تقارير

وزير السياحة السوري في الرياض…. هل بات تطبيع العلاقة بين النظام السعودي والسوري وشيكًا؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

استمرارًا لحالة الغزل المتبادل بين المملكة السعودية والنظام السوري، وصل وفدًا سوريًا برئاسة وزير السياحة السوري “رامي مرتيني” بدعوة من وزارة السياحة السعودية ومنظمة السياحة العالمية، لحضور اجتماعًا خاصًا بالسياحة العالمية للشرق الأوسط، عقد في الـ 26 من شهر أيار/ مايو في العاصمة الرياض. ورغم أن الزيارة لا تبدو إلا خطوة صغيرة في طريق إعادة العلاقة بين النظامين، لكن المؤمل تكرار هذه الزيارات في الأيام والأشهر المقبلة.

تعتبر زيارة المسؤول السوري إلى المملكة، هي الأولى من نوعها منذ بدايات الأحداث في سوريا عام 2011. يذكر أن زيارة مماثلة، قام بها وفد من “اتحاد الصحفيين السوريين” الموالي للنظام السوري، زار السعودية في أواخر 2019، للمشاركة في اجتماع “اتحاد الصحفيين العرب”. فيما ذكرت تقارير إعلامية، عن زيارة أجراها وفد استخباراتي سعودي للعاصمة دمشق، ولقائه لمسؤولين أمنيين في نظام بشار الأسد.

رغبة سعودية وسورية في إعادة العلاقات لكنها تتصادم مع رغبات غربية مضادة

تبقى الآمال السورية في عودة علاقاتها الخليجية كبيرة، هذا ما عبرت عنه بصراحة مستشارة رئيس النظام السوري بثينة شعبان حينما قالت، إن هناك جهودًا تبذل لعلاقات أفضل بين دمشق والرياض، متوقعة نتائج إيجابية في الأيام المقبلة بعد أن كانت غير ممكنة قبل سنوات.

أما وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، فقد علَّق على زيارته زميلة “رامي مرتيني” للرياض، “قلنا أكثر من مرة إننا نرحب بمثل هذه الفرص، وبعودة التضامن العربي بالحد الأدنى، وعودة الحوار والتخاطب العربي، ولذلك من الطبيعي أن يتواجد وزير السياحة في مؤتمر حول السياحة في منطقة الشرق الأوسط تستضيفه العاصمة السعودية الرياض ونأمل النجاح لهذا المؤتمر”. لكنه تحدى الدول التي تدعو لتغيير النظام السوري بالقول، “حلم بعض الدول بالتغيير في سوريا هو أمل إبليس في الجنة”.

تذبذب الموقف السعودي من النظام السوري

كان النظام السعودي قد اتخذ موقفًا مخالفًا للنظام السوري منذ بدء الثورة السورية عام 2011، متوافقًا بذلك مع مواقف دول عربية ودولية ذلك الحين، فقامت بقطع علاقاتها مع النظام السوري وأغلقت سفارتها في دمشق، ودعمت بعض فصائل المعارضة السورية.

لكن المملكة، تراجع اهتمامها بالشأن السوري لاحقًا خاصة بعد التدخل الروسي فيه، وانشغالها بحربها في اليمن، فقامت بتخفيف علاقتها مع الفصائل السورية إلى أن قطعتها تمامًا، وبدأت مواقفها تميل إلى دعم الحلول السلمية وفق قرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص.

وفي أخر اتصال هاتفي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل نحو شهرين، تناولا الوضع في سوريا والخليج، في تمهيد على ما يبدو، لإعادة العلاقة السعودية السورية إلى سابق عهدها برغبة روسية. وفي هذا الصدد، كان لقاء بن سلمان مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف للتباحث عن اخر المستجدات في الساحة السورية. أكد خلالها بن سلمان، على دعمه للجهود الرامية للتسوية السياسية في سوريا، بما يكفل أمن الشعب، ويحميه من المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تعطل الوصول إلى حلول حقيقية. وتعتقد المملكة أن عودة النظام السوري إلى محيطه الإقليمي، والانتهاء من الانتخابات الرئاسية في دمشق رغم اعتراض العالم عليها، من شأنه أن يفضي إلى تجاه البلاد إلى الاستقرار.

لكن هناك ما يعزز القناعة بتردد السعودية عن الانفتاح على النظام السوري، هي الإجابات غير المرضية التي تلقاها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في جولته قبل أشهر إلى ثلاث عواصم خليجية كانت السعودية أحداها، إذ كان الهدف من جولته، طرح أفكار من قبيل إعادة النظام إلى الحاضنة العربية من خلال العواصم الثلاث التي زارها، الرياض والدوحة وأبوظبي، إلا أن ما سمعه لافروف من السعوديين والقطريين كان حاسماً بأن أي حل سيكون وفق المرجعيات الدولية والقرار 2254 ولا سبيل لحل لا تكون المعارضة جزءاً منه.

وتجد المملكة صعوبات في إعادة تأهيل النظام السوري، نظرًا لوجود العقوبات الغربية والأمريكية على النظام السوري، وبالتالي فأن السعودية لا يمكنها مساعدة النظام السوري حتى لو كانت راغبة بذلك، إلا برضى أمريكي تحديدًا.

ورغم الرفض الدولي والشعبي للانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري، يحاول جاهدًا في إقناع العالم بأن الانتخابات التي أجراها، هي الطريق الوحيد لإعادة الاستقرار لسوريا. ويأمل النظام بإعادة علاقاته بمحيطه العربي والخليجي على وجه الخصوص، لكسر المقاطعة والعزلة التي يعيشها، بضغط ونصائح من حليفته موسكو. وبالتالي فأن زيارة مارتيني وزير السياحة في حكومة النظام السوري، إلى السعودية تأتي ضمن هذه المساعي.

مع ذلك كله، يبقى من الصعب التخمين بموقف المملكة السعودية من نتائج هذا التقارب وتأثيره على عودة العلاقات بين البلدين. ففي الوقت الذي تداول العالم خبر زيارة المسؤول الاستخباراتي السعودي إلى دمشق قبل أسابيع، نفى السفير السعودي في وزارة الخارجية رائد قرملي، حصول مثل هذه الزيارة، رغم أن مصادر مقربة من أصحاب القرار في المملكة، قالت إن زيارة رئيس المخابرات السعودية إلى دمشق، قد تمت فعلاً، لكن رجَّح البعض أن الزيارة إذا ما تمَّت فعلاً، فربما تكون دوافعها أمنية بحتة تخص الشأن اليمني وليست سياسية بالمطلق. وربما تكون عودة العلاقات السورية السعودية هي أحد الاثمان التي على المملكة دفعها نظير تخفيف هجمات الحوثيين على أهداف اقتصادية سعودية؟

سعي حثيث من النظام السوري لعودة علاقاته مع المملكة

يحاول النظام السوري جاهداً أن يُعيد علاقاته السابقة مع البلدان العربية وبالأخص مع السعودية، ويُظهر عبر تصريحات مسؤوليه، ووسائل إعلامه، أن عودة العلاقات مع السعودية بات قريباً ووشيكًا، والمتابع لوسائل الإعلام التابعة للأسد يجد أنها قد توقفت عن مهاجمة دول الخليج، وأصبح الموضوع أقرب إلى المغازلة وإرسال الرسائل الإيجابية.

إن ما يريده الأسد من تحسين علاقاته مع السعودية، التي وقفت ضده وموَّلت فصائل عسكرية حاربت جيشه والمليشيات التي كانت تسانده، هو أن النظام السوري يعاني من عزلة دولية خانقة يريد الخروج منها، واستعادة مقعده في الجامعة العربية، وتحسين اقتصاده، وتخفيف تأثير العقوبات الغربية عليه. وبالتالي، فأن الأسد يريد أن تكون السعودية جسره الذي يعبر فوقه على كل تلك الازمات التي يعاني منها، وأن تكون سببًا لعودته إلى المنظمات والمحافل الدولية رويدًا رويدًا.

من جانبها، يُرجح أن الرياض، ليست في صدد تطبيع علاقاتها مع النظام السوري في الوقت الحالي، لا سيما وأنها تجري حاليًا مباحثات مع الجانب الإيراني، وعودة علاقاتها مع الأسد سوف تضعف موقفها في تلك المباحثات. من جانب أخر، تمثل عودة العلاقات بين السعودية والنظام السوري، تحديًا للإدارة الأمريكية التي أكدت سياستها من خلال تمديد عقوباتها المفروضة على النظام، وتحذيرها من تعويمه، والرياض في الوقت الحالي، في غنى عن إثارة المشاكل مع الإدارة الأمريكية.

وستبقى الخطوات السعودية تجاه سوريا، رمزية أكثر منها سياسية، فقد أعلنت مؤخرًا وزارة الداخلية السعودية، عن السماح لمواطنيها بالسفر إلى سوريا، لكن بشروط أمنية محددة. والسفارة السعودية في دمشق التي أشيع عن قرب افتتاحها، لم يتم الحديث عن هذا الموضوع مرة ثانية، وخلال رده على سؤال يتعلق بهذا الموضوع، رد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، “اسألوا السعوديين عن السفارة”، في ردٍ يحمل معاني النفي لخبر قرب افتتاحها. ومن هذا يتبين أن إعادة تأهيل بشار الأسد في ظل هذه الظروف الدولية المحيطة، أمر صعب إن لم يكن مستحيلًا وعلى الراعي الروسي لنظام الأسد، أن يجد طريقة أخرى لتأهيل النظام، ربما يكون أحدها تغيير بشار الأسد بشخصية أخرى أكثر مقبولية للأخرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق