المنافسة على السيطرة في البحر الأحمر مسألة شديدة الحساسية بالنسبة للسعودية منذ إنشائها؛ فهي ترى أنها المخول الوحيد في شبه الجزيرة باحتكار مسألة البحر الأحمر، رغم أهميته الحيوية لباقي دول الخليج والإقليم.

ثالثاً: – التنافس الاقتصادي

تسعى الإمارات إلى تقديم نفسها كقوة إقليمية ومركز للتجارة العالمي على حساب السعودية وقطر، لذلك فهي تخوض سباقا مع الدولتين لتكون الوجهة الأكثر جاذبية للعالم، وفي المقابل يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتقديم الرياض كبديل لأبو ظبي ودبي، فاتخذ إجراءات عدة لمنافسة الامارات في جذب الاستثمارات الأجنبية للمملكة.

حذرت المملكة العربية السعودية الشركات من أنه إذا لم يتم نقل مكاتبها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024، فسيتم تعليق عقودها مع الحكومة السعودية ومؤسساتها. يُنظر إلى القرار على أنه دعوة مباشرة للشركات التي لديها مكاتب إقليمية في دبي، للانتقال إلى الرياض، وبحسب موقع قناة الحرة، يرى خبراء “أن القرار السعودي لا يعني منافسة دبي كمركز مالي وسياحي فقط، إنما هذا سيجعل المملكة تهيمن على اقتصاد الشرق الأوسط.

كذلك تعد السياحة واحدة من أكثر الأماكن تنافسية بشكل مباشر، ففي حين أن دبي، قلب صناعة السياحة في الإمارات، تحاول السعودية جذب السياح حيث يتم بناء العديد من منتجعات البحر الأحمر ومراكز التسوق في البلاد، وبدأت تأخذ خطوات سريعة في هذا الاتجاه فأصدرت العديد من التأشيرات لتسهيل زيارة المملكة، كما سارت على نهج الإمارات في استضافة المهرجانات والألعاب الدولية بالمملكة وغيرها من وسائل جذب السياح ومنافسة الإمارات في السياحة.

كذلك الصناعات الدفاعية التي تنفذها الشركات الأمريكية والأوروبية في الإمارات هي الأخرى مهددة، حيث تسعى الشركة العسكرية السعودية للصناعات الدفاعية إلى تقديم إغراءات للشركات الأجنبية بالانتقال إلى الرياض على حساب غريمتها أبوظبي ودبي.

ووفقاً لتقرير للفايننشال تايمز البريطانية فهناك منافسة بين السعودية والإمارات للفوز باستثمارات الشركات متعددة الجنسيات، وقالت إن السعودية تفتح منطقة اقتصادية لدفع الاستثمار الأجنبي.

وأشار التقرير إلى أن السعودية كشفت عن أول منطقة اقتصادية متكاملة لها في الوقت الذي تسعى فيه إلى ترسيخ مكانتها كمركز لوجستي رائد في المنطقة وجذب الاستثمار الأجنبي، وستكون معفاة من الضرائب للشركات لمدة تصل إلى 50 عاما، هي جزء من خطة لتنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط.

وذكر التقرير أن السعودية تطمح في منافسة جارتها الخليجية الإمارات، التي جعلتها مناطقها المعفاة من الضرائب مثل “جبل علي” مركزا إقليميا للشركات متعددة الجنسيات.

وتستحوذ الإمارات على معظم المقرات الإقليمية للشركات متعددة الجنسيات، وبالرغم من فرضها ضريبة الشركات بنسبة 9 بالمئة، مازال معدل الضرائب أقل من تلك التي تفرضها السعودية على الشركات بنسبة 20 بالمئة.

وتأمل السعودية أن تساعد حوافزها التنظيمية، بالإضافة إلى موقع المنطقة في العاصمة السياسية والتجارية الرياض، في جذب المستثمرين. كما ستكون متطلبات القوى العاملة أكثر مرونة من بقية المملكة.

وفي إطار المنافسة الاقتصادية أعلنت عدة شركات عالمية، عن استثمارات ضخمة بمليارات الدولارات من المقرر ضخها في المملكة العربية السعودية بمجال التقنية والقطاع الرقمي، وخاصة بالحوسبة السحابية، وشهد اليوم الأول من المؤتمر التقني الدولي “ليب 2023” الذي تعقده السعودية في نسخته الثانية، الإفصاح عن وصلة من الاستثمارات العالمية والمحلية الضخمة تتجاوز 9 مليارات دولار تتجه نحو آفاق جديدة للمستقبل التقني والرقمي.

وبالرغم من أن تُعتبر دبي الخيار المفضل حتى للشركات السعودية المتجهة للعمل بالخارج، وهي المركز المالي والتجاري الأكثر ازدهاراً في منطقة الخليج العربي، إلا أنه جاءت نقطة تحول في النهج السعودي حين أطلق ولي العهد محمد بن سلمان مدينة “نيوم” المستقبلية، التي من المنتظر أن تبلغ تكلفتها ما يُقدر بـ 500 مليار دولار أمريكي.

ويمكن لهذا المشروع العملاق، الذي يمثل واجهة برنامج “رؤية 2030” الاقتصادي، أن يصبح محرك الانتعاش الاقتصادي السعودي في حال أمكنه التنافس مع دبي كمركز للأعمال. ولذا، تحاول الرياض تجاوز دبي.

وجرى خلال “مبادرة مستقبل الاستثمار” السعودية في يناير 2022، الإعلان عن موافقة 24 شركة متعددة الجنسيات على تأسيس مقرات إقليمية في الرياض.

كما تسعى السعودية لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنافسة الإمارات في ذلك وسجلت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية ارتفاعاً بنسبة 10.7% في الربع الثالث من عام 2022 مقابل الفترة نفسها من العام 2021، وأظهرت بيانات وزارة الاستثمار السعودية، أن إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وصل إلى (1,919 مليار دولار) في الربع الثالث من العام الماضي، مقابل (1,732 مليار دولار) في الربع الثالث من 202.

وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد أطلق، العام الماضي، الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، لتستهدف زيادة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للمملكة إلى (103.5 مليارات دولار) سنوياً بحلول 2030.

كما يوجد توتر اقتصادي آخر بين الطرفين، إذ أن حالة التباين في السياسات النفطية بين كل من السعودية والإمارات باتت تؤثر سلباً على تحالف الدول المصدرة للنفط من أوبك وخارجها والمعروف بـ “أوبك بلس”، وهذا الصدع يتعلق بقرار الإمارات، ثالث أكبر منتج في مجموعة “أوبك بلس”، بالسماح لمشتريها الأصلي بتداول خامها النفطي في السوق المفتوحة على خلاف الرؤية السعودية للحفاظ على قيود مشددة في عملية التصدير.

وتؤكد هذه الخطوة الإماراتية التي تعني إسقاط قيود الوجهة التي يصدر إليها النفط والسماح بإعادة بيعه، بأنها بدأت في اتخاذ خط مختلف عن زملائها في أوبك.

وسبق أن احتجت الإمارات خلال اجتماعات “أوبك بلس”، لأن تخفيضات النفط تؤدي إلى تعطيل حوالي نصف طاقتها الإنتاجية في وقت تستثمر فيه مليارات الدولارات لزيادتها.

ويتنامى منذ شهور الإحباط داخل الإمارات بسبب التخفيضات الكبيرة وتدني مستوى الإنتاج الأساسي، عند مقارنتهما بطاقتها الإنتاجية، بينما تجد صعوبة في الوفاء بالتزاماتها حيال الاستهلاك المحلي والصادرات.

التنافس على الكعكة المصرية

ثمة خلافات ومنافسة قوية سعودية مع أبوظبي حول الاستثمار في القاهرة، وربما عدم حضورها قمة ابوظبي كان من ورائها بيان هذا الضجر من التعامل مع الشأن المصري، فبالرغم من أن الدولتان دعمتا نظام السيسي.

إلا أن حجم الاستفادة الإماراتية أكبر بكثير من استفادة الرياض التي مازال تواجدها واستثماراتها محدودة في مصر فالرياض ترى أن لها أحقية في الحصول على مزايا اقتصادية واستثمارية في قطاعات استراتيجية والتي مازالت الإمارات تحظى بأفضلية للاستثمار فيها.

وجرت المنافسة بين الدولتين في الاستحواذ على العديد من الشركات والبنوك في مصر منها على سبيل المثال المنافسة على الاستحواذ على بنك المصرف المتحد، فقد اقترب صندوق الاستثمارات العامة السعودي من الاستحواذ على بنك المصرف المتحد بقيمة تقدر بنحو600 مليون دولار.

وكان صندوق الاستثمارات العامة السعودي، قد أبدى في مايو الماضي رغبته في الاستحواذ على بنك المصرف المتحد المملوك بالكامل للبنك المركزي، قبل أن يزاحمه صندوق الثروة السيادي شركة (ADQ) القابضة المملوك لحكومة أبو ظبي الإماراتية ويبدأن في عملية الفحص النافي للجهالة بموافقة البنك المركزي.

وتعتزم السعودية عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي استثمار 10 مليارات دولار في مجموعة من القطاعات المصرية، كما نفذت عدة استحواذات على حصص في شركات مقيدة في البورصة المصرية، ويسعى صندوق الثروة السيادي الإماراتي للاستحواذ على عدد من الشركات المقيدة في البورصة، وذلك بعد أن اقتنص ملكية نحو 5 شركات مقيدة في البورصة المصرية مقابل تخارج شركات حكومية منها.

وأفادت مصادر مطلعة، بأن تنافسا سعوديا إماراتيا حاميا يجري حاليا، للاستحواذ على أسهم إحدى أهم قلاع الصناعة المملوكة للقوات المسلحة المصرية، وذكرت المصادر أن التنافس السعودي الإماراتي يستهدف “الهيئة العربية للتصنيع”، حسبما أورد موقع “تاكتيكال ريبورت” المتخصص في الأمن والدفاع، والهيئة العربية للتصنيع، هي مؤسسة مكونة من 10 مصانع عسكرية، وتنتج في الوقت ذاته، السلع المدنية، وكذلك المنتجات العسكرية.

رابعاً: – مستقبل العلاقات الإماراتية -السعودية

في ظل نقاط الخلاف والصراع المتعددة بين الدولتين، وبعد سنوات من التحالف وبعد ظهور تلك الخلافات إلى العلن، فإن الدولتين “تعيدان تقييم ميزان القوى في علاقتهما الثنائية بما ينطبق على الساحة الإقليمية والدولية”.

السيناريو الأول: تأزم العلاقات

يفترض هذا السيناريو أن تتدهور العلاقة بين الدولتين وتتأزم على ما هي عليه في إدارة الملفات المشتركة، ويرجح هذا السيناريو عدة نقاط أهمها: –

تاريخ العلاقات المتأزمة بين الدولتين فلديهما تاريخ عميق من الخلافات الحدودية والسياسية.

الرؤى المتباينة لهما حول معظم القضايا محل الاهتمام المشترك مثل اليمن وزيادة حدة الصراع على من يكسب أكثر.

التنافس السياسي والاقتصادي ولعل مما يشجع الدولتان على التخلي عن الآخر هو أن عدوهما المشترك “الحركات الإسلامية” قد انقضى “مرحلياً” كذلك حققت الإمارات بعض أهدافها من هذا التحالف مثل فرض تواجدها في اليمن وسيطرتها على بعض الموانئ والنقاط الاستراتيجية هناك.

رغبة السعودية في الانفكاك من قبضة بن زايد خاصة في ظل انتهاء العزلة السياسية التي فٌرضت على “بن سلمان” عقب جريمة مقتل الصحافي “جمال خاشقجي”

انتهاء حاجة بن سلمان إلى الإمارات لتحسين صورتها لدى الإدارة الأمريكية، وتثبيت الأمر لبن سلمان فبات بن سلمان هو الحاكم الفعلي.

تدرك السعودية أنها أكثر قوة من حيث الاقتصاد والعدد وغيرها من الإمكانيات المادية والبشرية مقارنة بالإمارات فتسعى لأن تكون هي المهيمنة على المنطقة متجاوزة حليفتها السابقة.

ستسعى القوى الإقليمية المنافسة، مثل قطر وتركيا، للعمل على زيادة الخلافات بين السعودية والإمارات؛ لزيادة إضعاف العلاقة بينهما.

السيناريو الثاني: علاقة حذرة ومسارات مستقلة

“التحالف بين البلدين دخلت عليه تصدعات أو بمعنى أدق طواه الزمن؛ نتيجة ما يجرى في اليمن، والتوسع في المنافسة الاقتصادية وخروج بن سلمان من عباءة بن زايد، وبالتالي مصالحهما الاستراتيجية لم تعد مشتركة، بل كثيراً متناقضة، وبالتالي الاتجاه في المرحلة المقبلة أن يكون لكل منهما سياسة منفصلة في القضايا الرئيسية، ويرجح هذا السيناريو (وهو السيناريو المرجح)

ظهور الخلافات في العديد من القضايا للعلن بعد مرحلة طويلة من محاولة التكتم

عدم حضور بن سلمان عدد من القمم الأخيرة برعاية إماراتية وفي المقابل عدم حضور بن زايد للقمة العربية الصينية في الرياض

زيادة حدة التنافس الاقتصادي بين الدولتين في محطات عديدة، فقد تبنت الرياض إجراءات أبرزها حرمان الشركات الدولية من التعاقد مع الحكومية السعودية ما لم تنقل مقراتها الإقليمية، التي تقع غالبا في دبي، إلى المملكة. كما حرمت المنتجات المصنعة في المناطق الحرة، والتي تمثل غالبية صادرات الإمارات، من المزايا الجمركية المطبقة بين دول الخليج، وهو ما تسبب في تراجع صادرات الإمارات للسعودية.

بينما تتصاعد أجواء التنافس الاقتصادي السعودي الإماراتي، ثمة اقتراب سعودي عُماني لافت يفتح الباب لتحول جيوسياسي أوسع من مجرد التعاون الاقتصادي، وبالطبع تنظر الإمارات بقلق لهذه الديناميكية السعودية العُمانية الجديدة.

التنافس الاقتصادي لن يسير بمعزل عن السعي للهيمنة الجيوسياسية في الخليج. لذلك، نرجح أن التنافس بين البلدين، وداخل مجلس التعاون بصورة عامة، سيشمل أبعادا أوسع من الاقتصاد، دون أن يعني هذا بالضرورة أن علاقات التعاون القائمة تتجه للانهيار.

تدرك الإمارات تفوق الاقتصاد السعودي على اقتصادها من حيث الحجم، وفرص النمو المرتبطة بعدد السكان والعامل الجغرافي والموارد الكبيرة المتوفرة للسعودية. ومن ثم فإنها ليست بصدد التنافس مع السعودية على حجم الاقتصاد، ولكنها في المقابل ليست بصدد الاستسلام إزاء المساعي السعودية لإزاحتها عن موقعها كمركز للأعمال في المنطقة، والتي تتفوق الإمارات على غيرها من دول الخليج في توفير الظروف الملائمة لبيئة الأعمال الجاذبة للشركات الدولية. فبينما ارتفع ترتيب السعودية في سهولة ممارسة الأعمال التجارية عالميا من المرتبة 92 إلى المرتبة 62 العام الماضي، إلا أنها ما تزال بعيدة عن تصنيف الإمارات التي تأتي في المرتبة 16 على مستوى العالم.

لذا فمن المتوقع أن تستمر الرياض وأبو ظبي في التعامل بحذر أكبر مع المسائل السياسية للحفاظ على صورة العلاقات ولو شكلياً مع استبعاد أن يتحول الأمر إلى تصعيد وصدام رسمي، ولكن سيتم تخفيض وربما تجميد التنسيق بينهما، مع المزيد من التنافس الاقتصادي.

الخاتمة: وفقاً للهدف المعلن للقمة فإنه ليس من المرجح أن ينتج عن قمة أبوظبي تطورا جديدا في مستوى الدعم الاقتصادي المقدم لكل من مصر والأردن لمواجهة الأزمة الاقتصادية، لكنّ القمة فيما يبدو تستهدف التأكيد على التضامن مع البلدين من قبل الإمارات بصورة خاصة، في ظل أنها تأتي بعد أشهر من قمة العلمين التي تبنتها الإمارات.

وتمثل مشاركة كل من قطر وسلطنة عمان تأكيدا لهذه الرسالة في ظل أن الدولتين لم تشاركا في قمة العلمين، وكذلك بناء محور تحالف عربي إقليمي جديد بمعزل عن السعودية.

يشير غياب السعودية عن قمة أبوظبي إلى تعقد العلاقات مع الإمارات، بصورة أساسية على خلفية ملف التنافس على الريادة الاقتصادية في المنطقة، بالإضافة إلى تباينات تتعلق بملفات ثنائية بشأن اليمن، وإنتاج النفط، والتنافس الاقتصادي، والحسابات الجيوسياسية الأوسع، فأحيت ما كان اعتقده البعض أن جذور الصراع بين الدولتين قد ولت.

فلم تكن الخلافات الأخيرة التي ظهرت للعلن بعد مرحلة من الصراع الخفي، سوى مرحلة من تلك المراحل المعقدة من صراع النفوذ وتحالفاتها بين أبوظبي والرياض.

المصدر: إمارات ليكس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق