تقارير

بن سلمان ينقلب على توجهاته السياسية والدينية السابقة، ويسوق التبريرات لحالة التعثر في اقتصاد المملكة

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

جاء حديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد صمت طويل أمتد طيلة الفترة السابقة بعد وصول جو بايدن لسدة الرئاسة في واشنطن، لكن قريحته للكلام تفتقت أخيرًا، بعد أن ضمِن أن الإدارة الأمريكية، سوف لن تكون حائلًا بينه وبين تولي عرش المملكة، وستبقى تتعامل معه مهما كانت الاعتبارات.

هذا ما جاء صريحًا عبر تصريحات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، حينما قال، أن “ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان سيقود بلاده لفترة طويلة، وعلى الولايات المتحدة التعامل معه ومع قادة دوليين آخرين يمكن أنهم قد قاموا بأمور قد نرفضها أو نستهجنها ولكن نقوم بها لدفع مصالحنا وقيمنا”.

فأستغل ذكرى مرور خمس سنوات على إطلاق رؤية المملكة 2030 ليسجل هذا اللقاء، ليبين لنا سياسته المستقبلية بجوانبها الثلاث، الاقتصادي والسياسي وحتى الجانب الديني، أوضح من خلالها، استعداده للتعامل بروح الانفتاح على الثقافة الغربية، وأن تعامله مع الدين الإسلامي، سيكون بالطريقة التي لا تزعج أمريكا والغرب، ويعطي رسالة واضحة لهم، بأن رهانكم على شخص بن سلمان، سيكون رهانًا ناجحًا، وسيفعل كل ما يُطلب منه في هذه الجوانب الثلاثة، طالما كان على رأس الحكم في المملكة.

ماذا كان طروحات بن سلمان في الجانب الاقتصادي؟

على الرغم من أن الجانب الاقتصادي، يمثل أحد الجوانب الحساسة لأبن سلمان، بسبب تقديمه للوعود الكثيرة، التي يمكن وصفها، بأنها وعود حالمة وخيالية وغير واقعية. فقد حاول بن سلمان، من خلال ذكره لأرقام ليس لدينا ثقة في دقتها، حاول تصوير رؤيته لعام 2030، أنها ماضية من نجاحٍ إلى نجاح، وانها ستنقل المملكة من مرحلة الاعتماد على النفط، إلى مرحلة الاستثمار وعدم الاعتماد على النفط تمامًا، لكن مع ذلك، فأن جميع مراكز الدراسات المتخصصة بالاقتصاد، ذكرت تحفظاتها العديدة على هذه الخطة، وقدَّرت بأنها خطة محفوفة بالمخاطر، ومن الصعب الوصول لأهدافها كما يدعي بن سلمان.

وقام بن سلمان بذكر الأسباب التي دعته للإقدام على خطة ما يسمى برؤية 2030، وكيف أن الرؤية كانت بسبب إن النفط الذي كان يؤمن ويغطي جميع احتياجات المملكة في فترة بداية القرن الماضي حينما كان عدد نفوس المملكة لا يتجاوز الثلاثة ملايين، لم يعد كذلك، حينما وصلنا إلى العشرين المليون نسمة وأكثر، وأصبحت واردات النفط تكفي بالكاد احتياجات سكان المملكة المتزايد بشكل سريع، وذكر أيضًا، أن خشية المملكة من مستقبل النفط، وأسعاره التي تتهاوى بشكل مستمر، بسبب قلة استهلاكه واعتماد العالم على الطاقة البديلة. ومن متابعة حواره عن هذا الموضوع، تجد أن كلامه إنشائي، تعمد عدم الخوض في شرح الأسباب الحقيقية التي دعته لاعتماد خطط خيالية محفوفة بالمخاطر، بدلًا من أن يعتمد خططًا طموحة ومدروسة بعناية، فيها الحد الأدنى من تجنب المخاطر، كما تفعل جميع دول العالم.

ولأجل أن يقنع السامع بنجاح رؤيته، بدأ يستعرض بعض الأرقام، التي لا أحد يعرف مدى صدقها، لأنها ببساطة، تتعارض مع التقارير الاقتصادية الدولية ذات الموثوقية العالية. فيقول بن سلمان، بأن المملكة وعبر هذه الرؤية استطاعت حل مشكلة الإسكان ورفعت نسبة الإسكان من 40%، إلى 60% خلال السنوات الأربع الأخيرة. فيما نما اقتصاد المملكة غير النفطي، بمقدار 4.2% عام 2019، ولولا الجائحة لكان قد وصل إلى 5% في السنة التالية.

أما البطالة، فقد كانت في بداية الرؤية بنسبة 14%، لكنها وصلت في الربع الأول من عام2020 إلى 11%، وبسبب جائحة كورونا، رجعت نسبتها عام 2021 إلى 12%، ويعتقد بن سلمان، بأن هذه النسبة سوف تصل 7% عام 2030. وأستمر بن سلمان بقراءة الأرقام، ليقول، بأن صادرات المملكة غير النفطية، قد ارتفعت من 166 مليار ريال، إلى 350 مليار ريال، فيما تضاعفت الاستثمارات الأجنبية ثلاث مرات أو اكثر وقفزت من 5 مليار دولار سنويًا، إلى 14 مليار سنويًا. لكن كل هذه الأرقام التي أوردها، لا يوجد ما يعضدها من مصادر اقتصادية محايدة.

وقام بن سلمان بتسويق التبريرات التي جعلته يتخلص من العديد من الوزراء والموظفين الكبار في الجهاز الحكومي بحجة عدم كفاءتهم، لكن الحقيقة إن سر التخلص منهم هو عدم التأكد من ولائهم. حيث قال، أن 80% من الكادر الحكومي، من وزراء ومدراء عامين، هم غير كفؤين ولا يصلحون وعملنا على استبدالهم بأشخاص أكثر كفاءة حسب رأييه.

أما حديثه عن صندوق الاستثمارات، والذي هو حجر الزاوية في رؤية 2030 الخيالية، فقال، إن الصندوق حقق ربحية 2-3% حاليًا، لكننا نطمح للوصول إلى ربحية بنسبة 6-7%، وقال أن الصندوق ينفق حاليًا 160 مليار ريال كاستثمارات داخل المملكة، بينما الميزانية الدولة هي 150 مليار فقط، بما يعني أن الصندوق ستكون إدارته للاقتصاد السعودي بأكبر من ميزانية الدولة نفسها. وحينما تم سؤاله عن الكيفية التي يؤمن بها السيولة المالية لهذا الصندوق، فأجاب بشكل ضبابي وقال، بأنه سيعتمد في ذلك على بيع أصول الدولة وأصول الاستثمارات التي يقوم بها الصندوق.

الجانب السياسي من اللقاء

وفي حديثه عن سياسة المملكة المستقبلية، فقد فجر بن سلمان مفاجأة نسفت كل سياساته التي كان يعتمدها طيلة السنوات الخمسة الماضية، وخاصة بما يخص عدائه للنظام الإيراني، ففي هذا الشأن، أبدى بن سلمان رغبته في بناء علاقة جيدة من إيران، ووصفها بالدولة الجارة، ونطمح لإقامة علاقة طيبة ومميزة معها، وأن خلافات المملكة مع إيران، لا تتعدى سوى انزعاج المملكة من بعض تصرفاتها السلبية، مثل برنامجها النووي، أو دعمها لمليشيات خارجة عن القانون ببعض دول المنطقة، أو برنامجها للصواريخ الباليستية. متناسيا تصريحاته عام 2016، التي قال فيها أن من المحال قيام علاقات طبيعية مع النظام الإيراني.

هذا الموقف الجديد لأبن سلمان، له ما يعضده من شيوع الاخبار عن المباحثات التي تقوم بها المملكة مع إيران في بغداد عبر الوسيط العراقي، وفي سلطنة عمان أيضًا، والتي تأتي بشكل مباشر كنتيجة للخسائر العسكرية التي تلقاها في حرب اليمن، وتعرُض العمق السعودي لضربات الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية.

المحور الديني من لقاء بن سلمان التلفزيوني

أما فيما يتعلق بعلاقة المملكة بالدين، فقد قام بن سلمان بتوضيح ذلك خلال المقابلة، وقال أن دستورنا كان ولا يزال هو القرآن وسيستمر، لكن لا يجب أن تطرح عقوبة شرعية دون نص قرآني واضح، أو نص من السنة، وقال، أن الحكومة ملزمة بالحديث المتواتر في الأمور الشرعية، وتنظر إلى حديث الآحاد، لكنه لا تنظر للخبر إلا بحالات خاصة. وزاد من وضوحه، قائلًا، بأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لو خرج من قبره ووجدنا نؤلهه ونطبق نصوصه دون اجتهاد، لرفض الأمر. هذا التفسير، جعل الكثيرون يرون أن بن سلمان، ذاهب إلى قطيعة مع المذهب الوهابي وتطبيقاته في المملكة، كما أنه ذاهب إلى تجريم أي شخص يحمل فكرًا مخالفًا لتوجهات بن سلمان الجديدة، حينما قال، “أي شخص يتبنى منهجا متطرفا حتى لو لم يكن إرهابيا فهو مجرم”، لكنه بنفس الوقت، لم يعرف ما هو معنى التطرف وفق مفهومه.

ما هي ردود أفعال الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي؟

وفي تعليقهم على لقاء بن سلمان على قناة تلفزيونية تابعة للنظام السعودي، وصف عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها عبارة عن حملة لترويج الأكاذيب ليس أكثر. فيما ذهب أخرون للسخرية من أقوال بن سلمان حول إبداء استعداده لتكوين علاقات طيبة مع إيران، في الوقت الذي دخل بسبب خلافاته مع إيران، حربًا في اليمن دامت 6 سنوات، خلفت أسوء أزمة إنسانية عرفها العالم في عصرنا الحديث. فيما رصد ناشطون آخرون، مقارنات بين تصريحات ولي العهد في السابق تجاه إيران و”الحوثي” في السابق، وبين نبرته في الحديث عنهم خلال لقائه الأخير والدعوة للتصالح والقول إن الحوثي “مكون يمني”.

وسخر ناشطون من حديث ابن سلمان عن البطالة، وزعمه بأن المملكة تهدف لخفضها إلى 11% هذا العام، وكتب الناشط معن الشريف: “الكذاب محمد بن سلمان يقول البطالة في بداية الرؤية كانت 14 بالمائة من وين جاب الرقم هالكذاب؟!”، موضحا أن هيئة الإحصاء وكل خطط رؤية 2030 تذكر أنها كانت 11.6 بالمائة وبعد مراجعة معدلات البطالة الحكومية منذ عام 1999 كلها لم تتجاوز حتى 12.4 بالمائة”.

حركات غريبة على بن سلمان تم رصدها أثناء المقابلة

ومن الأمور الملفتة التي شهدها اللقاء، هي الحركات الغريبة والملفتة التي كان يقوم بها بن سلمان أثناء حديثه خلال اللقاء، وهي حركات لاإرادية ظهرت على وجه الأمير، بدا أنه لم يستطيع التحكم فيها، فهل يعاني ابن سلمان من مرض عضوي أو نفسي تسبب تلك الحركات؟ بالمقابل، خرجت أنباء حول إصابة بن سلمان بمتلازمة توريت، وأنها هي السبب في الحركات اللاإرادية تلك. ومتلازمة توريت، هي عبارة عن اضطراب يشمل قيام عضلات الجسم بحركات متكررة، أو أصوات غير مرغوب فيها تحدث بشكل لا إرادي ولا يمكن السيطرة عليها بسهولة، ويمكن تلخيص أعراض هذا المرض، بحركات مفاجئة، مختصرة ومتقطعة لا إرادية، أو أصوات لا إرادية، انتفاضة الرأس، هز الأكتاف، حركة العين بسرعة غير معتادة، وحركات الفم ونفضان الأنف. لكن هذه الأعراض تعتبر أعراض بسيطة لهذا المرض، فيما هناك أعراض تحتاج لتداخل طبي، منها لمس الأشياء، شم الأشياء، تكرار حركات معينة بطريقة ملحوظة، المشي بطريقة معينة، إطلاق إشارات بذيئة، الإنحناء بشكل لا إرادي، الالتفاف بشكل لا إرادي، القفز بشكل لا إرادي، تكرار كلمات وعبارات أحد الأشخاص. لكن مع ذلك لم يعلن الديوان الملكي أو اية جهة رسمية عن إصابة ولي العهد السعودي بأي مرض ومن أي نوع كان، لكن الحركات التي كان يكررها واضحة لكل من تابع اللقاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق