أبحاث ودراسات

دراسة: 5 ملفات لحل أزمة الإمارات الداخلية يتجاهلها محمد بن زايد

دراسة: 5 ملفات لحل أزمة الإمارات الداخلية يتجاهلها محمد بن زايد

حددت دراسة صادرة مركز الإمارات للدراسات والإعلام “ايماسك“، خمسة ملفات لحل أزمة الإمارات الداخلية يتجاهلها رئيس الدولة الجديد محمد بن زايد.

وأصبح محمد بن زايد هذا الشهر رئيسًا لدولة الإمارات مما أضفى الطابع الرسمي على إدارته للبلاد من الخلف قرابة عقد من الزمن.

ومع ولاية أي رئيس جديد -باختلاف نظام الحكم وشكل الدولة- تكون أمامه أجندة أولية، مبنية على أولويات المجتمع وهمومه.

وتناولت الدراسة خمسة ملفات مهمة مترابطة للغاية ظلت مسيطرة على مستوى الدولة خلال السنوات الماضية.

أولاً: المعتقلون السياسيون

خلال العقد الماضي، أصبحت قضية “المعتقلين السياسيين” في كل منزل إماراتي، ومصدر قلق للمقيمين في الدولة.

إذ أن السلطات الرسمية استمرت في اعتقال وتعذيب المنتقدين للسلطات؛ لقد استحوذ جهاز أمن الدولة على معظم المؤسسات وقلص حتى النهاية حيّز الانتقاد وأنهى بالفعل الوسيلة التي يقدمها المثقفون والمواطنون كمشاركة سياسية -مع أنها ليست كذلك لكنها حيز كان متاحاً- بتقديم عرائض لرئيس الدولة.

تعرض المعتقلون السياسيون الذين طالبوا بالإصلاحات لسنوات طويلة من الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والانتهاكات في السجون الرسمية والسرية؛ لم تشفع لهم سنوات خدمتهم للإمارات، ولا مراكزهم ومكانتهم بين مجتمعاتهم المحلية، ولا بصفتهم مواطنين إماراتيين لهم حقوق، في تقديم عريضة تطالب بالإصلاحات فتعرضوا لكل ذلك.

ومع بداية حقبة جديدة يفترض إنهاء هذه القضية والمعاناة الدائمة ومعالجتها بالوسائل السليمة التي تُعيد الثقة وتردم الفجوة بين السلطات ومواطنيها.

ثانياً: حقوق الإنسان واستعادة الحريات

تقدم السلطات ذاتها في بداية الحقبة الجديدة بكونها بلداً للتسامح، وهي كذلك، لكن لا يمتد تسامح السلطات إلى المواطنين والمقيمين المنتقدين.

في وقت تكاد حقوق الإنسان تختفي ويحلّ معها “الخوف” من “السجن أو الاتهام بالانتماء للإرهاب أو سحب الجنسية أو التعذيب أو الطرد أو منع دخول الدولة”.

يخضع جميع السكان في الإمارات إلى المراقبة الدائمة في العمل، في الشارع، وعلى الهواتف وأجهزة الكمبيوتر. وحتى الشخصيات المقربة من القيادة تعرضت لضغوط بسبب تعليقاتها.

تخضع وسائل الإعلام المحلية لرقابة مشددة، مع انعدام لوسائل الإعلام المستقلة. كما اتُهم تطبيق دردشة نصية وفيديو شهير، تو توك، بأنه أداة تجسس سرية للمخابرات الإماراتية، وفقًا لتقييم استخباراتي أمريكي سري نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

خلال السنوات العشر الماضية جرى تجريف حقوق الإنسان تدريجياً، وفرضت قوانين سيئة السمعة تُدين الضحية وتنتصر لأجهزة الأمن، مع أن القوانين تُقام من أجل العدالة وحفظ الأمن إلا أن قوانين جديدة وتعديلات قوانين أخرى هدفت إلى الإمعان في إسقاط العدالة والسخرية منها.

واستخدم “مكافحة الإرهاب” للانتقام من المنتقدين والمعارضين السياسيين، بل وصل حد وصم المنتقدين في الخارج بـ”الإرهابيين” ووضعهم في قوائم الدولة للإرهاب في محاولة للحد من مناقشة هموم مواطنيهم.

وتجاوز القوانين بوضع المعتقلين السياسيين في سجون بعد انتهاء فترة محكوميتهم.

إن الانتصار للعدالة في الدولة يأتي من خلال تعزيز استقلالية القضاء، والتراجع عن القوانين سيئة السمعة وتعديلها لتحمل مضامين وعبارات واضحة تكفل حماية حقوق الإنسان، وممارسة حرية الرأي والتعبير في الدولة.

والانتصار للعدالة هو انتصار لمستقبل الإمارات وتأكيد للأجيال أن الدولة وشيوخها يحمون مستقبلهم ومؤسساتهم.

بالنسبة لحرية الصحافة والإعلام فإن هذا الملف يفترض أن يحظى بالكثير من الاهتمام، خاصة أن الإمارات دولة منفتحة على جميع الدول والجنسيات، واستمرار سيادة “سيطرة العقلية الأمنية” في التعامل مع الإعلام وحرية الرأي والتعبير، عبر القوانين مسيئة ومؤثرة على الدولة.

ووفق مؤشر حرية الصحافة التابع لمراسلون بلا حدود الصادر الشهر الجاري -مايو/أيار2022 فإن الدولة تراجعت 7 مراكز دفعة واحدة لتحتل المركز 138 من أصل 180 دولة يقيّمها المؤشر، مقارنة بتقرير العام السابق.

إن المشكلة ليست فقط انعدام “حرية الصحافة” ووسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة ممثلة بالمجلس الأعلى للإعلام، بل أيضاً متعلقة باستخدام الصحافة والإعلام في ترويج دعاية زائفة وتضليل متعمد للمواطنين والمقيمين والمراقبين.

فخلال السنوات الماضية ابتعدت الصحافة عن هموم المواطنين ومعالجة مشكلاتهم، وقدمت معلومات مظللة عن وضع الدولة وعن المشكلات الاقتصادية والسياسية والإنسانية والثقافية في البلاد؛ كما قامت بدور دعائي وتضليلي في كثير من القضايا لتؤكد أنها أصبحت أداة في يدّ جهاز الأمن.

إن ملف الحريات والحقوق من أهم الملفات المطروحة على طاولة رئيس الدولة، ومعالجة هذا الملف وتعزيز الحقوق والحريات مرحلة جديدة تؤكد حِكمة القيادة السياسية، وتغليب رأي واهتمامات المواطنين حماية للمستقبل والدولة.

كما أن ذلك يكون مصحوباً بالانفتاح على منظمات المجتمع المدني والنقابات المستقلة التي تعتبر الرديف المساعد لمؤسسات الدولة في تأدية عملها ومراقبتها على أكمل وجه وحماية حقوق منتسبيها والدفاع عنهم بما يحفظ ويطور عمل المؤسسات الحكومية والمهن في الدولة.

ثالثاً: إطلاق حوار وطني شامل

عقب قيام الاتحاد، وعقب تولي الشيخ خليفة بن زايد رحمة الله تغشاهما السلطة، كانت الحوارات الوطنية أبرز سمات بداية المراحل الجديدة. وهي حوارات غابت في السنوات الأخيرة رغم الحاجة إليها.

إن قيام حوار وطني شامل في الإمارات السبع، يعزز وحدة الاتحاد ونظامها الفيدرالي، ويعزز ثقة المواطنين بالحكام والشيوخ، أكثر بكثير من محاولة إبقائهم في جهتين منعزلتين مبني على “الثقافة السياسية” للمواطنين وهم نسبة مرتفعة للغاية لا تتناسب ومشاركتهم السياسية.

وتحقيق حوار وطني يشمل ممثلين وأطراف وشخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية ومجتمعية، وقادة منظمات المجتمع المدني، ونشطاء حقوق الإنسان.

يخرج وجود حوار وطني شامل الإمارات من حالة “الجمود السياسي” التي استمرت طويلة، ويفتح صفحة جديدة تسمح للمواطنين بممارسة حقهم بالحديث السياسي.

وهو حديث بناء يقدم وجهات نظر مختلفة ومجتمعة مساهمة من المجتمع في تطوير الدولة وتقدمها، بعيداً عن البيروقراطية وتفتح مجالات أوسع للحكومة ومؤسسات الدولة لتعزيز مشاريعها وخططها التنموية/ الاقتصادية/السياسية لتحقيق أهداف رؤية الدولة في مختلف المجالات مصحوبة بموافقة وثقة الشعب.

إن حوار وطني شامل لا يعني حواراً بين طرفين سلطة ومجتمع! أو سلطة ومنظمات مجتمع مدني! بل حوار “شعب واحد” يكون الجميع شركاء في النجاح، وفي القرارات المتخذة وتحمل مسؤولياتهم تجاهها، تحت سقف الإمارات.

رابعاً: تعزيز سلطة المجلس الوطني الاتحادي

إسوة بالحوار الوطني الشامل يأتي أهمية تعزيز المجلس الوطني الاتحادي، وهو المجلس الذي يفترض أنه يُعبر عن حالة الاتحاد.

خلال العقدين الأولين من تاريخ الدولة كان المجلس الوطني الاتحادي، مؤثر بالفعل في قرارات الدولة الداخلية والخارجية؛ يُقدم مواقف الإماراتيين من قضاياه المحلية والقومية والعروبية والإسلامية؛ كان في تلك المُدة واحد من أنشط البرلمانات الخليجية المُعبرة عن نبض الشعب وتوجهاته ومساعدة السلطات في حماية الدستور والقانون وصيانة حقوق الإنسان؛ لكن الآن اختفى دوره تماماً إلا من صوت ضعيف للغاية يصدر عندما تطالبه السلطة.

إن تعزيز سلطة “المجلس الوطني الاتحادي” بصلاحيات تشريعية كاملة ومنتخب من كل أبناء الشعب، هو إرث المؤسسين ووعدهم.

وما يأمله المواطنين هو تسريع برنامج “التمكين السياسي” الذي أعلن عنه الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله، وكان “برنامج التمكين السياسي” في فترة حكمه نجمة اهتدى إليها المواطنون، لولا أن تم تجميده في سنوات لاحقة، ليبقى عند المرحلة الأولى التأسيسية دون تعزيز لصلاحيات المجلس الوطني الاتحادي أو الوصول إلى انتخابات عامة والتي كانت مقررة بعد أربعة أعوام (أي 2009).

ليتم نسب إجراءات وقرارات شكلية واعتبارها جزء من برنامج التمكين مع أن الخطوات كان واضحة.

وعلى الرغم من تلك الوعود إلا أنه لم يتغير الكثير في المجلس الوطني الاتحادي وصلاحياته والوصول إلى انتخابات عامة؛ على العكس من ذلك جرى الحد من تناول المجلس الوطني الاتحادي لمعظم القضايا التي تهم المواطنين، سياسية واجتماعية واقتصادية.

وذلك بعكس توجيه أول خطاب لخليفة بن زايد للمجلس الوطني الاتحادي في أول انعقاد له بعد الانتخاب (12فبراير/شباط2007): إن القيادة والمواطنين وضعوا ثقتهم في اعضاء المجلس الوطني الاتحادي بعد اول تجربة انتخابية لأعضاء المجلس في دولة الامارات آملين أن تكون هموم الوطن والمواطن من أولويات المجلس وأن تكون المصلحة العامة فوق كل اعتبار”.

بدأ خليفة بن زايد، ولايته بإصلاح سياسي حسب وصف وسائل الإعلام الرسمية في ذلك الوقت، أما الآن فقد أصبح مجرماً الحديث عن إصلاحات سياسية طوال العقد الماضي.

يأمل المواطنون أن يبدأ محمد بن زايد حقبته الجديدة بإصلاحات سياسية، تمكن المجلس الوطني الاتحادي، ويحرر الدولة من الجمود السياسي، في رسالة مفادها ارتباط المستقبل بإرث الآباء المؤسسين للدولة.

خامساً: معالجة خلل التركيبة السكانية

أصبحت أزمة “خلل التركيبة السكانية” في الإمارات معضلة حقيقية تواجه مستقبل البلاد. وهي الأزمة التي تستمر الحكومات في ترحيلها مراراً وتكراراً منذ عقود دون حل جذري لها حتى أصبح عدد المواطنين أقرب إلى 10% من سكان الدولة، ليتسبب في إشكالية في المواطنة.

وهي معضلة تستهدف الهوية الوطنية الجامعة التي تعرضت للتجريف خلال العقد الماضي، وما نخشاه أن يكون تجريفاً متعمداً لصالح صناعة -ما بات يوصف بين المواطنين- “الإماراتي الجديد” الذي لا يتكلم العربية ولا علاقة له بالإسلام ولا يعرف عادات وتقاليد وقيم الإمارات لتمنح له الجنسية ويصبح مواطناً إماراتياً.

يعتبر فخر لكل إماراتي أنّ الدولة أصبحت منارة الشرق في الاقتصاد؛ لكن ذلك لا يجب أنّ يكون على حساب “التركيبة السكانية” فالضرر الاجتماعي والاقتصادي الذي يتسبب به هذا “الخلل” يستهدف مستقبل الإمارات وشعبها وهوية الدولة العربية والإسلامية.

لذلك فهذا الملف بحاجة إلى وضعه في أعلى أجندة رئيس الدولة، فالجان والمجالس المتعددة التي تم إنشاءها لم تفعل شيئاً أو لم يتم تنفيذ أي من مخرجاتها.

وتحقيق مراقبة شعبية لخطوات هذا الملف تدعم رؤية رئيس الدولة وتعزز من التلاحم الوطني، إضافة إلى المطلب الأساس المتمثل بمجلس وطني اتحادي كامل الصلاحيات.

ضرورة حتمية

إن استمرار حالة الجمود المستمرة في الملفات الوطنية الداخلية، يؤثر على اقتصاد الدولة واستقرارها وصورتها المحلية والدولية، وهو أمرٌ لا يتمناه المواطنون ولا أي طرف محلي للدولة.

كما أن استقرار الإمارات هو استقرار للمنطقة كلها ولأسواق العالم في الشرق الأوسط وأفريقيا نظراً لأهمية الدولة دولياً.

إن وجود صوت وطموحات للمجتمع هو قوة للدولة ولم يكن يوماً ضعفاً، وتحقيق آمال المواطنين هو واجب السلطة ومؤسسات الدولة التي وجدت من أجل خدمة المواطنين وحمايتهم.

المصدر: Emirates Leaks

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق