تقارير

منظومة القوانين القمعية في دولة الإمارات

منظومة القوانين القمعية في دولة الإمارات

لطالما أعطى فقهاء القانون بعداً سياسياً للقوانين، معتبرين أنها مجموعة القواعد التي تهدف إلى حماية مصالح السلطة الحاكمة في بلد ما، ولعل هذا البعد يزداد ظهوراً في الأنظمة السياسية الدكتاتورية التي تُسخِّر القوانين ليس للمحافظة على مصالحها فقط بل ولقمع كل معارضٍ لها.

وبتحليل البنية القانونية لمنظومة القوانين الإماراتية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة يتبين لنا أن الكثير منها عبارة عن سلّةِ قوانين غايتها قمع وإقصاء كل صوت معارض له تحت مظلّة شعاراتٍ كبرى رنّانة كحماية الأمن والنظام العام وغيرها من الصياغات الفضفاضة.

ففي الإمارات لا يوجد قانون قمعي واحد، بل منظومة قانونية متكاملة تشرف على قمع المعارضين منذ لحظة اعتقالهم وتستمر حتى بعد انتهاء الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، هذه المجموعة مكونة خمسة من قوانين، يمكن لنا وصفها بـ”منظومة القوانين القمعية في الإمارات”.

في هذا التقرير، نبين الدور الذي تلعبه هذه القوانين الخمسة في قمع المعارضين والناشطين الحقوقيين، وطريقة استخدامها من قبل السلطات الإماراتية منذ لحظة الاعتقال، مرواً بإصدار الحكم، وحتى بعد انتهاء مدة العقوبة.

يمكن أن نصنف هذه القوانين القمعية في الإمارات وطريقة استخدامها من قبل السلطات بحسب المراحل القمعية التي يمر بها المعتقل إلى ثلاث مراحل:

  1. المرحلة الأولى: الاعتقال والتحقيق

يعد القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2003 في شأن جهاز أمن الدولة، هو القانون الأساسي الذي يشرف على المرحلة الأولى من القمع والتي تبدأ باعتقال الفرد والتحقيق معه.

يمنح هذا القانون عناصر الجهاز الحق باعتقال أي فرد دون قيود قضائية أو شروط شكلية أو موضوعية، إذ تسمح المادة 25 لمديري الإدارات داخل أمن الدولة بطلب هوية أي شخص وتفتيشه واعتقاله لمدة 24 ساعة.

كما تمنح المواد 26 وحتى 28 من نفس القانون لمدير عام الجهاز أو نائبه أو رئيسه حجز الأفراد لمدة تصل إلى 90 يوماً دون عرضهم على أي جهة قضائية.

وهذه المواد تخالف بشكل واضح الفقرة الثالثة من المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي توجب تقديم المعتقل بتهمة جزائية، سريعاً، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا لمباشرة الوظائف القضائية.

إضافة إلى أنه بموجب هذه المواد، احتجزت السلطات الإماراتية العشرات من المتهمين في قضية (الإمارات 94) وغيرهم في قضايا أخرى لمددٍ طويلة تتجاوز الـ90 يوماً، وحتى دون عرضهم على النيابة العامة.

كذلك، يسمح القانون لعناصر الجهاز الحق في تفتيش المنازل والأشخاص حتى دون وجود مذكرة قضائية، في انتهاك صريح للمبادئ الدولية للمحاكمة العادلة، إذ تنص المادة 30 من القانون على أنه “للضباط والأعضاء بإذن من الرئيس أو نائبه أو المدير العام، الصلاحية في دخول وتفتيش المحلات والأماكن العامة واستجلاء شخصية من يتواجدون فيها متى كان لديهم ما يستوجب ذلك”.

في الواقع يسمح هذا القانون للسلطات الإماراتية باحتجاز الأفراد بشكل تعسفي لمدد طويلة جداً بدون أي تهمة تحت ذريعة التحقيق معهم، ويمنح لجهاز أمن الدولة الحق في إخفاء الأشخاص قسرياً في سجون سرية دون وجود أي إشراف القضائي.

ولذك يعد هذا القانون أحد الأعمدة الرئيسية التي ترسخ عملية القمع في الإمارات، حيث تبدأ أولى المراحل من خلاله، عبر اعتقال الأفراد وسجنهم بمعزل عن العالم الخارجي، وإجبارهم على الاعتراف بالتهم المنسوبة لهم بالإكراه.

  1. المرحلة الثانية: توجيه التهمة وإصدار أحكام السجن

في هذه المرحلة، وبعد انتهاء الاعتقال التعسفي في السجون السرية، تنتقل السلطات الإماراتية إلى استخدام حزمة أخرى من القوانين العقابية والقمعية التي تضمن حبس الأفراد لسنوات طويلة في السجن، وإيقاع أقصى العقوبات الممكنة بهم بسبب تعبيرهم عن رأيهم.

عادة ما تستخدم السلطات الإماراتية في هذه المرحلة ثلاثة قوانين، هي: قانون العقوبات، قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، وقانون مكافحة الجرائم الإرهابية.

أولاً: قانون العقوبات

في نوفمبر 2021، أعلنت السلطات الإماراتية عن تعديل 40 قانوناً اتحادياً، تضمنت التعديلات المعلنة سن قانون جديد للجريمة والعقوبات الفيدرالي (قانون العقوبات) دخل حيز التنفيذ في يناير 2022، وقد حل هذا القانون الجديد محل القانون السابق، والذي يرجع تاريخه إلى عام 1987.

يحتوي هذا القانون على عشرات المواد المتعلقة بالأمن الداخلي للدولة، والتي تم صياغتها بطريقة فضفاضة وغامضة، تسمح بتفسيرها بطرق تخنق جميع الأصوات المعارضة في البلاد. وفي هذا الصدد، فإن القانون الجديد بدلاً من إلغاء المواد التي أدخلتها تعديلات 2018، اعتمد عليها وزاد من تقييد ممارسة الحقوق والحريات الأساسية في البلاد.

على سبيل المثال، يعاقب قانون العقوبات لعام 1987 (المادة 176) بالحبس لفعل إهانة الرئيس أو العلم أو الشعار الوطني للدولة. مع تعديل 2018، تم تقسيم هذه المادة إلى قسمين (المادة 176 و 176 مكرر).

في القسم الأول (المادة 176) زادت عقوبة الحبس لمدة تتراوح بين 15 و25 سنة بالإضافة إلى الغرامة لفعل “إهانة الرئيس”، بينما لم يُذكر ما يتعلق بالعلم أو شعار الدولة (حيث وردتا لاحقاً في المادة 176 مكرر).

في القسم الثاني (المادة 176 مكرر)، لا يجرم إهانة العلم أو الشعار الوطني فحسب، بل تضمن أيضاً الإشارة إلى الرموز الوطنية. كما تم زيادة عقوبة الحبس إلى السجن ما بين 10 و25 سنة وغرامة.

القانون الذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2022 عدل هاتين المادتين (المادتان الآن أصبحتا 183 و184 على التوالي) من خلال تجريم، في المادة المشار إليها الأولى، ليس فقط إهانة الرئيس ولكن أيضاً السخرية أو الإضرار بسمعة الرئيس.

وبالمثل فقد تم تعديل المادة الثانية المشار إليها لتشمل الإشارة إلى السخرية أو الإهانة أو الإضرار بالسمعة، وليس فقط العلم أو الشعار الوطني أو الرموز الوطنية ولكن أيضًا الدولة نفسها وسلطاتها أو مؤسساتها وأعضائها المؤسسين والنشيد الوطني.

إضافة إلى ذلك، فإن المادة 222 في قانون العقوبات الجديد التي إقتبست عن مادة تم إدخالها في تعديل عام 2018 (المادة 201 مكرر 4) والتي تجرم إعلان العداء العلني للدولة أو نظام الحكم وعدم الولاء لقيادتها، في حين أن المادة 188 (المادة 180 سابقاً والمعدلة أيضًا في 2018) تعاقب الأشكال المتعددة للانخراط في أي نوع من المنظمات التي تهدف، من بين أمور أخرى، إلى الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي أو تعطيل الدستور أو القوانين أو المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم. هذه التعبيرات مطابقة تقريباً لتلك التي انتقدها خبراء الأمم المتحدة بسبب عدم دقتها.

في الواقع، لم يتم تعريف أي من هذه المفاهيم لا في قانون مكافحة الإرهاب ولا في قانون العقوبات. بالإضافة لذلك، يمضي قانون العقوبات في إدخال صياغة غير دقيقة كما هو الحال في المادة 210، التي تبني على تعديلات 2018 لمزيد من تجريم التجمعات بهدف إثارة الشغب أو منع أو عرقلة تنفيذ القوانين والأنظمة، أو التي من شأنها المساس بالأمن العام.

وبالمثل، فإن الصياغة المستخدمة في المادة 217 فضفاضة، والتي تعاقب من ينشر أخباراً أو تصريحات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة من شأنها من بين أمور أخرى تأليب الرأي العام. كما كان الحال في قانون مكافحة الإرهاب لعام 2014، لا يحاول قانون العقوبات هنا أيضاً تعريف هذه العبارات لتوضيح نطاقها ومعناها.

ويوجد الكثير من الأمثلة في هذا القانون على مواد تجرم الحقوق الأساسية مثل حرية التعبير، وتفتح الباب أمام السلطات الإماراتية لتفسير هذه المواد بشكل يسمح لها بتوجيه الاتهامات وفقاً لرغبتها، وإصدار أحكام قاسية بحق أي ناشط يمارس حقه في التعبير.

ثانياً: قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية

في نوفمبر 2021، عدّلت السلطات الإماراتية القانون الاتحادي السابق رقم 5 لعام 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وأدخلت مكانه المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لعام 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2022.

القانون الجديد أبقى على القيود القديمة التي تحظر انتقاد الحكام والخطاب الذي يخلق أو يشجع على “تأليب الرأي العام أو إثارته”، ويفرض عقوبات صارمة على تهم غامضة التعريف. كما أبقى على أحكام تجرّم القذف والسب في المحتوى اللفظي والمكتوب، سواء كان منشورا أو خلال حديث خاص. إضافة لذلك يجرّم القانون  المعلومات “الكاذبة” و”المضللة”، ومشاركة المعلومات مع المنظمات أو البلدان الأجنبية و”الإساءة إلى دولة الأجنبية”.

يستخدم هذا القانون مثل غيره مصطلحات فضفاضة وغامضة، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل المرتبطة بـ”أمن الدولة”، ويمنح الحكومة الإماراتية سلطة تقديرية مفرطة لتجريم وفرض عقوبات سجن طويلة على الأفراد الذين يمارسون حقوقهم بحرية التعبير والتجمع السلمي.

كما يسمح القانون بتجريم عمل الصحفيين والمبلغين والنشطاء والنقاد السلميين، ويعرض أولئك المنخرطين في أنشطة مشروعة لعقوبات سجن قاسية وغرامات باهظة.

على سبيل المثال، تحظر المادة 22 من القانون وتفرض عقوبة بالسجن على استخدام الإنترنت لمشاركة أي منظمة أو مؤسسة لمستندات أو تقارير أو بيانات من شأنها “الإضرار بمصالح الدولة أو أجهزتها الحكومية أو الإساءة إلى سمعتها أو هيبتها أو مكانتها”.

المادة 22، كانت مدرجة أصلاً في قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012 ، واستخدمت من قبل السلطات الإماراتية للحكم على المدافع الإماراتي عن حقوق الإنسان، أحمد منصور بالسجن 10 سنوات، ولا يزال محتجزًا بشكل تعسفي حتى الآن.

أيضاً، تجرم المادة 25 من قانون 2021 “السخرية” أو “الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو إحدى سلطاتها أو مؤسساتها أو أي من قادتها المؤسسين أو علم الدولة أو عملتها”. وكذلك تعاقب المادة 28 على استخدام الإنترنت لنشر المعلومات أو البيانات التي “تتضمن الإساءة إلى دولة أجنبية”.

تفرض هذه المواد عقوبات قاسية جداً بالسجن لسنوات طويلة، وغرامات باهظة بملايين الدولارات أحياناً، ضد المدافعين الإماراتيين عن حقوق الإنسان والنقاد السلميين والمعارضين السياسيين.

ثالثاً: قانون مكافحة الجرائم الإرهابية

أصدرت السلطات الإماراتية قانون الإرهاب رقم 7 لعام 2014 في 20 أغسطس 2014، ومازال ساري المفعول حتى الآن. ويعد من أخطر القوانين القمعية، فهو لا يسمح فقط للسلطات الإماراتية بحبس الأفراد لسنوات طويلة، بل يسمح لها أيضاً بالتدخل في حياتهم ووصمهم بالإرهاب.

يتضمن هذا القانون نفس الأحكام الموجودة في القوانين الأخرى تقريباً، بل وأحياناً بنفس الصياغة الفضفاضة، لكنه يضيف تهمة “الإرهاب” لمرتكبي هذه الأفعال لنزع صفة المعارضة السلمية عن كل من ينتقد النظام.

تنص المادة 15 من قانون مكافحة الجرائم الإرهابية على أحكام تتراوح بين 3 و15 عاما لكل من “أعلن بإحدى طرق العلانية عداءه للدولة أو لنظام الحكم فيها أو عدم ولائه لقيادتها”، وهي نفس المادة تقريباً في قانون العقوبات والجرائم الإلكترونية.

كما تفرض المادة 14 من القانون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على كل من يرتكب أعمالا بقصد “تهديد استقرار الدولة أو سلامتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها” أو “الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي”، وهذه المواد موجودة أيضاً في القوانين السابقة.

لكن خطورة هذا القانون، أنه يسمح للمحاكم – بطلب من النيابة العامة – أن تأمر بفرض حظر سفر وفرض مراقبة على الأشخاص الذين يعتبرون خطرين من منظور الإرهاب، ويحظر عليهم السكن بأماكن معينة أو زيارتها، أو التواصل مع أشخاص بعينهم.

كما يسمح القانون بتسمية أي عمل تراه المحاكم معاديا للدولة أو مقوضا للوحدة الوطنية، كعمل إرهابي. والحقيقة أن هذه السلطة التقديرية الواسعة في تصنيف الأعمال الإرهابية تعد خطيرة جداً، لأن التداعيات التي تترتب على هذا القانون لا تتوقف على السجن فقط، بل على حياة الإنسان حتى بعد مغادرته السجن مثل مصادرة أمواله ومنعه من السفر، بل وحتى استمرار احتجازه بعد انتهاء العقبوة بحجة أنه يشكل خطورة إرهابية.

  1. المرحلة الثالثة: استمرار احتجاز الفرد بعد انتهاء محكوميته

في 2019، أصدرت السلطات الإماراتية القانون الاتحادي رقم 28 في شأن المركز الوطني للمناصحة، وهو القانون المعروف باسم قانون المناصحة.

يعد هذا القانون أخطر القوانين الخمسة على الإطلاق، لأنه يسمح للسلطات باحتجاز الأفراد لأجل غير مسمى بعد انتهاء مدة عقوبتهم تحت ذريعة إعادة تأهيلهم، كما أنه يعني أن عملية القمع ضد الأفراد قد تستمر إلى ما لا نهاية.

تستخدم السلطات الإماراتية هذا القانون لحرمان الأفراد من حقهم بالحرية حتى بعد انتهاء الأحكام القضائية الصادرة ضدهم.

يسمح قانون مكافحة الجرائم الإرهابية للسلطات باعتقال أي شخص يشكل تهديداً إرهابياً حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 40 على أنه: “إذا توافرت في الشخص الخطورة الإرهابية، أودع في أحد مراكز المناصحة، بحكم من المحكمة وبناءً على طلب من النيابة”.

ينظم ما يسمى قانون المناصحة هذه العملية، دون وجود أي ضمانات قانونية للفرد بالمثول أمام محكمة أو الطعن في الأحكام الصادرة عن المحكمة، بل إنه ينص في المادة 9 على بقاء الشخص في نفس السجن الذي يقضي فيه مدة عقوبته.

حالياً يوجد أكثر من 46 معتقلاً من مجموعة (الإمارات 94) انتهت محكومياتهم، لكن السلطات الإماراتية مازالت تعتقلهم تحت ذريعة “المناصحة”، وذلك ضمن خطتها القمعية المستمرة منذ لحظة الاعتقال وحتى الآن.

المصدر: مركز مناصرة معتقلي الإمارات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق