تقارير

بعد اليأس التركي من انفراج العلاقة مع المملكة أنقرة تشتكي الرياض أمام منظمة التجارة العالمية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

بعد طول صبرٍ من الجانب التركي دام ما يزيد عن ثمانية شهور، على الممارسات التي تقوم بها السلطات السعودية ضد دخول البضائع التركية، وقيامها بتنظيم حملات رسمية لمقاطعة المنتجات التركية ومنع دخولها لإراضي المملكة، وإضفاء الطابع الشعبي على تلك المقاطعة الحكومية. كان لا بد من الجانب التركي أن يعرض شكواه ضد تصرفات المملكة، على منظمة التجارة العالمية. ففي هذا الشأن نشرت صحيفة “صباح” التركية، إن أنقرة قامت بتقديم شكوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية ضد حملة السعودية لمقاطعة البضائع التركية، والتي أدت إلى تقيّد حركة التجارة بين البلدين. وأشارت الصحيفة، بأن الشكوى التركية تضمنت طلبًا من السلطات التجارية في المملكة، بالإفراج عن شاحنات البضائع العالقة في الجمارك السعودية.

ونقلت الصحيفة عن وزيرة التجارة التركية السابقة روهصار بكجا قولها، بأن السعودية ومنذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، علَّقت عددًا من الواردات من تركيا، كالبيض والحليب واللحوم البيضاء وغيرها، فيما أبقت على العديد من المنتجات التركية معلقة في الجمارك. وأكدت الوزيرة السابقة، بأن السلطات السعودية لا تزال تقوم بممارسات سلبية ضد الصادرات التركية.

ولأجل هذا، قامت تركيا حسب ما صرحت به الوزيرة التركية بكجا، باتخاذ الإجراءات اللازمة وعرضها على منظمة التجارة العالمية لإيجاد حل للمشكلة. يُذكر أنه وبموجب قواعد منظمة التجارة العالمية والتي ينضم البلدان لعضويتها، فيمكن لأنقرة الاختصام لدى المنظمة ضد الرياض، والسعي للحصول على تعويض عن الخسائر المسجلة في حال تمكنت من إثبات وجود تكتيكات سعودية غير مجازة ضد الشركات التركية. من جانبها، قالت وكالة بلومبرغ الأمريكية، إن رجال أعمال أتراك، أكدوا أن السلطات السعودية قامت في الآونة الأخيرة بتكثيف إجراءاتها، لتقليص حجم الواردات التركية إلى السعودية. وأشاروا، إلى خطورة الإجراءات السعودية التي لا محالة إنها ستضر بسلاسل التوريد العالمية حسب رجال الأعمال الأتراك.

مقاطعة البضائع التركية تتخذ أشكال عديدة

لم تقتصر إجراءات السلطات السعودية على التضييق على دخول البضائع التركية، وتصعيب إجراءاتها الجمركية، وتأخير الشاحنات المحملة بالفواكه والخضروات الطازجة التركية على المعابر الحدودية، للدرجة التي تتسبب في تلف تلك المحاصيل الزراعية بحسب ما ذكره موقع ميدل إيست أي البريطاني. لكن أجراءً إضافيًا قامت به السلطات السعودية ضد الواردات التركية، حينما قامت بإجبار الشركات السعودية على توقيع خطابات رسمية تلزمهم بعدم استيراد البضائع التركية، وقد استشهد بذلك رؤساء مجموعات تجارية تركية، لكي يثبتوا أن مقاطعة البضائع التركية، هو بإرادة مبيته من السلطات السعودية. لم يقتصر الأمر على ذلك، أنما قامت السلطات السعودية، باستبعاد جميع المقاولين الأتراك من المناقصات الكبرى في المملكة.

من جانبها أشارت الشركات التركية العاملة في مجال الحاويات والشحن في العالم، بشأن احتمال انقطاع الإمدادات. وأوردت في بيان لها، تغريدةً على موقع تويتر نشرها رئيس مجلس إدارة مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية عجلان العجلان، يحضُّ فيها الشركات السعودية على مقاطعة الواردات من تركيا. ونبه بيان مشترك وقعه صناعيون ومصدرون ومقاولون ورؤساء نقابات أتراك، بأن المسألة تجاوزت موضوع العلاقات الاقتصادية الثنائية، لتصبح مشكلة في سلاسل التوريد العالمية.

وفي هذا الشأن، ذكرت صحيفة “زمان” التركية المعارضة، بأن حجم الصادرات التركية إلى السعودية، يكاد يقترب من “صفر” حاليًا، بينما كان يقدر بنحو 3.3 مليارات دولار سنويًا ما قبل المقاطعة. وتحتل السعودية المركز الـ 15 في قائمة أكبر أسواق الصادرات التركية، حيث بلغت مبيعاتها التي تتصدرها السجاد والمنسوجات والكيماويات والحبوب والأثاث والصلب، 1.91 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، وهذا يمثل انخفاضا بنسبة 17% عن عام 2019، رغم أن بعض هذا الانخفاض يعزى إلى وباء كورونا الذي ضرب التجارة العالمية، ومع ذلك، تظهر الإحصاءات السعودية أن قيمة الواردات التركية كانت تتراجع بالفعل كل عام منذ 2015.

وتدعم حملة المقاطعة للمنتجات التركية، شخصيات شبه رسمية في السعودية، بحجة أنها ردًا على ممارسات تركيا المعادية لبلدهم قيادة وشعبًا. في الوقت الذي تنفي السلطات السعودية الرسمية، صدور أي قرار رسمي بحظر دخول البضائع التركية إلى المملكة، خشية من العقـوبات التي يمكن أن تفرضها منظمة التجارة العالمية بحق المملكة، حال ثبوت مخالفاتها للأحكام الملزمة في اتفاقيات التجارة الدولية.

أفول نجم العلاقات التركية السعودية المتوقع

رغم أن انفراجه في العلاقات التركية السعودية سبقت اتفاقية العلا بين الرياض والدوحة، بعد أن كانت متأزمة إثر اغتيال جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول. لكن هذه الإنفراجه لم تسفر حتى الأن عن شيء، وبقيت تراوح مكانها، رغم الرسائل الإيجابية المتبادلة بين الطرفين. وكان من المفترض أن تحصل لقاءات على مستوى التقنيين في البلدين، لكنّ ذلك لم يحصل. وعلق وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو على ذلك بالقول، “لا يوجد أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وفي حال أقدمت المملكة على خطوات إيجابية فسنقابلها بالمثل”.

لكن وبدلاً من أن نشهد تقدّماً، تفاجأ البعض بالتقارير التي تتحدث عن استمرار عرقلة السلطات السعودية للتجارة مع تركيا والضغط على التجار السعوديين لمقاطعة المنتجات التركية. مما يعني أنَّ لا تغير قد حصل على الموقف السعودي تجاه تركيا، الأمر الذي دفع تركيا لتقديم شكوى ضد المملكة عند منظمة التجارة العالمية.

ويرجح أن أسباب توقف تطبيع العلاقات التركية السعودية في الوقت الراهن يرجع لعوامل عديدة أبرزها، أن التقارب السعودي من تركيا، كان بالأصل ناتجًا عن إعادة تموضع للجانب السعودي مع مجيئ إدارة جو بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة، وبالتالي فان القيادة السعودية كانت تحتاج لحلفاء جدد للتصدي لسياسات بايدن في المنطقة لا سيما وأن تركيا هي أيضًا غير سعيدة بقدوم بايدن. وكان بن سلمان يتوقع ضغوطًا أمريكية شديدة على المملكة، لكن تبين بعد ذلك، أن الضغوط الأمريكية ليست بالسوء الذي كانت يتوقعه بن سلمان، وبالتالي فهو غير مضطر لتطبيع العلاقات مع تركيا.

الأمر الأخر الذي يفسر السر في سوء العلاقة التركية السعودية بعد الآمال الكبيرة بانفراج العلاقات بين الجانبين، أن المملكة وبقيادة ولي العهد بن سلمان، ورغم الخلافات بين مصالح بن سلمان ومصالح حكام الإمارات، إلا أن محمد بن زايد حاكم أبوظبي، ما زال يمتلك قوة التأثير الكافية على تغيير سياسات المملكة عبر تأثيره على ابن سلمان، وحسابات أبوظبي تقتضي بأن تذهب الرياض تجاه “إسرائيل” وليس تركيا.

كما أن الخلاف بين الملك وأبنه في السياسات الخارجية، ربما يكون لها دور في التقارب من أنقرة أو الابتعاد عنها، ففي جميع الحالات التي شهدت بعض الانفراجات بين البلدين، كان الملك سلمان هو من يقوم بها، لكننا لا نكاد نرى الملك سلمان في مراحل تشنج العلاقات مع أنقرة أو توقفها، الأمر الذي يعني أن ولي العهد غير راغب في تطوير هذه العلاقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق