تقارير

التقارب التركي السعودي ضرورة تفرضها احتياجات البلدين

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

ارتفعت التوقعات بانفراجه في العلاقات التركية السعودية بعد الاتصال الذي قام به الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهاية العام الماضي، وإرساله لحزمة من المساعدات الإنسانية حينها لمتضرري زلزال أزمير، رُصدت بعد ذلك تصريحات إيجابية من مسؤولي الدولتين، أفادت بأن الأيام القادمة ستكون هناك علاقات أكثر دفأ بين الجانبين.

لكن ساد الصمت بعدها على هذا الموضوع، بل أعقبتها إجراءات سعودية ضد تركيا يُفهم منها بأنها إجراءات تصعيدية ضد تركيا، ولا رغبة لدى الجانب السعودي في تطبيع العلاقة مع تركيا، وذلك من خلال قيام السعودية، بحملة لمقاطعة البضائع الواردة للمملكة من تركيا، وتُعمد سلطات الجمارك السعودية على تأخير دخول البضائع التركية أو منعها، مما حدا الأمر بالسلطات التركية لرفع قضية ضد السعودية إلى منظمة التجارة الدولية، تشكوا فيها الإجراءات التي تقوم بها السلطات السعودية ضد النشاط التجاري التركي المتجه إلى السعودية. ومؤخرًا، كشفت السلطات السعودية عن نيتها بغلق ثماني مدارس تركية عاملة في المملكة.

مع ذلك، فقد قامت تركيا بمعاودة تواصلها بالمسؤولين السعوديين، انطلاقًا من عزمها الجديد على تصفية كافة الإشكالات العالقة بين البلدين، وكذلك مع جميع الدول المرتبطة بالمحور السعودي، فبعد جولات اللقاءات السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية التي قامت بها تركيا مع الجانب المصري، والتي يبدو إنها ستثمر عن عودة للعلاقات الثنائية، قام الرئيس التركي الثلاثاء الماضي بإجراء مكالمة مع الملك سلمان، اتفقا خلالها على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين. وفي تصريحات لوكالة رويترز، قال مسؤولون أتراك، بأن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، سيزور السعودية لإجراء مباحثات مع المسؤولين السعوديين، وفي هذا الصدد، كشف مسؤولون أتراك، لم يكشفوا عن أسمائهم، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، اتفقا خلال المكالمة التي أجرياها يوم الثلاثاء الماضي، على أن يعْقِد وزير الخارجية التركي، ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، محادثات قريبًا.

وهذا ما حدث بالفعل، فقد شهدت العاصمة السعودية الرياض، أول زيارة لوزير خارجية تركي منذ حادثة مقتل خاشقجي، لبحث العلاقات الثنائية، هذا ما نقله التلفزيون التركي، من أن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، قام في العاشر من الشهر الجاري، بزيارة إلى الرياض تُعد الزيارة الأولى له منذ عام 2018، وستستمر لمدة يومين يلتقي خلالها نظيره السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود ومسؤولين أخرين، بحسب بيان لوزارة الخارجية التركية.

من جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن لوكالة رويترز، إن أنقرة تسعى لإصلاح العلاقات مع الرياض من خلال برنامج عمل إيجابي. وأوضح قالن، أن تركيا تحترم قرارات المحكمة السعودية التي أجريت العام الماضي لقتلة خاشقجي، الأمر الذي عدَّه المراقبين، تغييرًا كبيرًا في سياسة تركيا من هذه القضية.

ورجح عدد من المسؤولين الاتراك، بأن المباحثات القادمة بين الجانبين ستحمل أمالًا كبيرة، ففي هذا الشأن، قال مسؤول تركي كبير، بأن “بهذه الزيارة من الممكن أن نبدأ فترة جديدة معا”، مضيفا أن المحادثات ستُركز على التجارة والعلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية، مثل الصراع في ليبيا. يُذكر أن موقف السعودية الجديد مما يدور في ليبيا كان فيه تطورًا ايجابيًا، حينما أعلنت بأنه تؤيد الحلول السياسية للتوصل إلى توافق من شأنه حل المشاكل في ليبيا. وتزامنًا مع هذه التطورات، شهدت العاصمة السعودية الرياض، مباحثات بين نائب وزير خارجية البلاد وليد بن عبدالكريم الخريجي، والسفير التركي أردوغان كوك، جرى خلالها استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

التقارب التركي السعودي لم ينعكس على أرض الواقع حتى الأن

لكن هذه التغييرات ومبادرات التقارب التركي السعودي، لم تنعكس حتى الأن على أرض الواقع، فما زالت صادرات تركيا للمملكة في أدنى مستوياتها، وسط مقاطعة غير رسمية بدأت منذ أشهر من قبل المملكة السعودية، رغم عدم اعتراف المملكة بمسؤوليتها عنها. وما زال الإعلام السعودي والإماراتي يشنان هجماتهم الإعلامية على السياسية التركية.

فقد أظهرت بيانات TIM أنّ صادرات تركيا إلى المملكة العربية السعودية تراجعت إلى 67.4 مليون دولار فقط من يناير إلى أبريل، بانخفاض 93.3٪ عن مستوياتها قبل عام. ورغم أن البيانات السعودية الأخيرة، أظهرت ارتفاعًا في واردات المملكة من تركيا في شهر فبراير على أساس شهري. لكنها لا تزال أقل بكثير من حجم العام الماضي، ولا تزال منخفضة بنحو 98% على أساس سنوي. وانخفضت تركيا إلى المركز 67 من حيث الواردات إلى السعودية منذ 11 فبراير الماضي. وانخفضت صادرات تركيا إلى المملكة إلى حوالي 2.4 مليار دولار في العام السابق. التي كانت حوالي 3.1 مليار دولار في 2020.

هل يسمح بن سلمان في تقارب بلاده من تركيا؟

أن الملاحظ على محاولات إعادة التطبيع للعلاقات التركية السعودية وإعادة الأمور إلى سابق عهدها قبل استفحال الخلافات بينهما، إنها كانت تتم عبر قناة الديوان الملكي السعودي، ففي الحالتين كانت ترتفع الآمال بإنهاء الخلافات البينية عبر التواصل المباشر بين قيادتي البلدين، الممثلتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وحينما لم تسفر المحاولة الأولى عن شيء، رجح كثير من المراقبين، أن السبب في ذلك، كان التمنّع الذي أبداه ولي العهد السعودي من هذه المبادرات التصالحية، وبدفع من أصدقائه في الإمارات، فيما ذهب بعض المحللين السياسيين، إلى أفترض أن هناك خلافًا في وجهات النظر، بين الملك وولي عهده في ملفات عديدة، منها ملف عودة العلاقات إلى سابق عهدها مع تركيا.

وبالتالي، يتساءل المراقبون، هل ستلقى المحاولة الثانية لإعادة الدفء للعلاقات التركية السعودية نفس مصير المحاولة الأولى؟ هذا الأمر من الممكن حدوثه بسبب التأثير البالغ الذي ألمَّ بولي العهد السعودي بسبب حادثة اغتيال الكاتب الصحافي جمال خاشقجي وتحميل ولي العهد السعودي مسؤولية قتله، وكان الدور التركي حينها في فضح هذه الجريمة كبيرًا، وسبَّب لمحمد بن سلمان عزلة دولية كادت أن تعصف بمستقبله السياسي.

لكن بنفس الوقت، فأن محمد بن سلمان في ظرفه الحالي، في حاجة كبيرة لتركيا وما سواها من الدول، حتى يخرج من عزلته التي تلف به، وبإمكان تركيا أن تلعب دورًا كبيرًا في هذا الأمر، وهذا ما لاحظناه على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، حينما أقرَّ باحترام تركيا لمقررات المحاكم السعودية في موضوع مقتل جمال خاشقجي، وبالتالي فأن من الممكن اعتبار هذا الإقرار التركي بمخرجات المحاكم السعودية، مدخلًا لأبن سلمان لعودته التدريجية لما كان عليه من تأثير سياسي إقليمي ودولي في السابق.

وفي النهاية، يمكننا القول، أن هناك مصلحة مشتركة تجمع تركيا والسعودية لإعادة الدفء لعلاقاتهما، فمن جانب تركيا تجد نفسها في حالة ضغط اقتصادي يجب عليها الخروج منه سريعًا، بالمقابل هناك ضغط سياسي على المملكة وعلى بن سلمان، يتوجب عليها التفكير بالخلاص منه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق