تقارير

بن سلمان يتقرب من إسلام أباد خشية انجرارها لمحور منافس له

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لايزال هاجس بن سلمان من عزلته الدولية التي تلف به وبنظامه ماثلًا أمامه في كل تحركاته، فعلى الرغم من أنه لم يدخر جهدًا في سبيل التخلص من هذه العزلة، وبالرغم من مساعدة جو بايدن الأخيرة له حينما أعطاه الحصانة من المثول أمام القضاء الأمريكي بالتهم المنسوبة إليه، لكنه لا زال يعاني من تلك العزلة وما زال يحاول شق الشرنقة التي أحاطت به. فتارة يستضيف فنانين عالميين في بلاده لتقديم عروضهم الفنية، وتارة يقوم برعاية الفرق الرياضية المشهورة، وتارة أخرى يعمل على استضافة كأس العالم عسى أن تفك الطوق الدبلوماسي المفروض عليه، واليوم يقوم بمحاولة جديدة في هذا السياق، يُصلح فيها ما أفسده في علاقاته مع دولة الباكستان خلال السنوات الماضية، عسى أن يساهم ذلك بكسر عزلته الخانقة.

السعودية تتجه نحو مصالحة باكستان

ففي هذا الصدد، يقوم اليوم بن سلمان، بمحاولة لإعادة الدفء لعلاقة المملكة مع الباكستان، تلك العلاقة التي تضررت كثيرًا حينما أراد ممارسة وصايته وفرض رؤيته عليها بالضغط الاقتصادي. هذا ما رأته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، التي قالت، أن النظام السعودي يندفع نحو مصالحة باكستان لمواجهة عزلته الدولية، وخشيته، من أن تدير الباكستان ضهرها إليه وتذهب للتحالف مع قطر أو تركيا أو إيران، وتتحول إلى المحور المعادي لنظام بن سلمان، الأمر الذي يهدد مكانة المملكة كزعيمة للعالم الإسلامي. فبدأ بن سلمان، بالتفكير مليًا في إعادة تقييم توقعاته ومطالبه وخطوطه الحمراء، حتى تعود علاقاته مع إسلام أباد إلى مستواها الذي كانت عليه قبل عام 2015.

يُذكر أن بن سلمان كان في حالة غضبٍ شديدٍ من الموقف الباكستاني حيال تدخله العسكري في اليمن، حينما رفض البرلمان الباكستاني قرار المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية. فقام بن سلمان باتخاذ موقفٍ لا يرضي الباكستان حيال موضوع منطقة كشمير المتنازع عليها مع الهند، كما قام باستدعاء مليار دولار من قيمة قرض بقيمة 3 مليارات دولار كانت قد اعطتها المملكة للباكستان، حينما دعت الباكستان لعقد مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي دون إذن من السعودية.

لكن وبعد مرور شهر على زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وقائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا للسعودية في شهر مايو العام الجاري، عملت الرياض على إعادة الدفء للعلاقات بين البلدين. وقبل أيام، كشف وزير الإعلام الباكستاني “فؤاد شودري”، عن موافقة الرياض على استئناف إمدادات النفط إلى إسلام آباد، بعد طلب رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، استئناف تزويد بلاده بالنفط على مدفوعات مؤجلة لمدة طويلة خلال زيارته الأخيرة للمملكة. وتأكيدًا على محاولات المملكة لإعادة العلاقات مع الباكستان لسابق عهدها، أجرى الملك سلمان، اتصالاً هاتفياً، من رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، هنأه فيه بحلول عيد الفطر المبارك، وبحثا الاعتداءات الإسرائيلية في القدس، في جهود مشابه للجهود الباكستانية التركية التي انتقدت الاعتداءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

وفي هذا الشأن، ذكرت مجلة “إنتلجنس أونلاين” الاستخباراتية الفرنسية، أن الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وقائد الجيش الباكستاني “قمر جاويد باجوا” للسعودية، بطلب من بن سلمان، أثمرت عن توقيع اتفاقيات تعاون هامة في مجالات الطاقة النووية والاستخبارات وتدريب القوات الخاصة، بجانب إعادة المساعدة النفطية السعودية لباكستان، وأنها خطوة في طريق إعادة التحالف الاستراتيجي بين البلدين. وحسب المجلة، فأن الجانبان، ناقشا التعاون النووي الاستراتيجي، وقام “باجوا” بزيارة “مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية”، والتي يُعتقد أنها تضم ​​مفاعلا نوويا تجريبيا صينيا.

بعد مرور سنوات من القطيعة من الصعب إعادة العلاقات لسابق عهدها

بالمقابل، هناك من يعتبر أن التقارب السعودي من الباكستان، ينطلق من حاجة الطرفان لإعادة هذه العلاقة بسبب العزلة التي تلف البلدين بأن واحد، ففي الوقت الذي توقفت الدول الغربية والولايات المتحدة عن مساعدة الرياض في حربها في اليمن، تتضاءل أهمية الباكستان عند العواصم الغربية المهمة تزامنًا مع انسحاب الولايات المتحدة وقوات الناتو من أفغانستان.

مع هذا، يبدو أن المملكة لا تستطيع أن تصل بعلاقتها مع الباكستان، إلى المستوى الذي كانت عليه قبل 2015، نظرًا لأن المملكة لا تريد أن تخسر علاقتها المتميزة مع الهند الشريك التجاري الرئيسي والمستورد للنفط الخام السعودي، لكنها خصم تقليدي للباكستان، ففي الوقت الذي بلغ حجم التجارة الثنائية بين المملكة والهند إلى الهند 33.09 مليار دولار للسنة المالية 2019-2020، فأن تجارتها مع الباكستان لا تتجاوز 2.181 مليار دولار خلال نفس الفترة. لكن يبدو أن إسلام أباد مدركة لهذا الأمر وتتعامل بموجبه.

أما فيما يخص استيرادات النفط الباكستاني من المملكة، وفي تقرير لوكالة رويترز، ذكر أن الباكستان وأمام ضغوط السعودية بالإحجام عن الوفاء بتعهداتها في تسليم شحنات النفط المتفق عليها بين الجانبين، ضمن حزمة الإنقاذ التي أقرتها السعودية عام 2018، جعل الباكستان تفكر بخيار استيراد النفط من العراق. ففي زيارة لوزير خارجية الباكستان “شاه محمود قريشي” إلى بغداد، بحث مع نظيره العراقي “فؤاد حسين”، عمليّة تصدير نفط بغداد إلى إسلام آباد، في تحول للأخيرة التي كانت تعتمد بشكل كبير على استيراد النفط من السعودية والإمارات.

ومع ذلك فأن الغزل بين الرياض وإسلام أباد، لا يزال مستمرًا، ففي هذا الشأن، أوردت وكالة الأنباء الباكستانية، إن وزير الخارجية الباكستاني، علَّق على أنباء وساطة سعودية تقوم بها بين الباكستان والهند قائلًا، إن “بلاده سترحب بأي وساطة سعودية تهدف لاستئناف المحادثات بين إسلام آباد ونيودلهي”. فيما قال السفير الباكستاني السابق لدى المملكة “خان هاشم بن صديق”: “يدرك السعوديون جيدا أنه يمكنهم الاعتماد على دعم باكستان حال تعرض أمن بلدهم للتهديد، حيث توجد ثقة تاريخية في التعاون الأمني بين البلدين”.

تقارب الباكستان من المحور التركي أمرًا تخشاه الرياض

بعد وصول عمران خان لرئاسة لوزراء باكستان، لوحظ ازدياد وتيرة التقارب والتعاون بين وإسلام أباد وأنقرة، خاصة في مجال الصناعات الدفاعية التركية. ليس هذا فقط، إنما كان هناك تقاربًا باكستانيًا مع “المجلس التركي” المكوَّن من ستة دول ناطقة باللغة التركية تضم بالإضافة إلى تركيا، كل من أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وقبرص التركية وتركمانستان وأوزبكستان. وأبدت الباكستان رغبتها في التعاون مع “العالم التركي”، وكان لها موقف مؤيد لأذربيجان من حربها في “كاراباخ” تأكيدًا لنهجها الجديد، ورفعت الأعلام الباكستانية بجانب أعلام تركيا وأذربيجان على مدينة شوشا، حينما تم تحريرها من قبل الجيش الأذربيجاني. كما أبدت الباكستان موقفًا مؤيدًا مماثلًا في دعم تركيا لمواجهة الهجمات الإرهابية التي تواجهها في سوريا.

كل هذا التقارب، أثمر عن تعاونٍ عسكري بين إسلام اباد وأنقرة، من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات في مجال الصناعات الدفاعية، حتى أصبحت تركيا ثاني أكبر مورد للأسلحة الباكستانية بعد الصين. وحاليًا، تتولى شركة أسفات التركية، تصنيع أربع طرادات من طراز “ميليجوم” للبحرية الباكستانية، بالإضافة إلى صفقة بيع مروحيات أتاك التركية. وعلى الصعيد التجاري، يحرز البلدان تقدمًا كبيرًا في محادثات إبرام اتفاقية تجارة حرة فيما بينهما. وفي هذا الصدد، قال الرئيس التركي، إن حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يزال 804 ملايين دولار، مشددا على ضرورة رفع التبادل التجاري في المرحلة القادمة، إلى مليار دولار ثم إلى 5 مليارات دولار.

ومن الطبيعي فأن تطور علاقة الباكستان مع تركيا أو مع المحور التركي بشكل عام، أمرٌ تتخوف منه السعودية، لا سيما وأن هذين البلدين المسلمين يمكنهما تزعم العالم الإسلامي على حساب السعودية في ظل ظروفها الحالية. لذلك فأن بن سلمان يجد أن استعادة علاقاته وتأثيره السابق على إسلام أباد يعتبر من الأولويات الهامة لنظامه لكسر مثل هذه المحاولات لعزل المملكة بشكل تدريجي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق