تقارير

وضع القيود على استخدام مكبرات الصوت في المساجد وتجربة الضفدع المغلي

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

أجرى العلماء العديد من التجارب لمعرفة السلوك البشري وكيفية التعامل معه، وكانت من بين تلك التجارب، هي تجربة الضفدع الذي وضعوه في وعاء به ماءٍ مغلي، فلاحظوا إنه سرعان من قفز منه هاربًا من شدة الحرارة، لكنه حينما وضِع في وعاء به ماء معتدل الحرارة، ثم بدء بتسخينه تدريجيًا وببطء، لم يقفز الضفدع وبقي في الماء حتى بعدما ارتفعت حرارته جداً، لأنه لم يشعر بالخطر التدريجي الحاصل، فعجز عن القيام بأي حركة فمات مغليًا.

وفي هذه القصة دروس كثيرة تجعلنا نعرف كيف تتعامل الأنظمة الحاكمة مع شعوبها وكيف تروضها، حتى تبقى مستسلمة لا تعارض النظام المستبد مهما قام بتغييرات تستهدف منظومته القيمية، فالأنظمة لا تقوم بإجراء تغييرات سريعة وكبيرة ضد شعوبها، إنما تتعامل بحيلة التدرج في ذلك، حتى تصل إلى أهدافها في تغيير منظومة القيم والتفكير لدى شعوبها، وتجعلها خانعة طيّعة بيد من يقودها.

وسبب إيرادنا لهذه التجربة، هو ما يقوم به نظام آل سعود من تغييرات تدريجية على الشعب السعودي تستهدف تغيير قناعاته وتوجهاته الفكرية، بل وحتى العقائدية للوصول للأهداف التي رسمها النظام السعودي بقيادة بن سلمان. فمنذ أن تسلم مقاليد الحكم الفعلية في السنوات الأخيرة، قام بإجراءات عديدة وكثيرة لكنها تدريجية، لإحداث التغيير الكبير في بضعة سنوات مقبلة، وفي الوقت الذي يقوم بن سلمان بتخفيف القيود الاجتماعية في المجتمع السعودي، يتعامل بكل صرامة مع أي معارضة سياسية، ولا يسمح بحرية أبداء الرأي، ويعتقل الناشطين والمعارضين له ولنظامه.

قيود على استخدام مكبرات الصوت في الساجد

اليوم يقوم النظام السعودي، بتغيير ما تعارفت عليها الأجيال المسلمة في المملكة بعقودها الأخيرة، من استخدام لمكبرات الصوت لنقل شعائر الصلاة من داخل المساجد، وبالرغم من أن هذا الموضوع قد تحدث به العلماء بشكل تفصيلي وكان لهم أراءهم فيه، لكن قرار السلطات السعودية الأخير بتقييد استخدام مكبرات الصوت في المساجد وجعلها فقط للأذان والإقامة، لم يكن لأجل الأسباب التي أعلنها النظام، من أنها تؤذي من هو خارج المسجد وي البيوت، إنما لأسباب أخرى، تندرج في محاولة إزالة المظاهر الدينية عن مجتمع المملكة المسلم وبشكل تدريجي، واستخدام نظرية الضفدع المسلوق مع شعب المملكة.

ولو كان غير هذا، فلماذا لا يتم تقييد صوت مكبرات الصوت التي تنطلق من المطاعم والمحلات، ولماذا لا يتم تقييد استخدام مكبرات الصوت في احتفالات المطربين التي تُقام في الهواء الطلق، والتي لا تتوافق مع شعائر الإسلام ولا مع عادات شعب المملكة؟

السلطات السعودية تدافع عن قراراتها

ولأجل تسويق التبريرات لقراراتها ومحاولة اقناع الشعب السعودي بها، قامت السلطات السعودية، بالدفاع عن قرارها بتقييد استخدام مكبرات الصوت الخاصة بالساجد، من خلال مؤسساتها الدينية ومسؤوليها الحكوميين، وحاولوا أن يجعلوا قرارهم بهذا الشأن، هو استجابة لمطالب الناس بسبب انزعاجهم من صوت مكبرات الصوت في المساجد. هذا ما قاله وزير الشؤون الإسلامية عبداللطيف آل شيخان، من إن هذه الإجراءات، جاءت استجابة لشكاوى المواطنين من ارتفاع مستويات الصوت الصادر من المساجد. وشكاوى أخرى وردت من آباء وأمهات الأطفال الذي ينزعجون من صوتها أثناء نومهم. ولم ينسى الوزير مهاجمة من وصفهم بالأعداء، من انهم ينشرون بعض الانتقادات لسياسة المملكة، من أجل إثارة الرأي العام والتشكيك في قرارات الدولة وتفكيك اللحمة الوطنية.

وفي تطور أخير، قامت وزارة الشؤون الإسلامية، بالسماح باستخدام مكبرات الصوت الخارجية، في صلاة الجمعة والعيدين (الفطر والأضحى) حتى يسمع المصلون الذين هم خارج المساجد، بسبب الاضطراب الذي حصل في تأدية الصلوات التي تشهد اعداد مصلين كُثر، والانزعاج الذي أبداه المصلون حول هذه القضية.

محاولة توظيف الأدلة الشرعية لدعم قرارات الحكومة السعودية

وفي محاولة لدعم قرارات الحكومة السعودية في شأن تحجيم استخدام مكبرات الصوت في المساجد، أنبرى بعض الأكاديميين والمشايخ، لدعم هذا القرار الحكومي، بأدلة شرعية وأقوال لعلماء دين سابقين وحاليين، والزعم بأن القرار، يتوافق مع المصالح المرعية في الشريعة الإسلامية، وأهمها قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقاعدة: لا ضرر ولا ضرار.

ففي هذا الشأن، قال الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله بن ناصر الصبيح، أن “استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم”. فيما قال الدكتور أحمد بن صابر الغامدي، “لا شك ولا ريب أن في رفع النداء للصلوات بهذه المكبرات مصلحة شرعية ظاهرة، أما ما يتعلق بإذاعة القراءة في الصلوات عن طريق هذه المكبرات فقد رأى بعض أهل العلم أنه غير مشروع إذاعتها عبر المكبرات الخارجية، حيث أن هذا الفعل مخالف لمقصود الشارع، ويترتب عليها بعض المفاسد.”، فيما أكد الشيخ بدر بن محمد العنزي، أن “إغلاق مكبرات الصوت الخارجية أثناء الصلاة والاكتفاء بمكبرات الصوت الداخلية، من المصالح المرسلة التي يقدرها ولاة الأمور من الأمراء والعلماء، حيث أن الغاية من مكبرات الصوت الخارجية إعلام الناس بدخول وقت الصلاة فقط.”

لكن حينما قمنا بالاطلاع على فتاوى وأراء العلماء الرصينين في هذا الموضوع، تبين لنا أن هناك تفاصيل لم يتم التطرق له عمدًا، لأنها لا تتوافق مع ما ذهبت إليه السلطات السعودية تمامًا، ففي هذا الشأن، نُشر سؤال في موقع فضيلة الشيخ عبد العزيز أبن باز رحمه الله، حول موضوع استخدام مكبرات الصوت في المساجد. فكانت الإجابة من فضيلة الشيخ: “لقد صدر أخيراً الأمر بعودة الأمور على حالها الأولى، وأن تبقى السماعات مفتوحة وقت الصلاة لينتفع الناس بذلك، إلا إذا كان هناك مسجدان متجاوران يحصل بينهما تشويش فإنه يحل المشكل بطريقة خاصة وهذا هو العمل الأخير والذي صدر أخيرًا”.

أما الشيخ حمد بن صالح العثيمين رحمه الله، فقد قال في هذا الموضوع، “حكم استخدام مكبّرات الصوت في الصلاة، لا حرج فيه داخل المسجد إن لم تُؤدِّ إلى إلحاق أيّ أذى بأحدٍ، ولم تشوّش على الآخرين، ويُضاف إلى ما سبق إن كان استخدامها لمصلحةٍ ما؛ كجعل المُصلّين أكثر نشاطاً، وكذلك إن دعت الحاجة إلى استخدامها؛ كأن يكون المسجد كبيراً، أو أن يكون صوت الإمام منخفضاً بطبيعته، أمّا إن كانت مكبّرات الصوت تؤدي إلى التشويش وإلحاق الضرر بأهالي البيوت المجاورة للمسجد، أو المساجد الأخرى التي حوله، فلا يجوز استخدامها؛ لِما يترتّب على ذلك من إيذاء الناس”.

وقال: “إن الغاية من استخدام مكبّرات الصوت في المساجد له ما يبرّره؛ حيث يعدّ إسماع المصلين ضرورةً لازمةً لسلامة أداء العبادة؛ فالمصلي يحتاج إلى تنبيه لإقامة الصلاة والاستواء فيها، وحاجته إلى متابعة الإمام وعدم استباقه في أداء أركان الصلاة أوجبُ وأهمّ، كما أنّ الحاجة واضحةٌ في ضرورة تبليغ جمهور المسلمين صوت الأذان وإعلامهم بدخول وقت الصلاة، فضلاً عن حاجة أهل المسجد لسماع ما يُقّدم من خطبٍ ومواعظ ودروس”.

ومن هذا فأن العلماء الافاضل رحمهم الله، قد أعطوا تفصيلًا في شأن استخدام مكبرات الصوت بما يتوافق مع مقاصد الشريعة، وبما لا يُسبب حالة الضرر للناس، بينما ما قامت به السلطات السعودية، ليس الغرض منه مراعاة عدم ازعاج الناس والإضرار بهم، إنما يهدف إلى تقليل المظاهر الدينية في المجتمع السعودي، واستبدالها بمظاهر وعادات غربية بعيدة عنه، ولا تمت بصلة لما يحمله من عقيدة إسلامية وقيم عربية متوارثة من الأجداد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق