تقارير

الحوثي يدَّعي السيطرة على أراضي في الحد الجنوبي للمملكة والأخيرة تنفي والعالم لا يثق في بيانات الطرفين

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

إن من الأمور الصعبة التي تواجه الباحث عن الحقيقة، هي حينما يصغي لخصمين يمتهنان الكذب، ويستعملانه كوسيلة حرب، يستخدمها أحدهما ضد الأخر. هذا بالضبط وصف حال من يريد أن يعرف حقيقة ما يحدث في جنوب المملكة. فجماعة الحوثي التي تدَّعي تحقيقها انتصارات عسكرية على قوات التحالف، وتوغلها واستيلائها على أراضي سعودية، يأتيها الرد من السعوديين، بأن كل ذلك هو مجرد فبركة إعلامية.

ففي الأيام الأخيرة نشرت وكالة “سبأ” الناطقة باسم المليشيات الحوثية، خبر توغل ميليشياتها في جنوب السعودية وبالتحديد في منطقة “جيزان” في عملية عسكرية سيطرت خلالها على مساحات واسعة، وزعمت أن العملية أسفرت عن تدمير ستين آلية ومدرعة، ومقتلِ وإصابة وأسر عدد من قوات التحالف، ولأجل أن تُعضد روايتها تلك، بثت، شريط فيديو فيه مشاهد تقول إنها جزء من العملية التي جرت جنوب السعودية، وتظهر تدمير آليات للتحالف ومقتل جنود للتحالف والاستيلاء على مواقع عسكرية.

ليست المرة الأولى التي يدعي الحوثي الاستيلاء على مناطق سعودية

ومن متابعتنا لمجريات الحرب اليمنية، وحرب الاعلام التي تدور بين الطرفين، يتبين لنا أن ادعاءات مليشيات الحوثي بالاستيلاء على مناطق سعودية ليست بالجديدة، وانها قامت لأجل ذلك، ببث العديد من الأخبار والفيديوهات التي تثبت صحة روايتها، وإعلانهم الأخير يندرج ضمن نفس الاستراتيجية الإعلامية التي تتبعها منذ سنوات، طالما لا يوجد ما يؤكد أو ينفي حقيقة ما يجري هناك من وسائل أعلام عالمية ومحايدة.

وفي هذه المرة، أصدر المتمردون الحوثيون في اليمن تسجيلا مصورا، قبل أيام، أدعوا أنه تم تصوير عملية توغل مقاتليها في منطقة حدودية في السعودية، وقتلوا أكثر من 80 جندي من السعوديين والسودانيين، وأسر العشرات، وتظهر بعض اللقطات المصورة التي نشرها تلفزيون المسيرة، رجالا يرتدون الزي العسكري السعودي يتعرضون للهجوم ويلوذون بالفرار من منحدرات جبلية وعرة، في العملية التي جرت على محور “الخوبة – وادي جارة” بمنطقة جازان، جنوب المملكة، وإن الحوثيين سيطروا على 150 كم مربع، و40 موقعاً. وأوضحت وكالة “سبأ” الحوثية، أن السعودية لم ترد فورًا على الخبر، كدليل على تكبد جيشها لخسائر لا تريد الإفصاح عنها.

لكن الذي يجعلنا غير متأكدين من صحة الادعاءات الحوثية، أنهم كانوا يعلنون في مرات عديدة، استيلائهم على أراضي جنوب السعودية ثم يتبين بعد ذلك كذب تلك الادعاءات، ففي 10 أغسطس/ أب عام 2017، أدعى الحوثيين أنهم نقلوا المعارك مع الجيش السعودي إلى داخل أراضي المملكة، في مدن جيزان ونجران، وأدعت أنها لم تقتحمها لأنها تلتزم بالقيم وبقواعد الاشتباك، لكن النطاقات الجغرافية التي أخلتها السلطات السعودية من سكانها واتخذتها مواقع عسكرية، فقد هاجمتها، واستولت على بعضها.

وأدعى الحوثيين، أن السعودية، طلبت من سلطنة عُمان التوسط لدى “الحوثيين” لوقف تصعيدهم على حدها الجنوبي، بسبب تفاقم ألمها من انتقال عمليات القتال إلى طور التوغل والسيطرة داخل المملكة، وأدعوا بأن خبراء عسكريون يتوقعون سقوط مدن سعودية كبرى في حال استمرار تصعيد القتال بالوتيرة ذاتها خلال الأسابيع الأخيرة، وللتذكير، فأن كلام الحوثيين هذا، كان عام 2017.

أما في 19 مايو/ أيار عام 2018، فقد قامت مليشيات الحوثي بنشر مقاطع فيديو ادعت أنها توثق مشاهد اقتحام مواقع عسكرية سعودية في مدينة جازان على الحد الجنوبي للمملكة، ووفقا للفيديو الذي بثه “الإعلام الحربي” التابع لجماعة الحوثي، فإن أحد المواقع التي تم اقتحامها تعرف باسم “الإم بي سي”، وهي من أبرز المواقع العسكرية على جبال جازان. وادعى موقع “المسيرة” التابع للحوثيين، إن القوات السعودية هربت من مواقعها عقب اقتحامها من قبل الحوثيين، وأظهرت المشاهد عددا من مقاتلي الحوثي وهم يتجولون داخل مواقع للجيش السعودي، بطريقة شبيهة لما تدعيه الجماعة حاليًا حول سيطرتها على مواقع سعودية.

ذات الشيء فعلته جماعة الحوثي في 24 مارس/ أذار عام 2018 حينما ادعت أن قواتها باتوا يرابطون على مشارف نجران، منتظرين إشارة اقتحامها، ويسيطرون على المواقع الاستراتيجية في جيزان، وأدعت بأن مقاتلي الجماعة، يرتدون بزّات “القوات الملكية البرية”، ومتسلّحين بقناصاتها الكندية.

من جانبه، أكد أحد قيادات الحوثيين، محمد الغيلي، أن «أبطال الجيش واللجان الشعبية يسيطرون اليوم على 18 ألف كم مربع في نجران، ودمرنا حتى الان 127 دبابة للجيش السعودي، والعديد من المدرعات والأطقم والجرافات، واقتحموا 180 موقعًا بين مراكز قيادة وأبراج رقابة ومستودعات للسلاح”. وأضاف الغيلي، بأن “مدينة نجران، باتت محاصرة من شمالها الغربي وجنوبها الغربي بمجموعات من الجيش واللجان، وأصبحت بين فكي كمّاشة، وأن اقتحامها لن يستغرق منا سوى ساعات”. يُذكر أن الجماعة نفسها كانت قد أدعت عام 2009، سيطرتها على جبال الدود والدخان والرميح في جيزان، والتي لا تزال تحت قبضتها حتى الان، كما تدعي.

ومن كل هذه الادعاءات الحوثية، يتبين لنا أن سرد القصص الوهمية والاكاذيب التي تقوم بها الجماعة عن انتصاراتها العسكرية، هو أسلوب مُتبع من قبلها لتحقيق أهداف عديدة، منها ما هو داخل في موضوع رفع المعنويات لاتباعها، ومنها ما هو داخل في موضوع التأثير على معنويات الخصم.

عدم الوثوق بالبيانات السعودية

بالمقابل، يجد المراقبون صعوبة في تصديق أو الوثوق في البيانات الصادرة عن القيادات العسكرية السعودية، أو ما يسمى بـ”قوات التحالف”، فهي مشابه للبيانات الصادرة عن جماعة الحوثي، لا يوجد فيها ما يدعمها من الاعلام المحايد، وتريد من الأخرين تصديق روايتهم دون أدلة وإثباتات، وفي الادعاءات الأخيرة للحوثي التي أدعى سيطرته على مساحات شاسعة من جنوب المملكة، نفى المتحدث باسم التحالف تركي المالكي، أن يكون ذلك صحيحًا، ووصفها بـ “الفبركة الإعلامية”. وأضاف المالكي، بأن “الانتصارات الوهمية” للحوثيين تستهدف التغطية على الخسائر العسكرية الضخمة التي منيت بها الحركة في محافظتي مأرب والجوف، وأضاف “المالكي”، إن الستة الأشهر الأخيرة، شهدت تدمير أكثر من أربعة آلاف آلية عسكرية تابعة للميلشيا.

لكن يبقى السؤال قائمًا، إيهما الصادق في كلامه وإيهما الكاذب، في ظل غياب شبه تام للوكالات الإعلامية العالمية التي تغطي أحداث اليمن وتنقل الأخبار بموضوعية.

من ناحيتها، عادت جماعة الحوثي، لتؤكد معلوماتها عن عملية التوغل بالأراضي السعودية، من خلال تحديها للسعودية، بالقول: “حاضرون لتبادل جثامين القتلى” جاء ذلك على لسان القيادي في الجماعة الحوثية، “محمد علي الحوثي” عضو المجلس السياسي الأعلى. وزادت الجماعة من تحديها لتقول: “إذا كانت مشاهد عملية جيزان أوصلت الرعب بكم إلى عدم استيعاب حقيقتها، فكيف ستصفون العمليات والمشاهد القادمة”.

وبعد كل هذا الادعاءات والتكذيب لها المقابل، أما كان الأجدر بالمملكة، إثبات كذِب الحوثي، من خلال دعوة وسائل الإعلام العالمية إلى منطقة الحادث؟ وهو أمر يمكن تحقيقه ببساطة لو كانت هناك إرادة سعودية لإثبات كذب الحوثي، لكن يبدو أن المملكة ليست بصدد فعل ذلك، لأن أن هناك ما تريد إخفائه في هذا الموضوع، وهذا الأمر يجعل الحوثي يتمادى في أكاذيبه لأنه يعلم أن المملكة غير قادرة على كشف حقيقة ما يجري في حدها الجنوبي، أو ما يحدث في حرب اليمن بشكل عام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق