تقارير

أولى ثمار مباحثات بغداد…. الرياض تطبع علاقتها مع نظام بشار الأسد

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

استمرارًا للتغيرات السياسية التي ينتهجها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الفترة الأخيرة، من خلال انفتاحه المُذل على إيران وباقي الدول والمليشيات الدائرة في فلكها، كشفت صحف عالمية، عن زيارة قام بها رئيس المخابرات السعودي اللواء خالد حميدان إلى العاصمة السورية دمشق، ففي هذا الشأن، ذكرت ذلك صحيفة الغارديان البريطانية، أن حميدان، ألتقى “علي المملوك” نائب رئيس النظام السوري بشار الأسد وأجرى معه مباحثات حول تطبيع العلاقات بين البلدين، وحول عودة سوريا لشغل مقعدها الشاغر في الجامعة العربية.

تأتي هذه الأنباء، بعد اعتراف النظام السعودي بإقامته لمحادثات مباشرة مع الجانب الإيراني في بغداد، والذي أكده مسؤول رفيع في الخارجية السعودية، حينما قال، إن محادثات مباشرة بين المملكة وإيران، تهدف إلى “استكشاف طرق للحد من التوتر بالمنطقة”، وأضاف المسؤول في تصريح لوكالة رويترز “نأمل في نجاح المحادثات لكن من السابق لأوانه الوصول إلى أي استنتاجات محددة”. وكانت صحف عالمية عديدة، قد ذكرت، أن خالد بن علي الحميدان، التقى بمسؤولين إيرانيين في بغداد في التاسع من أبريل الماضي.

محادثات بغداد تمهد لتطبيع العلاقة بين الرياض ودمشق

وذهبت صحيفة الغارديان البريطانية، إلى اعتبار الاجتماع الذي عُقد في دمشق بين حميدان والمملوك، بأنه مقدمة لانفراجه وشيكة بين الطرفين، ربما سنرى أثارها خلال فترة ما بعد فترة عيد الفطر الأسبوع القادم. وهناك أنباء تفيد بعزم السعودية على فتح سفارتها في دمشق كخطوة أولى لاستعادة العلاقات بين البلدين، بعد غلقها في نوفمبر 2011 عقب قرار صدر عن جامعة الدول العربية. وأشارت مصادر، إلى أن الوفد السعودي أبلغ مُضيفيه السوريين، بأن بلاده ترحّب بعودة سورية إلى الجامعة العربية، وحضور مؤتمر القمة العربية المقبل في الجزائر في حال انعقاده.

وبالرغم من عدم صدور أي تعليق رسمي من قبل الجانب السعودي حول أنباء تقاربهم مع النظام السوري، إلا أنه وكما في كل حالة، سرعان ما ستُعلن السلطات السعودية عن تأكيدها لتلك الانباء، ويرى كثير من المحليين السياسيين، أن هذا الصمت عن هذه التحركات، ربما يندرج ضمن التكتيكات المتّفق عليها بين الجانبين، نظرا لكون تلك الخطوات ما تزال في مرحلة جسّ النبض. بالمقابل، كانت ردود الفعل السورية، مرحبة بالتقارب الذي تبديه المملكة إليها، ففي هذا الشأن، وصف السفير السوري في لبنان، السعودية، بأنها دولة شقيقة وعزيزة، مؤكدًا ترحيب بلاده بأي خطوة في صالح العلاقات “العربية – العربية”.

يذكر أن الفترة الأخيرة، شهدت دعوات “سعودية-إماراتية” لعودة سوريا، إلى الجامعة العربية ومحيطها العربي، فسبق وأن أكد وزير الخارجية السعودي، “فيصل بن فرحان”، على أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في “سوريا”، وبالتالي عودتها إلى الحضن العربي.  يأتي هذا تزامنًا مع ما أكده، “عبدالله بن زايد آل نهيان”، وزير الخارجية الإماراتي، على ضرورة التعاون والعمل الإقليمي، مشيرًا إلى بدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه.

ما أسباب التهدئة التي يُقدم عليها بن سلمان مع إيران؟

كما هو واضح، إن موسم التهدئة والمصالحات التي أطلقها بن سلمان  مؤخرًا، لها أسبابها القوية التي أجبرته على الإقدام عليها، رغم إنه كان أكثر المتشددين مع النظام الإيراني من بين أمراء الأسرة المالكة السعودية، ويرجح أن السر في ذلك، هو تغير مزاج الإدارة الأمريكية في نظرتها لمنطقة الشرق الأوسط، وانخفاض مستوى اهتمامها به، وانحراف بوصلة اهتمامها إلى مناطق صراع أخرى أكثر أهمية للولايات المتحدة، مثل صراعها مع الصين أو صراعها مع روسيا، وبالتالي فأن واشنطن تريد ترك المنطقة لأهلها يديرون صراعاتهم بأنفسهم، ولكن بعد أن تعود إلى الاتفاق النووي مع إيران، وأخذ العهود والمواثيق منها بعدم تشكيلها خطرًا على ربيبتها “إسرائيل”، حين ذلك، لن يكون مهمًا بالنسبة لواشنطن، إنْ تسيَّدت إيران على دول المنطقة أم لا. فهذا الأمر لم يعد من أولياتها ما دام أن إيران لن تشكل خطرًا على أمنها القومي وأمن “إسرائيل”.

كما أن احتمالات تمخض محادثات فيينا عن إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، ورفع العقوبات الأمريكية عن ايران، أثر بشكل كبير على تغيير الحسابات السعودية، وباتت قيادتها تسعى لتحسين علاقاتها مع المحور الإيراني، وتطبيع العلاقات بين طهران والرياض، حتى تستطيع المملكة إيجاد مخرج أمن من الأزمة اليمنية. وعلى هذا الأساس، وفي ظل المعطيات الحالية، وجدت المملكة نفسها قد وصلت إلى مرحلة العجز عن تحجيم وكلاء إيران في اليمن، ووصلت إلى مرحلة العجز من الوقوف أمام مخططات إيران في المنطقة، فقامت بتغيير خططها تجاه إيران على مبدأ (اليدُ التي لا تستطيعُ كسرَها، قبِّلْها)، فعمِت المملكة للاتفاق مع إيران بدلًا من إبقاء حالة الصراع بينهما متأججة، وبكلام أخر، فأن هذا يعني أن بن سلمان يرفع الراية البيضاء أمام إيران، ويبدي استعداده لتنفيذ ما تطلبه منه شريطة عدم مساسها بأمن المملكة وأمن النظام السعودي.

ومن هنا تأتي مبادرة النظام السعودي في إصلاح علاقته مع النظام السوري، وتحسين علاقة مع العراق، الذي تحول فجأة، من دولة لا أهمية سياسية له بالمنطقة، إلى الوسيط الأكثر أهمية ومقبولية لدى المملكة. يُذكر أن مبادرة مصالحة سعودية سابقة كانت موجهة للطرف الحوثي، لكن الحوثيين رفضوها لانهم وجدوا أنها لا تلبي مصالحهم في اليمن حاليًا.

السبب الأخر الذي كان يعول عليه محمد بن سلمان وباقي امراء الخليج في مجابهتهم للخطر الإيراني، هو الاعتماد على “إسرائيل” والتطبيع معها، عسى أن تكون رقمًا صعبًا في معادلة توازن القوى في الشرق الأوسط مقابل إيران، لكن هذا الرهان ذهب أدراج الرياح في ظل احتمالية فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي في تشكيل حكومته، وفي ظل حالة الجفاء الغريبة التي حدثت ما بين “إسرائيل” والإدارة الامريكية بعهد جو بايدن، و”إسرائيل” لا يمكنها مجابهة إيران لوحدها بعد أن ذهب بايدن لإبرام أتفاق معها.

ماذا بعد عودة العلاقات السعودية السورية إلى طبيعتها السابقة؟

يُعتقد أن علاقات المملكة بسوريا، إذا ما عادت إلى طبيعتها السابقة، فأن من المؤمل أن تكون الخطوة اللاحقة، هي التهدئة مع الحوثي في اليمن، لان الملف اليمني، كان من بين أهم النقاط التي تم مناقشتها بين الجانب السعودي والجانب الإيراني في بغداد، ويُرجح أن إيران لا تجد مانع من تقديم بعض التنازلات في ملف اليمن مقابل المكاسب التي ستحصل عليها من المملكة في الموضوع السوري وفي مواضيع أخرى، بالمقابل ستحث المملكة باقي الدول العربية على تطبيع علاقاتها مع النظام السوري. لكن بالمقابل، يرى محللون أخرون، إن من التنازلات التي ستقدمها المملكة لإيران، ستكون على الساحة العراقية، وستقبل المملكة بسيادة إيران على هذه الدولة العربية، مقابل تنازلات إيرانية تقدمها في الملف اليمني.

وفي ظل هذه المعطيات، رأينا محمد بن سلمان، وخلال لقائه الأخير على شاشة التلفزيون الرسمي السعودي، كان يركّز على النفس العروبي، والمصلحة العربية، ومحاربة التطرّف الإسلامي، وهي لهجة تصالحية لفتت أنظار المراقبين. بالإضافة إلى وصف إيران بالدولة الصديقة التي لدى المملكة مصالح معها ولدى إيران مصالح في المملكة. فيما قامت الصحافة المحسوبة على الإمارات والمملكة من جانبها، بحملات التبرير على هذا النهج التصالحي لدول الخليج مع إيران ومن هو في محورها من دول عربية، وتصويره بأنه جهد يصب في تقليل النفوذ الإيراني في الدول العربية، ففي هذا الشأن قال، كاتب مختص في شؤون الشرق الأوسط والخليج العربي، “نضال السبع”، إن زيارة مدير الاستخبارات السعودية الى سوريا، هي نقطة تحول قد تُقلص الدور الإيراني في دمشق وبيروت. وهذا التفسير منافي لما يتم تسريبه من معلومات حول الاتفاقات الإيرانية السعودية. وكأنه يضحك على ذقون الشعب العربي، ولا يدري أن الشعوب العربية تعرف لعبتهم وتدرك مدى الخراب الذي جلبته سياسات هؤلاء الأمراء الارتجالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق